عرض مشاركة واحدة
قديم 2016-08-08, 12:05 رقم المشاركة : 2
صانعة النهضة
مراقبة عامة
 
الصورة الرمزية صانعة النهضة

 

إحصائية العضو








صانعة النهضة غير متواجد حالياً


وسام التنظيم المميز السيرة 1438ه

مسابقة السيرة 5

وسام المنظمة

وسام منظم مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية الفضية

وسام المشاركة في الدورة التكوينية مهارات الاتصال ا

وسام المطبخ المرتبة 1

وسام لجنة التحكيم

وسام العضو المميز

افتراضي رد: الحداثة الفكرية بين الإفراط والتفريط


آثرت أن أبدأ بطرح رأي لأحد المتأثرين بالفكر العلماني المقدس للحداثة ،وبما أنه محلل نفساني وله رأي في الموضوع ،أدعوكم إخوتي لمناقشة رأيه والتعبير عن آرائكم ...أنتظر تجاوبكم



ا
لحداثة الفكرية ليست استيراداً غربياً

جواد مبروكي
الجمعة 05 غشت 2016 - 15:01


كمحلل نفساني، حين أتمعن في ثقافة بلدنا ألاحظ تفاوتاً بين الحداثة الفكرية ومواكبتنا لتطور عالم الماديات بما فيه من علوم وفنون وتكنولوجيا وحتى نمط العيش العصري. وما هو مثير جداً أنه كلما تحدث مفكر مغربي عن رؤيته لتغيير وتقدم مجتمعنا وخاصة في المجال الفكري، سرعان ما يتم اتهامه بـ التغريبي أي مقلد للغرب أو وصفه بالعلماني و يتطور الأمر في كثير من الأحيان إلى نعته بالكافر!

و حينما يتعلق الأمر بالمساواة بين الرجل والمرأة يتم تصنيف المفكر الذي يتناول هذا الموضوع بـ أنه متأثر ومتشبع بثقافة الغرب وهدفه هو إدخال التغريب والفتن إلى وطنه وهدم أركان أمته. وهذا يعني أنه حينما يدعو المفكر أخواته وإخوانه المواطنين لمحاولة تحديث أفكارهم والانفتاح على قيم التعايش ومراجعة الأفكار المتوارثة والتحرر من التقاليد البالية يتم اعتبار دعوته تلقائياً مؤامرة ضد ثقافتهم وهويتهم . ولكن ما هي هذه ألمؤامرة ومن هم أطرافها ودوافعها؟ وهل هي موجودة أصلاً؟

إن الاصل في هذا التصور هو الاعتقاد الشائع بأن ثقافتنا مهددة في كل ثانية من أعدائنا المتربصين الذين يشحنون أذهان مفكرينا لهدف واحد هو زعزعة مجتمعنا وهدم قيمه وأركانه من داخله. أليس هذا الاعتقاد مجرد هلاوس وهمية بعيدة كل البعد عن الواقع؟

الآن إذا فتحنا جيداً أعيننا ونظرنا إلى ما يجري في حياتنا اليومية، ألن نكتشف أنها مملوءة بوسائل المعرفة والرفاهية والرخاء في جميع الميادين، التكنولوجية والحقول الصناعية والفلاحية والمرافق الطرقية والادارية والمدرسية والجامعية...الخ؟ فمن أين أتت كل هذه الأشياء ؟ أليست قائمة على تكنولوجيات وتقنيات وصلتنا من العالم الصناعي المتقدم ؟ وحتى ألبستنا المريحة أليست مستوردة أيضاً؟ فهل هذه الوسائل المادية الحيوية كذلك مؤامرة ضد ثقافة وطننا وأمتنا؟ استعمال الحواسيب والهواتف الذكية "سمارتفون" وركوب القطارات والطائرات والإطلاع على آخر الدراسات والأبحاث في مجالات العلوم والفنون والطب هل هو أيضاً مؤامرة غربية ضد مجتمعنا؟

لكن ومع الأسف حينما يتعلق الأمر بالحداثة الفكرية وحقوق المرأة وقيم المساواة وحرية العقيدة فهذا الفكر التنويري يتم تصنيفه تلقائياً على أنه منتج غير مرغوب فيه مستورد من الغرب!

ولا داعي لنطالب كل فرد منا بـ مراجعة نفسه والقيام باختيار واحد من بين الخيارين التاليين:

1- اعتبار ما يأتينا من ثمار العالم الغربي هو نتاج ازدهار حضاري وثقافي عالمي يجب علينا أن نستفيد منه ونطوره كما فعل الغرب منذ قرون حين انفتح على الحضارات الأخرى بما فيها الحضارة الإسلامية وانطلق في نهضة شاملة لمختلف الميادين العلمية والفكرية.

2- اعتبار كل ما يأتي من الغرب مؤامرة شريرة وفي هذه الحالة نترك كل منتجات الحداثة ونعود الى ما يراه البعض حياة "نزيهة وسليمة وبسيطة" دون وسائل التكنولوجيا ونقتصر على تراثنا التقليدي من العلوم والمعارف القديمة ونعود بعجلة الزمان إلى الوراء فنكتفي بمشاعل النار بدلا من الإنارة الكهربائية في ليالينا. ونهجر السيارات والطائرات والبواخر ونركب الدواب ونعود للأشكال التعليمية التقليدية وللطب التقليدي ونسلك نفس المسلك في كل الأمور بما في ذلك الملابس و الأحذية منزوين عن العالم المعاصر وهكذا فإننا سنتواصل مع بعضنا البعض بواسطة الرسائل الخطية المكتوبة على الجلود وننتظر لشهور وسنين لتلقي الردود. ولا مانع حينها من إعادة نظام الرق والعبودية لتعويض غياب الآلات.

إن هذا التفكير "الدهاني"( la psychose) مسؤول عن تفككنا وعن توعكنا الداخلي والخارجي وعن عدم انسجامنا وتناغمنا مع ذواتنا ومتطلبات الحياة في عالمنا المعاصر، فساعة نتوجه الى اليمين وساعة أخرى ننعطف الى اليسار. إننا نعاني من "دهان الفكر" لسببٍ واحدٍ هو أننا "نؤمن" بأننا ضحية صراع تيارين في أنٍ واحد: تيار الفكر التقليدي وتيار الفكر الحداثي. لكن هذا الإيمان أو بالأصح هذا "الاعتقاد الهلوسي" يرتكز في الواقع على أي شيء؟ فالاعتقاد أياً كان نوعه يرتكز على الفكر وليس مثل العلوم الطبيعية التي ترتكز على أدلة تجريبية وملموسة. ففكرنا هو الذي يقيدنا ويغلق علينا عنق زجاجة الحقيقة المطلقة ويصيبنا بالشلل ويمنعنا من التقدم نحو الأمام ويحرمنا من الانفتاح على قيم التسامح والتعايش. وللأسف نحن من يصنع هذا "العدو" بأفكارنا السلبية ونتآمر بأنفسنا على مصيرنا بدون وعي منا وهذا هو عين "الهلوسة"!

صحيح أن لكل فرد كامل الحرية في اختيار نمط عيشه وفكره ومعتقداته ومن واجبنا أن نحترمه كما تفرضه علينا أخلاقيات الإنسانية ومواثيق حقوق الإنسان لكن ليس من حق أي فرد أن يفرض علينا هيمنة اختياراته وقناعاته مانعاً فيحرم علينا بالقوة والإرهاب تحديث فكرنا ومواكبة الحضارة الحديثة ودليله وحجته الوحيدة هو "المؤامرة" المزعومة أو الانحراف والكفر الموهوم الناجم حسب رؤيته عن اتباع سبل الحداثة القادمة من الغرب وهذا ظلم وتعسف عظيم يرتكز على مجرد اعتقادات وهمية وهذا هو جوهر الفكر المتطرف الظلامي الذي يعاني من ويلاته الكثير.

أما إذا سمحنا لأفكارنا بالانفتاح الواعي على الحداثة سوف لن نفقد شيئاً من كنوز هويتنا الثقافية، بل على العكس من ذلك سوف نتحرر من الحِمل الوهمي المحافظ القائم على مجرد "معتقدات فكرية وهمية " لا حجة ولا سند لها، وسوف نتسامح مع تقاليدنا الإيجابية ونعززها أكثر فأكثر ونثريها بثروات الانفتاح الفكري وقيم التعايش وسنكون حينها من الفائزين.

ألم يملي علينا "وحي" الحكمة" بأن نجاهد في "الإعتدال" في كل الأمور و نتجنب التطرف المدمر؟ ألم يوصينا كذلك بالتسامح والتعايش مع أي إنسان كان وأن نجهد في طلب العلم والمعرفة ولو في أبعد البلدان ونرجع لنفع أوطاننا والناس كافة؟ هل الذي يطيع "وحي الحكمة" ويذهب بعيداً لطلب العلم في وسط ثقافة تختلف عن ثقافتنا، سوف لا يتأثر فكره ويتطور ويتغير؟ هل سيناقض "وحي الحكمة" بحداثة فكره آنذاك؟ هل من المعقول أومن العدل إثر عودة طالب العلم الى وطنه محاولاً منفعة البلاد بما تعلمه من علمٍ وآدابٍ وفنون وبما اكتسب من خبرة و تجاربٍ و حداثة فكرية أن نتهمه بأنه الخائن العميل المتآمر مع الأعداء ضد مجتمعه؟

إن الحداثة الفكرية ضرورة واجبة علينا لا مفر منها شئنا أم أبينا وبلوغها هو مسألة جهد و وقت فقط. فإذا سرنا في اتجاه رياح نسيم تقدم الفكر بجناحي الاعتدال والحكمة سوف نربح وقتاً ثميناً ونتجنب الكثير من ويلات الانحلال المجتمعي والتخلف الحضاري أما إذا عاكسنا نسيم الانفتاح وعاندنا مسيرة التقدم سوف نتعرض الى عذاب أليم وحداثة الفكر تأتي رغماً عنا لأنها سنة تطور المجتمع الإنساني وليس لها تبديل . والآن الاختيار بين أيادينا ولا وقت لنضيعه!






التوقيع

أيها المساء ...كم أنت هادئ

    رد مع اقتباس