عرض مشاركة واحدة
قديم 2017-12-09, 22:06 رقم المشاركة : 1
صانعة النهضة
مراقبة عامة
 
الصورة الرمزية صانعة النهضة

 

إحصائية العضو








صانعة النهضة غير متواجد حالياً


وسام التنظيم المميز السيرة 1438ه

مسابقة السيرة 5

وسام المنظمة

وسام منظم مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية الفضية

وسام المشاركة في الدورة التكوينية مهارات الاتصال ا

وسام المطبخ المرتبة 1

وسام لجنة التحكيم

وسام العضو المميز

b5 جون بياجي: التوجهات التربوية الأساسية


جون بياجي: التوجهات التربوية الأساسية
(ترجمة: د. محمد مريني)




تقديم:



هذا النص ترجمة لمقال كتبه الباحث السويسي ألبيرطو ميناري Alberto Munari. لا شك في أن لهذا المقال أهمية خاصة: إذ نجد فيه جوانب مهمة من المشروع التربوي والبيداغوجي لجون بياجي.



إن الذين كتبوا عن التربية عند بياجي يحيلون في غالب الأحيان على نوعين من المصادر:



- يتمثل أولهما في الكتابين اللذين كتبهما في موضوع التربية . هذان الكتابان لا يشكلان –على أهميتهما- إلا جزءا محدودا جدا في المشروع الفكري والفلسفي لجون بياجي.



- ويتمثل ثاني هذين المصدرين في الكتابات الكثيرة والمتنوعة التي كتبها بياجي في موضوع "مراحل النمو العقلي للطفل".



الجدير بالذكر أن هذه الكتابات –وإن كانت تشتغل على الطفل- فإنه لا يمكن إدراجها ضمن مباحث التربية أوالبيداغوجيا، بل تندرج أساسا ضمن الإبستيمولوجيا التكوينية.



تفسير ذلك أن المشروع الإبستيمولوجي الجديد الذي استبد بياجي باكتشافه يتمثل في دراسة النمو العقلي ومراحله عند الطفل، منطلقا من لحظة الميلاد ومتابعا النمو إلى سن المراهقة، التي يعتبرها مرحلة اكتمال ذلك النمو.



لذلك فإن هذه الكتابات تتقاطع مع التربية وعلومها فيما يتعلق بالموضوع الذي تشتغل عليه، وهو الطفل. لكنها تختلف من حيث المقاصد والنتائج التي تتوخاها كل من التربية والإبستيمولوجيا.



- هناك مصدر ثالث، هو الذي يهمنا هنا، وقد غفل عنه أغلب الذين تناولوا التربية عند بياجي. يتمثل في الخطابات التي كان يلقيها حين كان مديرا للمكتب الدولي للتربية: كان بياجي يحرص في كل سنة، وطيلة السنوات التي تولى فيها المسؤولية في هذا المكتب - من 1929إلى 1967- على تحرير خطاب موجه إلى "مجلس المكتب الدولي للتربية"، ثم إلى "المؤتمر الدولي للتكوين الجماهيري العمومي".



تشكل هذه الخطابة مادة تربية ضخمة، قدرها كاتب هذا المقال في حوالي 35000 صفحة. نجد في هذه النصوص المبادئ البيدغوجية الأساسية لمشروعه، وهي مقدمة بوضوح لا نجده في غيره من كتاباته.



هذا إذا أضفنا إلى ذلك أن كاتب المقال كان على صلة وطيدة بجون بياجي: فقد عمل إلى جانبه في المكتب الدولي للتربية لمدة عشر سنوات (من 1964 إلى 1974. كما أنجز أطروحة الدكتوراه تحت إشرافه.


لكل هذه الاعتبارات أعتقد أن ترجمة ونشر هذا المقال ستكون مفيدة للمتتبعين والمشتغلين في مجال علوم التربية خاصة منها البيداغوجيا والديداكتيك.

النص المترجم:



قد يكون الحديث عن المشروع التربوي لجون بياجي أمرا مثيرا؛ لأن الرجل لم يسبق له -في حياته- أن كان مربيا. كما سبق له أن صرح أيضا بأنه ليس له رأي بيداغوجي ( Bringuier, 1977,p: 194). الملاحظ أيضا أن كتاباته في مجال التربية لا تتعدى ثلاثة أجزاء من المائة (Ibid)، من مجموع أعماله.



ستكون هذه الحيرة مبررة حينما نعود فقط إلى الإنتاج العلمي لجون بياجي. لكن، سيكون الأمر خلافا لذلك حينما نفكر في العدد الكبير من الأعمال التي أنجزت حول الجوانب التربوية في أعماله . وهذا الأمر أصبح صحيحا إلى درجة أنه منذ عدة سنوات، لم نعد نستطيع إحصاء الكتابات التربوية والبيداغوجية، التي تحيل –بشكل مباشر- على أعمال جون بياجي.



لذلك لم يعد غريبا أن نلاحظ في السنوات الأخيرة أن الكثير من الباحثين في التربية والبيداغوجيا يحيلون على كتابات جون بياجي لتبرير آرائهم ونظرياتهم.



لكن هل يقدم الدارسون لمشروع "جان بياجي" التفسير نفسه؟ هل يحيلون دوما على علم النفس بياجي، أم يثيرون جوانب أخرى من عمله المعقد والمتنوع؟



من هو بياجي الذي يمكن أن نعتد بإسهاماته الهامة: هل هو بياجي "البيولوجي"؟ أم بياجي "الإبستيمولوجي"؟ أم بياجي "السيكولوجي"؟ أم أننا مدينون بشكل خاص ل بياجي الإداري؟ وهو الوصف الذي نعت به حين كان مديرا للمكتب الدولي للتربية؟



معركة العمر: الكفاح من أجل المعرفة

لنبدأ بتحديد الأساس الخلفي لهذه المعركة: لقد كان بياجي نموذجا للمثقف الأكاديمي اللامع؛ لقد أمضى حياته في صراع مع المؤسسات والآراء الفكرية المسبقة السائدة في عصره، وربما أيضا مع انشغالاته الروحية المثالية المرتبطة بمرحلة الشباب(Piaget, 1914, 1915, 1918).


وكان مدفوعا إلى هذا الصراع من طرف والده، الذي كان له فكرا نقديا، لا يقبل التعميمات المتسرعة( Piaget; 1976, p: 2). وقد ولع بياجي - منذ وقت مبكر- بالدقة العلمية والملاحظة التجريبية، التي تمثلها من خلال اتصاله المباشر بعالم الرخويات "بول كودي Paul Godet"...


بدأ نشاطه العلمي مبكرا، وهو في الخامسة عشرة من عمره، من خلال المقالات التي كان يكتبها في مجلات واسعة الانتشار.
هكذا وجد بياجي نفسه منجذبا بقوة إلى فتنة العلم، وصرامة البحث العلمي. لنستمع إليه، وهو يتحدث عن هذه المقالات، فيقول: "على الرغم من كون هذه الدراسات قد كتبت في وقت مبكر، فإنها كانت –مع ذلك- ضرورية في تكويني العلمي. والأكثر من ذلك، أنها شكلت –إذا جاز لي أن أقول- وسائل للوقاية من شر الفلسفة. إذ بفضلها حظيت باستشفاف حقيقة العلم، في فترة مبكرة، قبل أن أتعرض للأزمات الفلسفية المرتبطة بمرحلة المراهقة. وقد تأكد لي أن المحرك الداخلي لنشاطي اللاحق في مجال علم النفس قد تشكل من خلال هذه التجربة المبكرة"(Ibid, p:3)



وبعد الأزمتين العنيفتين التي تعرض لهما، الأزمة الدينية والأزمة الفلسفية، (ما يسميه "أزمات المراهقة")Ibid, p: 4))، وجد بياجي نفسه مدفوعا بيقين عميق إلى الاعتقاد بأهمية المقاربة العلمية، باعتبارها الطريق الأمثل للوصول إلى المعرفة. واقتنع بأن المقاربات التأملية والاستبطانية السائدة في التقليد الفلسفي الغربي، يمكن لها -في أحسن الأحوال- أن تمنح للمشتغل بها نوعا من الحكمة (Piaget, 1965a).



هذا الاقتناع القوي هو الذي سيحدد الاختيارات العميقة التي سيأخذها بياجي في السنوات العشرين من عمره، وهي الخيارات التي لن يغيرها فيما بعد. سواء تعلق الأمر بعلم النفس الذي قرر أن يتخصص فيه، أوبالمنهج الأكاديمي الذي قرر أن يعتمد عليه، أوالالتزام بالعمل على إيجاد الحلول لمشاكل التربية. في ما يتعلق بعلم النفس يقول بياجي: "هذا جعلني آخذ قرارا لأخصص ما بقي من حياتي للتفسير البيولوجية للمعرفة" (Ibid, p:5).



هكذا سيغادر بياجي التحليل النفسي وعلم النفس المرضي، بعد اهتمام أولي مرتبط بحياته الخاصة، لينكب على مجال آخر في علم النفس المعرفي (Ibid, p: 2). فيما يتعلق بعمله كباحث ومدرس جامعي، كان الانشغال الثابت الذي وجه جل أعماله هو السعي إلى إقناع المؤسسات العلمية –التي تشتغل على العلوم الفيزيائية والطبيعية- بالطابع العلمي للعلوم الإنسانية؛ خاصة علم النفس والإبستيمولوجيا. كما أن مواقفه والتزاماته في ميدان التربية، ستسعفه في اكتشاف مسار متميز، قائم على مقاربة علمية للمدرسة.



بياجي يكتشف عالم الطفولة الذي سيقوده إلى عالم التربية
هذا المشروع هو الذي سيجعل بياجي يبتعد عن منهج الاستبطان الفلسفي، ويذهب إلى باريس للاشتغال مع "جانيت Janet"و"بايرونPiéron " و"سيمونSimon"، في المختبرات التي أسسها "بيني Binet".



هناك سيكتشف لأول مرة غنى التفكير الطفولي. كما سيقوده هذا الاشتغال إلى التعرف –بشكل طبيعي- على الخطوات الأولى لطريقته النقدية، التي يسميها أحيانا الطريقة الإكلينيكية. وهي طريقة مبتكرة ومثيرة، تقوم أساسا على استجواب الطفل.



ويمكن اعتبار هذه الطريقة حصيلة اتصاله واستفادته من المدرسين الذين التقى بهم: داماس Damas و سيمون Simon في السيكولوجيا السريرية، و"برينسشفيك Brunschschvicg و"لالاند" Lalande " في الإبستتيمولوجيا، والمنطق، وتاريخ العلوم.



لعل أصالة الاكتشاف عند بياجي في تناوله للتفكير الطفولي تقوم على مبدأ منهجي، بموجبه تصبح رقة ونعومة المحادثة -وهي سمة مميزة للمقاربة الإكلينيكية عند بياجي- مستندة إلى البحث النسقي للسيرورات المنطقية-الرياضية الكامنة وراء البراهين المعتمد عليها. علاوة على ذلك، في ما يتعلق بمسار هذا النمط من المقابلات، ينبغي الرجوع إلى مختلف مراحل الإعداد التي مر بها المفهوم الذي نريد دراسته، في سياق تطوره التاريخي. يبدو منهج "بياجي" –للوهلة لأولى- كأنه محاولة للجمع بين ثلاث مقاربات كان التقليد الغربي يعتبرها منفصلة عن بعضها البعض: المقاربة التجريبية في العلوم التجريبية، المقاربة الفرضية-الاستنتاجية في العلوم المنطقية الرياضية، والمقاربة التاريخية-النقدية في العلوم التاريخية.( Munari, 1985a, 1985b).

في باريس كان بياجي يستجوب الأطفال النزلاء في المستشفى، لكن حين تم استدعاؤه إلى "جنيف" -من طرف "إدوارد "كلاباريد- Edouard Claparéde"، و"بيير بوفي Pierre Bovet"- بدأ "بياجي" يدرس الطفل في نطاق حياته العادية. خاصة في مؤسسة جان جاك روسوJ- Rousseau- J، التي أصبحت هي الميدان الرئيس لأبحاثه. لقد شمل عمله نمطين من المؤسسات:



أولا، فضاء مؤسسة جون جاك روسو، وهو فضاء تربوي متميز، كرس نفسه لتطوير الأنظمة التربوية وممارساتها.



ثانيا، فضاء المدارس العمومية في جنيف؛ وهي مدارس قد تكون أقل حداثة مقارنة مع مؤسسة جون جاك روسو، لكنها –مع ذلك- أتاحت لبياجي فرصة الانتباه إلى الفارق الذي يفصل بين القدرات العقلية، غير المشكوك فيها، التي توجد عند الأطفال، وبين الممارسات التربوية المعتمدة -عادة- من طرف المدرسين في المدارس العمومية.





لقد أصبح بياجي يشتغل -هذه المرة- في نطاق مؤسسات تربوية، خلافا لما كان حاصلا في السابق؛ حيث كان يشتغل في المختبرات الطبية المهتمة بالطفل المريض أوالمعاق. من المؤكد أن طبيعة العمل السابق لم تخل من بعض التأثير في الوعي الذي تشكل لدى بياجي حول مشاكل التربية في ذلك الوقت.



لكن -كما اعترف بياجي بكلام لا يخلو من الصراحة- "لم تكن البيداغوجيا تهمني في ذلك الوقت، لأنه لم يكن لدي أطفال" (Piaget 1976, p:12 ).



ولن يتحقق ذلك إلا في وقت لاحق، عندما عاد إلى "جنيف" بعد فترة وجيزة، حيث سيعوض أستاذه القديم "أمولد ريموندAmold Reymond، وسيصبح مسؤولا عن مؤسسة "جون جاك روسو"، رفقة "كلاباريد" و"بوفي".



حينذاك أخذ التزامه بحقل التربية -لأول مرة- شكلا واقعيا. يقول: "في سنة 1929 قبلت بتهور مهمة مدير المكتب الدولي للتربية، استجابة لإلحاح صديقي بيدرو روسول Pedro Rossello"(Ibid,p:17). لقد كان هذا الاختيار عبارة عن تحول لا يمكن الاستهانة به في المسار التربوي ل"بياجي"؛ لأنه قبول الانخراط في مشروع كبير لتربية دولية. وهذا ما سيقوده في اكتشاف الرهانات الاجتماعية-السياسية التي ترافق -لا محالة- كل المؤسسات التربوية.


بياجي: من الإدارة إلى المبادئ التربوية



يتبع





التوقيع

أيها المساء ...كم أنت هادئ

    رد مع اقتباس