عرض مشاركة واحدة
قديم 2017-09-23, 13:53 رقم المشاركة : 10
صانعة النهضة
مراقبة عامة
 
الصورة الرمزية صانعة النهضة

 

إحصائية العضو








صانعة النهضة غير متواجد حالياً


وسام التنظيم المميز السيرة 1438ه

مسابقة السيرة 5

وسام المنظمة

وسام منظم مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية الفضية

وسام المشاركة في الدورة التكوينية مهارات الاتصال ا

وسام المطبخ المرتبة 1

وسام لجنة التحكيم

وسام العضو المميز

افتراضي رد: (علوم البلاغة الثلاثة: أهميتها، والفرق بينها - علم البيان)


يقول شاعر آخر هو الفرزدق:

أبي أحمد الغيثين صعصعة الذي متى تُخلف الجوزاء والدلو يمطر

يقول البحتري:

وصاعقة من نصله تنكفي بها على أرأس الأقران خمسً سحائب

يقول آخر:

يزكون نار القرى في كل شاهقة يًلقى بها المندل الهندي محطوما

يقول آخر:

وما يك في من عيب فإني جبان الكلب مهزول الفصيل
تقول أيضًا الخنساء في بيت ترثي فيها أخاها صخر:
طويل النجاد رفيع العماد كثير الرماد إذا ما شتى


ويقول أبو نواس:

فما جازه جود ولا حلَّ دونه ولكن يصير الجود حيث يصير
أنت واجد الأبيات العشرة جميعها في معنى واحد هو الكرم، هذا هو معنى واحد جمع بين هذه العشرة أبيات، لكنك تلحظ في كل بيت له ما يميزه عن سواه، فالبيت الأول جاء على هيئة تشبيه


حُذف أداته:
هم البحور عطاء حين تسألهم
حذفت الأداة، وهذا يسمى بالتشبيه المؤكد.


يقول:

هم البحور عطاء حين تسألهم وفي اللقاء إذا تلقى بهم بُهُم
فهنا البيت جاء على صورة التشبيه،

البيت الثاني فيه تشبيه بعيد يقول فيه الشاعر:


يكاد يحكيك صوب الغيث منسكبًا لو كان طلق المحيا يمطر الذهب


هذا التشبيه البعيد إنما كان هكذا غريبًا وبعيدًا؛ لأنه أتى بأسلوب شرط ميز فيه كرم الممدوح عن الغيث، يقول: يكاد يحكيك


يعني: يشبهك.


يكاد يحكيك صوب الغيث منسكبا


جعل كرمه أو عطاؤه هو المشبه، وصوب الغيث هو المشبه به يعني: تشبيه مقلوب لذلك كانت فيه مبالغة، وكان فيه شرط


لو كان طلق المحيا يمطر الذهب


فهذا البُعد جاء من أسلوب الشرط الذي احتواه هذا البيت، كما جاء كذلك من التشبيه المقلوب، حينما جعل المشبه مشبهًا


به والمشبه به مشبه، نجد البيت الثالث يقول فيه الشاعر:


إن السحاب لتستحيي إذا نظرت إلى نداك فقاسته بما فيها


هذا تشبيه ضمني، حيث فُهم التشبيه من خلال فحوى الكلام، فيه يشبه الشاعر الممدوح بالسحاب، ولُمح فيه الطرفان من


المعنى وبما تضمنه السياق، ودون ما تصريح في المشبه أو المشبه به.


البيت الرابع الذي يقول فيه الشاعر:


وكنت إذا كفٌّ أتتك عديمةً ترجِّي نوالًا من سحابك بُلَّتي


فيه مجاز مرسل، هذا علاقته الجزئية حيث عبر بالكفِّ "وكنت إذا كف أتتك"، وأراد بهذا الكف الإنسان المعدم، فما أن


مُدَّت إلى الممدوح إلا ونادت بالعطاء.


البيت التالي هو يقول فيه الفرزدق:


أبي أحمد الغيثين صعصعة الذي متى تخلف الجوزاء والدلو يمطر


هذا البيت فيه استعارة مرشحة حيث ذكر ما يلائم المستعار منه، وهو قوله "يمطر"، وفي البيت نجد أنه بالغ في المدح أبيه صعصعة، فجعله أحمد الغيثين يعني: أفضل من الغيث الذي ينزل من السماء، وأكثر منه كرمًا، وندى، وعطاء، هذه مبالغة تُحمد للشاعر، والشعراء كما نعرف {فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} (الشعراء: 225).
البيت الثالثة
يقول فيه البحتري:
وصاعقة من نصله تنكفي بها
على أرأس الأقران خمس سحائب
فتجد فيها استعارة تصريحية؛ لأنه شبه أصابع الممدوح بالسحاب، وحذف المشبه، وصرح بلفظ المشبه به، لكن هذه الاستعارة تميزت بأن قرائنها قد تعددت والتأمت؛ بحيث لا تصلح إلا هكذا مجتمعة، ذلك أنه استعار السحائب لأصابع الممدوح بجامع الجود والعطاء، ثم جعل القرينة ما ذكره من وجود صاعقة ناشئة من نصل سيفه تنقلب على رءوس أقرانه من الأعداء، ثم جعل الذي يقلبها عدده خمسة هي عدد أصابع يده.
البيت السابع
الذي يقول فيه الشاعر:
يزكون نار القرى في كل شاهقة يلقى بها المندل الهندي محطوما
نجد أن فيه كناية قريبة عن الكرم؛ لأن إذكاء النيران في الأماكن العالية لإرشاد الضيوف، علامة كرم، العلاقة هنا علاقة تلازم؛ حيث عُرف هذا عن العرب، والمندل الهندي عود طيب الرائحة يُستجلب من الهند، والمحطوم يعني: المكسور.
البيت التالي وهو البيت الثامن:

وما يك في من عيب فإني جبان الكلب مهزول الفصيل



تجد أنه أيضًا كناية عن صفة، لكنها كناية بعيدة؛ لأنه انتقل من جبن الكلب إلى الكرم، بوسائط فجبن الكلب من النباح يستلزم استمرار تأديبه، وهذا يستلزم دوام مشاهدته، وهذا يستلزم أن صاحبه أضحى مقصد الداني والقاصي، هذا كله دالٌّ على جوده وكرمه، مهزول الفصيل الفصيل هو ولد الناقة، وهزاله بحرمانه من لبنها؛ لنحرها للضيوف أو إطعامهم لبنها، إيثار الضيوف بها على الفصيل.


قريب من ذلك بيت الخنساء التي تقول فيه:
طويل النجاد رفيع العماد كثير الرماد
هذا محل الشاهد.
كثير الرماد إذا ما شتى
فكثرة الرماد هذه كناية عن الكرم والجود؛
لأن كثرة الرماد، إنما تأتي من كثرة إحراق الحطب، وهذا يستلزم كثرة ما يُطبخ، وهذا يستلزم كرم الممدوح، ومدى الجود الذي يفيض به على الناس في إيثار الخنساء لكلمة "إذا ما شتى" دلالة على المبالغة في الكرم؛ لأنه وقت تشتد فيه حاجة المحتاجين.


نجد في البيت الأخير يقول الشاعر:
فما جازه جود ولا حل دونه
ولكن يصير الجود حيث يصير
هذه كناية عن نسبة حيث كنى عن نسبة الجود إلى الممدوح بإثباته للمكان الذي يوجد به، ويحل فيه، فلا يتجاوزه، ولا يحل دونه.


أقرأ مرة أخرى الأبيات العشرة في معنى الكرم؛ لنعرف معنى إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة: الأبيات العشرة:
هم البحور عطاء حين تسألهم وفي اللقاء إذا تلقى بهم بهم
يكاد يحكيك صوب الغيث
منسكبًا لو كان طلق المحيَّا يمطر الذهب
إن السحاب لتستحيي إذا نظرت إلى نداك فقاسته بما فيها
وكنت إذا
كف أتتك عديمة ترجي نوالًا من سحابك بلتي

سحابك بلتي
أبي أحمد الغيثين صعصعة الذي متى تخلف الجوزاء والدلو يمطر
وصاعقة من نصله تنكفي بها على أرأس الأقران خمس سحائب
يزكون نار القرى في
كل شاهقة يلقى بها المندل الهندي محطوما
وما يك في من عيب فإني جبان الكلب مهزول الفصيل
طويل النجاد
رفيع العماد كثير الرماد إذا ما شتى
فما جازه جود ولا حل دونه ولكن يصير الجود حيث يصير
هكذا نجد المعنى الواحد
وهو الكرم يتعدد، ويأتي في صور مختلفة، أو في طرق مختلفة مع وضوح الدلالة على معنى الكرم، ولعله قد وضح أمامنا الآن من خلال التمثيل معنى الكرم مقصود التعريف هو الميدان الذي يجول فيه هذا العلم؛ لأن الكثير من الحداثيين يقولون: أن العلم البلاغة قاصر؛ لأنه يقتصر على المعنى الواحد في علم البيان، وهم فاتهم أن هذا إنما هو علم مكمل لعلم المعاني


فالمعاني يشمل كل ضروب القول شعرًا ونثرًا، وقرآنًا وسنة، خصائص التراكيب في كل كلام العرب، وفي كل ما وصل إلينا من كلام بليغ.

لكن علم البيان تكلم عن الوجوه والطرق التي يتأتَّى بها هذا الكلام البليغ، فهذا له مجال، وهذا له مجال، وكل منهما يُكمل الآخر، ونزيد هنا فنقول: أن كلمة علم، نريد أن نعرج إلى تعريف علم البيان، يقولون: علم يُعرف به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة عليه، فكلمة علم تعني مجموعة القواعد، والضوابط، والقوانين التي يُعرف بها إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة، كضوابط الاستعارة، والمجاز، وقوانين الكناية، والتعريض، والذي لا يقلُّ عن ذلك أهمية هو الملكة التي تتربَّى لدى الدارس؛ لتذوق هذه الضوابط، وتطبيقها على النصوص.
ومرادهم بالمعنى الواحد المعنى الذي يعبر عن المتكلم بكلام تام مطابق لمقتضى الحال، على ما مر بنا من أمثلة حول معنى الكرم،
قولهم بطرق مختلفة مع وضوح الدلالة عليه يعني: متعددة ومتفاوتة في درجة الوضوح، بأن يكون بعضها واضح، وبعضها أوضح، وبعضها أشد وضوحًا، ألا ومرادهم بكلمة مع، أو في وضوح الدلالة عليه.


المقصود من كلمة الدلالة في علم البيان:

الدلالة اللفظية، لماذا؟ لأننا عندنا عدة دلالات، فهناك ما يسمى بدلالة العقد، وهي دلالة الحساب التي تكون بأصابع اليد، وهناك دلالة الإشارة، وتكون باليد، أو بالرأس، أو العين، أو الحاجب، هناك دلالة الخط التي هي دلالة الكتابة، هناك دلالة الحال التي، كدلالة الحمرة على الخجل، الذي يعنينا هو الدلالة اللفظية.
والبلاغيون اعتمدوا هذه الدلالة اللفظية،
وأسموها بالدلالة العقلية، وهذه تشمل دلالة التضمين ودلالة الالتزام، هذه مصطلحات ذكرها السكاكي.


يتبع











التوقيع

أيها المساء ...كم أنت هادئ

    رد مع اقتباس