عرض مشاركة واحدة
قديم 2016-05-10, 09:49 رقم المشاركة : 6
صانعة النهضة
مراقبة عامة
 
الصورة الرمزية صانعة النهضة

 

إحصائية العضو








صانعة النهضة غير متواجد حالياً


وسام التنظيم المميز السيرة 1438ه

مسابقة السيرة 5

وسام المنظمة

وسام منظم مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية الفضية

وسام المشاركة في الدورة التكوينية مهارات الاتصال ا

وسام المطبخ المرتبة 1

وسام لجنة التحكيم

وسام العضو المميز

افتراضي رد: أسس وأخلاقيات البحث العلمي عند البيروني بقلم د. بركات محمد مراد


الاهتمام بالمصطلح العلمي وإجادة اللغات المختلفة




المصطلح Scientific, Term هو اللفظ الذي يتفق عليه العلماء ليدلّوا به على شىء محدود. ويميزوا به معاني الأشياء بعضها عن بعض, وهو جزء من المنهج العلمي وركن أساسي في كل علم من العلوم, فالعلم (( لغة أحكم وضعها )) كما قيل قديما. فهو لغة التفاهم بين العلماء, وهو الذي يعين على حسن الأداء ويدور عليه تبادل الآراء والأفكار. والمصطلحات العلمية تتبع بالضرورة تقدم العلوم وازدهار, بما يصاحبها من اكتشافات واختراعات.


فليس من شك في أن التقدم والتطور في مجال العلوم, ينتج عنه أشياء جديدة تقتضي مسميات فيصطلح العلماء على تسميتها تسمية توائم بين المعنى اللغوي والمعنى الإِصطلاحي الذي يختارونه. وقد تكونت بفضل الترجمة في القرن الحادي عشر مصطلحات علمية غزيرة في الطب والكيمياء والفلسفة والمنطق وجميع العلوم التي تُرجمت. وأعتمد المترجمون في هذا المجال على اللغة العربية أولاً, فاستعملوا المجاز باستعارة ألفاظ ذات دلالات لغوية معروفة, وشاءوا لها تأدية معاني جديدة, ولجأوا في بعض الأحيان إلى العلوم مستعملين بعض مصطلحاتها للتعبير عن المعاني الجديدة, وبذا ظهرت بعض المصطلحات المشتركة بين العلوم المختلفة عند المسلمين(48).


وقد أدرك مبكرا أحد العلماء العرب أهمية المصطلح العلمي وخطر تحديد المعاني الواردة في أى بحث علمي تحديداً يساعد على استنباط الأفكار وتوليدها. فوضع رسالة ضمنها كل ما قاله أرسطو في الحد وما يدور حوله(49). ونجده يقول في تعريف الحد : (( إن الغرض بالحد هو الإِحاطة بجوهر المحدود على حقيقته حتى لا يخرج منه ما هو فيه ولا يدخل فيه ما ليس منه. ولذلك صار لا يحتمل زيادة أو نقصانا )).


كما صنف عالم قريب من عصر البيروني كتابا ناقش فيه معظم المصطلحات المستخدمه في العلوم, وأهميتها, وبين حقيقتها باسهاب شديد, واستطاع في براعة نادرة (( أن يورد تفسير مصطلح واحد مثلا في فصول متفرقة, بحيث يتضح معناه لدى اللغويين والفقهاء والمتكلمين والمنجمين والكتاب وبعض الفرق السياسية كالشيعة ))(50).


وقد أدرك البيروني منذ صباه أهمية المصطلح العلمي ووظيفته الهامة والدقيقة في بناء المعرفة, فأهتم مبكرا بمعرفة كثير من اللغات الأجنبية التي ساعدته على الإِحاطة بكثير جدا من المصطلحات والعديد من المفاهيم في كل علم يخوض فيه. وقد ذكرنا من قبل أن لغة البيروني الأصلية هى الخوارزمية ثم استخدم فيها بعد كلامه اللغة الفارسية الجديدة, وأتقن اليونانية من عالم للنبات كان يتردد على قربته, ولكنه اختار اللغة العربية أداة لتفكيره, ووسيلة للتعبير في حياته الذهنية في كل من رسائله العلمية وأعمال الأدبية البحتة. فساهم بدوره في إثراء العربية التي كانت (( من منتصف القرن الثامن حتى نهاية القرن الحادى عشر, لغة العلم الإِرتقائية للجنس البشري, حتي لقد كان ينبغي لأى كان, إذا أراد أن يُلم بثقافة عصره, وبأحداث صورها أن يتعلم اللغة العربية ))(51).


وفي أهمية اللغة العربية بالنسبة لعلوم العصر وتفوقها على الفارسية في نظر البيروني يقول : (( وإلى لسان العرب نُقلت العلوم من أقطار العالم, فإن دانت وحلت في الأفئدة وسرت محاسن اللغة منها في الشرايين والأوردة .. والهجو بالعربية أحبُ إلىّ من المدح بالفارسية, وسيعرف مصداق قولي : مَن تأمل كتاب علم قد نُقِل إلى الفارسية كيق ذهب رونقه وكسف باله واسوَّد وجهه وزال الإِنتفاع به, إذ لا تصلُح هذه اللغة إلا للأخبار الكسروية والأسمار الليلية ))(52).


ورغم إعجاب البيروني الشديد بالعربية وكتابته معظم مؤلفاته بها, إلا أنه لم يُغفل إجادة عدة لغات أخرى تربوا على سبعة لغات, وأن كتابه في علم العقاقير (الصيدنة في الطب) لدليل ضخم على هذا, ففيه لكل عقار اسم بالعربية واليونانية والسريانية والسنسكريتية والفارسية, بل باللهجات المحلية على الهضبة الايرانية وكلها مكتوبة باللغة العربية, وهذا الكتاب وحده يكفي لاثبات مساعدة البيروني, في إثراء الغربية بمختلف المصطلحات الأجنبية, وتنطبق هذه الإِعتبارات على الكتاب الوحيد له المكتوب بالفارسية بعنوان ((التنجيم)) وهو لا يزال موجوداً, حيث يظهر من مصطلحاته الفنية وفرة إستخدامه للمصادر السنسكريتية والبهلوية. كما تضيف أعمال البيروني الأدبية وجها جذابا بنوع خاص إلى عبقريته المتعددة الجوانب, وهى تقدم مجالا لا ينضب من البحث اللغوي الذي بدأ المتخصصون في الإِيرانيات في تحقيقة الآن(53).


كما يظهر لنا جليا من ((الآثار الباقية)) إجادة البيروني للعبرانية والسريانية التي يورد منهما الكثير من العبارات والآيات التي يقدم لها ترجمة وتفسيرا عربيا, كما أنه يورد عديدا من الجداول بأسماء النجوم والكواكب في هذا الكتاب تربوا على سبعة لغات أجادة تامة(54).


ومما يدل على أمانة البيروني العلمية فيما يختص بالمصطلحات والأسماء, وهذا النص الذى يرى فيه أن من حق القارىء العالم أن يُصحح الأسماء والمفاهيم عند نقلها حيث يرى أهمية نقل هذه الأسماء سماعا حتى تكون أصح رواية خاصة وأن الكتابة تحتلف عن النُطق في كثير من اللغات يقول :


(( فنقلت تلك الجداول بعينها إلى هذا الموضع. ولم يساعد الزمان على تصحيح أسماء الملوك بالسماع فليبالغ في تصحيحها وإصلاحها من عسى وقف عليها طالبا ما طلبته من تسهيل الأمر على المرتاد وإزالة مؤونة الطلب عنه ولا ينسخها وما في سائر الجداول إلا من له معرفة بحروف الجمل وعناية صادقة بتصحيحها, فإنها تفسد بنقل الوّراقين إذا تداولوها ولا يمكن إصلاحها إلا في سنين كثيرة ))(55).


ويحدثنا في مكان آخر عن إختلاف أسماء الشىء الواحد في اللغات, ومن هنا كان إهتمامه البالغ بنقل أسماء الأحجار والمعادن بشتى اللغات, حتى يمكن للعالم معرفة ما يترادف على الشىء الواحد من أسماء يقول : (( إن اسم الشىء الواحد يختلف في اللغات المختلفة ولا يتفق في لغتين إلا اتفاق في الندرة, والطوائف في الأرض كثيرة وتختص كل طائفة منها بلغة وأسماء الشىء الواحد تكثر بحسب اللغات, ويزيدها كثرة تمايز الطوائف بالشعوب وتميزها بالقبائل))(56).


بل يرى البيروني أن الأسماء والمصطلحات تتغير في الأمة الواحدة بتغير الأحوال الحضارية يقول : (( الأسماء سريعة التغير عند إستيلاء قوم إلى الموضع غرباء مخالفي اللغة, فإن ألسنهم ربما تتلجلج فيها فيحيلونها إلى لغتهم كعادة اليونانيين ويأخذون بالمعنى, فتتغاير الأسامي .. أو يقلبونها إلى ما يسهل عليهم من الحروف والألفاظ كفعل العرب في تعريب الأسامي, فتصير ممسوخة مثل((فوسنج)) ... وما أبعد الأمر وأطم بل قد تجد اللغة الواحدة بعينها في أمة واحدة بعينها تتغير, فيصير فيها أشياء غريبة لا يفهمها إلا الشاذ وذلك في سنين يسيرة ومن غير أن يعرض لهم شىء يوجب ذلك(57).


ومن كل هذا يتضح إهتمام البيروني البالغ بأسماء الأعيان الحقيقية ومصطلحات العلوم الأصلية في كل لغة من أجل تحديد مدلولات هذه المصطلحات, وعدم الوقوع في الخطأ نتيجة تصحيف الناسخين أو المترجمين أو التشابه الذى يمكن أن يقع بين هذه المصطلحات. ولذلك إهتم البيروني بتحديد مصطلحاته هو والتي يأخذ بما تتضمنه من مفاهيم ومعاني, وقد حددّ هذه المصطلحات بتعريفاتها العلمية الواضحة في كتاب من كتبه أفرده لهذه الغاية, وهو كتاب يكاد يكون دائرة معارف للمصطلحات أو معجم علمي لها, ونحن نعتبره مفتاح لمعرفة وفهم كل مؤلفات البيروني العلمية, حيث أنه وضع فيه كل التعريفات الهامة والحدود الدقيقة التي تغطي دائرة معارف عصره سواء في ((الرياضيات)) من حساب وجبر وهندسة ومثلثات أو ((العلوم الطبيعية)) من فلك زجغرافيا وفلكية ورياضية. فجميع المصطلحات والمفاهيم التي تقع ضمن دائرة هذه العلوم يتناولها البيروني بالتحديد والتعريف, والتحقيق موضحاً ما يعنيه من كل منها, ومبيناً للاختلافات الدقيقة التي تقع بين المصطلحات المتشابهة.


هذا الكتاب هو (( التفهيم لأوائل التنجيم )) وهو كتاب ضخم يحوي آلاف المصطلحات الفنية والرياضية والجغرافيا والفلكية, يستحق به البيروني أن يكون رائداً من رواد مناهج البحث العلمي, حيث كان سابقا للعلماء المحدثين في تحديدهم للمصطلحات بعشرة قرون.
وهو يعرّف فيه ـــ مثلا ـــ المفاهيم الرياضية الأساسية كالنقطة والحظ. والعدد, والجسم والأشكال الهندسية. كما يعرّف المفاهيم والمعاني الأساسية في علوم الفلك والجغرافيا والطبيعة كالنجم والكوكب والفرق بينهما, والمجرات والبروج والأفلاك عند مختلف الأمم. والأدوات الفلكية كالاسطرلاب وأنواعه واستخداماته في الأرصاد والملاحظة وغير ذلك من الأجهزة المستخدمة في مثل هذه العلوم. ونجده يقول على سبيل المثال حين يتحدث عن البروج في السماء والأوتاد : (( وقد كانت أوتادا ثم زالت عنها, ومن الناس من يسميها سواقط, ولست أوثر ذلك, لأنه يحتمل معنى آخر, فيورث الإِشتباه ))(58).




يتبع





التوقيع

أيها المساء ...كم أنت هادئ

    رد مع اقتباس