عرض مشاركة واحدة
قديم 2016-02-27, 18:40 رقم المشاركة : 1
صانعة النهضة
مراقبة عامة
 
الصورة الرمزية صانعة النهضة

 

إحصائية العضو








صانعة النهضة غير متواجد حالياً


وسام التنظيم المميز السيرة 1438ه

مسابقة السيرة 5

وسام المنظمة

وسام منظم مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية الفضية

وسام المشاركة في الدورة التكوينية مهارات الاتصال ا

وسام المطبخ المرتبة 1

وسام لجنة التحكيم

وسام العضو المميز

للنقاش الخصوصية المغربية: تعدد الأعراق ووحدة الهوية



الخصوصية المغربية: تعدد الأعراق ووحدة الهوية

- تصدير لابد منه..
منذ تأسيس الدولة المغربية؛ على يد المولى إدريس الأول؛ بدأت المعالم الأولى للهوية السياسية و الاجتماعية المغربية تتشكل؛ فعلى خلاف ما روجته بعض الأقلام الاستعمارية؛ من استعمار العرب لشمال إفريقيا –و منها المغرب- يؤكد التاريخ أن الشراكة التي قامت بين العرب و الأمازيغ؛ هي التي ساهمت بشكل حاسم في تأسيس الدولة المغربية .


فعندما دخل إدريس الأول إلى بلاد المغرب؛ لم تكن ترافقه جيوش جرارة؛ على شاكلة جيوش الاستعمار الفرنسي و الإسباني خلال مرحلة القرن التاسع عشر؛ و لم يرتكب مجازر في حق الشيوخ و الأطفال و النساء؛ و لم يستنزف خيرات البلاد و يصدرها إلى الشرق ... لقد دخل مؤسس الدولة المغربية حاملا معه رأسمالا رمزيا ثمينا؛ صقلته المعرفة و التجربة؛ و استثمره في بناء دولة مركزية قوية و ممتدة؛ حققت التوازن المفقود؛ في منطقة البحر الأبيض المتوسط؛ لقرون.


و هكذا؛ تأسست الدولة المغربية؛ منذ البداية؛ في شراكة بين الأمازيغ و العرب؛ و هي شراكة ترجمتها العلاقة السياسية؛ التي جمعت زعيم قبيلة أوربة (إسحاق بن عبد الحميد الأوربي) بإدريس الأول؛ لتتجاوز بعد ذلك؛ العلاقة السياسية إلى علاقة عائلية؛ عبر زواج إدريس الأول من السيدة كنزة ابنة الزعيم الأوربي؛ لينجب منها ابنه (إدريس الثاني) الذي واصل النضال؛ من أجل بناء دولة مغربية مهابة الجانب؛ في منطقة كان الرومان يصولون و يجولون فيها بلا رقيب . لقد اختلطت الدماء العربية بالدماء الأمازيغية؛ منذ البدايات الأولى لنشأة الدولة المغربية؛ و كان زعيم الدولة الإدريسية؛ عربيا من جهة الأب و أمازيغيا من جهة الأم .

و ابتداء من هذا التاريخ؛ تشكلت الشراكة العربية الامازيغية؛ على أسس قوية و متينة؛ استطاعت الصمود في وجه التحديات الدولية؛ لقرون؛ و استطاعت تأسيس إمبراطوريات؛ ساهمت بشكل حاسم في تحقيق التوازن و السلم في منطقة البحر الأبيض المتوسط. و على امتداد قرون من تعاقب الأنظمة الحاكمة؛ لم يكن الطابع العرقي أساسا للحكم أو المعارضة.

فقد تقلدت أسر امازيغية؛ الحكم في فترات متعددة من التاريخ السياسي للمغرب (المرابطون؛ الموحدون؛ المرينيون؛ الوطاسيون)؛ و لا ينقل إلينا التاريخ أن هذه الدول؛ كانت تنفد سياسة بربرية؛ كتلك التي أسس لها الاستعمار الفرنسي؛ بل كانت دول تعتز بهويتها المغربية؛ التي تشكلت عبر انصهار عرقي و ثقافي و اجتماعي ديني ... جمع العرب بالأمازيغ. و في المقابل حكمت المغرب أسر عربية (الأدارسة؛ السعديون؛ العلويون)؛ و كذلك لا ينقل إلينا التاريخ أن هذه الدول؛ كانت تنفد سياسة تبعية للمشرق؛ و نحن نعلم أن السلاطين المغاربة؛ على مر تاريخ الدولة المغربية؛ دافعوا عن استقلالية المغرب و خصوصيته؛ سواء في علاقته بالخلافة العباسية؛ أو في علاقته بالخلافة العثمانية .
إن ما يهمنا من عبر التاريخ؛ هي قيمتها الرمزية الغنية بالدلالات؛ و الإنسان كائن رمزي بطبعه؛ يتخيل الأشياء قبل ممارستها؛ و عبر هذه القدرة على التخيل؛ قامت حضارات و سقطت أخرى؛ و المغاربة عبر التاريخ استثمروا هذه القيم الرمزية؛ لبناء دولة متماسكة و قوية؛ لم تتسرب إليها فيروسات التشتت و البلقنة؛ على امتداد قرون طويلة.


1- المشروع الاستعماري في المغرب : المختبر و المدفع في خدمة البلقنة و التقسيم

كانت بداية اختراق التماسك السياسي و الاجتماعي للمغرب؛ مع دخوله ضمن الحسابات الاستعمارية خلال مرحلة القرن التاسع عشر؛ و كان أول ما استهدفه الاستعمار؛ هو تلك الوحدة و التماسك بين العرب و الأمازيغ؛ و التي تشكلت تاريخيا و حافظت على وحدة واستقلال المغرب؛ في مواجهة التحديات الدولية الكبرى .

و قد كان المدخل الأساسي لبسط الهيمنة الاستعمارية على المغرب؛ هو محاولة زعزعة مقومات هذه الوحدة؛ عبر زرع بذور الشقاق بين العرب و الأمازيغ؛ و ذلك بناء على مخططات استعمارية؛ تم التركيز فيها على فهم و تحليل البنية الاجتماعية و الثقافية للمجتمع المغربي؛ اعتمادا على دراسات سوسيولوجية و اثنوغرافية؛ كان الغرض منها؛ محاولة اختراق البنية؛ لزرع فيروسات استعمارية؛ تحول الجسد المعافى و المتماسك إلى جسد عليل متهالك .

و لعل ذلك هو ما جسدته السوسيولوجيا الكولونيالية؛ كتخصص ارتبط بالمخططات الاستعمارية؛ و استفاد كثيرا من الدراسات الاستشراقية؛ التي حاولت في وقت مبكر؛ فهم و تحليل بنية المجتمعات غير – الأوربية؛ باعتماد منظار المركزية الأوربية eurocentrisme .

و ضمن هذه المجتمعات؛ حضر المغرب؛ الذي كان حظه وافرا من الدراسة الاثنوغرافية –بشكل خاص- و ذلك لأن المنظور الاستشراقي؛ مند البداية؛ كان يتعامل مع المجتمعات غير-الأوربية؛ و منها المغرب؛ كمجتمعات ما قبل- حداثية؛ أو بالأحرى؛ باعتبارها مجتمعات تجسد بنية الجماعات البدائية؛ التي حللها ليفي شتراوس في كتابه الشهير la pensé sauvage .

و هكذا؛ تم تهيئ جيش من السوسيولوجيين؛ الذين وظفوا بإتقان أطروحات السوسيولوجيا الكولونيالية؛ و خصوصا تلك الأطروحة التي تقسم المغرب؛ إلى أراضي المخزن/العرب و أراضي السيبة/البربر. و لذلك نجد هذه الدراسات تركز مجهوداتها؛ على دراسة بنية القبيلة الأمازيغية؛ من حيث طبيعة العلاقات الرابطة بين مكوناتها؛ و من حيث طبيعة تشكل الزعامات السياسية؛ و كذلك من حيث طبيعة النسق القيمي الذي يؤطرها؛ في علاقة بالمكون الديني/الإسلامي؛ بشكل خاص.... بالإضافة إلى مجموعة من القضايا السوسيولوجية الدقيقة جدا؛ و التي لها علاقة مباشرة بتسهيل مهمة السيطرة العسكرية على المجال .


و لذلك؛ يمكن التأكيد أن المشروع الاستعماري في المغرب؛ ارتكز بالأساس على البحث السوسيولوجي و الإثنوغرافي؛ و كان الهدف هو تسهيل مهمة الاكتساح العسكري؛ من خلال التحكم في البنية الاجتماعية؛ و تحويلها من عامل معيق؛ إلى عامل مساعد؛ لبسط الهيمنة الاستعمارية على المجال؛ بأقل مجهود و أقل تكلفة .

فحسب الباحث محمد مصباح؛ ترجع جذور المسالة الأمازيغية في المغرب؛ إلى بداية القرن الماضي؛ مع جهود الاستعمار الفرنسي عبر البعثة العلمية؛ و معهد الدراسات البربرية في باريس و الرباط؛ حيث كان يصدر أعدادا من مجلة " الأرشيف البربري" (1915-1918)؛ ثم مع مجلة "هسبريس" التي صدرت بداية من العام 1921 و التي كان يعدها ضباط فرنسيون و مستشرقون؛ بالإضافة إلى انطروبولوجيين و سوسيولوجيين فرنسيين. و يضيف الباحث أن المسألة الأمازيغيبة انطلقت فعليا مع (ميشو بلير) الذي يمكن اعتباره أول من دعا إلى توظيف ثنائية العرب/البربر؛ و التي أصبحت فيما بعد دراسة مؤطرة لجميع الدراسات الكولونيالية في المغرب. و تلقفها بعده روبير مونتاني؛ الذي كان ضابطا في المخابرات السياسية بالبحرية؛ و درس ظاهرة الزعامات عند القبائل الأمازيغية في كتابه الشهير " البربر و المخزن" .



و من المعلوم؛ أن السوسيولوجيا الكولونيالية؛ في المغرب؛ قد ركزت على هذه الثنائية الشهيرة؛ بربر/مخزن؛ كمدخل رئيسي لبناء نسق إيديولوجي متكامل؛ يخدم الأطروحة الاستعمارية؛ في الأخير. فإذا كان المخزن؛ حسب التصور الكولونيالي؛ قد استطاع أن يمد نفوذه وسلطته على السهول المحيطة بالمدن و العواصم؛ فهو لم يستطع تحقيق ذلك في علاقته بقبائل السيبة؛ حيث استمرت المعارك والاقتتال؛ لقرون؛ من دون أن تتحقق وحدة الدولة المغربية .


و لذلك؛ تستخلص السوسيولوجيا الكولونيالية؛ بتسرع و ببساطة؛ أن المغرب لم يكن يوما؛ دولة مركزية تبسط سيادتها على كامل امتدادها الترابي؛ بل كان هناك مكونان سياسيان؛ جمع بينهما الصراع و التناحر؛ هناك بلاد المخزن و بلاد السيبة؛ بلاد السهول و بلاد الجبال؛ بتعبير آخر؛ هناك العرب و هناك البربر؛ العرب وافدون و مستعمرون؛ و البربر هم السكان الأصليون للبلاد؛ و الواجب يفرض على فرنسا؛ بلاد الحرية و الأنوار؛ أن تتحمل مسؤوليتها التاريخية؛ و أن تعمل على تحرير البربر من قبضة العرب؛ و ربطهم بالمتر بول الفرنسي مباشرة؛ ليكونوا في خدمة المشروع الاستعماري؛ بعد أن كان مؤكدا أنهم سيكونون خصوما لهذا المشروع .
لقد كان المدخل الرئيسي؛ لفرض الهيمنة الاستعمارية على المغرب؛ هو العمل على تقسيم البلاد إثنيا؛ استعدادا لتقسيمها ترابيا؛ لتسهيل السيطرة الشاملة عليها؛ في الأخير. و قد تداخل البحث السوسيولوجي/الإثنواغرافي بالتخطيط العسكري؛ لإنجاح هذه المهمة؛ لدرجة اختلاط الباحثين و العلماء بجنرالات العسكر؛ و هذا ما توحي به تسمية السوسيولوجيا الكولونيالية .


1-1- السياسة البربرية في المغرب من خلال تجربة المدارس الفرنسية – البربرية

قامت السياسة البربرية في المغرب؛ على أساس تكريس ثنائية عرب/بربر؛ مخزن/سيبة؛ باعتبارها المدخل الرئيسي؛ لتقسيم المغرب إلى مجالين منفصلين؛ على المستوى الاجتماعي و الثقافي؛ و كذلك على المستوى الترابي؛ و قد تم توظيف الانتماء العرقي؛ كعامل حاسم لتنفيذ هذه السياسة. و كي لا تنفرط خيوط اللعبة الاستعمارية؛ فقد تم تطعيم المقاربة العسكرية بروح تربوية/تعليمية؛ كقوة ناعمة soft power تساعد على إعادة إنتاج reproduction النسق الكولونيالي؛ ثقافيا و اجتماعيا ...

و لذلك فقد اتخذت السياسة البربرية؛ في البداية؛ طابعا مدرسيا؛ من خلال تنفيذ مشروع المدارس الفرنسية-البربرية؛ الموجهة لتعليم الأطفال الأمازيغ؛ باعتماد المنهاج الفرنسي المطعم ببهارات استعمارية؛ و ذلك لأن الغاية؛ ليست تأسيس تجربة تربوية/تعليمية حديثة في المناطق الأمازيغية؛ بل على العكس من ذلك؛ كانت الغاية هي تنفيذ خطة الفصل بين الامازيغ و العرب؛ بادعاء الخصوصية الأمازيغية؛ و كانت المدرسة تمثل –فقط- جسر العبور.


1-1-1- المدارس الفرنسية-البربرية.. رمزية المجال

ارتبطت تجربة المدارس الفرنسية – البربرية؛ بالمناطق الأمازيغية؛ ذلك لأن هدفها الرئيسي؛ كان هو تعليم الأطفال الأمازيغ؛ ضمن مجال عرقي-كولونيالي ضيق؛ لتحقيق غرض الفصل بينهم و بين مواطنيهم المغاربة من غير الأمازيغ. و في هذا الصدد يؤكد بول مارتي؛ أن المدارس الفرنسية- البربرية؛ تم إنشاؤها في البادية المغربية و خصوصا في المناطق الجبلية؛ من طرف الجهاز العسكري؛ من ضباط و كتاب في القيادة العامة للجيش الفرنسي؛ و بإشراف المكلفين بالحرب السيكولوجية.

و يحاول الأستاذ الجابري تعيين مجال انتشار هذه المدارس بدقة؛ فقد كانت بداية إنشاء المدارس الفرنسية- البربرية في أكتوبر من سنة 1923 في مناطق من جبال الأطلس؛ خاصة في إيموزار؛ و عين الشكاك بناحية فاس؛ و آزرو و عين اللوح بناحية مكناس؛ و خنيفرة و القباب؛ بالإضافة إلى مدرسة هرمومو بناحية تازة .

و يحمل المجال الذي انتشرت فيه هذه المدارس؛ رمزية كبيرة في علاقة بالسياسة البربرية؛ التي نهجها الاستعمار؛ و التي كانت تقضي بالفصل بين العرب و الأمازيغ. و لذلك؛ كان الهدف الواضح؛ الذي تجسده طبيعة المجال (المناطق الجبلية/الأمازيغية)؛ هو العمل على خلق جيل مقطوع الصلة؛ بامتداده الحضاري و الجغرافي؛ جيل كان يتم التخطيط له؛ ليكون امتدادا للمشروع الاستعماري في المغرب؛ و ذائدا عن حياضه.

فحسب الأستاذ محمد عابد الجابري؛ كان الهدف من وراء إنشاء هذه المدارس؛ إنشاء جيل مقطوع الصلة تماما بالتراث العربي الإسلامي من جهة؛ و متشبع أكثر ما يمكن؛ بالتراث الفرنسي و القيم الحضارية الغربية المسيحية؛ من جهة أخرى؛ مما يمهد الطريق لعملية واسعة النطاق؛ عملية استيعاب الشعب المغربي؛ و جعله سياسيا و حضاريا تابعا إلى الأبد لفرنسا؛ باعتباره ذيلا من ذيول الحضارة الغربية المسيحية .


1-1-2- المدارس الفرنسية-البربرية.. رمزية المحتوى التعليمي

بالإضافة إلى طبيعة المجال الجغرافي؛ الذي تم التركيز عليه؛ و الذي ينسجم مع المخطط الاستعماري؛ القاضي بالفصل بين العرب و الأمازيغ؛ فإن للمحتوى التعليمي رمزيته الكبيرة كذلك؛ خصوصا إذا علمنا أن التركيز كان على محاولة اقتلاع المتعلمين –و جزءا من المجتمع المغربي عامة- من التربة المغربية الأصيلة؛ ذات الامتداد العربي الإسلامي؛ الذي تشكل على امتداد قرون .

و لعل هذا؛ هو ما تؤكده طبيعة المناهج التعليمية المعتمدة؛ و التي كانت تحارب كل ما يرتبط بالعربية و الإسلام؛ و في المقابل كانت تكرس نموذجا تعليميا؛ يجمع بين الفرنسية و الأمازيغية؛ مع التركيز على الجانب القيمي المسيحي–الوثني؛ كبديل للنموذج القيمي الإسلامي.

إن المدرسة الفرنسية-البربرية- حسب بول مارتي- هي مدرسة فرنسية بالمعلمين؛ بربرية بالتلاميذ؛ و ليس هناك مجال لأي وسيط أجنبي؛ إن أي شكل من أشكال تعلبم العربية؛ أو أي تدخل من جانب الفقيه؛ أو أي مظهر من المظاهر الإسلامية؛ لن يجد مكانه في هذه المدارس؛ بل سيقصى منها جميع ذلك بكل صرامة.

و لعل هذا التوجه التعليمي؛ هو نفسه الذي وجه السياسة الاستعمارية منذ البداية؛ في تعاملها مع المجتمع المغربي؛ من منطلق الفصل في سكانه؛ بين العرب والأمازيغ؛ مع التركيز على تشكيل البنية الاجتماعية و الثقافية لسكان الجبال؛ على المقاس الاستعماري؛ و ضد أي ارتباط بالامتداد الحضاري العربي/الإسلامي .

و هذا النهج الاستعماري؛ هو الذي وجه المقيم العام الفرنسي في المغرب(الجنرال ليوطي)؛ في تعامله مع السكان الأمازيغ؛ قبل تدشين تجربة المدارس الفرنسية-البريرية. فقد أصدر دورية شهرية بتاريخ 16/6/1921 حول لغة التعليم بالمغرب، إذ يقول: "من الناحية اللغوية علينا أن نعمل مباشرة، على الانتقال من البربرية إلى الفرنسية... فليس علينا أن نعلم العربية للسكان، الذين امتنعوا دائماً عن تعلمها، إن العربية عامل من عوامل نشر الإسلام، لأن هذه اللغة يتم تعلمها بواسطة القرآن، بينما تقتضي مصلحتنا أن نطور البربر خارج نطاق الإسلام.


1-2- السياسة البربرية في المغرب من خلال الظهير البربري
صدر الظهير البربري؛ خلال مرحلة تميزت بنضج المخططات الاستعمارية؛ التي بدأت مرتبطة بالبحث السوسيولوجي؛ و انتقلت لتتجسد في طابع مدرسي؛ وفي مرحلة ثالثة حاولت اختراق البنية الاجتماعية و الثقافية المتماسكة؛ باعتماد آليات قانونية؛ كانت تستهدف شرعنة أطروحة الفصل بين العرب و الأمازيغ.
و إذا كانت الحركات العرقية الأمازيغية؛ اليوم؛ تحاول ممارسة تطهير مجاني لصالح المرحلة الاستعمارية؛ عبر التركيز على الطابع القانوني/التشريعي للظهير البربري؛ في نسختيه (1914-1930) باعتباره نصا قانونيا صرفا؛ لا يحتمل أي تأويل آخر؛ فإن السياق الذي صدر فيه الظهير البربري يدحض هذا الاعتبار؛ خصوصا و أن الدعاية الاستعمارية حين صدوره؛ كانت تروج لهذه القراءة القانونية التقنية؛ بينما كانت تسعى إلى إخفاء التوجه الاستعماري؛ القاضي بفصل الأمازيغ عن العرب .

و لعل هذا التوجه الاستعماري؛ هو ما فطن له الوطنيون المغاربة؛ و قاموا لمناهضته؛ و ذلك لأن الظهير البربري جاء تتويجا لمخططات استعمارية سابقة؛ كانت تسير في نفس الاتجاه. و لذلك فقد شكل صدوره أهم حدث في تاريخ المغرب الحديث؛ لأنه دشن لمرحلة جديدة من النضال الوطني ضد المخططات الاستعمارية؛ التي كانت تسعى لتقسيم المغرب عرقيا؛ لتسهيل مهمة تقسيمه ترابيا؛ و بالتالي؛ تحقيق السيطرة الكاملة على التراب و العباد .


1-2-1- الظهير البربري.. السوسيولوجيا الكولونيالية من النظرية إلى التطبيق
لا يمكن للباحث في تاريخ المغرب الحديث؛ أن يغفل تلك العلاقة القائمة بين البحث السوسيولوجي الكولونيالي و المخططات الاستعمارية؛ فقد كانت السوسيولوجيا خلال هذه المرحلة؛ المجال العلمي الخصب؛ لاختبار آليات و أدوات السيطرة على المغرب؛ دولة و مجتمعا . و لعل ذلك هو ما تؤكده البحوث السوسيولوجية و الإثنوغرافية؛ التي حاولت تحليل البنية الاجتماعية و الثقافية للمغرب؛ لتسهيل المهمة العسكرية؛ في الأخير؛ و خصوصا مع تجربة البعثة العلمية؛ لميشو بلير و روبير مونتاني .


فحسب الباحث المغربي (محمد الغيلاني) كان ميشو بلير، أول من انتبه ودعا إلى توظيف الثنائية؛ العرب/البربر، وهي الثنائية التي استندت عليها الحماية لدعم تغلغلها، وتلك الأطروحة عرفت أوج تبلورها مع صدور الظهير البربري سنة 1930، كوسيلة للهيمنة الكولونيالية. و يضيف الباحث أن هذه الثنائية ذات البعد العرقي ستأخذ أبعادا أخرى في أبحاث ميشو بلير وغيره من الباحثين الكولونياليين؛ عندما بدأ الحديث عن بلاد السيبة وبلاد المخزن، والدعوة إلى المحافظة على هذه الثنائية في السياسية الكولونيالية؛ لما لها من نتائج عميقة ومؤثرة؛ في عمليات السيطرة الفرنسية على المجتمع وإضعاف الدولة وإنهاك قواها.


و إذا كان "ميشو بلير" قد نجح في ترسيخ تقاليد السوسيولوجيا الكولونيالية في المغرب؛ فإن"روبير مونتاني" قد تجاوز حضوره؛ مجال البحث السوسيولوجي؛ بالمعنى العلمي للكلمة؛ فهو كان أكثر من ذلك؛ منظرا استعماريا من الوزن الثقيل؛ و لذلك كانت أطروحاته تتحول إلى مخططات عسكرية. و يعد كتابه ( البربر و المخزن في الجنوب المغربي) (10) من بين الدراسات الكولونيالية؛ التي جاءت على خلفية سياسة الاحتلال الفرنسي؛ لتقسيم المغرب في إطار ما عرف باسم "الظهير البربري".

و لعل ذلك هو ما يؤكده تزامن صدور الكتاب مع صدور الظهير عن سلطات الحماية؛ كما أن الكتاب جاء بأطروحة الفصل في سكان المغرب؛ بين العرب و الامازيغ؛ و بشكل مفصل للغاية؛ و هذا بالضبط؛ هو ما سعت المخططات الاستعمارية لتجسيده على أرض الواقع؛ عبر فلسفة قانونية؛ تفصل بين من يحتكم إلى الشرع (العرب) و بين من يحتكم إلى العرف (الأمازيغ)؛ و من ثم كان السعي إلى الفصل بين عالمين مختلفين؛ أحدهما تابع للاستعمار و الآخر محارب له .

لقد حاول روبير مونتاني؛ من خلال أطروحته؛ العمل على بلورة استراتيجيات لاختراق الدولة و المجتمع في المغرب؛ من خلال صياغة فرضية التعارض بين البربر/السيبة و العرب/المخزن، و هذا التعارض هو ما عمل الظهير البربري؛ على صياغته كإيديولوجيا استعمارية؛ تجعل منه تعارضا اجتماعيا وعرقيا وحضاريا بين العرب والبربر؛ و ذلك بهدف إنجاح المشروع الاستعماري؛ عبر محاولة توطينه في بيئة آمنة و تابعة؛ تقتنع به و تحميه؛ في مواجهة بيئة معادية كانت تسعى إلى استئصاله .

ينطلق (مونتاني) في صياغة أطروحته من فكرة محورية؛ يؤكد فيها أن القبائل البربرية (السوسية) تمتلك خصوصيتها السياسية و الاجتماعية؛ لكن سيطرة المخزن أفقدتها أصالتها. و لتوضيح هذه الفكرة قام (مونتاني) بوصف وتحليل طبيعة النظام السياسي الخاص بالقبائل البربرية السوسية، باعتباره نظاما أصبح يفقد تدريجيا أصالته مع الزمن؛ لتكتمل الصورة بشكل أوضح؛ مع مرحلة "حكم المخزن"، الذي تعتبره هذه القبائل كيانا استعماريا بالأساس.
و حسب (مونتاني) فقد مر النظام السياسي للقبائل البربرية؛ بأربعة مراحل أساسية:

1- حكم جمهوري ديمقراطي و أوليغارشي.
2- حكم "الإمغارن" أو الشيوخ.
3- حكم القواد الكبار.
4- حكم المخزن.

و إدا كان (مونتاني) يعتبر أن المراحل الثلاثة الأولى؛ قد مثلت الأصالة السياسية البربرية؛ فإنه يعتبر أن المرحلة الرابعة المرتبطة بحكم المخزن؛ تعتبر تحطيما للديمقراطية البربرية؛ و كذلك نيلا من واقع استقلالية الشخصية القبلية لدى البربر. و لتوضيح هذه الصورة القاتمة؛ حول مرحلة حكم المخزن؛ يعرض الباحث الكولونيالي؛ و بكثير من التفصيل و التحليل؛ لأهم مكونات البناء الاجتماعي والسياسي للقبائل البربرية؛ قبل تعرضها لهذا الاكتساح المخزني.

فالقبائل البربرية المدروسة؛ هي في نظره عبارة عن جمهوريات بربرية، تشبه في تشكيلتها الجمهوريات ذات الطابع الديمقراطي العسكري. و يوكل أمر البث في الشأن السياسي لهذه الجمهوريات، إلى "الجماعة" باعتبارها هيأة سياسية منتخبة بشكل ديمقراطي؛ ويعين على رأسها شيخ (أمغار). و يحاول (مونتاني) في كتابه؛ رصد أهم مكونات البناء السياسي لهذه "الجمهوريات البربرية؛ ابتداء بأصغر مكون و انتهاء بالمكون الأكبر:

1- الدوار، ويضم من 20 إلى 30 كانونا.

2- الفخذة أو العظم، وتضم ثلاثة إلى أربعة دواوير.

3- الفرقة أو الخمس، وتضم من ثلاثة إلى خمسة أفخاذ. وهي تمتاز بكونها وحدة سياسية.

4- القبيلة، وتتكون من ثلاث إلى إثنى عشرة فرقة؛ وتتميز باسم خاص؛ يرتبط بجد مشترك؛ كما أنها تحتل مجالا جغرافيا خاصا، ولها عاداتها وتقاليدها ومؤسساتها السياسية، و تتوفر على أسواق ومواسم خاصة بها .

5- اللف، وهو تحالف حربي؛ بالأساس؛ يجمع عدة قبائل، في إطار اتفاقية الدفاع المشترك.

و هكذا؛ يسعى "روبير مونتاني"؛ إلى استنتاج خلاصات تاريخية بأبعاد سياسية؛ بالاعتماد على ظواهر انطروبولوجية؛ لا يخلو منها أي مجتمع؛ لكنها لا ترقى إلى صياغة خصوصيات سياسية؛ و إلا فإن جميع دول العالم؛ تتشكل من الداخل؛ من جمهوريات متعددة؛ إذا أخدنا في الاعتبار؛ التعدد الثقافي و العرقي و اللغوي .


1-2-2- ما بين السوسيولوجيا و المخططات الاستعمارية.. ضرورة الفرز

رغم العدة المنهجية القوية و الرصينة؛ التي اعتمدها روبير مونتاني في بحوثه السوسيولوجية؛ فإنها ظلت بحوثا موجهة من طرف المخططات الكولونيالية؛ و لذلك فإن خلاصاته؛ قد طبعها بعض التشوه لانه؛ ليس فقط باحثا؛ و لكنه كذلك عضو في الإدارة الكولونيالية؛ كما يؤكد Maurice poncelet. و من هذا المنطلق؛ فإن الأعمال السوسيولوجية ل "روبير مونتاني" – يضيف poncelet ؛ قد رسمت صورة للمغرب؛ على شكل فسيفساء؛ مشكلة من دويلات صغيرة؛ مجمعة بشكل متناقض (بلاد المخزن- بلاد السيبة) .

و لعل "روبير مونتاني" ليس سوى نموذج واحد ضمن ظاهرة عامة؛ حيث تداخل البحث السوسيولوجي بالمخططات الاستعمارية؛ و أصبح الباحث يقود معركة الهيمنة من مختبره؛ و حتى حينما يخرج إلى الميدان؛ فهو يحمل معه أسلحة نظرية فتاكة؛ يعمل من خلالها على شق الطرقات أمام المدافع و الدبابات.

من الصعوبة –إذن- أن نفصل الظهير البربري عن سياقة؛ و نعتبره نصا قانونيا –بالمعنى التقني للكلمة- بينما تبين الدراسة الفاحصة؛ أنه جاء خلال مرحلة؛ نجحت خلالها المخططات الاستعمارية؛ في بلورة رؤية واضحة حول مداخل السيطرة و التحكم على/في المغرب؛ و قد كان المدخل المفضل؛ هو العمل على الفصل في سكان المغرب؛ بين العرب و الأمازيغ؛ فصلا عرقيا في مرحلة أولى؛ تهييئا للفصل السياسي و الاجتماعي الذي سيؤدي؛ في الأخير؛ إلى نتيجة حتمية؛ هي تحقيق السيطرة الكاملة على المغرب؛ بعد نجاح مهمة تمزيقه و تقطيع أوصاله. وقد لعبت السوسيولوجيا الكولونيالية؛ دورا خطيرا في صياغة مشروع السياسة البربرية؛ هذا المشروع الذي سيتحكم؛ إلى أبعد الحدود؛ في ولادة الظهير البربري .

بقلم: إدريس جنداري

يتبع








التوقيع

أيها المساء ...كم أنت هادئ

    رد مع اقتباس