منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد

منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد (https://www.profvb.com/vb/)
-   أدب الطفل (https://www.profvb.com/vb/f433.html)
-   -   المكيدة (https://www.profvb.com/vb/t31222.html)

سفيـان القـاديـري 2010-05-19 18:59

المكيدة
 
>
كان يمسك زمام الحكم بيد من حديد، لم يبق على مفسد في رعيته، حارب الظلم و الفساد ،فمنحه الله النصر بعد جهد جهيد و معاناة مريرة، إلا أن الثمن كان غاليا. وصلت البلاد في فترة حكمه إلى قمة العدل و القسط، و لكنها صارت تعاني من استبداده و تجبره، فلا رأي إلا رأيه، و لا أمر إلا أمره، و لا نهي إلا نهيه. الشخص الوحيد الذي كان يملك القدرة على معارضته هو : زوجته.. أحبتها الرعية لأنها كانت تحد من قسوته على الناس، و تدرأ عنهم بأسه، فلم يكن يرفض لها طلبا و لا شفاعة، من شدة تعلقه بها.


و مع توالي الأيام، ازدادت معاناة البلاد من قسوته و تشدده، و اشتكى الناس من قهره. و حدث في تلك الآونة أن انتشر في الأسواق شريط مخل بالآداب متعلق بزوجته.
عندما وصل خبر الشريط إليه، غلف مقر الحكم صمت رهيب من جراء الصدمة التي أصابته. و أمام عدم نفي زوجته للفضيحة وقع بين نارين: عاطفته القوية تجاه المرأة الوحيدة في حياته، أو الغضب و القسوة اللذان تملكا كيانه.
لم يتردد كثيرا، و قرر معاقبة زوجته على مرأى و مسمع من الرعية عبر شاشات التلفاز، لتكون عبرة للباغيات اللواتي يظهرن في الشرائط المخلة بالآداب. و في اليوم المحدد كان له ذلك.


بدأ البث ناقلا صورة المتهمة و هي ترتل جزءا من القرآن الكريم باكية و متخشعة، ثم تقدم إليها الحاكم بخنجر ذهبي، و أمرها أن تطعنه في قلبها مباشرة مكفرة بذلك عن خطيتها.
شاهد الجميع زوجة الحاكم تبكي و هي تنبس بالشهادتين ثم تهوي بالخنجر على قلبها. هنالك صرخ الحاكم بلوعة لا مثيل لها، وانطلق بسرعة البرق إلى زوجته و هي تلفظ أنفاسها الأخيرة، و جرت عيناه أنهارا لأول مرة منذ سنوات بدموع الألم و الندم، و هو يكلمها كالمجنون، و يسألها أن تسامحه. لم تجبه، تاركة جسدها في حضنه و هو يكلمه تارة، و يبكي عليه كطفل صغير تارة أخرى.
بدا الحاكم المتجبر على شاشات التلفاز للملإ كالحمل الوديع و هو ينتحب، فعرف الناس وجهه الحقيقي الذي كان يخفيه بقسوته و تجبره. عرفوا حاكمهم المرهف الإحساس، المحب للغير.


ما وقع بعد ذلك كان حدثا أغرب من الخيال، حدث أشبه بالمعجزة: فتحت الزوجة عينيها، و وقفت مبتسمة و الدماء تسيل من صدرها، فتراجع الحاكم فاغرا فاه من هول المفاجأة، و مثل(:وقف) غير قادر على فهم ما يحدث، إلى أن جاءه التفسير على لسان زوجته.. أخبرته بالحيلة التي حيكت له من طرف مخابرات بلاده و بأنها ضابطة في صفوفه.
و وضحت له أن الشريط الذي تم نشره هو شريط مزيف، و أن الدم الذي على صدرها ليس حقيقيا،ثم بينت له بأن الرعية تحتاج إلى حاكم يرحم رعيته و يشفق عليها، لا إلى حاكم قاس مستبد.


اختلط فرحه ببقاء زوجته على قيد الحياة، باندهاشه لما حصل، و بغضبه على الحيلة التي أعدت له سرا. كل هذه الإنفعالات النفسية الثلاث في آن واحد أعادت له روح الدعابة، فانقض على المصور خلف عدسة كاميرا البث معتبرا إياه المسؤول عما يحدث، فاضطر الحاضرون للتدخل و فك النزاع ضاحكين و مستبشرين خيرا بدعابة حاكمهم.


تمتنت العلاقة بين الحاكم و رعيته بعد تلك الوقائع، و حازت البلاد ما كان ينقصها من الرأفة و الرحمة بإذن الله.


الساعة الآن 20:37

جميع المواد المنشورة بالموقع تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع ولا يتحمل أي مسؤولية عنها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd