الرئيسية | الصحيفة | خدمات الإستضافة | مركز الملفات | الحركة الانتقالية | قوانين المنتدى | أعلن لدينا | اتصل بنا |

أفراح بن جدي - 0528861033 voiture d'occasion au Maroc
educpress
للتوصل بجديد الموقع أدخل بريدك الإلكتروني ثم فعل اشتراكك من علبة رسائلك :

فعاليات صيف 2011 على منتديات الأستاذ : مسابقة استوقفتني آية | ورشة : نحو مفهوم أمثل للزواج

العودة   منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد > منتديات التكوين المستمر > المنتدى العام للتكوين المستمر


المنتدى العام للتكوين المستمر فضاء عام يساعدكم على حسن الإستعداد للامتحانات المهنية كما يمدكم بمختلف مراجع التكوين المستمر ...

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 2009-11-29, 10:23 رقم المشاركة : 1
ابن خلدون
بروفســــــــور
إحصائية العضو







ابن خلدون غير متواجد حالياً


الوسام الذهبي

وسام المراقب المتميز

افتراضي الحرمان الثقافي ودوره في تخلف الأداء




الحرمان الثقافي ودوره في تخلف الأداء

بقلم : محمد أبو غيور

مــقـــدمة :
يطلق مفهوم الحرمان الثقافي على حالة تعيشها بعض فئات البشر، كالأطفال الذين ينشؤون في مؤسسات الأيتام أو دور الأطفال والطالبات وما شابه ذلك.
ولقد رأينا في هذا البحث أن نوسع المفهوم ليشمل حالة نسبية من الحرمان علاوة على حالاته القصوى- وسنوضح ذلك فيما بعد-
وسنحاول دراسة تأثير الحرمان الثقافي على ثلاث جوانب من السلوك البشري هي: النمو المعرفي ، والنمو الدافعي ، ونمو اللغة، ولقد اخترنا هذه الجوانب لأهميتها الكبيرة في المساهمة الاجتماعية والعامة للأفراد والفئات في عملية التنمية . فإذا كان الفرد متخلفا معرفيا، فإنه لن يكون قادرا على المساهمة الفعالة والكفؤة في تنمية مجتمعه، وإذا كان الدافع للإنجاز ضعيفا لديه فإنه لن يسهم بشكل فعال في عملية التنمية حتى لو توفرت لديه بقية المتطلبات. أما النمو اللغوي فله علاقة وثيقة بالذكاء من جهة، كما أن له علاقة وثيقة بالنمو المعرفي أيضا، هذا علاوة على أن اللغة أداة فعالة في التواصل الاجتماعي، ووسيلة استلام المعلومات من الآخرين وتوصيلها إليهم، وأداة فعالة في تنسيق العمل.

والتخلف مسألة نسبية، وكل ما نرمي إليه هو أن بلوغ مستويات أفضل في الأداء يحقق وثيرة أسرع لعملية التنمية. ولا يتحقق الأداء الأفضل إلا إذا توفرت في البيئة الظروف المناسبة لتطوير الأداء في الفرد.
هناك حلقة مفرغة دون شك، ولكن هذه الحلقة قابلة للكسر، والخروج من طوقها ليس مستحيلا، ولكنه ليس سهل المنال أيضا.
فالتخلف الحضاري يولد ظروفا غير صالحة لتطوير الأداء ، وتخلف الأداء يكرس التخلف الحضاري. ولكن التنمية تتحقق في المجتمعات، وتطوير الأداء ممكن كوسيلة لبلوغ أفضل وثائر التنمية.
ينطلق هذا البحث من عدد من المسلمات التي سنطرح قسما منها فيما يلي. وبقي الآخر ضمنيا للضرورة والوضوح. والموقف العام للباحث متحيز لتأثير البيئة، ومتفائل في القدرة على تحسينها من اجل الحصول على إنسان أكثر إنسانية وأفضل قدرة وفعالية لبناء المجتمع الجديد. والإنسان هو هدف عملية التنمية الاجتماعية وهو أداتها. ومتى توفرت الإرادة لدحر عوامل التخلف، فإن التخلف في طريقه إلى الزوال.

مسلمات:
1- أن الطفل كائن عضوي فعال، بتفاعل مع العالم الذي يعيش فيه، وهو ينضم المعلومات التي يكونها عن هذا العالم، وطبيعة استجابة العالم لتصرفاته. وتزداد معلوماته وتنتظم من خلال استمرار الاحساسات والمدركات القادمة إليه من العالم الخارجي والعالم الداخلي ، وهو عندما ينظم المعلومات عن هذا العالم، فإنه لا يعتمد على الخبرات الحسية وحدها.
2- بما أن مدركات الطفل ومعارفه تتأتى عن طريق خبرته بالعالم وتفاعلاته معه، فإن الطفل الذي ينشأ في بيئة لا تستجيب له ، ولا تقدم له ما يكفي من المعلومات، فإن نموه العقلي والفكري يكون في أغلب الاحتمالات ضعيفا، فالطفل لا يستطيع التعرف على الأماكن والأشياء والناس حتى يتعامل معها. وكلما كانت البيئة الطبيعية أكثر استجابة له، كلما ازدادت خبرته بها. وكلما كانت البيئة الاجتماعية أكثر استجابة له كلما كان الطفل أكثر قدرة على فهم تصرفات الناس وأفكارهم ومشاعرهم.
3- تدل الدراسات على أن الحرمان في الطفولة المبكرة، حتى بين الحيوانات من عناية الأم أو بديل عن الأم يؤدي الى نتائج انفعالية بالغة الأهمية على موقف الطفل من العالم الخارجي واستلام المعلومات منه. كما تدل الدراسات على البشر بأن الأطفال الذين ينشأون في المؤسسات التي تعنى بالأيتام يعانون من أزمة انفعالية حادة تؤثر في إدراكهم للعالم المحيط بهم واستلام المعلومات منه، وتتميز حالتهم عادة بعدم الاهتمام بما يدور حولهم والتمركز حول الذات ، ويؤثر ذلك بطبيعة الحال في تسلم المعلومات من العالم الخارجي، مما يؤثر سلبا في النمو العقلي للطفل.
4- تتباين البيئات في مدى تعقيد التنبيهات التي تقدمها للطفل وتنوعها، وعندما تقدم البيئة للطفل تنبيهات مناسبة في تعقيدها وتنوعها ، فإنه يستلم تلك التنبيهات وينظفها. وتكون التنبيهات التي يستجيب لها الطفل في بداية حياته منظمة على ثلاث محاور لدى الطفولة المبكرة.
وهي : الطعام والإبراز والاستجابة الاجتماعية ، ولكنها سرعان ما تمتد لتغطي مهام الحياة الأخرى، وعندما تكون التنبيهات المقدمة له معقدة ومتنوعة جدا فإنه ينصرف عنها أيضا لأنه لا يستطيع استخلاص المعلومات منها، وغالبا ما ينام - أي يغلق حواسه عنها - عندما يجابه بهذه الظروف.
5- هناك مدى من التعقيد والتنوع الذي يستشير مدركات الطفل وقدراته العقلية، وعندما تقع التنبيهات ضمن ذلك المدى نقول ان البيئة تقدم تحديا عقليا للطفل.
6- عندما تكون التنبيهات التي تقدمها البيئة بسيطة للغاية ( تقع دون مستوى التحدي) أو معقدة تقرب من الفوضى ( تقع دون مستوى التحدي أو فوقه) فإننا نطلق على البيئة اسم البيئة المقفرة . ويعاني الطفل الذي ينشأ فيها من الحرمان الثقافي.
7- بما أن المجتمعات البشرية والمناطق الجغرافية تختلف فيما بينها من حيث مدى الاثارة التنبيهية التي تقدمها للطفل خلال نومه ، فإنها تتباين في مدى إقفرارها أو ثرائها، وبالتالي في مدى الحرمان الثقافي الذي يعاني منه الأطفال الذين نشأوا فيها وعلى العكس من ذلك مدى إكتفاء الأطفال بالاثارة العقلية التي تقدمها البيئة الثرية.
ومن الجدير بالذكر أننا لا نرى ان البيئات الثقافية يمكن ان تقسم ببساطة الى بيئات مقفرة وأخرى ثرية ، بل تقع في مندرج تكون فيه بعض البيئات مقفرة للغاية مثل مؤسسات الأيتام ودور الأطفال، وأخرى اقل اقفرارا، مثل بيوت الفقراء المدقعين، حتى تبلغ أكثرها ثراء ، مثل بيوت المثقفين ذوي المهن التي تتطلب مستوى عاليا من الإعداد التربوي والذين يحظون بدخل مجزي يستطيعون من خلاله تقديم شتى أشكال العناية الصحية والغذائية والثقافية لأطفالهم.

ولا نرى أن البيئات المقفرة تتوزع عشوائيا في الثقافات المختلفة بل تنتظم ضمن ثلاث محاور أو ابعاد رئيسية هي:
1- التخلف الحضاري - التقدم الحضاري :
فعلى الرغم من الصعوبات القائمة في تعريف مفهوم التخلف الحضاري ، نستطيع القول أن المجتمعات التي حظيت بالتقدم الحضاري تقدم بيئة أكثر ثراء، وعلى العكس كلما ازداد التخلف الحضاري كانت البيئة المقدمة للأطفال أكثر اقفرارا.
2- المستوى الاقتصادي والاجتماعي للعائلة ضمن الإطار الثقافي العام:
لا داعي للتدليل هنا على أهمية هذا البعد ، فمعظم الدراسات القائمة حول الحرمان الثقافي أخذت بهذا البعد . وتأثير هذا البعد واضح جدا في النمو العقلي للطفل كما سيتبين لنا من الدراسات المطروحة.
ولذا نشير إلى أن المستوى الإقتصادي والاجتماعي الفقير يقدم بيئة مقفرة، على العكس من المستوى الاقتصادي المرفه. ولابد من الاستدراك بأن العوامل التي تقع على الحدود بين الطبقات الاجتماعية، تقدم بيئة أثرى نوعا ما من البيئات التي تقدمها العوائل الأدنى أو حتى الأعلى منها ولذلك علاقة وثيقة بمسألة التسلق الطبقي.
3- بعد البادية - المدينة:
تقدم المدينة بتنوع مؤسساتها كالمتاحف والمنتهزات ، وحدائق الحيوان، والمعارض والمكتبات، ودور السينما، والمسارح... إلخ بيئة أكثر ثراء من البادية . وإذا رسمنا خارطة المؤسسات التربوية والخيرية ، فعلينا ان لا نكتفي بدراسة توزيع المدارس ، بل كافة المؤسسات التي تسهم في التطوير الثقافي للطفل حتى المؤسسات التي تبيع ألعاب الأطفال.
ولابد لنا من الإشارة أيضا الى ان هذه الأبعاد ليست أبعادا منعزلة يؤثر كل منها بمعزل عن البعدين الآخرين . اذ يتضاعف اقفرار البيئة أو ثراؤها بوقوعها في مكان معين، على كل من الأبعاد الثلاثة أنفة الذكر.
فعائلة فقيرة في بادية بلد متخلف تقدم بيئة مدقعة مقفرة على عكس من عائلة ثرية في مدينة في بلد متقدم .

8- يرتبط الحرمان الثقافي بأشكال الحرمان الأخرى ، فهناك علاقة وثيقة مثلا بين التغدية والذكاء ، وإذا كان لأي منا شك حول هذا الموضوع فعليه الإطلاع على التلخيص الممتع الذي قدمه << كرين وجماعته>> في بيئة مقفرة يكون متخلفا عن أقرانه حتى قبل الولادة إذا لم تحظ الأم بالعناية الصحية الكافية أثناء فترة الحمل، كما أن تغذيتها تكون سيئة أيضا على الأغلب . ولذلك فإن معدل وزن الأطفال المحرومين لدى الولادة يكون أقل من معدل وزن معدل الأطفال الميسورين. وتزداد نسبة الأطفال الخدج بين الفئات المحرومة، علما بأن الخديج يكون متخلفا عن أقرانه بدنيا وعقليا. ولقد تبين أن إعطاء الحوامل المحروقات والفيتامينات يؤدي الى زيادة بينة في ذكاء أطفالهن - لدى اختبارهم في سن الرابعة - ويظهر أيضا أن لسوء التغذية تأثيرات سيئة على دماغ الطفل، وغالبا ما تكون هذه التأثيرات دائمية لا يمكن تلافيها فيما بعد.

سنعالج في الصفحات القادمة تأثيرات الحرمان الثقافي على ثلاثة متغيرات ذات مساس وثيق بالأداء عامة والمساهمة في التنمية. لذلك سندرس ثأتير الحرمان الثقافي بالنمو المعرفي ، وبتطور اكتساب اللغة، وبتطور الدافعية. ولكل من هذه العوامل دور فعال في الإسهام في التنمية.
1 - الحرمان الثقافي والنمو المعرفي:
لقد أكدت الدراسات دور الحرمان الثقافي في النمو المعرفي. إذ يتخلف الطفل المحروم ثقافيا عن أقرانه تربويا. ويزداد تخلفه أكثر وأكثر كلما تقدم في مراحل الدراسة. ولقد أجريت دراسات عديدة حول نمو المفاهيم لدى الأطفال وأجريت مقارنات بين الثقافات ، وظهر أن المراحل لنمو المفاهيم واحدة لدى أطفال العالم كافة ، إلا أن الأطفال يبلغون هذه المراحل في أعمار مختلفة باختلاف الثقافات التي ينتمون إليها.
وأجريت دراسات عدة عن نمو المفاهيم لدى أطفال العرب،(راجع دراسات الفخري م 10، م11 ، م12، م13، م14، م15، وسفر م 7، والشيخ م 8، وزعرور م71، وخوري وزعرور م73 على سبيل المثال لا الحصر.)
وتبين من هذه الدراسات أن الأطفال العرب يتخلفون عن أقرانهم الأوروبيين فترات تتراوح بين السنة الواحدة والأربع سنوات في تكوين المفاهيم، ولابد أن نؤكد هنا مرة أخرى أن الفروق هذه لا تنجم عن فروق وراثية أو عرقية، بل هي فروق ناجمة عن ظروف الحرمان الثقافي النسبي. إنها فروق ثقافية تعزى لطرق التنشئة البيتية أو للجهاز التربوي نفسه.
ولقد دللت دراسات أخرى بوضوح أن الجهاز التربوي لا يمكن أن يتملص من مسؤوليته عن هذا التخلف. فالمناهج الدراسية والامتحانات الصفية تؤكد على الحفظ والتلقين ولا تؤكد على التفكير والاستكشاف والابداع.
وبالرغم من الجهود المضنية التي تبذلها الدولة في تطوير المناهج الدراسية فلا زالت هناك مجالات للتطوير نأمل أن تنال حظها من الاهتمام.
ولعل أجلى مظاهر الحرمان الثقافي في البادية هو ضعف مساهمته في إشغال مقاعد التعليم العالي ، لقد ظهر من الدراسات حول فرص الوصول إلى التعليم العالي أن البادية تحظى بنصيب أقل بكثير من نصيب سكان الحضر ، ولقلة إسهام البادية في التعليم العالي أسباب متعددة منها التخلف الثقافي وقلة المؤسسات التي تسهم في النمو المعرفي للطفل وارتفاع نسب الرسوب والتسرب من المدرسة إضافة إلى ما سنأتي إلى الحديث عنه من ضعف التحفيز الدافعي وهبوط مستوى الطموح.
هناك مؤشرا آخر حول العلاقة بين الحرمان الثقافي والنمو المعرفي يتلخص بمعدل عدد سنوات التربية النظامية التي ينالها الفرد في المجتمعات والبيئات المختلفة ، ففي البلدان النامية عموما يكون حظ الطفل من التعليم النظامي أقل من نظيره في البلدان الصناعية ، كما أن نوعية التعليم تختلف أيضا ، وينعكس ذلك في التجهيزات المدرسية (كالمختبرات) ونوعية إعداد المعلمين ومستواهم وغير ذلك من المتغيرات.

2- الحرمان الثقافي والنمو في الدوافع:
من مسلمات علم النفس أن الدوافع الاجتماعية تتشكل حسب متطلبات البيئة لثقافية التي ينشأ فيها الفرد، ولذلك فإن تنشئة الفرد منذ الطفولة المبكرة تلعب دورا بالغ الأهمية في تكوين الدوافع الاجتماعية لديه. وما يهمنا هنا في هذا البحث ليس تشكيل الدوافع الاجتماعية كافة، بل ستقتصر على دافع التحصيل وما يرتبط به من مستوى الطموح ، هناك اختلافات شاسعة بين الثقافات المختلفة في تنشئة الأطفال . كما أن الثقافات الصغرى في داخل المجتمع نفسه تختلف عن بعضها الآخر في هذا الصدد ، لقد ظهر من إحدى الدراسات أن الأطفال المحرومين ثقافيا يتعرضون لتناوب العقوبة البدنية من ناحية والتسامح من ناحية أخرى كما أنهم لا يفطمون بسرعة مقارنة بالأطفال الآخرين ويدربون على استعمال المرافق في سن مبكرة ، ويسمح لهم بأن يضعوا جداول إطعامهم وراحتهم بأنفسهم ، كما يسمح لهم بإبداء السلوك العدواني البدني ، ولا يشترط الأبوان في أطفالهم شروطا صارمة في النظافة على العكس من الأطفال من الفئات ذات الثقافة الأقل حرمانا ، ولا يخضع الطفل المحروم ثقافيا لنفس الضغط للتحصيل والنجاح الذي يخضع له الطفل من الفئة المكتفية ، كما يسمح للمراهق المحروم ثقافيا أن يمارس أمورا غير مسموح بها للأطفال الآخرين كالتدخين واستعمال ألفاظ لا يسمح بها في الكلام (المؤدب).
وهكذا يخضع الطفل من الفئات التي لا تعاني من الحرمان الثقافي لبيئة تطرح عليه متطلبات عالية ، فهو يخضع لمراقبة دقيقة من قبل أبويه وغيرهم من الكبار ، ويلح عليه الكبار بأن يبقى نظيفا دائما ، وأن يستعمل لغة (مهذبة) وأن يتجنب العراك ، ويفطم مبكرا، ويخضع لجدول إطعام متزمت ، ويدرب على استعمال المرافق بسن مبكرة وكذلك يفرض عليه جدول ثابت تقريبا فيما يخص النوم والراحة ويستعمل المنع بكثرة وفي كثير من الأمور.
لذلك تظهر على الأطفال الذين لا يعانون من الحرمان أعراض العصبية أكثر مما تظهر بين أطفال الفئات المحرومة ، ويستنتج أحد علماء النفس والتربية أن التوتر العصبي سمة عامة بين أطفال الفئات المرفهة ، ولكن ذلك لا يعني بأنهم يعانون من مشاكل في تكيفهم للبيئة ، فالطفل المتوتر عصبيا ينزع للفعالية على العكس من الطفل المتراخي المستريح، وهذا يعني بأن الفئات المحرومة لا توضع تحت ضغط عال للتحصيل والإنجاز والفعالية ، هذه هي البيئة التي ينشأ فيها الطفل حتى يدخل المدرسة الابتدائية ، ولكن ما إن يدخل الطفل المدرسة الابتدائية حتى تنقلب الآية تماما بالنسبة للطفل المحروم - لا بالبيت بل في المدرسة- فالطفل من البيئة المقفرة بحاجة إلى بيئة تربوية تتناقض مع ما اعتاد عليه معرفيا ودافعيا ، فيجد الطفل المحروم ثقافيا نفسه في المدرسة في بيئة غريبة عنه بل قد يراها معادية تماما ...فهي تتطلب منه التخلي عن كثير مما اعتاد على اعتباره أمرا طبيعيا ، وتفرض عليه أن يتصرف ضمن إطار من السلوك اعتاد أن يعتبره تصنعا ، لهذا السبب يتعرض الطفل المحروم ثقافيا إلى عقوبات مدرسية أشد وأكثر مما يتعرض له الآخرين ، ولهذه الأسباب نجد أن الغالبية العظمى من المتسربين من المدارس هم من الفئات المحرومة. ويجد المعلمون عادة أن أطفال الفئات المكتفية ينسجمون في المدرسة مع التقاليد بسهولة أكبر ، فهم أقل شجارا وأفضل تحصيلا وأكثر هدوءا وقربا من المعلمين ويتكيفون للقيم المدرسية التي تشابه القيم التي نشأوا عليها في بيوتهم.
وتشجع ألعاب الأطفال التي تعتمد على المهارة دوافع التحصيل بينما تشجع الألعاب الإستراتيجية دوافع الانصياع للجماعة ، ونجد فروقا واضحة بين الفئات الاجتماعية المحرومة وغير المحرومة في هذا الصدد ، وقد لخص ( هكوسن) الدراسات حول دافع التحصيل والإنجاز لدى الأفراد الذين ينتمون إلى الثقافات الصغرى في المجتمع ( كالطبقات والأقليات) ..ووجد بأن دافع التحصيل يكون أقوى بين الفئات المثقفة وبين ذوي المهن العليا، كما تدل أيضا على أن الأفراد الذين ينتقلون من طبقة إلى أخرى أعلى منها ، يمتلكون عادة دافعا قويا للتحصيل.
ويرتبط دافع التحصيل عادة ارتباطا قويا بمستوى الطموح ، وتضع الفئات الاجتماعية المحرومة ثقافيا لا ترى لنفسها ولأطفالها أملا في الخروج من مأزقها ، لذلك لا تطمح لأطفالنا بالارتقاء ، ولا تطرح عليهم مستويات للطموح عالية يحاولون بلوغها ، ويرتبط دافع التحصيل بدافع آخر هو دافع الاستقصاء الذي يزيد من الذخيرة المعرفية للطفل ، ويبدو أن للتنشئة الاجتماعية المبكرة دورا في نموه ، ويتطلب دافع الاستقصاء قاعدة أمينة ينطلق منها لاستقصاء البيئة المحيطة ، وتلعب الأم دورا مهما في هذا الصدد ، وفيما بعد يلعب المعلم أو المدرب مثل هذا الدور ، ولكن الظروف الاجتماعية للفئات المحرومة ثقافيا لا تسمح للأم بأن تلعب هذا الدور بكفاءة ، لذلك يتضاءل دافع الاستقصاء بين الفئات المحرومة ثقافيا ويقوى في الفئات الأخرى . ويرى أحد علماء النفس التربويين أن الفئات المحرومة ثقافيا تقف موقفا قدريا من العالم ، فبينما نجد الأطفال من الفئات الميسورة يعتقدون بأنهم قادرون على تغيير الواقع لصالحهم ، يميل أطفال الفئات المحرومة لاتخاذ موقف سلبي من الواقع ويعزون التغييرات التي تحدث فيه للحظ ، ويضيف أحد العلماء إلى أن الفئات المحرومة ثقافيا تكافح من أجل البقاء لذلك يكتسب الحاضر أهمية عظمى ، ولا يغدو الماضي أو المستقبل ذا أهمية تذكر ، بينما يتوجه الآخرون للمستقبل بمنظور تفاؤلي ، ويرتبط هذا كله بمسألة تأجيل المردود.
تخطط الفئات الميسورة لمستقبل أبنائها البعيد المدى ويدربون أطفالهم على التنازل عن الملذات الآنية مقابل مكافآت أفضل في المستقبل البعيد ، وعندما تكون الإنابة المؤجلة أمرا متداولا في حياته اليومية يغدو له أمر تأجيل بعض المردودات أمرا منطقيا ومقبولا على العكس من الطفل المحروم ثقافيا ، إنه يعيش في بيئة كفاف ، ولذلك يريد أن يستمتع بالمكافآت التي ترده حالا ، ولا يستطيع الانتظار للحصول على مردودات بعيدة المدى قد يحصل عليها أو قد لا يحصل ، وهكذا يغدو أمر التضحية ببعض المسرات الآنية بغية دخول الجامعة فيما بعد مثلا أمرا بعيدا عن المنطق فضلا عن أنه بعيد المنال.

4- الحرمان الثقافي والنمو اللغوي:
تدل الدراسات التي أجريت على الأطفال الذين نشأوا في مؤسسات الأيتام والخيريات وما يشابهها ، أن هؤلاء الأطفال غالبا ما يعانون من تأخر شديد في النمو اللغوي سواء في حجم الذخيرة اللفظية أو في مدى تعقيد الجمل التي يستعملونها أو يفهمونها أو في مدى قدرتهم على التجريد واستيعابه ، وتدل دراسة (كلميم برنكل)أننا عندما نساوي العمر والجنس والذكاء والخلفية السكنية ، فإن الأطفال الذين يدخلون رياض الأطفال يتفوقون على أقرانهم الذين يظلون في بيوتهم في جميع مقاييس اللغة ، وفي دراسة أخرى وجد باحث أن التخلف اللغوي لدى أطفال مؤسسات الأيتام يفوق أي جانب آخر من جوانب النمو نفسيا وبدنيا ، وتدلل دراسات أخرى على وجود فروق بينة في النمو اللغوي بين الفئات المتباينة الحرمان - بغض النظر عن اللهجة- ويبدو بوضوح أن الفوارق في القدرات اللغوية تتزايد بتزايد البعد بين الفئات الاجتماعية ومدى حرمانها الثقافي ، وتدلل دراسة (سمبسن) التي أجراها على نمو اللغة لدى الأطفال في سن 18-20 شهرا عل إسهام البيئة الاجتماعية في نمو الكلام وتقع الفروق اللغوية الهامة في نطق السواكن الوسطية والنهائية والحركات كما نجد فروقا بينة في طول الجملة ومدى تعقيدها ، وفي حجم الذخيرة اللفظية ونوعيتها.
وتدل دراسة أخرى أن لحجم العائلة تأثيرا بالغا على نمو اللغة لدى الطفل أيضا ، ووجد معامل ارتباط سلبي بين النمو اللغوي للطفل وحجم عائلته. بكلمة أخرى تدل هذه الدراسة أن النمو اللغوي للطفل يتأخر بازدياد حجم عائلته ، علما بأن معدل عدد أفراد العائلة في الفئات المحرومة أكبر منه في الفئات الميسورة.
وأجرى ( منشل) دراسة بارعة استعمل فيها التحليل العلمي لتنظيم عناصر القدرات العقلية لدى أطفال الفئات الميسورة مقارنة بتنظيم عناصر هذه القدرات بين أطفال الفئات الميسورة منه لدى أطفال الفئات المحرومة ثقافيا.
وتدل دراسة ( شلمان وهافكهرست) على وجود فروق كبيرة للغاية في حجم الذخيرة اللفظية بين أطفال الفئات الميسورة مقارنة بالفئات المحرومة ثقافيا هذا علاوة على اختلافها نوعيا.
وفي دراسات أخرى أجريت على المراهقين تبين أن المحرومين ثقافيا منهم يتكلمون بطلاقة أقل ويستعملون ذخيرة لفظية أضيق ويعطوم وصفا أقل دقة كما أنهم يستعملون توقفات غير قواعدية أطول وأكثر من أقرانهم من أبناء الفئات الميسورة.




الخلاصة:
يتحسن الأداء وبالتالي المساهمة في عملية التنمية عندما تتحسن الظروف البيئية وتتقلص نسبة الحرمان الثقافي إلى أقل حد ممكن.
ونستطيع أن نصل إلى هذا الهدف لدى تحقيق المساواة في الفرص، وعلى مستويات أعلى ، ولا يعني إعطاء الفرص المتكافئة الحقيقية للأطفال كافة إلغاء الفردية بين الأطفال فهناك فروق في القدرات والخصائص الجسمية والصحة والجمال لا يمكن أن تعزى للبيئة وحدها ، ولكن لا شك في أن المساواة في الفرص التربوية يعني القضاء ما أمكن على الحرمان الثقافي ويمكن أن يرفع مستويات الأداء إلى حدوده العليا وفي ذلك منفعة للمجتمع والأفراد سوية.
توصيات:
1- التربية التعويضية:
لقد ظهر من الدراسات أن التربية التعويضية يمكن أن تتلافى بعض آثار الحرمان الثقافي ، ولكن التربية التعويضية باهظة الكلفة ، لذلك تقترح بديلا لها هو التربية قبل التمدرس للفئات المحرومة ثقافيا ، على أن توضع برامجها بعناية بالغة ، وأن تعد الكوادر المخصصة لها بعناية أكبر.
2- العمل مع الفئات المحرومة ثقافيا لتحسين أساليب التنشئة :
لقد ظهر ن عدد من الدراسات أن الأمهات يتوخين لأطفالهن أفضل المستويات ، وفي إحدى الدراسات قام باحث بإعطاء الأمهات المحرومات ثقافيا تعليمات عن كيفية رفع المستوى العقلي لأطفالهن وفي نهاية السنتين أجرى مقارنة بين هؤلاء الأطفال وأطفال مجموعة ضابطة لم تعط أمهاتهن مثل هذه التعليمات فظهرت فروق واضحة لصالح المجموعة التجريبية.
3- استعمال وسائل الاعلام لرفع المستوى العقلي للأطفال:
إن كثيرا من برامج الأطفال يعد بشكل يعوزه التصميم العلمي الدقيق ولكن بعض البرامج تسهم فعلا في تحقيق هذا الهدف كما أنها وسعت من الذخيرة اللفظية للمحرومين ثقافيا ، وأثرت تأثيرا إيجابيا في معدلات ذكاء الأطفال المحرومين.
4- التوسع في نشر ألعاب الأطفال التربوية :
بما أن اللعب يتضمن الإعداد لفعاليات المستقبل سواء ذلك بالنسبة للأطفال فمن المفيد توجيه ذلك نحو رفع المستويات العقلية و المعرفية واللغوية للأطفال ، ويتطلب ذلك حسن اختيار الألعاب ونرى ضرورة تشجيع البحوث في هذا الاتجاه علاوة على دعم الابتكار في مجال الألعاب التي تسهم في رفع المستوى العقلي للأطفال.
المراجع:
1- علم النفس التربوي لرويرت تريفرز.
2- دراسة تجريبية في نمو مفهوم ثبات الكم عزيز الشيخ
3- تكوين مفهوم السرعة لدى الأطفال مركز البحوث التربوية والنفسية
4- تكوين مفاهيم الأفقية والعمودية مركز البحوث التربوية والنفسية
5- التنظيم المنطقي للاصناف مركز البحوث التربوية والنفسية
6- أثر بعض العوامل الاجتماعية الاقتصادية في تنشئة الأطفال للدكتورة أمل معروف
7- جغرافية التعليم الابتدائي للدكتور صالح الهيثي.










: منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=48243
    رد مع اقتباس
قديم 2009-11-30, 18:11 رقم المشاركة : 2
azoude
أستـــــاذ(ة) ذهبــــي
 
الصورة الرمزية azoude

 

إحصائية العضو







azoude غير متواجد حالياً


افتراضي رد: الحرمان الثقافي ودوره في تخلف الأداء


يقول المثل العربي (( فاقد الشيء لا يعطيه))
ماذا ننتظر من أسر أفرادها أميين أن يفعلوه لمساعدة أبنائهم في إنجاز الواجبات المنزلية والاعداد القبلي للدروس.
وغالبا ما يربط المستوى الثقافي الفقير للأسر بالمستوى الاقتصادي المتدني إذ يمكن للآباء الأميين أن يساهموا في ولوج أبنائهم لمؤسسات تمنح الدروس الخصوصية إن كان وضعهم المادي يسمح بذلك، في حين إن كانوا يعانون من الفقر الاقتصادي لن يتمكنوا من مساعدة أبنائهم البتة.
وأغلب الدراسات تؤكد أن المستوى الثقافي المنخفض للآباء والأمهات يؤثر سلبيا في نجاح المتعلم وتفوقه وخصوصا في البوادي، كما أن انعدام الوسائل السمعية البصرية والأنترنيت والتلفاز تساهم في الفقر اللغوي والفكري للمتعلمين.
فالفروق الثقافية بين المتعلمين يكون سببا حاسما في نجاح وتخلف المتعلمين لأن المدرسة تسعى لإكساب المتعلمبن المعارف العلمية اللازمة لتفتح شخصيتهم هذه المهمة ينسجم معها أولئك المتعلمون الذي يمتلكون استئناسا مسبقا بهده المعارف انطلاقا من وضع أسرهم الثقافي المتميز والذي يساعدهم على تجاوز عقبات الفهم والتمكن من آليات الثثقيف المتوفرة لدى تلك الأسر الميسورة أو المثقفة من كتب ومجلات وحوارات ونقاشات.






التوقيع

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ان لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
    رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are معطلة


مــــواقـــع صـــديــقــة مــــواقـــع مـــهــــمــــة خـــدمـــــات مـــهـــمـــة
إديــكـبـريــس تربويات
منتديات نوادي صحيفة الشرق التربوي
منتديات ملتقى الأجيال منتديات كاري كوم
مجلة المدرس شبكة مدارس المغرب
كراسات تربوية منتديات دفاتر حرة
وزارة التربية الوطنية مصلحة الموارد البشرية
المجلس الأعلى للتعليم الأقسام التحضيرية للمدارس العليا
مؤسسة محمد السادس لأسرة التعليم التضامن الجامعي المغربي
الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي التعاضدية العامة للتربية الوطنية
اطلع على وضعيتك الإدارية
احسب راتبك الشهري
احسب راتبك التقاعدي
وضعية ملفاتك لدى CNOPS
اطلع على نتائج الحركة الإنتقالية

منتديات الأستاذ

الساعة الآن 21:37 لوحة المفاتيح العربية Profvb en Alexa Profvb en Twitter Profvb en FaceBook xhtml validator css validator

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML
جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd