عرض مشاركة واحدة
قديم 2020-05-02, 20:00 رقم المشاركة : 1
خادم المنتدى
مدير التواصــل
 
الصورة الرمزية خادم المنتدى

 

إحصائية العضو








خادم المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي




التفريع الحكائي وأنماط التخييل
في كليلة ودمنة
يوسف أحمد إسماعيل٭

إن التناول الهيكلي لبيان بيدبا - كتاب كليلة ودمنة - يكشف عن انتمائه إلى مجموع الحكايات التي تدخل في إطار " التفريع الحكائي"[1]، كما في ألف ليلة وليلة، أو ما يسميه تودوروف بـ "الأدب الإسنادي"[2] الذي يهتم بعلاقات التضمين والترابط في السرد بين القصص المتوالدة من جهة، وبينها وبين الحكاية الإطار، أو "الحكاية الأم"، من جهة ثانية.

بذلك نكون أمام نص له صورة كليَّة متكونة من مجموع الحكايات، وصور فرعية متكونة من كل حكاية مفردة، في الوقت نفسه. وقد تختلف هذه الحكايات الفرعية عن الحكاية الإطار من حيث النمط – مثل الحكايات العجيبة وحكايات الشطَّار والحكايات الخرافية – ولكنها تساند الحكاية الإطار من خلال الوظيفة المتوخاة منها، إن كانت تعليلية أو تفسيرية...، وبذا يكون التفرع الحكائي "تحقق مصغر لصيغة الحكاية الإطار بقدر ما يكون امتدادًا لتغذيتها السردية"[3] ليفسح من خلالها المجال للتعدي الدلالي، وتوالد الأفكار والمضامين عبر الأصول والفروع
وعليه، يمكن تعريف التفرع الحكائي بأنه خطة سردية واعية تربط بين الحكاية الإطار والحكايات المضمَّنة، وفيما بين القصص المتوالدة من بعضها دلاليًا وبنيويًا ووظيفيًا، لإنجاز صورة كلية وصور فرعية مفردة، في الوقت ذاته.

تعرِّف مياجير هاردت الحكاية الإطارية بأنها
ذلك السرد المركب من قسمين بارزين ولكنهما مترابطين، أولهما حكاية أو مجموعة الحكايات التي ترويها شخصية واحدة أو أكثر، وثانيهما تلك المتون وقد رويت ضمن حكاية أقل طولاً وإثارة، مما يجعلها تؤطر تلك المتون كما يحيط الإطار بالصورة[4].
ولكي نقصي التباين بين الأصل والفرع، في تعريف هاردت، نستبعد تقسيم الحكاية الإطار ﺇلى قسمين، ونحصرها في القسم الأول الذي يؤطر الحكايات المتون المتفرعة منه، ويحيط بها في بداية السرد ونهايته. ويكون القسم الثاني بذلك تنويعًا دلاليًا ووظيفيًا ونمطيًا للحكاية الأم التي يمثَّل لها بحكاية شهريار وشهرزاد، المؤطرة لليالي ألف ليلة وليلة، بوصفها أنموذجًا عالميًا[5] على أساسه حُدِّد مفهوم الحكاية الإطارية.
ولا تنحصر وظيفة الحكاية الأم في تأطير السرد فحسب، على أهميته في لمِّ شمل الصورة الكلية للحكي. فللحكاية الأم أبعاد لا تقلُّ أهمية عن ذلك، فهي القسم الأول الذي لا يتمُّ إنجازه ﺇلا بإنجاز التفريع الحكائي للمتون المفردة، مما يعني أن تحققها لا يتم إلا بتحقق الحكايات المتفرعة "المضمَّنة"؛ ولكنها هي من يعطي المتون الفرعية سياقها العام، لتساعدها في بناء الصورة الكلية، مع حق الاحتفاظ بخصوصيتها. وتشكِّل بذلك الحكاية الأم الشرعية السردية للحكايات المتفرعة؛ فلولاها لما كان هناك سرد بدءًا، فهي التي تشكل ظاهرة القص "بينما تقدم القصص المؤطَّرة النتائج المترتبة على هذا التكوين"[6]. فالسرد يبدأ بالتشكل منها، وهي الغاية منه، وما سيأتي تنويع وبناء لها. فهي جوهر الحكي، والحكايات المتفرعة شرح وتفسير وتأكيد وتسويد لفراغات الأسئلة في النص الأصلي – الحكاية الأم.
يضاف إلى تلك الشرعية السردية، التي تمنحها الحكاية الإطار للحكايات المتفرعة، شرعيةٌ إسنادية. وبدون هذه الشرعية تفقد الحكايات المضمَّنة مبرر وجودها في النص؛ لأنها تتيه في فراغ السرد، بخاصة أنها تحتفظ بحقها في التميُّز والتنويع، كما ذكرنا، على المستوى الدلالي والموضوعي والنمطي. أي إن الحكاية المفردة، الحيوانية أو العجائبية أو الخارقة...، لن تجد ما يجمع بينها وبين الصورة الكلية، وستكون نصًا ناشزًا يجب اقصاؤه؛ لأن العلاقة الإطارية (الإسنادية) مع الحكاية الأم غير متوافرة. وهذه العلاقة لا تأتي من خلال الموضوع وإنما من خلال فعل التوالد الذي يحيل إلى ترابط إسنادي سردي، داخلي، بين القصص المتفرعة، وبينها وبين الحكاية الأم. والحكاية الأصل (الأم) هي التي تحتفظ بصورة الإسناد الخبري، وتستمد شرعيتها في السرد من ذلك الإسناد. أما الحكايات المتفرعة فتستمد شرعيتها الإسنادية من انتمائها إلى الحكاية الأم المسْنَدة إخباريًا.
وانطلاقًا من أهمية بناء الصورة الكلية للنص، لهيمنة الصورة وظيفيًا، لا تتجه الحكاية الإطار "إلى ذاتها تحديدًا وإنما تقصد إلى إيجاد صيغة تحفيزية للسرد والتأليف الموسوعي"[7]. فهي تبدأ السرد ولا تنهيه إلا بعد اكتمال الصورة الكلية بالفعل القصصي الذي تنجزه الحكايات المضمَّنة التي تتناسل لتبني في الفضاءات البيضاء التي تركتها الحكاية الأم، فتوضحها وتفسرها وتشرحها وتعللها.
إن هذا التحفيز هو العنصر المحرض على صفتي التنوع والموسوعية، باعتبارهما صفتين تلازمان الحكايات التي تبني صورة منجزة من خلال الأصل والفرع، كحكايات ألف ليلة وليلة وكتاب كليلة ودمنة. والصفتان مكونان سرديان من مكونات الحكاية الإطار التي لم تستوف بمفردها إنجاز الصورة الكلية، فكانت بسيطة التركيب ومحدودة الأشخاص. وهاتان سمتان تشكلان مواطئ رخوة في الفعل القصصي الذي يسمح بالتوالد لسد الفراغ كلما دعت إلى ذلك ضرورة السرد. وهو ما يمنح القصة الإطار القدرة على احتواء حكايات كثيرة فيها، ويجعلها تتقبل في سياقها "كل ما هو غريب من الأحداث والوقائع... بوساطة راوٍ جديد يحمل على كاهله حكايته الخاصة أو حكاية رويت له... مما يقود إلى تفريخ مزيد من الحكايات داخل الحكاية الإطار"[8] التي فسحت المجال للحوار وثنائية الراوي والمروي له في الفضاء الواحد، يضاف إلى ذلك خاصية الوظائف الحكائية التي تحتاج إلى تفسير وتعليل وتوضيح وإقناع.
لا تقصي الحكاية الإطار حق الحكاية المضمَّنة في التميُّز والتنوع وتشكيل الخصوصية، موضوعًا ونمطًا وأسلوبًا، بل تترك لها حق الحياة والنماء والبناء بشرط أن تنتمي في سياقها السردي العام إليها، أي عبر شرعية السرد والإسناد في بناء الصورة الكلية، وعبر الصورة الفرعية التي تنجزها الحكاية المفردة. ولذلك يكون من الطبيعي أن نجد في مجموع النص (كليلة ودمنة أو ألف ليلة وليلة) حكايات مختلفة، موضوعًا ونمطًا وبناءً، عن الحكاية الإطار، ولكنها تساهم في الوقت نفسه في تشكيل البنية الدلالية التي أرادها الراوي الأول.
ولتجلي تلك العلاقة، في صورة البناء والانتماء بين الأصل والفرع، تغذي الحكاية الإطار الحكايات المضمَّنة بمكونات سردية تجد لها امتدادًا ظاهرًا أو خفيًا، عبر تحققات مختلفة، يحيل المتن في الحكايات المتفرعة، ترجيعيًا، إلى صدى بعيد يصوره المبدأ الجوهري للسرد[9]، بمعنى أن الحكاية الفرعية تتغذى من رحم الحكاية الأم، فتأخذ من مكوناتها السردية ما يعزز بناءها السردي، كحضور الراوي والمروي له وثنائية التقابل بين نقيضين يطوران السرد ليفضي بالحكاية الفرعية، تراجعيًا، إلى المبدأ الجوهري في السرد. ومن ذلك مثلاً أنه إذا كانت حكاية شهرزاد وشهريار "الحكاية الأم" تبلور، في جوهر مبدئها السردي، فكرة "التماثل المتكافئ"[10] فإن قراءة تأويلية عميقة تبين أن كل الحكايات الفرعية في ألف ليلة وليلة تحيل أيضًا إلى فكرة التماثل المتكافئ أيضًا. وهذا ما نستخلصه في كتاب كليلة ودمنة. وهو جوهر هام آخر من أشكال شرعية الانتماء بين الحكاية المضمَّنة والحكاية الإطار.

الحكاية الإطار في كليلة ودمنة

الوحدات الوظيفية
ينقسم البناء الهيكلي لكتاب كليلة ودمنة، كما هو متداول بين القراء، إلى ثلاثين قسمًا موزعة على مقدمات وأبواب وأجزاء أبواب، منها 11 جزءًا تحتوي مقدمات وعروضًا إما من الناشر أو من مترجم النص من الهندية إلى الفارسية، كما يُصرَّح بذلك، أو مقدمة شكر لبرزويه المتطبب الذي خاطر بحياته ونقل النص من بلاد الهند إلى بلاد فارس، أو من مترجم النص من الفارسية إلى العربية، وهو ابن المقفع، كما يُصرح بذلك أيضًا.
ويبدأ سرد الحكايات، كما يراد أن يفهم، من الصفحة 68 في نسختنا المعتمدة[11]، أي من الجزء الأول من باب الأسد والثور. ويتم توزيع هذا المتن السردي على 13 حكاية كبرى يضاف إلى ذلك خاتمة الكتاب، وذلك من الصفحة 68 إلى الصفحة 224. وتدخل هذه الحكايات ضمن مسميات الأبواب، وإن كانت موزعة على أجزاء. ونمثِّل لذلك بحكاية الأسد والثور؛ فهي موزعة على ستة أبواب تحت اسم باب الأسد والثور رقم 1، وباب الأسد والثور رقم 2، وباب الأسد والثور رقم 3... إلخ.
ما نريد البحث عنه، من خلال هذا العرض الموجز لفهرس الكتاب، هو موقع الحكاية الإطار في النص. وللوصول إلى ذلك سنقسم الكتاب إلى قسمين نقصي منهما الزوائد المضافة من الناشر أو المضافة بغاية التمويه، من ابن المقفع، حول طبيعة النص ومؤلفه.
والزوائد هي العروض والمقدمات التي لا تدخل في تشكيل السرد، وغايتها توضيحية أو إضاءة متن الكتاب. وهي مقدمة الناشر عن حياة ابن المقفع ومؤلفاته، وباب بعثة الملك كسرى أنوشروان[12]، وباب برزويه المتطبب بجزأيه، وباب عرض الكتاب من قبل وزير كسرى بزرجمهر، وباب عرض الكتاب لابن المقفع. ويبقى، بعد ذلك الإقصاء، مقدمة الكتاب لعلي بن الشاه الفارسي، وهي من ثلاثة أجزاء:
1. المقدمة.
2. سبب وضع كتاب كليلة ودمنة.
3. عرض الملك على بيدبا تأليف الكتاب.
أما القسم الثاني فهو ما تبقى لدينا من الكتاب بأبوابه وأجزائه المشكلة للحكايات من الصفحة 68 إلى الصفحة 224.
تشكِّل مقدمة علي بن الشاه الفارسي، بأجزائها الثلاثة، الحكاية الإطار. وعلي بن الشاه هو الذي يبدأ بالرواية الاسترجاعية ليشكل السرد الأول بالقول: إن الإسكندر ذا القرنين الرومي...[13]

خطاب النص

تنقسم الحكاية الإطار كما سنلاحظ إلى ثلاثة مستويات هي: خطاب دبشليم الملك، وخطاب بيدبا الفيلسوف، والتماثل المتكافئ.

1. خطاب دبشليم الملك
تنصِّب الرعية أحد أبناء ملوكها ملكًا على البلاد بعد أن طردت المعيَّن من قبل الغازي؛ لأنه كما يقول الراوي:
لا يصلح للسياسة ولا ترضى الخاصة والعامة أن يملِّكوا عليهم رجلاً ليس منهم ولا من أهل بيوتهم، فإنه لا يزال يستذلهم ويستقلهم... ولما استوثق الأمر لدبشليم طغى وبغى وتجبر وتكبر وجعل يغزو مَن حوله من الملوك[14].
واستصغر أمر الرعية وأساء السيرة فيهم، ولم يأخذ بسيرة أجداده الحسنة في سياسة الرعية وإصلاح شأنها على الرغم من أنه لم يرتق العرش إلا لصلة نسبه بأسلافه الملوك.
بذلك السلوك في سياسة الرعية يتنكر الملك لأمرين: الأول، الرعية التي وثقت به وعينته ملكًا عليها. والثاني، سياسة أجداده في حسن تصرفها مع الرعية، أي إنه فقد شرعية تموضعه على كرسي السلطة مما خلق توترًا في العلاقة بين الحاكم والمحكوم، أساسه الافتقار إلى العدل في الحكم وبروز الجور والاستبداد. فطفت على السطح قضية قديمة ومعاصرة في الوقت ذاته، هي الصراع بين الحاكم والمحكوم ومتطلبات طرفي الصراع. يمثل الطرف الأول الملك دبشليم على رأس السلطة بجهازه السلطوي والتابوات التي يؤطر بها نفسه ضد الرعية. ويقود الطرف الثاني المثقف والحكيم والفيلسوف بيدبا.

2. خطاب بْيَدَبا الحكيم
يلاحظ بيدبا الفيلسوف سلوك الحاكم فيستشير تلامذته ويقرر نصح الملك دبشليم. أربع علامات تؤطر زاوية الرؤية لدور المثقف في مجتمعه. ويتمثل ذلك في إدراكه لمعاناة المحكومين، وأخذه بمبدأ المشورة، وإقدامه على تحمل المخاطر في قيادة الرعية، وعمله بمبدأ الحوار، فعلاً خلاقاً في التغيير، وسلاحًا ماضيًا في وجه قوة طاغية، لا قبل له بمواجهتها بنوعية أسلحتها.

.../...



يتبع....







آخر تعديل خادم المنتدى يوم 2020-05-02 في 20:26.
    رد مع اقتباس