قال الله تعالى :"قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا([الإسراء : 88]
في هذه الآية يتحدى الله تعالى العالمين أن يأتوا بمثل معجزة القرآن ، والمعجزة أمر خارق للعادة يُظهره الله على يد نبي تأييداً لنبوته.
وتتفاوت المعجزات في قدرها ، فشفاء المرض العضال قد يكون معجزة ، ولكن رد البصر معجزة بلا جدال ، أما إحياء الموتى فذلك معجزة كبرى!
وقد بعث اللهُ رسوله محمدَ بن عبد الله صلى الله عليه وسلم بمكة ليجهر بدعوته إلى العالمين كافة حتى آخر الزمانويتضح عموم رسالته من قوله تعالى: (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ،ولكن أكثر الناس لا يعلمون" سبأ الآية 28
وفي الحديث النبوي الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"...وأرسلت إلى الخلق كافة ،وختم بي النبيون" أخرجه الترمذي.
فإذا بالتاريخ يعيد نفسه ، ويقف مشركو قريش ومعهم اليهود والنصارى مواقف بنى إسرائيل من عيسى عليه السلام فيطلبون منه الخوارق والمعجزات! تلك سنة الله في خلقه التي لا تتبدل ولا تتحول!.
بل سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم آيات بعينها:
" وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تفجرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا ، أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتفجرَ الأَنْهَارَ خِلاَلَهَا تَفْجِيرًا ، أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ قَبِيلاً ، أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ
تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَرًا رَسُولاً"الإسراء:90 – 93
وعلى قدر سفاهتهم في مطالبهم كان رَدُّ الله تعالى حيث وجه نبيه الكريم بالاستعلاء على جدل أولئك المنافقين وتعنتهم ، فالمعجزة الكبرى ماثلة بين أيديهم ألا وهي: " القرآن الكريم "، وفي طياته آيات بينات، كل منها دليل على
صدق الرسالة أمام كل الأجيال إلى قيام الساعة: )أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ( العنكبوت : 51
فما هي البراهين الدالة على أن القرآن الكريم هو معجزة المعجزات؟ هذا ما سنتعرف عليه انطلاقا من محورين اثنين :
الأول : أمية الرسول صلى الله عليه وسلم
قال تعالى"وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إذا لاَرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ" سورة العنكبوت الآية48
فلم يكن الرسول الكريم ليعرف القراءة والكتابة ، ولا مجرد التوقيع باسمه الشريف !؛ ولو عرف عنه شيء من ذلك ما سكت عنه المشركون ، ولا المرجفون في زمانه ، وحتى يومنا هذا ، ولأقاموا الحجة على أنه ربما ألف
القرآن بما لديه من علم وثقافة واطلاع ، أو ربما اقتبسه من دراسات اليهود والنصارى ، أو ربما اطلع على التوراة والإنجيل والزبور (المترجم: التي اختفت مصادرها الأصلية تماماً)،
أو ربما تعمق في فلسفات أرسطو وأفلاطون ، ولكن أشد أعداء الإسلام ونبيه لم يَدَّع عليه مثل هذا الادعاء ، وقد أجمع على أميته المؤرخون من غير المسلمين ، كما لا ننسى أنه من الثابت أن الكتاب المقدس بعهديه القديم
والجديد لم يترجم إلى العربية قبل القرن العاشر الميلادي ، أي : الرابع الهجري.
وبالتالي فمقولة أن القرآن من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم لا يقبلها عقل؛ قال (موريس بوكاي في كتابه" القرآن والإنجيل و التوراة والمعارف الحديثة”
(لا يتصور عاقل أن إنسانا أمِّيَّا يتحول فجأة لينطق بأعظم النصوص الأدبية العربية إلى يومنا هذا ؟!، ثم كيف يأتى في القرآن بحقائق وإشارات علمية يتعذر إدراكها لكل أهل زمانه، ويعبر عنها بدقة علمية تامة)
ولو كان القرآن من صنع بشر أُمي، أو حتى متعلم في ذلك الزمان البعيد لنَضَح بكلام وأفكار بدائية متضاربة!
بالتأكيد إذن أن يكون القرآن الكريم هو معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم في مواجهة المشركين، بل هو "معجزة المعجزات" التي يُدرك قدرها كل ذي حكمة وبصيرة وذوق أدبي، وصدق مع النفس!
قال تعالى في سورة العنكبوت الآية 49"بَلْ هُوَ ءَايَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ الظَّالِمُونَ"
الأمر الثانى : تجانس النص القرآني
مهما قرأت القرآن، وتدبرته، وقَلِّبته من أي وجهة تريد، تصل دائما إلى نفس النتيجة: " أنه ليس بقول بشر"، فلا يمكن لبشر أن يواصل تأليف كتاب، ويستغرق جمعه 23 عاماً من بداية الوحي إلى إتمام الرسالة، يبتلى خلالها
بأشق ما مرَّ به نبي مرسل، دون أن تتقلب أفكاره، وتتبدَّل مشاعره، وتختلف أفكاره، وتتفاوت تعبيراته، وما كان هذا شأن النصِّ القرآنيّ،
فعلى الرغم من نزول آياته منجمة ، أي مُفَرَّقة، في شتى الأوقات والمناسبات، فقد اجتمع القرآن عند اكتماله، بترتيب سُوَرِه، وترتيب آياته في السور فما اختلف السياق لكل سُوَرِه، ولكل سورة على حِدَة، بما اجتمع فيها من
آيات نزلت في أوقات ومناسبات متفرقة، وما تضاربت الحقائق والأفكار والتشريعات بين سورة وأخرى، بل تكاملت مع بعضها البعض، وفسر بعضُها بعضا، وليس هذا شأن أي كتاب بشري يُكتب، ويُجمع بهذه الكيفية، وطوال تلك المدة.
وصدق الله العظيم حين قال :"َأفلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا "النساء الآية 82
هذا إضافة أن ما أشار إليه القرآن الكريم من أمور تتصل بمعارف كونية، لم تكن معروفة وقت نزوله، ولم تعرف حتى أكدها التطور والإكتشافات العلمية !
وهذا الكاتب البريطاني "آربرى" قام بترجمة القرآن الكريم يقول في تقديمه للترجمة:
"كلما أستمع إلى ترتيل القرآن الكريم ، أشعر كأني أنصت إلى نغم ينساب في لحن موسيقي ذي إيقاع متصل ينبض مع دقات قلبي ! "