الموضوع: سورة الحج
عرض مشاركة واحدة
قديم 2017-06-02, 19:06 رقم المشاركة : 3
أم سهام
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية أم سهام

 

إحصائية العضو









أم سهام غير متواجد حالياً


وسام المرتبة الثالثة في مسابقة القران الكريم

وسام المرتبة الثانية

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام المرتبة الثانية مسابقة الأستاذ الرمضانية

وسام المشاركة في دورة HTML

وسام المركز الثالث في مسابقة نتخلق بخلقه لنسعد بقر

وسام المركز الثالث في  المسابقة االرمضانية الكبرى

افتراضي رد: سورة الحج


[COLOR="Sienna"]* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق

[/COLOR]{ إِنَّ ظ±للَّهَ يُدَافِعُ عَنِ ظ±لَّذِينَ آمَنُوغ¤اْ إِنَّ ظ±للَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ } * { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ ظ±للَّهَ عَلَىظ° نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } * { ظ±لَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ظ±للَّهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ ظ±للَّهِ ظ±لنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ظ±سمُ ظ±للَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ ظ±للَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ ظ±للَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } * { ظ±لَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي ظ±لأَرْضِ أَقَامُواْ ظ±لصَّلاَةَ وَآتَوُاْ ظ±لزَّكَـاةَ وَأَمَرُواْ بِظ±لْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ ظ±لْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ ظ±لأُمُورِ } * { وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ } * { وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ } * { وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَىظ° فَأمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } * { فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىظ° عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ } * { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ظ±لأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ظ±لأَبْصَارُ وَلَـظ°كِن تَعْمَىظ° ظ±لْقُلُوبُ ظ±لَّتِي فِي ظ±لصُّدُورِ } * { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِظ±لْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ ظ±للَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } * { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ ظ±لْمَصِيرُ } * { قُلْ يظ°أَيُّهَا ظ±لنَّاسُ إِنَّمَآ أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { فَظ±لَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ظ±لصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } * { وَظ±لَّذِينَ سَعَوْاْ فِيغ¤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَـظ°ئِكَ أَصْحَابُ ظ±لْجَحِيمِ } * { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىظ° أَلْقَى ظ±لشَّيْطَانُ فِيغ¤ أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ ظ±للَّهُ مَا يُلْقِي ظ±لشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ ظ±للَّهُ آيَاتِهِ وَظ±للَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي ظ±لشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَظ±لْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ ظ±لظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } * { وَلِيَعْلَمَ ظ±لَّذِينَ أُوتُواْ ظ±لْعِلْمَ أَنَّهُ ظ±لْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُواْ بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ ظ±للَّهَ لَهَادِ ظ±لَّذِينَ آمَنُوغ¤اْ إِلَىظ° صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { وَلاَ يَزَالُ ظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّىظ° تَأْتِيَهُمُ ظ±لسَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ } * { ظ±لْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ للَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَظ±لَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ظ±لصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ ظ±لنَّعِيمِ } * { وَظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيظ°تِنَا فَأُوْلَـظ°ئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } * { وَظ±لَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ ظ±للَّهِ ثُمَّ قُتِلُوغ¤اْ أَوْ مَاتُواْ لَيَرْزُقَنَّهُمُ ظ±للَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ ظ±للَّهَ لَهُوَ خَيْرُ ظ±لرَّازِقِينَ } * { لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ ظ±للَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ } * { ذظ°لِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ ظ±للَّهُ إِنَّ ظ±للَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } * { ذظ°لِكَ بِأَنَّ ظ±للَّهَ يُولِجُ ظ±للَّيْلَ فِي ظ±لنَّهَارِ وَيُولِجُ ظ±لنَّهَارَ فِي ظ±للَّيْلِ وَأَنَّ ظ±للَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } * { ذظ°لِكَ بِأَنَّ ظ±للَّهَ هُوَ ظ±لْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ ظ±لْبَاطِلُ وَأَنَّ ظ±للَّهَ هُوَ ظ±لْعَلِيُّ ظ±لْكَبِيرُ }

المنَاسَبَة:
لما بيَّن تعالى مناسك الحج وما فيه من منافع الدنيا والآخرة، وذكر أن الكفار صدوا المؤمنين عن دين الله وعن دخول مكة، بيَّن هنا أنه يدافع عن المؤمنين وذكر الحكمة من مشروعية القتال ومنها الدفاع عن المقدسات، وحماية المستضعفين، وتمكين المؤمنين من عبادة الله تعالى.

اللغَة:
{ صَوَامِعُ } جمع صومعة وهي البناء المرتفع وهي مختصة بالرهبان { بِيَعٌ } جمع بيعة وهي كنيسة النصارى { وَصَلَوَاتٌ } كنائس اليهود وقال الزجاج: وهي بالعبرانية صَلُوتا { نَكِيرِ } مصدر بمعنى الإِنكار قال الجوهري: النكيرُ والإِنكارُ تغيير المنكر { مُّعَطَّلَةٍ } متروكة وتعطيل الشيء إبطال منافعه { مَّشِيدٍ } مرفوع البنيان.

التفسِير:
{ إِنَّ ظ±للَّهَ يُدَافِعُ عَنِ ظ±لَّذِينَ آمَنُوغ¤اْ } أي ينصر المؤمنين ويدفع عنهم بأس المشركين، وهذه بشارة للمؤمنين بإعلائهم على الكفار وكفِّ كيدهم عنهم { إِنَّ ظ±للَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ } أي إنه تعالى يبغض كل خائنٍ للأمانة جاحدٍ نعمة الله { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ } فيه محذوف تقديره: أُذن لهم في القتال بسبب أنهم ظُلموا قال ابن عباس: هذه أو آيةٍ نزلت في الجهاد قال المفسرون: هم أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مشركو مكة يؤذونهم أذى شديداً وكانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مضروب ومشجوح ويتظلمون إليه فيقول لهم: اصبروا فإني لم أومر بقتالهم حتى هاجروا فأُنزلت هذه الآية وهي أول آيةٍ أُذن فيها بالقتال بعدما نهي عنه في أكثر من سبعين آية { وَإِنَّ ظ±للَّهَ عَلَىظ° نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } أي هو تعالى قادر على نصر عباده من غير قتال ولكنه يريد منهم أن يبذلوا جهدهم في طاعته لينالوا أجر الشهداء { ظ±لَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ } أي أُخرجوا من أوطانهم ظلماً وعدواناً بغير سبب موجب للإِخراج قال ابن عباس: يعني محمداً وأصحابه أُخرجوا من مكة إلى المدينة بغير حق { إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ظ±للَّهُ } أي ما كان لهم إساءة ولا ذنب إلا أنهم وحدوا الله ولم يشركوا به أحداً { وَلَوْلاَ دَفْعُ ظ±للَّهِ ظ±لنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } أي لولا ما شرعه الله من الجهاد وقتال الأعداء لاستولى أهل الشرك على أهل الأديان وتعطلت الشعائر ولكنه تعالى دفع شرهم بأن أمر بقتالهم { لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ } أي لتهدمت معابد الرهبان وكنائس النصارى { وَصَلَوَاتٌ } أي كنائس اليهود { وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ظ±سمُ ظ±للَّهِ كَثِيراً } أي ومساجد المسلمين التي يعبد فيها الله بكرة وأصيلاً، ومعنى الآية أنه لولا كفُّه تعالى المشركين بالمسلمين، وإذنه بمجاهدة المسلمين للكافرين لاستولى المشركون على أهل الملل المختلفة في أزمانهم فهدموا موضع عباداتهم، ولم يتركوا للنصارى بيعاً، ولا لرهبانهم صوامع، ولا لليهود كنائس، ولا للمسلمين مساجد، ولغلب المشركون أهل الأديان، وإنما خص المساجد بهذا الوصف { يُذْكَرُ فِيهَا ظ±سمُ ظ±للَّهِ كَثِيراً } تعظيماً لها وتشريفاً لأنها أماكن العبادة الحقة { وَلَيَنصُرَنَّ ظ±للَّهُ مَن يَنصُرُهُ } قسمٌ أي والله سينصر الله من ينصر دينه ورسوله { إِنَّ ظ±للَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } أي إنه تعالى قادر لا يعجزه شيء، عزيزٌ لا يُقهر ولا يغلب قال ابن كثير: وصف نفسه بالقوة والعزة، فبقوته خلق كل شيء، وبعزته لا يقهره قاهر ولا يغلبه غالب { ظ±لَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي ظ±لأَرْضِ أَقَامُواْ ظ±لصَّلاَةَ وَآتَوُاْ ظ±لزَّكَـاةَ } قال ابن عباس: هم المهاجرون والأنصار والتابعون بإحسان، والمعنى: هؤلاء الذين يستحقون نصرة الله هم الذين إن جعلنا لهم سلطاناً في الأرض وتملكاً واستعلاء عبدوا الله وحافظوا على الصلاة وأداء الزكاة { وَأَمَرُواْ بِظ±لْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ ظ±لْمُنْكَرِ } أي دعوا إلى الخير ونهوا عن الشر { وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ ظ±لأُمُورِ } أي مرجع الأمور إلى حكمه تعالى وتقديره { وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ } تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم ووعيد للمشركين أي إن كذبك أهل مكة فاعلم إنك لست أول رسول يكذبه قومه فقد كان قبلك أنبياء كُذبوا فصبروا إلى أهلك الله المكذبين، فاقتد بهم واصبر { وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ } أي وكذب قوم إبراهيم وقوم لوط وقوم شعيب { وَكُذِّبَ مُوسَىظ° } أي وكذب موسى أيضاً مع وضوح آياته، وعظم معجزاته فما ظنك بغيره؟ { فَأمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ } أي أمهلتهم ثم أخذتهم بالعقوبة { فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } استفهام تقريري أي فكيف كان إنكاري عليهم بالعذاب ألم يكن أليماً؟ ألم أبدلهم بالنعمة نقمة، وبالكثرة قلة، وبالعمارة خراباً؟ فكذلك أفعل بالمكذبين من أهل مكة { فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا } أي كم من قرية أهلكنا أهلها بالعذاب الشامل { وَهِيَ ظَالِمَةٌ } أي وهي مشركة كافرة { فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىظ° عُرُوشِهَا } أي خرت سقوفها على الأرض ثم تهدمت حيطانها فسقطت فوق السقوف فهي مخربة مهدمة { وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ } أي وكم من بئر عطلت فتركت لا يستقى منها لهلاك أهلها { وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ } أي وكم من قصر مرفوع البنيان أصبح خالياً بلا ساكن، أليس في ذلك عبرة للمعتبر؟ { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ظ±لأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ } أي أفلم يسافر أهل مكة ليشاهدوا مصارع الكفار فيعتبروا بما حل بهم من النكال والدمار!! وهلاّ عقلوا ما يجب أن يُعقل من الإِيمان والتوحيد! { أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا } أي أو تكون لهم آذانٌ يسمعون بها المواعظ والزواجر { فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ظ±لأَبْصَارُ وَلَـظ°كِن تَعْمَىظ° ظ±لْقُلُوبُ ظ±لَّتِي فِي ظ±لصُّدُورِ } أي ليس العمى على الحقيقة عمى البصر، وإنما العمى عمى البصيرة فمن كان أعمى القلب لا يعتبر ولا يتدبر، وذِكرُ الصدور للتأكيد ونفي توهم المجاز { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِظ±لْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ ظ±للَّهُ وَعْدَهُ } أي ويستعجلك يا محمد هؤلاء المشركون بالعذاب استهزاءً، وإن ذلك واقع لا محالة، لكن لوقوعه أجل لا يتعداه لأنه تعالى لا يخلف الميعاد { وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } أي هو تعالى حليم لا يعجل فإن مقدار ألف سنة عند خلقه كيوم واحد عنده بالنسبة إلى حلمه فلِم إذاً يستبعدونه ويستعجلون العذاب؟ ولهذا قال بعد ذلك { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ } أي وكثير من أهل قرية أخرت إهلاكهم وأمهلتهم مع استمرارهم على الظلم فاغتروا بذلك التأخير { ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ ظ±لْمَصِيرُ } أي ثم أخذتهم بالعذاب بعد طول الإِمهال وإليَّ المرجع والمآب قال في البحر: لما كان تعالى قد أمهل قريشاً حتى استعجلت بالعذاب ذكر الآية تنبيهاً على أن السابقين أُمهلوا ثم أُهلكوا وأن قريشاً وإن أملى تعالى لهم وأمهلهم فإن لا بد من عذابهم فلا يفرحوا بتأخير العذاب عنهم { قُلْ يظ°أَيُّهَا ظ±لنَّاسُ إِنَّمَآ أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } أي قل يا محمد لهؤلاء المستعجلين للعذاب إنما أنا منذر لكم أخوفكم عذاب الله وأنذركم إنذاراً بيناً من غير أن يكون لي دخلٌ في تعجيل العذاب أو تأخيره { فَظ±لَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ظ±لصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } أي فالمؤمنون الصادقون الذين جمعوا بين الإِيمان والعمل الصالح لهم عند ربهم مغفرة لذنوبهم ورزق كريم في جنان النعيم قال الرازي: بين سبحانه أن من جمع بينهما فالله تعالى يجمع له بين المغفرة والرزق الكريم وقال القرطبي: إذا سمعت الله تعالى يقول { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } فاعلم أنه الجنة { وَظ±لَّذِينَ سَعَوْاْ فِيغ¤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ } أي كذبوا بآياتنا وسعوا في إبطالها مغالبين مشاقين يريدون إطفاء نور الله { أُوْلَـظ°ئِكَ أَصْحَابُ ظ±لْجَحِيمِ } أي فأولئك هم أصحاب النار الحارة الموجعة، الشديد عذابها ونكالها، شبههم من حيث الدوام بالصاحب قال الرازي: فإن قيل: إنه عليه السلام بشر المؤمنين أولاً، وأنذر الكافرين ثانياً في هذه الآية فكان القياس أن يقال { إِنَّمَآ أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } والجواب أن الكلام مسوق إلى المشركين وهم الذين استعجلوا العذاب و { يظ°أَيُّهَا ظ±لنَّاسُ } نداءٌ لهم، وإنما ذكر المؤمنين وثوابهم زيادة لغيظهم وإيذائهم { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ } أي وما أرسلنا قبلك يا محمداً رسولاً ولا نبياً { إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىظ° } أي إلا إذا أحبَّ شيئاً وهويته نفسه { أَلْقَى ظ±لشَّيْطَانُ فِيغ¤ أُمْنِيَّتِهِ } أي ألقى الشيطان فيما يشتهيه ويتمناه بعض الوساوس التي توجب اشتغاله بالدنيا كما قال عليه السلام
" إنه ليُغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم سبعين مرة " قال الفراء: تمنى إذا حدَّث نفسه وفي البخاري: قال ابن عباس: " إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته " إلا إذا حدَّث ألقى الشيطان في حديثه فيبطل الله ما يلقي الشيطان ويحكم الله آياته، ويقال: أمنيته: قراءته قال النحاس: وهذا من أحسن ما قيل في الآية وأجله، ومعنى الآية: وما أرسلنا رسولاً ولا نبياً فحدث نفسه بشيء وتمنى لأمته الهداية والإِيمان إلا ألقى الشيطان الوساوس والعقبات في طريقه بتزيين الكفر لقومه وإلقائه في نفوسهم مخالفةً لأمر الرسول وكأنَّ الآية تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم تقول له: لا تحزن يا محمد على معاداة قومك لك فهذه سنة المرسلين { فَيَنسَخُ ظ±للَّهُ مَا يُلْقِي ظ±لشَّيْطَانُ } أي يزيل ويبطل الله ما يلقيه الشيطان من الوساوس والأوهام { ثُمَّ يُحْكِمُ ظ±للَّهُ آيَاتِهِ } أي يثبت في نفس الرسول آياته الدالة على الوحدانية والرسالة { وَظ±للَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } أي مبالغٌ في العلم حكيم يضع الأشياء في مواضعها قال أبو السعود: وفي الآية دلالة على جواز السهو من الأنبياء عليهم السلام، وتطرق الوسوسة إليهم { لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي ظ±لشَّيْطَانُ } أي ليجعل تلك الشبه والوساوس التي يلقيها الشيطان { فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } أي فتنة للمنافقين الذين في قلوبهم شك وارتياب { وَظ±لْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ } أي وفتنةً للكافرين الذين لا تلين قلوبهم لذكر الله، وهم خواص من الكفار عتاةٌ كأبي جهل، والنضر، وعتبة { وَإِنَّ ظ±لظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } أي وإن هؤلاء المذكورين من المنافقين والمشركين لفي عداوة شديدة لله ولرسوله، ووصف الشقاق بلفظ { بَعِيدٍ } لأنه في غاية الضلال والبعدِ عن الخير { وَلِيَعْلَمَ ظ±لَّذِينَ أُوتُواْ ظ±لْعِلْمَ أَنَّهُ ظ±لْحَقُّ مِن رَّبِّكَ } أي وليعلم أهل العلم أن القرآن هو الحق النازل من عند الله تعالى { فَيُؤْمِنُواْ بِهِ } أي يؤمنوا بهذا القرآن { فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ } أي تخشع وتسكن له قلوبهم بخلاف من في قلبه مرض { وَإِنَّ ظ±للَّهَ لَهَادِ ظ±لَّذِينَ آمَنُوغ¤اْ إِلَىظ° صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } أي مرشد المؤمنين إلى الصراط المستقيم ومنقذهم من الضلالة والغواية { وَلاَ يَزَالُ ظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ } أي ولا يزال هؤلاء المشركون في شك وريب من هذا القرآن { حَتَّىظ° تَأْتِيَهُمُ ظ±لسَّاعَةُ بَغْتَةً } أي حتى تأتيهم الساعة فجأة دون أن يشعروا قال قتادة: ما أخذ الله قوماً قطُّ إلا عند سكرتهم وغرتهم ونعمتهم فلا تغتروا بالله إنه لا يغتر بالله إلا القوم الفاسقون { أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ } أي أو يأتيهم عذاب يوم القيامة وسمي عقيماً لأنه لا يوم بعده قال أبو السعود: كأنَّ كل يوم يلد ما بعده من الأيام، فما لا يوم بعده يكون عقيماً، والمراد به الساعة أيضاً كأنه قيل: أو يأتيهم عذابها، ووضع ذلك موضع الضمير لمزيد التهويل { ظ±لْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ للَّهِ } أي الملك يوم القيامة لله وحده لا منازع له فيه ولا مدافع { يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } أي يفصل بين عباده بالعدل، فيدخل المؤمنين الجنة والكافرين النار ولهذا قال { فَظ±لَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ظ±لصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ ظ±لنَّعِيمِ } أي فالذين صدقوا الله ورسوله وفعلوا صالح الأعمال لهم النعيم المقيم في جنات الخلد { وَظ±لَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآياتِنَا فَأُوْلَـظ°ئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } أي والذين جحدوا بآيات الله وكذبوا رسله لهم العذاب المخزي مع الإِهانة والتحقير في دار الجحيم { وَظ±لَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ ظ±للَّهِ } أي تركوا الأوطان والديار ابتغاء مرضاة الله وجاهدوا لإِعلاء كلمة الله { ثُمَّ قُتِلُوغ¤اْ أَوْ مَاتُواْ } أي قتلوا في الجهاد أو ماتوا على فرشهم { لَيَرْزُقَنَّهُمُ ظ±للَّهُ رِزْقاً حَسَناً } أي ليعطينهم نعيماً خالداً لا ينقطع أبداً وهو نعيم الجنة { وَإِنَّ ظ±للَّهَ لَهُوَ خَيْرُ ظ±لرَّازِقِينَ } أي هو تعالى خير من أعطى فإنه يرزق بغير حساب { لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ } أي ليدخلنهم مكاناً يرضونه وهو الجنة التي فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر { وَإِنَّ ظ±للَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ } أي عليم بدرجات العاملين حليم عن عقابهم { ذظ°لِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ } أي جازى الظالم بمثل ما ظلمه { ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ ظ±للَّهُ } أي ثم اعتدى الظالم عليه ثانياً لينصرن الله ذلك المظلوم { إِنَّ ظ±للَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } أي مبالغ في العفو والغفران، وفيه تعريض بالحث على العفو والصفح، فإنه تعالى مع كمال قدرته على الانتقام يعفو ويغفر فغيره أولى بذلك { ذظ°لِكَ بِأَنَّ ظ±للَّهَ يُولِجُ ظ±للَّيْلَ فِي ظ±لنَّهَارِ وَيُولِجُ ظ±لنَّهَارَ فِي ظ±للَّيْلِ } أي ذلك النصر بسبب أن الله قادر، ومن آيات قدرته إيلاج الليل في النهار أي أنه يدخل كلاً منهما في الآخر.
بأن ينقص من الليل فيزيد في النهار وبالعكس وهذا مشاهد ملموس في الصيف والشتاء { وَأَنَّ ظ±للَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } أي سميع لأقوال عباده بصير بأحوالهم لا تخفى عليه خافية { ذظ°لِكَ بِأَنَّ ظ±للَّهَ هُوَ ظ±لْحَقُّ } أي ذلك بأن الله هو الإِله الحق { وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ ظ±لْبَاطِلُ } أي وأن الذي يدعوه المشركون من الأصنام والأوثان هو الباطل الذي لا يقدر على شيء { وَأَنَّ ظ±للَّهَ هُوَ ظ±لْعَلِيُّ ظ±لْكَبِيرُ } أي هو العالي على كل شيء ذو العظمة والكبرياء فلا أعلى منه ولا أكبر.

البَلاَغَة:

تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:

1- صيغة المبالغة { خَوَّانٍ كَفُورٍ } لأن فعال وفعول من صيغ المبالغة.

2- الحذف لدلالة السياق عليه { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ } أي أُذن بالقتال للذين يقاتلون.

3-تأكيد المدح بما يشبه الذم { إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ظ±للَّهُ } أي لا ذنب لهم إلا هذا.

4- المقابلة اللطيفة بين { فَظ±لَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ظ±لصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } وبين { وَظ±لَّذِينَ سَعَوْاْ فِيغ¤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَـظ°ئِكَ أَصْحَابُ ظ±لْجَحِيمِ }.

5- جناس الاشتقاق { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ }.

6- الطباق بين { يَنسَخُ.. ثُمَّ يُحْكِمُ }.

7- الاستعارة البديعة { أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ } وهذا من أحسن الاستعارات لأن العقيم المرأة التي لا تلد، فكأنه سبحانه وصف ذلك اليوم بأنه لا ليل بعده ولا نهار لأن الزمان قد مضى، والتكليف قد انقضى، فجعلت الأيام بمنزلة الولدان لليالي، وجعل ذلك اليوم من بينها عقيماً على طريق الاستعارة.






التوقيع

    رد مع اقتباس