عرض مشاركة واحدة
قديم 2017-01-26, 19:31 رقم المشاركة : 1
خادم المنتدى
مدير التواصــل
 
الصورة الرمزية خادم المنتدى

 

إحصائية العضو








خادم المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي «فاس» المغربية تبدأ رحلة رد الاعتبار إلى رصيدها الحضاري بمساهمة مؤسسات دولية وعربية ومحلية


«فاس» المغربية تبدأ رحلة رد الاعتبار إلى رصيدها الحضاري
بمساهمة مؤسسات دولية وعربية ومحلية

فاس: سعيد ابو صلاح الدين
الحضارة والمياه صفات تجتمع كلها في مدينة فاس، التي شيدها عام 192 هجرية امير المؤمنين ادريس الثاني ابن ادريس الاول بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب. وتقع مدينة فاس على واد التفت اشجاره، وانسابت انهاره، وتفجرت عيونه بين جبلين صغيرين، هما جبل زلاغ وجبل اللويزات، وهضبتي «قبيبات بني مرين » والمصلى، وتصاعدت الدور والقصور على جنبات الوادي واطراف الهضبتين.

ولمدينة فاس توأمان هما مدينة غرناطة بالاندلس، ودمشق بسورية «الشام»، باستثناء ما جد في بنائها. وفاس مدينة العلم والاداب والحضارة، فجامعتها «القرويين» مضى على تأسيسها ازيد من احد عشر قرنا، وسبقت بذلك جامعة الزيتونة والازهر، وكان يقصدها طلبة العلم من كل المدن المغربية، والاندلس وافريقيا، لتلقي علوم التفسير والحديث والفقه الاصول، وعلوم الفلك والطب والهندسة، وعلوم اللغة العربية من شعر وادب، وكان يقال عنها إن العلم كان ينبع من صدور اهلها، كما ينبع الماء من حيطانها.
وكانت فاس عاصمة لافريقيا والاندلس لقرون طويلة، وحاولت مدينتا مكناس ومراكش ان تنازعها في ذلك فلم تفلحا، وحاول الاستعمار الفرنسي ان ينقل العاصمة الى الرباط، فلم يتمكن الا في الجانب الاداري، لتظل فاس العاصمة الفكرية والاجتماعية للمغرب، سواء خلال فترة استعماره، او بعد الاستقلال. ورغم مرور قرابة 12 قرنا على انشائها، مازالت فاس العريقة، تحظى باهتمام زائريها، نظرا للحركة النشيطة، و الدينامية التي تطبعها، وكانت وما زالت تعتبر العاصمة الروحية للمغرب، حيث يلاحظ إضافة إلى حيويتها ونشاطها البشري وجود كثير من ورش الإصلاح والترميم والتهيئة،التي همت المعالم التاريخية، والمساكن التقليدية والبنية التحتية، ولا غرابة في الأمر إذا علمنا أن مدينة فاس كانت من أول المدن العربية والإسلامية التي صنفت تراثا إنسانيا منذ سنة 1981. ويقول المهندس فؤاد السرغيني، مدير عام وكالة التخفيض من الكثافة وانقاذ مدينة فاس لـ «الشرق الاوسط»، إن أهم محطات مسلسل رد الاعتبار لهذه المدينة، هو تطوير نسيجها التاريخي، باعتبارها نموذجا متميزا للمدينة العربية والإسلامية والمتوسطية التي عرفت تكاملا في تكوينها ونموها.
ويضيف السرغيني، ان فاس ليست فقط ذلك الماضي البعيد، الذي يعد مفخرة للعالم العربي والإسلامي، بل هي حاضر وواقع اقتصادي واجتماعي ينبض بالحياة ويتطلع إلى مستقبل أكثر تطورا وإشراقا. فداخل أسوارها الممتدة على 24 كيلومترا، يعيش سكانها، الذين يفوق عددهم 160 نسمة، برغبة أكيدة تحدوهم في جعل مدينتهم تساير تطورات العصر الحديث، وهم في ضمان التدفق الفعلي للحياة في شرايينها، عبر استغلالهم لفضاءاتها المعمارية الفريدة، حيث يوجد بها ما لا يقل عن 9000 منزل تقليدي آهل بسكان نسجوا علاقة حميمية مع جدران وسقوف سكناهم،كما أن هناك 700 من البنايات التقليدية مثل الحمامات والفنادق والمساجد والمدارس وورش الصناعة التقليدية ما زالت تعرف حركة دائمة.
ويضيف السرغيني ان التحولات الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية للقرن الماضي، أثرت بشكل كبير على الفضاء المبني للمدينة، حيث عرفت كثافة سكانية متنامية، وتمركز أنشطة إنتاجية تعتمد على الالة الملوثة مما أدخلها في دورة من التدهور المتسارع. ووعيا منها بهذه الوضعية غير اللائقة قامت السلطات الحكومية والمجتمع الدولي بدق ناقوس الخطر، فكانت لرسالة الملك الراحل الحسن الثاني، ونداء المدير العام لمنظمة اليونسكو، الأثر الكبير في تصنيف مدينة فاس تراثا عالميا للإنسانية جمعاء سنة 1981. ومنذ ذلك الحين تكاثفت الجهود من أجل رد الاعتبار لتراث معماري وحضاري قل نظيره. وهكذا تم إنشاء جهاز فني من طرف الدولة المغربية وهي وكالة التخفيض من الكثافة وإنقاذ مدينة فاس، للإشراف على هذه العملية بتنسيق مع أطراف محلية ووطنية ودولية.
وطورت هذه الوكالة وسائل التدبير والتخطيط المحكمين للمدينة التاريخية مثل النظام المعلوماتي الجغرافي، وأرست جسور التعاون مع البلديات والمؤسسات المالية والمساهمين الذاتيين، والجمعيات ولا سيما جمعية «فاس سايس«، التي ساهمت في تعبئة هيئات وطنية وعربية للحفاظ على هذا المخزون الحضاري.
وبفضل التعاون والتشارك الذي طبع عمل مختلف الفاعلين تحققت عدة منجزات داخل المدينة العتيقة همت البنية التحتية والسكنية والبيئة وترميم المعالم التاريخية، ونذكر على سبيل المثال، تقوية البنايات المتدهورة بتمويل من البلدية، وترميم فندق النجارين بتمويل من مؤسسة محمد كريم العمراني،وباب الماكنة والسقايات التقليدية، من طرف الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، ودار عديل من الحكومة الإيطالية.
وابرز السرغيني ان هذه التجربة، أفضت من خلال مقاربة مندمجة للتراث إلى ضرورة تعبئة موارد مالية مهيكلة للنهوض بمشروع رد الاعتبار على الوجه الأكمل، ومن هنا أبدى البنك العالمي اهتمامه بمسألة المحافظة على التراث وربطها بالنمو الاقتصادي والاجتماعي. وبفضل هبة من الحكومة اليابانية وبتنسيق مع الهيئات المحلية المركزية، وبتعاون مع مستشارين وطنيين ودوليين أعدت الوكالة برنامجا أطلق عليه اسم «مشروع رد الاعتبار لمدينة فاس».
وتوج هذا الاهتمام بزيارة رسمية لرئيس البنك الدولي، جيمس ولفنسون لمدينة فاس سنة 1996، وهي زيارة أعطت إشارة واضحة عن انخراط هذه المؤسسة الدولية في مسلسل رد الاعتبار لمدينة فاس.
وبعد مفاوضات مع البنك العالمي تم التوقيع في نوفمبر(تشرين الثاني) 1998 على اتفاقيات قرض مع الدولة المغربية والجماعة الحضرية (البلدية) لفاس المدينة، ووكالة التخفيض من الكثافة وإنقاذ مدينة فاس، تم تفعيلها سنة 1999 لتنطلق بعد ذلك الأشغال مع مطلع سنة 2001، ويشتمل برنامج رد الاعتبار على عدة معطيات ضمنها التنمية الاجتماعية، والتدخل الاستعجالي لتقوية البنايات الآيلة للسقوط وتحسين المناظر العمرانية، وتهيئة شبكة الطرقات لولوج خدمات الإسعاف وتهيئة ساحة أبي الجنود وتهيئة المداخل وتنظيم السير، وتطوير السياحة من خلال تهيئة مدارات سياحية، وتقوية الهياكل المؤسساتية خاصة وكالة التخفيض من الكثافة وإنقاذ مدينة فاس، واقتناء آليات التجريب في الترميم.
وتتحمل هذا البرنامج كل من الدولة المغربية والجماعة الحضرية لفاس مناصفة، مع تكليف وكالة التخفيض من الكثافة وإنقاذ مدينة فاس بالانجاز.
ويوجد هذا البرنامج حاليا في أطواره النهائية حيث سيتم اتمامه مع نهاية السنة الحالية. ويضيف السرغيني انه رغم تحديد موازنة هذا المشروع في مبلغ 16 مليون دولار، فإنه يمثل مرحلة هامة في مسلسل رد الاعتبار نظرا للمقاربة الشمولية التي طبعته وتطرقت لمختلف الجوانب المتعلقة بالتنمية الحضرية لمدينة تاريخية في حجم مدينة فاس، ومن هنا تجدر الإشارة إلى أن الدروس المستخلصة من هذا البرنامج لا تتمثل بالضرورة في الكم العددي للبرامج والمنجزات بل في المناهج المتبعة وتعبئة مختلف الفعاليات، من مجتمع مدني وقطاع خاص، حيث قام خلال زياراته الأخيرة لفاس، بتدشين خزانة القرويين والمدرسة البوعنانية ،بعد الإنتهاء من ترميمهما بتمويل من وزارة الثقافة ومؤسسة بنغلون، كما أعطى الإشارة للشروع في برنامج شمولي يهدف إلى ترميم المنازل المتداعية لتفادي وقوع انهيارات تهدد سلامة السكان. وبخصوص هذا المشروع الأخير يقول السرغيني، تجندت كل الفعاليات المحلية والمركزية المعنية، وذلك من أجل معالجة الابنية المتصدعة والمهددة بالانهيار من خلال مقاربة واقعية مبنية على اشراك السكان المعنيين، وقد شرعت فعاليات مدينة فاس منذ ثلاثة أشهر، في إنجاز برنامج شمولي على مدى ثلاث سنوات يهم ما يزيد على ألف بناية، وتتوخى السلطات المغربية من خلال هذه التجربة التي اضطلعت بها مدينة فاس، إرساء مناهج عمل لتعميمها على باقي المدن التاريخية المغربية فيما يخص معالجة القضايا المتعلقة بالسكن داخل النسيج التاريخي.
ويضيف السرغيني ان المسؤولين عن تطوير مدينة فاس التاريخية يعتبرون أن رد الاعتبار، عملية تنموية شمولية لا يمكن أن تنحصر في الجانب الفني، رغم أهميته بل يجب أن تشمل كل الميادين الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ومن هذا الجانب تعمل السلطات المغربية على خلق دينامية بين مختلف الفاعلين الحكوميين وغير الحكوميين والقطاع الخاص، لضمان تنمية مستمرة تدمج المؤهلات التراثية في مسلسل التطور الاقتصادي والاجتماعي.
-**************************************-





    رد مع اقتباس