عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-03-14, 17:42 رقم المشاركة : 1
ابن خلدون
بروفســــــــور
إحصائية العضو







ابن خلدون غير متواجد حالياً


الوسام الذهبي

وسام المراقب المتميز

a9 على هامش اجتماع نقابة مفتشي التعليم .. خلف ستار أسود.. لحسن كجديحي


على هامش اجتماع نقابة مفتشي التعليم .. خلف ستار أسود..
بواسطة: المسائية العربية
بتاريخ : الأحد 14-03-2010 06:08 مساء



عدم الالتزام بما تم الاتفاق عليه.
غياب حوار صريح وملتزم.
عدم استغلال الانخراط اللامشروط لهيئة التفتيش.
إلى غير ذلك من ....
لم أعرف أن هذا النفق يطل على مقبرة الإهمال.. كنت مرهقا بعد رحلة عمل طويلة شاقة، وليس لي إلا أن أنام. فتحت الستائر وانكشفت لي متاهات متجاورة. وعود تتجمع وتلتقي، تخرج من مكانها وتتزحزح وترتجّ كالماء،


وتطفو إلى الأعلى،جامحة تضرب بعضها البعض، والشواهد تنهار بلونيها الرمادي والأبيض، أما الرؤوس الذي كللها الشيب فكانت مملوءة بهموم الدهر الغاشم ،لم أخبر قريني بالأمر، كان مشغولا بالارتخاء بعد السفر الطويل.

لم أغلق الستارة، ولفت انتباهي دخول جماعات من الشخوص بجنازة من الباب المنسي للحوار المزعوم: كان الحاضرون يرتدون ملابس الصبر، وكانت المؤامرة من خلفهم تمشي كالغراب بعباءة سوداء. لا إراديا فتحت النافذة، جاءني هواء هذه المؤامرة الساخن الذي يبرد في الليل. كنت أريد أن أتبع صوت هذه الجنازة، سمعت الولولة أولا، جاءتني مع هبوب الريح من الشرق. تأكدت أن البوابة التي دخلوا منهـا منهكة لها حديد صدئ، النصف الآخر من البوابة كان ساقطا على الجهة الأخرى، وضعوا الجنازة على الطاولة وارتفعت زغاريد المكر والخداع. التقى المحاورون فاختفت الجنازة. ماذا لو شاهد قريني هذا المنظر؟! وكيف اخترنا هذا النفق لشهر العسل؟ اتخذت قراري بالفرار من هذا النفق في أقرب فرصة. لن أخبر قريني ، لكنه سيفتح الستارة بالحتم. نمت على المقعد الذي بجوار السرير وأنا أنتظر دوري لدخول الحمام.

كانت الرحلة اللامشروطة طويلة استغرقت سنوات عدة. رحلات الإصلاحات؟؟؟ متعبة، لم أفق إلا في خريف العمر. عندما فتحت عيني كان قريني جالسا أمامي عند مفترق الطرق. قال لي دون أن يلتفت: نمت سنوات و سنوات، وتركتك ترتاح، فالليلة سنسهر حتى الصباح. لم أجبه، كنت لا أزال في حوزة النوم. نمت بثياب السفر. حلمت أحلاما مفزعة. كان رأسي ثقيلا...

لماذا نجد أنفسنا في مراحل انتقال لا تنتهي، ونقفز من عدم اتفاق إلى عدم اتفاق. ونفاجأ بأنفسنا دائمًا في حالة من انعدام الوزن التاريخي. ويقودنا كل ذلك إلى تشوش لا يجدي معه علاج واحد أو محدد. أسئلة عديدة يحملها هذا المقال، فيثير اهتمامنا بظاهرة نحياها ولا نتوقف عندها بما يكفي، وبما ينبغي..
منذ تفتح إدراكنا على الأوضاع والشؤون التربوية لبلادنا، ونحن نسمع عبارتين تترددان بغير سأم وبغير شعور بالاصطناع، هاتان العبارتان هما: - في هذه الأيام العصيبة التي يمر بها الشأن التربوي... - إن إكراهات التحول والانتقال التي نحياها تحتاج إلى....

نحن نطمئن إلى القول بأنه على مدى السنوات السابقة، كان هناك شعور طاغ لدينا نتداوله ونتوارثه، بأن الأيام المعيشة أيام عصيبة، وأننا في سنوات انتقال وتحول. وترسب لدينا من ذلك أن أيامنا مؤقتة، وأننا لسنا في ظروف عادية. أكاد أقول إننا جميعا نتفق على أن ما نحياه يمثل شذوذا واستثناء، أو هو نتوء تاريخي، ولكن العجيب أننا مع هذا الاتفاق جد مختلفون حول ما هو العادي من الظروف، ومتصارعون حول بيان ما لا نحياه من الأوضاع وحول تبين ما يجب أن تكون عليه أحوالنا. نحن نختلف حول ما كنا فيه وما نصير إليه، وحول تقييم أوضاع الماضي الذي نخرج عنه، وتصورنا لأوضاع المستقبل الذي ندخل فيه، ونحن نتصارع حول "تقييم" الماضي والمستقبل، بمعنى أننا نتفق في أن حاضرنا هو مرحلة انتقال من وضع مختلف على تقييمه إلى وضع نختلف على تصوره.

إننا عندما نتحرك من نظام إلى نظام نفقد بالتدريج الضوابط الحاكمة للنظام القديم، ولا نكتسب الضوابط الحاكمة للنظام الجديد إلا بالتدريج أيضا. والنظم السياسية والاجتماعية ،كما قيل، كالأجرام السماوية، لكل منها نطاق جاذبية، وتقوى الجاذبية مع القرب من الجرم وتخف وتزول مع البعد عنه. ومرحلة الانتقال تعني التخفف التدريجي من نطاق جاذبية نظام، والدخول التدريجي في نطاق الجاذبية الآخر أو الحاكمية الجديدة، أو الأطر المرجعية التي تستهدي بها الجماعة، وتضبط حركتها ونشاطها ومثلها وقيمها وأنماط العلاقات بين أفراد الجماعة ومجموعاتهم.
والحاصل أنه عندما يقضى على نظام ويحل محله نظام آخر، لا يمكن أن يحدث هذا فجأة ومرة واحدة، من ناحية التكوين المؤسسي له والضوابط الحاكمة للجماعات والأفراد، والتي تكون صدرت وانجدلت من الأطر المرجعية للنظام. يمكن أن ينقلب نظام معين من رأسه في يوم وليلة، وأن يسقط نظام سياسي في عدد محدود من الساعات، ولكن لا يمكن أن يتغير التكوين المؤسسي وهياكل التشريع والأحكام الضابطة لأوضاع الجماعات والأفراد وعلاقاتهم، لا يمكن أن يتغير كل ذلك بمثل تلك المباغتات، ذلك أن هذه التكوينات والضوابط والأحكام تمتد فيما لا يحصى
من التفريعات إلى كل تفاصيل الحياة الاجتماعية وجزئياتها.
لقد صارت عندنا نتف ومزق من أنظمة تربوية مختلفة تتعايش أو تتضارب مع بعضها البعض، وهذا الوضع يلقي بنا في صعوبات جمة، لأننا نتعامل مع واقع ليس متسقا وليس منسجما، بل هو واقع قد صار على أوضاع شتى بالنسبة لأي مسألة، ولان الواقع ليس واحدًا، فلا يقوم علاج واحد يرتب أثرًا واحدًا وينتج النتيجة ذاتها.

لحسن كجديحي







آخر تعديل ابن خلدون يوم 2010-03-14 في 17:59.
    رد مع اقتباس