عرض مشاركة واحدة
قديم 2017-01-27, 21:40 رقم المشاركة : 16
صانعة النهضة
مراقبة عامة
 
الصورة الرمزية صانعة النهضة

 

إحصائية العضو








صانعة النهضة غير متواجد حالياً


وسام التنظيم المميز السيرة 1438ه

مسابقة السيرة 5

وسام المنظمة

وسام منظم مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية الفضية

وسام المشاركة في الدورة التكوينية مهارات الاتصال ا

وسام المطبخ المرتبة 1

وسام لجنة التحكيم

وسام العضو المميز

افتراضي رد: تطوان: "بنت غرناطة"الحاضنة للحضارة الأندلسية بالمغرب





– شبكة ماء سكوندو:










عبقريّة المْعلم التطواني الأندلسي


توفرت مدينة تطوان منذ إعادة بنائها في نهاية القرن الخامس عشر الميلادي، على نظام توزيع أصيل لتوزيع الماء، عُرف لاحقا باسم “السكوندو”([73])، في الوقت الذي يطلق عليه أهل البلد “ماء البلد”، و “ماء الله”، و”ماء المِعدة”، و”ماء القنا”([74]).


يتعلق الأمر بالشبكة القديمة لتوزيع الماء داخل المدينة. وقد شرع في إقامة هذا النظام موازاة مع بناء النواة الأولى للمدينة المنظرية، ثم تفرعت قنواته وامتدت إلى مختلف جنبات الحي تبعا لاتساع العمران بين أسوار المدينة.


ويأخذ هذا النظام مصادره من العيون المنبثقة والممتدة عند سفح جبل درسة الغني بالمياه المتدفقة من جوف الكتلة الكلسية الغنية بفرشاتها المائية.








وتعود النشأة الأولى لهذه الشبكة إلى نهاية القرن التاسع الهجري على يد سيدي المنظري، وحُجتنا في ذلك أن المدينة العتيقة لا زالت تحتفظ بأقدم حمام بها يقع بأقدم نواة بها، إنه حمام سيدي المنظري، وهو من بناء هذا الأخير.


وظل هذا النظام يؤمن لسكان تطوان التزود بالماء الشروب قبل إقامة نظام التوزيع الجديد في نهاية العشرينات من القرن العشرين حسب الرسوم العدلية التي نتوفر عليها.


وقد كان لنظام شبكة “السكوندو” هذه دورا كبيرا في تنظيم المجال الحضري العتيق وهيكلته، قبل أن يتراجع دورها وتتقلص وظيفتها.



فقد كانت عناصر الشبكة (القواديس، الطالع، مِعْدة القِسمة، كأس عدل، القنا، ماء الفيض)([75]) تعمل في انسجام وتناسق متينين، ضامنة لها حسن السير الوظيفي لحوالي أربعة قرون. فقد كانت خطوط الشبكة تكون من مجموعة كبيرة من الأنابيب الفخارية مختلفة الطول والحجم تستعمل حسب الحاجة والضرورة، وكانت تجلب في البداية من بعض المدن التي عرفت من قبل مثل هذا النظام كمدينة الشاون وفاس مثلا قبل أن يتم صنعها محليا في ما يعرف بالطفالين([76]).


وكان توزيع الماء يقام على نظام دقيق ووفق أعراف وقواعد متماسكة ضمنت لها حسن التدبير لقرون عديدة.





وتعتبر تقنية التوزيع إحدى هذه الأسس، وذلك أن بنية الشبكة تتكون من مجموعة من الخطوط والقنوات الممتدة بين المنابع وآخر مستهلك. كل خط يعمل في الغالب مستقلا عن الآخر. وتتزود منه مجموعة من المستفيدين من منازل ومرافق عمومية. وطريقة الاستفادة لا تتم عن غرْف الماء مباشرة من مجراه، بل عبر تقنية في منتهى الدقة، وذلك أنه رُوعي فيها مجموعة من العوامل الطبوغرافية والاقتصادية والصحية([77]).


وما فاضَ عن كل الاستعمالات يصرف خارج الخط فيما يسمى بالعقدة أو الحنفية العمومية (قنا) أو بمِعدات المياه الجارية وتسمى بمعدات الفيض، وكانت خطوط المياه في الكثير منها تنتهي بـ”القنا” أو بإحدى المرافق الاجتماعية الأكثر استعمالا للماء، كالحمامات والمساجد والحنفيات العمومية. وتعتبر “القنا”([78]) إحدى المحطات المهمة داخل شبكة “السكوندو”، لما أدته وتؤديه من خدمات داخل الوسط الحضري العتيق، ولوظيفتها الجمالية والمعمارية، بزخارفها وأقواسها وكتاباتها وزليجها ورسومات صهاريجها.


لقد لعب نظام “السكوندو” دورا حاسما في تثبيت الهياكل الاجتماعية والاقتصادية، بحيث وفر لها المياه اللازمة لتحريكها وتشغيلها. فمياه هذا المصدر كانت تفي بما فيه الكفاية لجل المؤسسات الدينية، ووفرت الكميات الضرورية لأغلب الحمامات وجلّ الفنادق والميضآت العمومية ودور الدباغة وأنشطة حرفية أخرى، بالإضافة إلى الاستهلاك الأسري، وهذه الاستعمالات كلها تبين أهمية صبيب مياه نظام “السكوندو”.


ولعل أحسن ما في هذا الماء هو نظام توزيعه، كما أن دقة التدبير شكل جوهر النظام الأصيل لتوزيع الماء بمدينة تطوان([79]). وتقول الأستاذة آمنه اللوه، أنه «تمت مقارنة نظام توزيع ماء سكوندو مع نظام توزيع الماء ببلنسية فظهر أنه نظام واحد وبهندسة واحدة»([80]).


وقد تطرق الفقيه أحمد الرهوني إلى نظام شبكة المياه هذه وعناصرها بتطوان، قائلا:



«وبها عيون كثيرة ذات مياه غزيرة، قد أجريت إلى دورها ورياضها بقواديس فخارية، مقسومة على رباعها بالسوية، ما بين نوع جار في سواقي وفساقي، ونوع يسمى كأس عدل، وهو عبارة عن دخول الماء للمحل، ونزوله بمِعْدة على هيأة كأس، إذا اعتدل الماء واستوى مع أعلاها رجع لمجراه الأصلي، حيث يخرج منه إلى غيره، ويسمى المَجرى الأصلي بمِعْدة القِسمة.



ولصاحب النوع الأول الجاري التصرف فيه بما يشاء، وصرفه حيث شاء، أما صاحب النوع الثاني، فله غَرفُ ما شاء من مِعْدته، من غير أن يتمكن من إجرائه في محل آخر بقواديس»([81]).


ويؤكد صاحب “عمدة الراوين” أن العُرف شكل مصدرا هاما من مصادر قانون الماء بمدينة تطوان: «ولأهل المدينة في ذلك قوانين متبعة، وقواعد مرعية، مؤسسة على نصوص شرعية، يُرجع فيها عند النزاع لقضاة الشرع الإسلامي، الذين يفصلون فيها بالحكم النهائي الذي لا يبقى لأحد فيه نزاع»([82]).


ومن الأعراف ذات العلاقة الوطيدة بنظام توزيع الماء بتطوان العتيقة ذلك الذي يتعلق بأشغال مدّ القنوات، ونظرا لكثرة “العملات” أو “العملات” (ج العمل وهو الخط المائي) فقد كان من البديهي أن تتقاطع مع بعضها البعض في الدروب والأزقة، وفي هذه الحالة اشتهر بالمدينة عرف بمثابة نص قانوني، يتم الاحتكام إليه عند الحاجة، وقد تم تدوين هذا العرف في وثيقة يقول نصها:


«تلقى شهيداه من العرفاء الثلاثة، أحمد هيدور وأحمد بطوري وعبد الكريم الدهري شهادتهم بأن العرف الجاري في هذه البلدة التطوانية منذ أزمان أن من أراد إمرار الماء في عمل القوادس بزنقة نافذة لا يمنع من ذلك، إذ لا ضرر فيه على أحد من أهلها، فإن تعرض له في إمراره عمل آخر، فإنه يمره كيفما أمكنه ذلك إما بجانبه أو تحته أو فوقه، فإن حدث بسبب إمراره تكسر في العمل المعترض أو شق أو نحو ذلك فيصلحه هذا الممر له، ويرد الزنقة كما كانت. هذا هو العرف المعروف والشأن المعهود المألوف، وبذلك قيدت شهادتهم مسؤولة منهم.

ربيع الأنور 1311 ﻫ/ 1893 م»([83]).










وكانت عملية مد القنوات تتم عن طريق التضامن وتقاسم تكاليف الأشغال، حسب قدرة وحاجة كل عائلة، كما كان سكان الحومة أو الدرب يشتركون في قناة مع مؤسسة دينية لجلب الماء من المنبع إلى وحدات الاستهلاك. وإلى جانب الخطوط المائية المملوكة للخواص، قامت مساجد البلد بمد قنوات المياه من العيون بالربض الأعلى إلى محلات الوضوء… فعلى سبيل المثال، كان جامع غيلان يزود سبعة وأربعين دارا على الأقل من دور حومة المطامر بهذه المادة الحيوية، كما لعب الجامع الأعظم دورا رئيسيا في هذا المجال من خلال خطه المائي الضخم والذي عرف بين العموم بالماء الكبير([84]).


لقد عرف عن الإنسان التطواني الخلق والإبداع كلما تعلق الأمر بعنصر الماء، فهو سر وجود المدينة بل هو تطوان بذاتها، فاسمها يحمل دلالة الماء – تيطاوين- أي العيون بالأمازيغية…



لقد عمد المعماري التطواني الأندلسي إلى البحث عن أفضل السبل لاستغلال هذه المادة الحيوية بل وعقلنه توزيعها انطلاقا من منبعها مرورا بنقط التجميع لتصل فيما بعد إلى نقط التوزيع، قننها في قوارير فخارية مفرغة الجانبين كان قد ألف صنعها أيام الأندلس الخالدة، ربطها بحكمة بمخلفات النجارة التي سرعان ما تندس بين تلابيب القارورات فتنتفخ بعد تفاعلها مع عنصرا لماء لتتحول إلى مادة لاحمة تحد من انفلات الماء ومن تسربه أو تلوثه.


إن المعدة أو العادلة أو ماء الفيض مصلحات أبدعها مهندس ماء تطوان، لذلك فإن تدبير الماء بمدينة تطوان العريقة يعكس الدراية العالية لساكنة تطوان بهذه المادة الحيوية هذه الدراية مردها ثمانية قرون من التراكم الحضاري الذي حملته مخيلته من الفردوس المفقود وبذلك يكون قد حمل قطعة من الأندلس معه وأنبتها في أقرب نقطة من أرض أجداده([85]).

ولعل أنغام وصوت الماء المنساب في تواصل واستمرار على جوانب الخصات والصهاريج في البيوت العريقة لمدينة تطوان، لخير دليل على تواصل ذلك النمط الذي كان يطبع الحياة التطوانية الهادئة الحالمة، والذي يذكر أهلها بأمسهم الجميل بين أحضان القصور الفيحاء والبساتين الغناء، والجداول العذبة في غرناطة الحمراء([86]).


وإذا كان بعض الناس ينظر إلى شبكة ماء “السكوندو” بصفتها شبكة مائية تقليدية متجاوزة، ماؤها ملوث وغير صالح للشرب، فإننا نعتبر هذه الشبكة المائية جزءا من تراث مدينة تطوان الأندلسي الأصيل، إنها جزء من ماضينا وحاضرنا. لقد منح هذا الماء للسقايات حياة، وللمنازل الخاصة نظافتها، وللأذن موسيقى.


لقد ساهم ماء “السكوندو” ويساهم في المحافظة على الحمامات التقليدية بالمدينة العتيقة، كما أنه يُذهِب الصمت المخيف الذي يطبع جو المنازل التقليدية، وإنه يلطّف فصل الصيف داخل المنازل والمساجد وفي الأزقة. وتعبر شبكة ماء “السكوندو” عن عبقرية المعلم التطواني الأندلسي التقليدي الذي خطط لها وأنجزها وطورها وحافظ عليها، وكيفها مع التطور العمراني والمعماري للمدينة.

ثانياً: عناصر الثقافة الأندلسية بتطوان

يتبع






التوقيع

أيها المساء ...كم أنت هادئ

    رد مع اقتباس