عرض مشاركة واحدة
قديم 2017-09-10, 11:56 رقم المشاركة : 96
صانعة النهضة
مراقبة عامة
 
الصورة الرمزية صانعة النهضة

 

إحصائية العضو








صانعة النهضة غير متواجد حالياً


وسام التنظيم المميز السيرة 1438ه

مسابقة السيرة 5

وسام المنظمة

وسام منظم مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية الفضية

وسام المشاركة في الدورة التكوينية مهارات الاتصال ا

وسام المطبخ المرتبة 1

وسام لجنة التحكيم

وسام العضو المميز

افتراضي رد: حصرى على منتديات الأستاذ:يوميات أستاذ


مدراس الأمس واليوم



عبد الصمد بن شريف
السبت 09 شتنبر 2017 - 14:00




بحنين جارف وإحساس استثنائيّ أتذكر دفاتري وكتبي الأولى ومحافظي وأساتذتي، أستحضر بحميمية خاصة تلك الصباحات التي كنت أغادر فيها منزلنا القروي، متأبطا حزمة من الأحلام ومتسلحا بجرعة وافية من الحماس والرغبة في الانتصار على مظاهر التهميش والعزلة والنسيان والإقصاء والحرمان، التي كانت تطوق قريتنا المرمية بين جبال الريف.


كانت المسافة الفاصلة بين المنزل والمدرسة تبدو هينة بالرغم من طولها، والمسالك التي كنا نعبرها ونحن صغارا كانت سجادا من حرير بالرغم من وعورتها، وبالرغم من مخاطر الطبيعة وغاراتها المفاجئة وهجوماتها غير المتوقعة..


كنا نتحدى كل شيء، وعندما كان الوادي الكبير يصل إلى منتهى الجنون والهيجان مندفعا ومقتلعا كل ما يجده أمامه كانت الأسر تعلن حالة استثناء واستنفار، وتظل معتصمة وصامدة إلى أن يهدأ وينخفض منسوبه لتشرع بعد ذلك في نقلنا من ضفة إلى ضفة..


عندما أتأمل هذا المشهد بالرغم من توغله عميقا في الزمن، أدرك حجم الرهان الذي كانت تعقده علينا أسرنا، كانت ترى في تمدرسنا وتعلمنا صمام أمان، وطريقا للخلاص من وضع لم يجدوا وسيلة لتغييره، خاصة أن سنوات الرصاص الفتاك والجمر الحارق أنتجت ثقافة اللامبالاة والإهانات والتحقير، لم يكن لدينا من شروط العيش سوى إرادة الحياة، ومع ذلك كافحت الأمهات وناضل الآباء من أجل أن يشهدوا ذات عمر أن أحد أبنائهم تمكن من الوصول إلى بر الأمان، بعد أن حصل على وظيفة.


أما الفتيات فكان حظهن تعسا إلى أبعد الحدود، حيث لم يكن ممكنا مطلقا في تلك السنوات السماح لهن بالذهاب على المدرسة نظرا لبُعد المسافة وصعوبة الطريق، ونظرا لطبيعة القيم التي كانت سائدة في المنطقة وظروف العيش المعيقة لكل تحول إيجابي..
ونتيجة لتلك الوضعية، حرمت الآلاف من الفتيات من حق أساسي وجوهري، ألا وهو الحق في المعرفة، وكان بمقدور المئات أن يصبحن طبيبات أو مهندسات أو مدرسات أو موظفات في مؤسسات وقطاعات مختلفة...


لم تكن لدينا مكتبات أو فضاءات للقراءة والترفيه، لم تكن لدينا أية إمكانية لمشاهدة التلفزة واكتشاف عوالمها السحرية ولو أنها كانت تقدم برامجها بالأسود والأبيض، لم تكن لدينا دروس للتقوية أو معاهد أجنبية، كل ما كان يوجد بحوزتنا محفظة متهدلة، بداخلها كتاب بالعربية وآخر بالفرنسية إلى جانب المصحف الكريم، ودفتر أو اثنان على الأكثر.



كان هذا كل ذخيرتنا وسلاحنا في ميدان المعرفة وحرب التحصيل، وكم كنت أحلم بالحصول على قصص ومجلات وكتب باللغتين العربية والفرنسية، لكن ذلك كان من باب المستحيل، فكان البديل والملاذ هو أن أقرأ وأستثمر إلى أقصى الحدود كتاب المطالعة بالعربية وكتابا آخر بالفرنسية شكل مصدرا غنيا ونفيسا لإثراء فرنسيتي.


ما نعشيه اليوم شبيه بنار فتنة جماعية تلتهم ألسنتها عددا مهما من الأسر المغربية ،فتنة من نوع خاص، لا هي حرب قائمة على الخطط العسكرية والإستراتجية، ولا هي منازلة حامية تستعر وتشتعل بسبب حجم ونوعية الأسلحة المستعملة فيها، إنها مع ذلك تشبه الحرب في كثير من تفاصيلها ومواصفاتها، حرب فرضت على جزء من المغاربة الذين فقدوا الثقة في مدرستهم العمومية، وركبوا موجة البحث عن الجودة والتكوين الجيد والتأطير الحديث في مدارس خاصة، وهم في اختيارهم هذا، متفاوتون من حيث المنفعة والضرر.


يتبع






التوقيع

أيها المساء ...كم أنت هادئ

    رد مع اقتباس