الموضوع: علمنة الأخلاق
عرض مشاركة واحدة
قديم 2016-07-28, 18:58 رقم المشاركة : 1
روبن هود
بروفســــــــور
إحصائية العضو







روبن هود غير متواجد حالياً


وسام1 السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

افتراضي علمنة الأخلاق


في سياق الكلام عن إصلاح التربية الإسلامية، كتب شخص، يقدم نفسه كباحث، مقالا يدور في مجمله حول الدعوة إلى تدريس التربية الأخلاقية بدل التربية الإسلامية، واقترح نظاما في جزء كبير منه مرتبطا بالمفهوم الحقوقي الإنسي للأخلاق، حيث ينمحي كل أساس ديني وعقدي وشرعي للمنظومة الأخلاقية.
حين نبحث جيدا في أصول هذه الدعوة، سنجد أن الفصل بين الأخلاق وبين إطارها الشرعي ليس من اختراع التيارات العلمانية. فهناك صيغة أخرى مشابهة ـ مع الفارق ـ اعتمدها المعتزلة في الحكم على الأشياء بعيدا عن الشريعة، فتكلموا عن التحسين والتقبيح العقليين، أي أن ما يراه العقل حسنا فهو حسن شرعا، وما يراه قبيحا فهو قبيح شرعا. الفرق يكمن فقط في كون المعتزلة أعطوا اعتبارا للشريعة، في حين أن العلمانيين لم يفعلوا.
التصور الإسلامي للأخلاق يختلف في عدة أشياء عن المفهوم الإنساني المجرد ذي البعد العلماني، أهمها ارتباطها ـ أي الأخلاق ـ بالإيمان وبالحلال والحرام وبالجزاء، مما يجعلها ثابتة لا براغماتية، فلا يمكن أن يتحول الكذب مثلا يوما ما إلى شيء محمود، أو الخيانة الزوجية إلى فضيلة من الفضائل. ومما يوضح وزن الأخلاق هو التنصيص عليها في الوحي، قرآنا وحديثا نبويا.
في مقابل هذا، ماذا يقترح التصور العلماني للأخلاق؟
الجواب، أو جزء منه على الأقل، موجود بين ثنايا خطاب القوم. فالمطلوب أن تنسجم الأخلاق مع المرجعية الكونية (ليس المجال هنا للتساؤل أين تتجلى كونيتها وما الذي جعلها كونية)، وما تم التعارف عليه بناء عليها هو المعيار الوحيد، وليس المعيار هل تنسجم الأخلاق مع الدين الذي يؤمن به الفرد والتكاليف الشرعية التي اختار القيام بها.
بغض النظر عن الفصل بين الدين والأخلاق، وهو أمر طبيعي لدى أصحاب هذه الدعوة، فإن هذه الدعوة نفسها وقعت في الكثير من التهافت المؤدي إلى مأزق فكري لا تجد ولن تجد منه مخرجا، وهذه بعض تجليات المأزق:
ـ تيار علمنة الأخلاق يتوجهون بخطابهم إلى المسلمين خصوصا، ويطالبونهم بالتسامح واحترام الاختلاف وما إلى ذلك، لكنهم لا يقولون ما عليهم فعله حين لا يحترم الآخر اختلافنا معه، بل هم أنفسهم لا يتمثلون قيمة احترام الاختلاف والتسامح، وأفضل ما يجسد هذا تضايقهم وانتقادهم المستمر للاختلافات العقدية بيننا وبينهم. أليسوا هم من يسمون الإيمان بالنبوة والجنة والنار بالغيبيات من باب التشكك والتهكم، ويقولون أن عذاب القبر خرافة تتنافى مع التفكير العقلي؟
ـ وصول خطاب علمنة الأخلاق إلى الطريق المسدود، وهذا بدأ يحدث بالفعل، وحين يتأزم الوضع، تغيب الحلول الحقيقة لدى هؤلاء. قبل أسابيع، أعلنت بعض الجمعيات الراعية للأمهات "العازبات" أنه لم يعد بالإمكان استقبال الأمهات العازبات والأطفال غير الشرعيين. يعني أن الطلب يفوق العرض. فمطلب الحرية الجنسية هو الأفق النهائي.
ـ غياب الحل الواضح في حالت تضارب المبادئ على مستوى الواقع. فما العمل حين يسعى أب إلى تربية ابنه على التدين الذي يتعارض مع ما تدعو له التيارات العلمانية؟ ماذا سيحصل للطفل حين تعلمه أن الحياء من الإيمان، وهو غير وارد في منظومة أخلاقية معلمنة؟ كيف سنحل المعضلة التي ستبرز إلى الوجود حين ترسل ابنتك إلى مدرسة تتلقى فيها تعليما علمانيا، وأنت ترى أنه من حقك على المدرسة أن تعلمك ابنك الأشياء المنسجمة مع معتقداتك لأنك مواطن لك حقوق على الدولة وعلى مؤسساتها؟ كيف سيتم حل الخلاف بين مواطن له الحق في التدين وتعليم الأخلاق حسب مرجعيته الدينية و بين جهاز يرفض ذلك؟
ـ المعيار الغريب الذي اعتمدته إحدى الجمعيات النسائية اليسارية العلمانية بالغ البؤس. فقد قالت هذه الجمعية أنه ينبغي عدم تجريم العلاقات الجنسية خارج الزواج إذا كانت رضائية. والذي يهمنا هنا هو معيار الرضا. فمتى كان رضا الأطراف معيارا للحكم على شرعية الشيء أو عدم شرعيته؟
إذا تم اعتماد الرضا كطرف، فها لا يعني سوى إنتاج مجتمع متواطئ على الفساد، مجتمع أطرافه الفاسدة هي التي تصنع القانون، وستتحول الأخلاق إلى شيء شديد التحول.
ولنضرب مثالا واحدا. الرشوة، حسب التيارات العلمانية والحقوقية، أكبر الكبائر، ولا يتوقفون عن إدانتها. حسنا، إذا كان هناك رضا بين الراشي والمرتشي في وضعية ما، هل ستصبح الرشوة شيئا مقبولا؟ حسب القوم: نعم، طالما أن الرشوة رضائية.
إلى أين يسير تيار العلمنة؟ الظاهر أنه يجازف بهذا الشعب ويريد قيادته نحو الفوضى الأخلاقية.

بقلم: روبن هود





    رد مع اقتباس