عرض مشاركة واحدة
قديم 2016-05-10, 09:46 رقم المشاركة : 4
صانعة النهضة
مراقبة عامة
 
الصورة الرمزية صانعة النهضة

 

إحصائية العضو








صانعة النهضة غير متواجد حالياً


وسام التنظيم المميز السيرة 1438ه

مسابقة السيرة 5

وسام المنظمة

وسام منظم مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية الفضية

وسام المشاركة في الدورة التكوينية مهارات الاتصال ا

وسام المطبخ المرتبة 1

وسام لجنة التحكيم

وسام العضو المميز

افتراضي رد: أسس وأخلاقيات البحث العلمي عند البيروني بقلم د. بركات محمد مراد


تقسيم البيروني للعلوم ومبادىء مناهج البحث




ونبدأ بدراسة المبادىء والأسس التي يقوم عليها العلم ومناهج بحثه عند البيروني, فإن للعلم أسس ومبادىء تكمن في شعور العالم وتتجلى من خلال معالجته ومواقفه في دراساته, وهى تقطع بمدى أصالته أو زيفه وتحدد المدى والمجال الذى يمكن أن يكون قد قطعه لتحقيق صفة ((العلمية)) في هذه الأبحاث وتلك الدراسات. وقد وجدنا بالدراسة أن دفاع البيروني عن العلوم عامة والعلوم التجريبية المتصلة بالفلك والطبيعيات خاصة, مع توجيه الانتباه إلى المصطلح العلمي وتحديده, بإجادة اللغات المختلفة واجادة الترجمة, كل ذلك يؤهله لأن يكون رائدا من رواد البحث العلمي وصاحب منهج علمي دقيق يضعه في مصاف أصحاب المناهج المحدثين إن لم يتفوق عليهم.


وتتأكد لنا كل الصفات السابقة بعد أن نلم بما تحلى به البيروني من مميزات وسجايا على رأسها الموضوعية والنزاهة والحياد, حين يتناول آراء الغير, والاخلاص والصدق والتفاني في طلب العلم والعكوف عليه مع الصبر والمثابرة وإنكار الذات حين يتصدى لتحقيق بحث أو تأليف رسالة تغطى جوانب من العلم مجهولة أو تجيب على تساؤلات تلاميذ ازدادت رغبتهم في المعرفة, بالإِضافة إلى الروح النقدية والاستقلال الفكري عند محاورة العلماء المعاصرين له مشافهة أو السابقين عليه كتابة. وكل هذا لابد أن يتصف به صاحب منهج البحث العلمي, ويتميز به الرائد في مختلف العلوم, وهو ما سنحاول البرهنة عليه في سياق هذا الفصل.


وعلينا أن نوضح بادىء ذى بدء أن التفرقة بين المعنى الذى يحمله لفظا ((علم)) و (( فلسفة )) حديثة العهد, إذ لم تكن هناك فوارق بين العلوم التي تقوم على المشاهدة والتجربة, والعلوم التي تسند إلى النظر العقلي والتفكير المجرد, ويكاد الباحث لا يخطىء إذ قرر أن دلالة اللفظين قد توحدت حتى القرن السابع عشر, حين وضع فرنسيس بيكون (1626م) أساس المنهج التجريبي الحديث, فمهدا بهذا لاستقلال العلم عن الفلسفة(27).
لقد كنت تطلق كلمة ((علم)) قبلا على المعارف العامة, ولكن الاستعمال الحديث للكلمة, قد حدد مدلولها وجعلها تختص بلون معين من المعارف هو الذى يتضمن التجربة والمشاهدة والإِختبار, وهى ما يسمى الآن بالعلوم الطبيعية من كيميائية, وجيولوجية, ورياضية, والصيدلة وما إليها.
والعقل البشري استطاع بما أكتسب من خبرة, ودراية ومرانة أن يصنف هذه المعارف, وأن يوضح ما يربطها من صلات, وأن يستنبط القوانين من المشاهدات والملاحظات التي تسجل بدقة وعناية, ثم يستقرأ منها النظريات والفروض والقوانين. وقد سميت هذه السلسلة المنطقية التي تصور التفكير العلمي, وجعله ينهج المنهج السوى, سميت بالطريقة العلمية(28).


ولا تكاد تجد في تاريخ الفلسفة أو العلم مفكرا لم يتناول علوم عصره بالتصنيف. ولئن اختلف المفكرون في تصنيفهم للعلوم, فذلك راجع ـــ فضلا عن إختلافهم في وجهة النظر ـــ إلى إختلاف العلوم نفسها عصرا بعد عصر, فلا وجه للغرابة اذن ـــ أن نجد تصنيف البيروني لعلوم عصره مشتملا على جوانب لاُنقرها نحن اليوم بين العلوم المُعترف بها في عصرنا, ولا مفاجأة لنا حين يُحدثنا عن مسار شُعاع الضوء ـــ مثلا ـــ بوصفه منتميا إلى الرياضيات.
وذا أهمية أن نعرف أن مصطلح (( تصنيف Classification)) يُراد به معنيان. أولهما : أنه (( العملية الذهنية التي يتم من خلالها إدراك التشابه أو الوحدة))(29). وهذا هو المعنى (( المنطقي logical)). وثانيهما أنه (( عملية ترتيب الأشياء الفعلية الواقعية بحيث تمثل الترتيب المجرد ))(30). وهذا هو المعنى (( العلمي Practical)).


نفهم من ذلك أن نظام التصنيف الفلسفي عبارة عن تصور للمعرفة البشرية يوضح لشرح وتوضيح علاقات أجزاء المعرفة بعضها بالبعض الآخر. وهذا الفهم يصدق على المعنى الأول وهو المعنى المنطقي. أما المعنى الثاني فالمراد به بالنسبة لموضوع بحثنا هو ترتيب العلوم من حيث الخصوص والعموم. وليس من شك أن تصنيف العلوم يتصل إتصالا وثيقا بالمنهج العلمي(31).


ومبدئيا فقد كانت العلوم عند المسلمين في القرن الحادي عشر قسمين : علوم أصيلة وعلوم دخيلة. فالعلوم العربية الأصلية هى العلوم التي كانت معروفة عند العرب قبل الإِسلام كعلوم اللغة والتاريخ والفراسة وماشاكلها. أما العلوم الدخلية فهى العلوم الواردة مع الفتوحات الإِسلامية وهى معظم العقلية, وينقسم أربعة أقسام هى : المنطق والعلوم الطبيعية والعلم الالهى وعلوم التعاليم (الرياضيات). وهذا ما نتبينه في تصنيف الخوارزمي(32) المبكر للعلوم إلى : علوم عربية أو علوم الشريعة وما يتصل بها من العلوم العربية, وعلوم الأوائل من العجم. من الأولى علوم اللسان, والفقه, والكلام والتاريخ, وعلوم الأدب. ومن الثانية العلوم الفلسفية, والطبيعية, والطبية.


وقد تقدم علم التصنيف بعد ذلك على يد الفارابي في كتابيه (( التنبيه على سبيل السعادة )) و (( تحصيل العلوم )) حيث قسم العلوم قسمين : علوم نظرية, أو الفلسفة النظرية وتحتوي علوم التعاليم والعلم الطبيعي, وعلم ما بعد الطبيعة. وعلوم عمليه أو الفلسفة العلمية : وقد ذكر منها العلم المدنى ( أى علم الاخلاق وعلم السياسة المدنية ) ثم علم الفقه وعلم الكلام. ويظهر أن الفارابي قد قدم العلوم النظرية على العلوم العملية لتوقف هذه ما نتبينه بوضوح في كتابه (( إحصاء العلوم ))(33).




والعلوم التي صنفها المعلم الثاني هى :
1 ـــ علم اللسان.
2 ـــ علم المنطق.
3 ـــ علم التعاليم : وينقسم إلى سبعة أجزاء كبرى هى :
أ ـــ علم العدد.
ب ـــ علم الهندسة.
جـ ـــ علم المناظر.
د ـــ علم النجوم.
هـ ـــ علم الموسيقي.
و ـــ علم الأثقال.
ز ـــ علم الحيل.
4 ـــ العلم الطبيعي.
5 ـــ العلم الإِلهى.
6 ـــ العلم المدني.
7 ـــ علم الفقه.
8 ـــ علم الكلام.


وهذا التقسيم السابق يشبه إلى حد كبير تقسيم أرسطو للعلوم. وإذا أردنا أن نتبين تصنيف البيروني للعلوم لوجدناه يتبع تقسيم أرسطو لها حيث يتميز أرسطو بين ثبلثة أنواع من التفكير :
النظري Thoretical
و العلمي Proctical
والمنتج Productive


وهذه الأنواع الثلاثة من التفكير تقابل الفلسفة النظرية والعملية والصناعات الإِنتاجية وسنلاحظ أن البيروني يُطلق على بعض العلوم اسم الصنائع ومشتقاتها وخاصة تلك المرتبطة بتطبيقات عملية, والمتصلة بأدوات تكنولوجية. والملاحظة في التقسيم الأرسطى اعتباره المنطق آلة Organon أو أداة أو مدخلا لكل العلوم, وليس شعبة من الفلسفة. فالفلسفة النظرية عنده تشمل العلم الالهى والرياضي والطبيعي. والفلسفة العملية تشمل الأخلاق والاقتصاد وكذلك السياسة. والصناعات الانتاجية في نظره هى الشعر والخطابة. هذا التقسيم الأرسطى للعلوم نجده سائداً عند البيروني وخاصة في كتابه (( فهرست كتب الرازي )), كما نجده سائدا عند أكثر فلاسفة العرب ومفكريهم كما لا حــــــــظ ذلك بحق المستشرق كارلوناينو(34).


إلا أننا نتبين من خلال الدراسات أنه على الرغم من عدم نقد البيروني للمنطق الأرسطى الصوري الذي جعله أرسطو أداة للعلوم أو مدخلا لها, كما سيفعل ابن تيمية من بعد في كتابه (( الرد على المنطقين )), ورغم أنالبيروني لم يضع تصنيفا في المنطق قائما برأسه, إلا أننا يمكننا أن نتبين منطق له هو أقرب إلى الفلسفة العلوم أو مناهج البحث, يتعارض تماما في أسسه ونتائجه مع المنطق الأرسطي الشكلي العقيم, وخاصة فيما يتصل بالعلوم الطبيعية وما أتبعه فيها من أساليب علمية هى أقرب إلى المنطق اليوناني المجدب.


وإذا أردنا أن نعرف مدى الإِختلاف بين هذا التصنيف للعلوم عند البيروني وما نعرفه الآن من تصانيف فلا أدل من أن نعرف أن علم الهيئة أو الفلك عند المسلمين اشتمل على علم الهيئة الكروي والعملي وقسم صغير من النظري يخص الكسوفات وإستتار الكواكب السيارة, مع علم التواريخ الرياضي وعلم أطوال البلدان وعروضها الخاص بالجغرافيا حاليا. (( وخرج من علم الهيئة عند المسلمين علم الميكانيكا الفلكية وعلم طبيعة الأجرام السماوية وأكثر علم الخيئة النظري .. فواضح ذلك كله أيضا من مضمون الكتب القديمة الكاملة في هذا الفن مثل القانون المسعودي للعالم العلامة أبى الريحان البيروني ))(35).


يتبع





التوقيع

أيها المساء ...كم أنت هادئ

    رد مع اقتباس