2012-09-23, 15:17
|
رقم المشاركة : 1 |
إحصائية
العضو | | | مذكرات تلميذة من القرن الماضي(الفصل الثاني): المستوى الأول ابتدائي | المستوى الأول ابتدائي(1968/1969) استيقظت هنية صباح اليوم الأول من أكتوبر باكرة، كانت ملابسها جاهزة ، وكأنه يوم عيد، بل منذ هذا اليوم سيكون اليوم الأول من الدخول المدرسي عيدا جديدا، فإذا كانت الملابس الجديدة ما يميز الأعياد الأخرى، فهاهي الآن ترفل في أحسن الملابس و وزرة ذات تربيعات خضراء داكنة بشريطين على كل جانب ملفوفتين عى شكل فراشة،وقد مشطت أمها شعرها بضفيرتين معقوفتين كالعادة ، l
مضيفة لهما هذه المرة شريطين بيضاوين.ولكن ما يميز هذا العيد السنوي هو كتاب القراءة المملوء بالقصص والصور الرائعة، بالإضافة للأقلام الملونة والريشة...
وقفت هنية أمام المرآة لأول مرة، فقد اقتنى ابوها مؤخرا دولابا كبيرا جديداعلى بابه مرآة كبيرة،ركبه في غرفة النوم، تجرأت هذا اليوم ودخلت الغرفة لتتأمل صورتها المنعكسة وهيأتها الجديدة.وقفت أمام المرآة طويلا فاغرة فاها ثم كلمت نفسها مندهشة:
ـــ ياعجبا لست سوداء كالماعز كما يدعي أبي، فأنا بيضاء كالحليب الممزوج بقليل من القهوة ، كماأتناولها كل صباح...لم كان ينعتني دائما بالماعزة؟حقا لست كأختي صفية الشقراء ولكنني لست سوداء كالخادم(أي : الأمة السوداء)كما ينادوني جميعا إسوة بأبي، وخاصة أخي فريد الذي يعجبه إغاظتي بهذه الكنية التي لا تروقني...ولكن، لم كانت أمنا تمنعنا دائما من رؤية المرآة؟أحقا أن من رآها صغيرا يعوج وجهه كما كانت تقول؟
لم يوقظها من تخيلاتها وتساؤلاتهاإلا صوت أمها الصادر من المطبخ:
ـــ هيا لتتناولي فطورك بسرعة، فقد حان وقت الذهاب إلى المدرسة...
في الطريق إلى المدرسة كانت سعادتها مضاعفة: فرحة الدخول إلى القسم الأول ابتدائي ، وفرحة اكتشافها لنفسهاالذي عزز ثقتها بنفسها.
ـــ أمي ، لم كنتم تكذبون علي وتقولون لي إنني سوداء كالخادم، وتنعتوني بالماعزة؟
سألت أمها وهي تشد على يدها باليمنى وتقفز الدرج نازلة ..
ردت عليها ضاحكة:
ـــ لا عليك، أبوك يمازحك، وأنت تسمرين من كثرة اللعب تحت أشعة الشمس، ولكنك حلوة كالعسل..يقولون في أغنية شعبية قديمة: إن العسل إذا سقط في العين يداويها أما الأبيض إذا أصاب العين يعميها..
ضحكت هنية وتابعت المسير مع أمها.لم تكن المدرسة قريبة، إذ سيلزمهما قطع الشارع الرئيسي الذي يقسم المدينة نصفين، ومتابعة السير متجاوزة مركز البريد في وسط المدينة...حفظت الطريق بسرعة، فالشوارع واسعة والسيارات قليلة وحتى الراجلون أغلبهم من تلامذة المدارس، فلا يمكنهاالتيهان عن طريق المدرسة أبدا..
أخيرا وصلتا إلى مدرسة البنات:"مدرسة أمينة بنت وهب" الوحيدة وقتئذ ، دخلتا من بابها الرئيسي.استغربت لكون الساحة فارغة، فكل التلميذات في أقسامهن، دلفت الأم إلى الإدارة وبقيت هنية تنتظرها في الخارج، ومالبثت أن خرجت عابسة وشدت ابنتها من يدها وجرتها خارج المدرسة.
سألتها هنية: ألا أدخل إلى قسمي يا أمي؟
ـــ" لن تلجي المدرسة هذا الموسم، فالأقسام مكتظة، كان علي تسجيلك قبل هذا اليوم".ردت الأم متأسفة.
أجهشت هنية بالبكاء، ولم تتوقف رغم مواساة أمها.وأخيرا طمأنتها قائلة:
ـــ ستعودين إلى روضك ، وفي السنة المقبلة سأسجلك باكرا..
خفف عنها الخبر وطأة الصدمة ، فهدأت أخيرا.ومالبثا أن وصلا إلى الروض الجديد، لأنه كان قريبا من المدرسة، فرحبت بهما المعلمة( ماما زهور)، هكذا كان يناديها الجميع ، إنها معلمتها السابقة، التي استغربت كثيرا حين سمعت بخبر رفض تسجيلها، فصاحت غاضبة:
ـــ سأذهب حالا عند مديرة المدرسة، ولن أتساهل أبدا ، فكيف يعقل أن يقبل الأطفال اللذين كانوا يلعبون في المزابل ويبقى الآخرون اللذين كانوا يتعلمون في رياض الأطفال؟
هكذا قالت (ماما زهور) حرفيا ، وظلت أم هنية تردد جملة الدفاع هذه مدة طويلة أمام الأهل والصديقات... مفتخرة بالمعلمة وبابنتها التي تربت على يديها...حتى حفظتها هنية...
وهكذا، وبفضل هذه المعلمة استطاعت هنية أن تجد لها مقعدا في المدرسة ذلك الموسم، ولم تنس أبدا جميلها.
لازالت تذكر كيف دخلت القسم لأول مرة، كان مكتظا بالفعل،فقد أجلستها المعلمة في المقعد الأخير في الصف الأول قبالة المكتب.كان اسم المعلمة رحمة، امرأة في الثلاثينيات من عمرها تلبس جلبابا ، ولا تضع منديل الرأس إلا عندما تكون خارجة. شعرها مقصوص إلى الأذنين وملامحها دقيقة.لا تذكر أي ابتسامة لها، ولا أي شيء مميز يذكرها بها.
كانت نتائج هنية حسنة خلال هذه السنة، ساعدها في ذلك خبرتها السابقة، فالقسم مكتظ والمعلمة ربما ليس لديها الوقت الكافي للاهتمام بالكل...
حادثتين سيئتين أثرتا فيها خلال هذه السنة ولم تنساهما طوال حياتها ويعتبران من أخطاء المعلمين:
الحادثة الأولى وقعت لها في آخر السنة الدراسية ولازالت عالقة بذاكرتها، فقد اعتادت معلمتها أن تخرج لتجتمع مع المعلمات الأخريات داخل أحد الاقسام وتكلف تلميذة طويلة أكبر منهن سنا لتحرس التلميذات. كانت هنية هادئة بطبعها ، خوافة ، أكثر ما تخافه هوالعصا، فهي تأخذ نصيبها وأكثر من أمها على كل هفوة تقوم بها ،وليست مستعدة لتحمل أكثر من ذلك.وخجولة لا تحرك ساكنا داخل القسم، تستغل دائما هذه الفرص ــ فرص خروج المعلمة ــ كي تتصفح كتاب القراءة الغالي على نفسها، وتعيد قراءة النصوص الممتعة الموجودة فيه، ك" سعاد في المكتبة" أو "الطفل ألأمي"...أو تمارس هوايتها الثانية : الرسم ،بحيث كان يحلو لها تقليد الرسومات الموجودة في كتابها وتلوينها..وبينما هي مستغرقة ذات مرة في ممارسة هوايتهااقتربت منها التلميذة الحارسة، وطلبت منها مبادلتها "بالصندل " ، كان صندلها جديدا، وقد اشترته لهاأمها جلديا لأول مرة، فلم تكن تلبس قبل ذلك إلا الصندل البلاستيكي، وقد أوصتها مرارابالاهتمام به وعدم مبادلته مع البنات أو تبليله بالماء..وإلا .. عقوبتهاالعصا.
تطلعت إلى الفتاة ثم أجابتها:
ــ إن قدميك كبيرتين ولسوف تمزقينه..
نظرت إليها شزرا ثم وقفت تحملق في التلميذات بعيون متسلطة، تأخذ من هذه منجرة ومن تلك قلما ، دون أن تجرأ أية واحدة منهن على مقاومتها..
بعد مدة خرجت ثم عادت ونادت هنية : هيا ، إن الأستاذة تريدك حالا وهي في القسم المجاور.
أحست هنية بالارتباك، ليس خوفا، لأنها لم تشعر أنها اقترفت خطأ، ولكن لأنها كانت تهاب دائما الأماكن الجديدة والتكلم مع المعلمة، ولم يخطر ببالها ما كانت تريده منها..
لما دخلت القسم، وجدت معلمتها جالسة على المكتب والمعلمة الاخرى قبالتها على مقعدها، تتحدثان وتبتسمان، دون أن يعيرانها اهتماما، وبعد فترة التفتت إليها معلمتها، وطلبت منها مد يديها لتضربها عليهما ضربتين شديدتين، وصرخت في وجهها:
ـــ إلزمي الصمت وإلا ضربتك على رجليك..هيا عودي إلى قسمك..
عادت إلى قسمها مشدوهة والدمع محتبس في مقلتيها ، وقد حاولت جاهدة أن تعرف سبب هذه العقوبة، ولم تفهم إلا حين طالبتها الفتاة الحارسة مرة أخرى تسليفها الصندل الجديد.فأعطته لها صاغرة هذه المرة ، وبدأت فرائصها ترتعد وهي تراها تحشر فيه قدميها الكبيرتين دون أن تجرؤ على منعها.
أما الحادثة الثانية ،فقد ذهب ضحيتها تلميذات القسم جميعا ، فقد طالبت المعلمة من جميع التلميذات، في الشهور الأولى من الدراسة ، أن يجلبن مقدارا من الثوب الأبيض وخيوطا خاصة بالتطريز وإبرا لتعليمهن فن التطريز، فرحت أم هنية بالخبر ، لأنها كانت تحب الصنعة التقليدية وتحب أن تكون بناتها صانعات ماهرات، كبنات فاس وزرهون العاقلات، فكانت من السباقات لشراء الثوب والخيوط، قدمتها هنية للمعلمة وهي مبتهجة لاقترابها منها لأول مرة.
وانتظرت التلميذات طويلا، وانتظرت الأمهات ايضا ،ولم يكن يجرؤ وقتئذ أي أحد على محاسبة المعلمين أواستفسارهم في شؤون أولادهم كما هو الحال الآن ، إذ تعج المدرسة بالآباء والأولياء، هذا يسأل عن ابنه وذاك يستعطف المعلم وآخر يشكي للمدير عن سوء معاملة ابنه...وآخرون يتربصون بالمعلم كي يوقعون به، والبعض يساهمون فعلا في مساعدة المعلم للرفع من مستوى أبنائهم...
لم تكلم المعلمة قط تلميذاتها عن فن التطريز،ولم تعلمهن قط إدخال الإبرة في الخيط، لكنهن رأين بأم عيونهن أن الأثواب والخيوط لم تذهب سدى ، فقد كانت المعلمة نفسها تقوم بإدخال الخيط في الإبرة وتقوم بتطريزقطع الثوب في أوقات (فراغها) أمامهن،دون أن تشعرأبدا بالذنب ؛صانعة منها مناديل جميلة، ربما لمائدة الضيوف في بيتها...ولم تكلف نفسها أبدا خلق أي عذر أو اعتذارلهؤلاء الصغيرات اللواتي كن يلعنها في سرهن، وهي التي كانت تحسبهن غبيات ساذجات ...
أيها المعلمون احذروا فللأطفال ذاكرة!! | : منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد https://www.profvb.com/vb/showthread.php?p=588770 آخر تعديل فطيمة الزهرة يوم 2012-09-23 في 15:53.
|
| |