عرض مشاركة واحدة
قديم 2016-07-24, 00:17 رقم المشاركة : 5
صانعة النهضة
مراقبة عامة
 
الصورة الرمزية صانعة النهضة

 

إحصائية العضو








صانعة النهضة غير متواجد حالياً


وسام التنظيم المميز السيرة 1438ه

مسابقة السيرة 5

وسام المنظمة

وسام منظم مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية الفضية

وسام المشاركة في الدورة التكوينية مهارات الاتصال ا

وسام المطبخ المرتبة 1

وسام لجنة التحكيم

وسام العضو المميز

افتراضي رد: لماذا تتزايد حدة التدافع القيمي في مجتمعنا ؟


طبيعة الصراع من المنظور القرآني:

في إطار تنظيم الوجود الاجتماعي للإنسان وتحديد معالم لمجتمع الاستخلاف، بيّن القرآن الكريم بعبارات واضحة وبشكل دقيق صور التفاعل الاجتماعي في المجتمع البشري في سائر أوضاعه وفي جميع مستوياته المحلي والدولي.


فالقرآن يستخدم مصطلح (التنازع) للتعبير عن التفاعل الاجتماعي بين البشر في صورة صراع مادي، وهو الأمر الذي لا يجوز حدوثه، على كل حال، بين مَنْ تربطهم عروة الإيمان أو وشائج الوطن، نظراً لعواقبه الوخيمة.


قال تعالى:﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (الأنفال: 46). فالتنازع، وفق المنطوق القرآني ليس قرين الضعف والفشل فحسب، وإنما يؤدي إلى ذهاب الهوية وضياع الكيان الذاتي للجماعة، أمة كانت أو دولة. أما المجادلة بالحسنى والتباين الفكري بصورة عامة فمسموح به، وفق ضوابط محددة، بين المسلمين أنفسهم ومع غيرهم طلباً الحق وتبياناً للصواب من الرأي والتصور.


وفي ذلك يستخدم القرآن مصطلحات أخري مثل: الجدل والحوار والحُجة والبرهان ..الخ.




وللتعبير عن سائر هذه الأحوال، المادية والمعنوية، في سياق واحد يستخدم القرآن مصطلحاً آخر جامع لكل صور التفاعل الاجتماعي، وهو لفظ (التدافع) الذي يعبّر عن المشيئة الإلهية وسنته العامة في المجتمع والتي بها تتحرك عجلة التاريخ وتتحقق حركة الأمم الحضارية نهوضاً أو انحطاطاً، وهي ما يشير إليها قوله تعالى: ّوَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ(ّ لبقرة: 251).

يُسْتَنْبَطُ من الآية معنيين مهمين تتعلقان بالحركة الحضارية للأمم:


الأول يفيد أن التدافع بين البشر أمر ضروري لقيام الحضارة،

والثاني يقضي بأن الله سبحانه وتعالى لن يتدخل مباشرة لتحريك عجلة التاريخ، إلا في إطار المعجزات الكبرى، كالإهلاك الحضاري الذي وقع لبعض الأمم في السابق عندما عمّ الفساد في المجتمع.


ولأن الله تعالى لن يتدخل لتحريك عجلة التاريخ، وإنما يدفع الناس بعضهم ببعض، يجب على المسلمين أن لا يتوقعوا تبدل حالهم إلى أحسن حال بحجة التدين بالإسلام من غير إتباع لسنن التاريخ بالعمل والاجتهاد.

ولأن غاية التدافع بين البشر بصورة عامة في نظر القرآن هي صلاح الأرض- ليس بإظهار الحق ودحض الباطل فحسب وإنما أيضاً بالسعي فيها بالتعمير واستخراج كنوزها وخيراتها- فإن أفضل وسيلة أو أسلوب للدفع هي ما يعّبر عنه قوله تعالى:


{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (فصلت: 34).


وهذا يبيّن أن إظهار الحق يتحقق في الأساس بالوسائل السلمية، كما أن الصراع المادي والتنازع بالحرب والاقتتال في المجتمع البشري لا تكون وسيلة لإظهار الحق أو لنيل الحقوق بصورة عامة إلا استثناء في حالتين:


الأولى: عندما لا يكون الدفع بالحُسنى عن طريق بيان الحجة بالفكر والمنطق العقلي محققاً لغايته وهي صلاح الأرض.

والحالة الثانية: لرد العدوان الذي يعبّر عنه قوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ﴾ (البقرة: 190). والعدوان له صورة مختلفة كلها تجاوز للدفع بالتي هي أحسن، لغايات متعددة و لأغراض مختلفة.

فإذا نظرنا إلى أشكال الصراع بصورة عامة، سواء في نطاق النـزاعات الداخلية في نظام الدولة القطرية- في العالم الإسلامي وغيره- أو في نطاق النـزاعات الإقليمية والدولية، نجد أن أصول هذا الصراعات ترجع بالأساس إلى عنصر واحد جوهري وهو غياب الدفع بالحسنى، لأن التدافع في حد ذاته أمر ملازم للمجتمع البشري.




فمثلاً عندما تحققت للعالم الغربي، بعد تاريخ حافل بالحروب الدامية، أهمية هذا العنصر- أعني الدفع بالحسنى- تمكن أهله من وضع أسس الديمقراطية المعاصرة كصيغة لإدارة الصراع والتنازع بالوسائل السلمية.

إذن هو ابتلاء الإنسان لأن يتدافع على مستوى التفاعل الاجتماعي بكل صوره. فكما أن الله تعالى أراد للإنسان أن يتولى نفسه الملهمة بالفجور والتقوى بالتزكية والتهذيب بوسائل مختلفة منها ممارسه الشعائر العينية في الدين، فكذلك على الإنسان أن يظهر طاعته بالدفع بالتي هي أحسن على مستوى التفاعل الاجتماعي في سائر علاقاته مع بني جنسه.


فكل منهما سنة شرعية قضت بها الإرادة الإلهية للبشر، فتلك لتهذيب دوافع النفس وهذا لتهذيب حركة المجتمع وتنظيمها بإرادة الإنسان، لتكتمل له بذلك دائرة القربى من الله تعالى بشقيه منفرداً ومجتمعاً.





والأسئلة المهمة التي تثور هنا هي كيف يمكن تحقيق هذا الدفع بالحسنى؟،


وما هي وسائله وأدواته؟


ثم ما هي أفضل السُبل لحسم الصراعات في حالة نشوبها؟




إن محاولة التصدي لهذه التساؤلات والبحث عن أفضل الطرق العلمية وأقوم الوسائل الحضارية لتنظيم وإدارة التدافع في المجتمعات البشرية على مستوييها المحلي والدولي، قد تضع التصور الذي يؤطر منطق التدافع في هذا العصر، الذي تداخلت فيه العلاقات بين الأمم والجماعات، فباتت القضايا مهما صغرت تخرج عن نطاق أطرافها وتبحث عن الحلول في المستوى الكوني.

ولهذا لا تكتمل عناصر البحث في قضايا الصراع والتنازع في عصر العولمة إلا في إطار عام، أي من خلال منهج تكاملي يجمع بين علوم مختلفة












التوقيع

أيها المساء ...كم أنت هادئ

    رد مع اقتباس