2013-04-03, 23:40
|
رقم المشاركة : 1 |
إحصائية
العضو | | | الكتاب المدرسي وعلاقته بالرؤية الثقافية الإيديولوجية | الكتاب المدرسي وعلاقته بالرؤية الثقافية الإيديولوجية يعَدّ الكتاب المدرسي عاملا من عوامل نشر الثقافة بمفهومها الواسع، وهو كذلك، وسيلة لبسط منظومة معينة من القيم. وحتى نزيد ما نقول بيان لا بد من العودة إلي الأصل في تبني فكرة كتاب مدرسي وحيد مُوجّـَه للجميع.. لقد ظهر أول ما ظهر في أوربا ابتداء من نهاية القرن الـ17 داخل ما كان يسمى آنئذ «المدارس الدينية»، التي كانت تشرف عليها جماعات من الرهبان. وارتباطا بهذه الثقافة الدينية فإنه كان في الغالب يتبنى منهجية «سؤال -جواب» ويرتكز في تقديمه، أساسا، إلى المعارف على خاصية الحفظ والتخزين في الذاكرة.. ولنا أن نتصور الغاية أو الغايات من وراء ذلك آنذاك. ولعلّ الهدف الأسمى كان هو السعي إلى تشكيل شخصية المتعلم حسب نمط مُعيّـَن والى توحيد جميع الرؤى وعدم أعمال الفكر والعقل في المادة التعليمية المُقدَّمة لجعلها تكتسي طابع الصواب المطلق وما دونها صبغة الخطأ المطلق، ويكفي الرجوع هنا إلى تاريخ أوربا المسيحية للتأكد من صحة هذا الطرح: محاكم التفتيش ومحاربة العلماء وتقتيلهم بحجّة انهم يأتون بـ»البدع» كفكرة حركية الأرض، فكرة أورربا هي مركز العالم، والغرب هو مصدر الحضارة، في مقابل الشرق المتوحش والمخيف ...
وإذا كانت هذه هي منطلقات وضع الكتاب الوحيد في أوربا فهل هذه الأسباب ما زالت قائمة في ظل العولمة والطرق السيارة للمعلومات وثقافة حقوق الإنسان ونظرية النسبية؟ بالتأكيد لا، كما أنه لا بد من الإقرار بحصول تطور كبير في ما يخصّ الكتاب المدرسي حاليا، سواء في أوربا أو في بعض البلاد الأخرى، ومع ذلك لا بد من الاحتراز وتوخّي الحذر عند وضع أيّ كتاب مدرسي، خصوصا في ما يتعلق بالمضامين الثقافية والقيمية التي يواكبها وينشرها في صفوف الطلاب والتلاميذ، على مختلف أعمارهم ومستواهم .
ثم إن الطريقة التي تقدم بها المعارف في كتبنا المدرسية باتت هي الأخرى متجاوزة حيث ينبغي مراجعتها وضبطها وفق ما حققه العلم الحديث من نتائج في مجال اكتساب المعارف وبنائها ذهنيا ( انظر بهذا الصدد ما تقوله الدراسات اللسانية والتوليدية منها على وجه الخصوص ثم ما يقوله علم النفس التربوي والبنائي منه تحديدا ) . و أول سؤال يتبادر إلى أذهاننا هو هل المعرفة خطية وتراكمية بل تراتبية بالشكل الذي يقمها به الكتاب المدرسي بمعنى آخر هل المدرس مجبر على التعامل مع الكتاب المدرسي حسب الترتيب المقدم إليه. خلاصة: في الختام، نرى أنه عند وضع أيّ كتاب مدرسي لا بُدّ من مراعاة شروط نـُجملها، تمثيلا لا حصرا، كآلاتي:
1- اعتماد نصوص ومضامين حية غايتها تمكين الطالب من ثقافة بلده وخصوصيات شخصيته (أو هويته بمعناها الدينامي إنْ شئنا)؛
2- اعتماد محتويات تهدف إلى إعمال الفكر النقديّ وإبداء الرأي وتقليص مساحة المطلق: نصوص تستند، مثلا، إلى فكر الأنوار وكذا إلى الفترات المضيئة من تاريخ أمّتنا؛
3- اعتماد مضامين حقيقية حول ثقافة حقوق الإنسان والمناصفة والسّعي إلى ترسيخ قيم كونية في هذا المجال ؛
4- تقديم أنشطة ذهنية متنوعة (وليس تمارين بالمفهوم التقليدي) تروم إشراك التلميذ في بناء معرفته: التنوع كمّا ونوعا وتعقيدا ؛
5- الاهتمام أكثر بمجال الصورة والعمل على تمكين المتعلم من وسائل تحليلها وقراءتها والإحاطة بأبعادها وتحديد أهدافها، خصوصا أننا نعيش في عالم أضحى من أهمّ مميزاته خطاب الصورة؛
- 6 تجاوز فكرة الكتاب المدرسيّ والاستعاضة عنه بوسائل مُتعدّدة: كتب أخرى، وسائط متنوعة ...
- 7 احترام الخصوصيات الجهوية والمحلية أثناء وضع المضامين ؛
- 8 الاهتمام بالحيّز المكاني الذي ينبغي تخصيصه للاصطلاحات والمفاهيم العلمية في كتبنا: فتلميذنا يعاني فقراً مدقعا مقارنة مع تلقاه التلميذ الغربيّ من كتبه المدرسية، ويمكن أن نجعل من الكتب الأدبية بهذا الخصوص مجالا معينا وتكميليا للكتب والمواد العلمية، مع الحرص على وضع المقابلات الأجنبية أمام المفاهيم العلمية المعربة ..
وقبل الختام، نطرح السؤال التالي: هل ما زال للكتاب المدرسي اليوم مكان في محيطنا، الموسوم بثورة معلوماتية لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية؟
سيكون الجواب، لا محالة، وعلى عكس ما قد يتوقعه البعض، بالإيجاب لأسباب متعددة، نذكر منها:
-أولا: إن الكتاب المدرسي ليس تابثا وغيرَ قابل للتطوير والتطويع والتكييف؛
ثانيا: إن من شأن استعماله بكيفية مُثلى تثبيت المعارف والمعلومات لدى التلاميذ، خصوصا في وقتنا الراهن، حيث يخضع هؤلاء لزخَم هائل من المعلومات المُتفرّقة والمشتتة وغير المتحكـّـَم في أبعادها العلمية والأخلاقية والإيديولوجية ...
ثالثا: إنّ إمكانية اقتنائه من قِبَل أكبر عدد ممكن من التلاميذ تجعل منه الوسيلة الأكثرَ ديمقراطية لنشر المعرفة، خصوصا في البلدان الثالثية، كما هو حال بلادنا، حيث المقروئية جد محدودة خارج الكتب المقررة في المؤسسات التعليمية.
ب. أبو أمين
باحث في التربية | : منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=635751 |
| |