عرض مشاركة واحدة
قديم 2016-02-08, 12:22 رقم المشاركة : 1
صانعة النهضة
مراقبة عامة
 
الصورة الرمزية صانعة النهضة

 

إحصائية العضو








صانعة النهضة غير متواجد حالياً


وسام التنظيم المميز السيرة 1438ه

مسابقة السيرة 5

وسام المنظمة

وسام منظم مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية الفضية

وسام المشاركة في الدورة التكوينية مهارات الاتصال ا

وسام المطبخ المرتبة 1

وسام لجنة التحكيم

وسام العضو المميز

important حديث: "بُعِثت بالسيف" اختلاقُ دجّال


حديث: "بُعِثت بالسيف" اختلاقُ دجّال



محمد ابن الأزرق
فبراير 2016 -



كان هناك عالم عابد أحمق، أخذته الغيرة على كتاب الله، فاختلق حديثا طويلا في فضائل القرآن سورة سورة، ووضع له إسنادا جميلا سالما من الضعفاء والانقطاع، وتمكن حديثه الموضوع من الذيوع والانتشار، وهو الآن موزع على مقدمات السور عند كثير من المفسرين.
واستطاع بعض الجهابذة النقاد أن يكتشفوا الكذب والوضع، واعترف الدجال بفعلته، واعتذر بكونه كذب على الله ورسوله لترغيب الناس وتشجيعهم على قراءة القرآن وحفظه لما رأى من انصراف الناس عنه حسب زعمه الأخرق.
وفي كتب "الموضوعات" أحاديث كثيرة ابتدعها العبّاد المغفلون للترغيب في فضائل الأعمال، أو اختلقها الفقهاء الكذابون لتقوية مذاهبهم، وهي شائعة منتشرة، دفعت المحدثين الكبار إلى تأليف كتب للتحذير منها، "كالمقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة" للحافظ السخاوي، والذي سنجده أورد حديث المقال لشهرته.
وقد ظهر لأحد الكذابين أن يحرّض الناس على الجهاد، من باب الكذب لمصلحة الدين، فاختلق كلاما كريها في مضامينه، قبيحا في نتائجه على مستوى الفكر الإسلامي، إجراميا على المستوى العسكري.
جاء في ذلك الكلام القبيح الكريه، المكذوب على رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بُعِثْتُ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ ".


ثم استطاع الدجال أن يمرّر هذا الكلام المنكر على الرواة الذين كانوا حريصين على تلقّف الغرائب وروايتها، خدمة للدين بطبيعة الحال، فاجتهدوا كل جهدهم في إذاعته.
ولم ينج الإمام البخاري بدوره من لوثة الأكذوبة لرونقها، فلم يجد بدا من تسويد جامعه الصحيح بها رغم معرفته بضعفها، فإنه قال: بَابُ مَا قِيلَ فِي الرِّمَاحِ، وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «جُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي». هـ


فهو معلّق بصيغة التضعيف، لكن ما الغاية من ذكره؟ وما الحاجة إليه؟ لا ندري.
وفي القرن الهجري الثامن، تطوّع الحافظ ابن رجب الحنبلي (المتوفى: 795هـ)، فأفرد "الأكذوبة" بكتاب أسماه: "الحكم الجديرة بالإذاعة من قول النبي صلى الله عليه وسلم بعثت بالسيف بين يدي الساعة"، وهي في حقيقتها ظلمات جديرة بالكتمان إلى قيام الساعة.
وإن استصعبت هذا الكلام أيها القارئ، فإليك أهم تلك "الحكم":



الحكمة الأولى:

قوله صلى الله عليه وسلم: "بعثت بالسيف"، يعني أن الله بعثه داعيا إلى توحيده بالسيف بعد دعائه بالحجة، فمن لم يستجب إلى التوحيد بالقرآن والحجة والبيان دعي بالسيف... وفي الكتب السالفة وصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يبعث بقضيب الأدب، وهو السيف. ووصى بعض أحبار اليهود عند موته باتباعه وقال: إنه يسفك الدماء، ويسبي الذراري والنساء، فلا يمنعهم ذلك منه. وروي أن المسيح عليه السلام قال لبني إسرائيل في وصف النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه يسل السيف فيدخلون فيه دينه طوعا وكرها "، وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسيف بعد الهجرة لما صار له دار وأتباع وقوة ومنعة، وقد كان يتهدد أعداءه بالسيف قبل الهجرة.
قلت: غفر الله لك ألف مرة، القرآن يكذّب كلامك عن الإكراه في الدين، واحتجاجك بموضوعات أهل الكتاب جناية، فلم تكتف بما وضعه دجاجلتنا بل صرت تنقّب على ما سطرته أيادي الأحبار والرهبان بعد البعثة لتشويه مقام النبوة والتنفير من دين الله الخاتم، وهكذا تكون الغفلة مع كامل الاحترام والتقدير.


الحكمة الثانية:

قال ابن رجب: وكان صلى الله عليه وسلم إنما يقاتل على دخول الناس في التوحيد...
قلت: بل ما قاتل إلا المعتدين المحاربين الظالمين، ولو كان القتال على التوحيد هدفه ما ترك اليهود والنصارى والمشركين في بلاد العرب قبل أن يخرج إلى الروم في "تبوك"، ولما أرسل قبلها جيش "مؤتة".


وننصح بمقالنا: "تفكيك جذور التطرف"، فقد بسطنا فيه من أذن الله للمسلمين بمقاتلتهم، وأوضحنا فيه أن القتال للإكراه على الدين جريمة يتنزه عنها الأنبياء.


الحكمة الثالثة:
قال: قوله صلى الله عليه وسلم: "وجعل رزقي تحت ظل رمحي"، إشارة إلى أن الله لم يبعثه بالسعي في طلب الدنيا، ولا بجمعها واكتنازها، ولا الاجتهاد في السعي في أسبابها وإنما بعثه داعيا إلى توحيده الحكم بالسيف، ومن لازم ذلك أن يقتل أعداءه الممتنعين عن قبول التوحيد، ويستبيح دماءهم وأموالهم، ويسبي نساءهم وذراريهم، فيكون رزقه مما أفاء الله من أموال أعدائه...
قلت: يا سلام على الفقه والفهم العميق، المغانم الحربية مشروعة بكتاب الله صحيح، لكنها غنائم المعتدين المجرمين، وكلامك هذا يعني أنه لم يكن داعيا بل قاطع طريق يغير على القرى لكسب القوت، وهو ما تكذّبه سيرته يا رجل.


عاش رسول الله ثلاثة عشر عاما بمكة مبشرا ونذيرا، ولم يكن هناك قتال ولا "عبّو العيدي" يا جماعة.
ثم عاش بعد الهجرة ثمانية أعوام إلى فتح مكة منهمكا في الدفاع عن مدينته ودولته الوليدة، لا يجمع من الغنائم إلا ما يخلّفه العدو المنهزم من فتات، دون أن يلحقهم إلى ديارهم ليسبي النساء ويستولي على الأقوات كما تحلمون.
وكان المسلمون يتعاطون التجارة والزراعة والرعي، وبعضهم يعيش على الزكاة والصدقات، فأين هو الرزق المحصّل بالسيف والرمح يا علماء الأمة؟
وعندما فتحت مكة لم يأخذ من أهلها حبة قمح أو شاة عجفاء، ولم يستعبد رجلا أو امرأة، أيها الحالمون.
ولما فتح الطائف بعد عدوان أهلها يوم حنين، أعاد الغنائم لأهلها وأطلق أسراهم، وعاد إلى المدينة خاوي الوفاض، أيها المجازفون.
ثم كانت غزوة تبوك في السنة التاسعة، ولم تحصل أي مواجهة مع الروم الذين تراجعوا دون قتال، فلا غنائم ولا "باكور"، أيها المبالغون.
ثم قبل موته بأقل من عام، دخلت قبائل العرب الإسلام طوعا، لأنها استيقنت نبوته وإنسانيته الكاملة، ففاضت الدنيا بشيء من الطعام على المسلمين، أيها المثرثرون.
فدلونا على جرد ينقض هذا، ويثبت اعتماد نبي الله على الحرب لكسب قوت عياله، علما أنه كان يبقى الشهر والشهرين لا قوت له إلا التمر والماء كما في الصحيح، وإلا فأنتم تكذبون عليه وأنتم لا تشعرون.


وهذا برهان إضافي على كون ذلك الكلام السخيف موضوعا على رسول الرحمة.


الحكمة الرابعة:

قال ابن رجب: وإنما ذكر الرمح ولم يذكر السيف لئلا يقال إنه صلى الله عليه وسلم يرتزق من مال الغنيمة: إنما كان يرزق مما أفاءه الله عليه من خيبر. والفيء ما هرب أهله منه خوفا وتركوه، بخلاف الغنيمة فإنها مأخوذة بالقتال بالسيف، وذكر الرمح أقرب إلى حصول الفيء لأن الرمح يراه العدو من بعد فيهرب، فيكون هرب العدو من ظل الرمح، والمأخوذة به هو مال الفيء، ومنه كان رزق النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف الغنيمة، فإنها تحصل من قتال السيف. والله تعالى أعلم.


قلت: كل ما قاله الحافظ رحمه الله سخيف، وهذا البيان بلا مجاملة، فدين الله أولى بالغيرة:
أولا: الخرافة تذكر الرمح والسيف، ونسي واضعها ذكر النبال، أو كان عازما على إضافتها فلم تسعفه اللغة، فالتركيز على الرمح من قبل ابن رجب لعبة مكشوفة.


ثانيا: ذكر أن الرمح يدعو إلى فرار العدو، وهذه نكتة مضحكة، لكنه أكد قولنا السابق عن اغتنام الفتات من المنهزمين الفارين.


ثالثا: خيبر وقعت في السنة السابعة بعد الهجرة، فمن أين كان يسترزق نبينا عشرين سنة السابقة عليها؟


رابعا: لم يجد الرجل إلا نموذج خيبر، وبذلك يشهد لما قلته بالصدق والواقعية من حيث لا يدري، وبالتالي ينسف أسطورة الاسترزاق بالحرب دون شعور بالتناقض والاضطراب.


خامسا: عاش يهود خيبر قرابة سبعة أعوام في ظل معاهدة صحيفة المدينة جيرانا للمسلمين، وخيبر تبعد عن المدينة بأكثر من 150 كيلومترا، ثم نقض أهلها العهد، وأصبحت مقرا عسكريا يهدد دولة المدينة في وجودها، ففاوضهم رسول الله تجنبا للحرب شهرا كاملا، عارضا عليهم السلم مجددا شريطة، فلما انهزموا وفتحت بلدتهم، صالحهم رسول الله على نصف المنتوج الفلاحي من الحبوب والثمر يقدمونه لخزينة الدولة، وكان من حقه عملا بقانون الحرب حينئذ أن يسجن مقاتليهم أو يستعبدهم، ويسبي نساءهم، لكنه لم يفعل، فحمدوا الله وشكروه لأنهم بقوا في أرضهم وعلى دينهم أحرارا.


وكان قانون الحرب يسمح له بطردهم والاستيلاء على كل ممتلكاتهم، ولم يفعل أيضا.
ولو كان رزق رسول الله وأصحابه معتمدا على الحرب لما ترك ليهود خيبر حبة أو برة أو بقرة.
فأين القتال لفرض الدين؟ وأين التعويل على الغنائم والفيء؟


الحكمة الخامسة:

في القرآن أربعة سيوف: سيف على المشركين حتى يسلموا أو يؤسروا، فإما منّاً بعد وإما فداء، وسيف على المنافقين وهو سيف الزنادقة، وقد أمر الله بجهادهم والإغلاظ عليهم في سورة براءة وسورة التحريم وآخر سورة الأحزاب، وسيف على أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية، وسيف على أهل البغي، وهو المذكور في سورة الحجرات. ولم يسلّ صلى الله عليه وسلم هذا السيف في حياته، وإنما سلّه علي رضي الله عنه في خلافته. وكان يقول: " أنا الذي علمت الناس قتال أهل القبلة "، وله صلى الله عليه وسلم سيوف أخر، منها: سيفه على أهل الردة وهو الذي قال فيه: "من بدل دينه فاقتلوه"، وقد سله أبو بكر الصديق رضي الله عنه من بعده في خلافته على من ارتد من قبائل العرب. ومنها سيفه على المارقين، وهم أهل البدع كالخوارج، وقد ثبت عنه الأمر بقتالهم مع اختلاف العلماء في كفرهم. وقد قاتلهم علي رضي الله عنه في خلافته مع قوله: "إنهم ليسوا بكفار "


قلت: على هذا فالقرآن كله سيوف وحراب ونبال، وبالتالي فالمستشرقون لم يبالغوا ولم يكذبوا، والحداثيون في الداخل والخارج لا يفترون على تراثنا وديننا بل هم أصدق من المتهرّبين الذين لا يتقنون إلا أسلوب النفي المطلق بصفاقة تفضحها مصادرنا.
وإذا سمح لي الحافظ ابن رجب بالاستدراك عليه، فهناك سيف آخر نسيه، وهو سيف التحجير والحصار على المجازفين المتهورين من السادة العلماء، فإن مثل هذا الفقه خطر على حاضر ومستقبل الأمة، وكان أهمّ عوامل دمارها وذلها ماضيا، وهو الفقه الذي جعل الشيخ الحويني ينصح بالغزو والجهاد لعلاج معضلة الفقر، فقبّحه الله من فهم سقيم.


وهل بعد هذا تعتبر داعش دخيلة على الإسلام والمسلمين؟


أيها السادة، اقتصرت على كلام الحافظ ابن رجب لأن له كتابا مستقلا في شرح الخرافة المصنوعة، وإلا فالمضامين التي قرّرها مكرّرة في شروح الحديث وكتب الفقه عند سائر المجموعة، وفيما تقدم من كلامه بُلغَة وكفاية، فالرجل حافظ كبير، ومؤرخ شهير، وفقيه قدير، وشارح نحرير، لولا أنه وضع هذا الكتاب الخطير، ونزل فيه إلى فهم باعة "المسمّن" و"البغرير"، وهذا ليس من باب السخرية والتحقير، بل هي الغيرة على مقام البشير النذير، ومن جحد الحق فليشرب ماء البحر ويضرب "البندير".
المصححون للخرافة:


"أكذوبة الدجال" استطاعت أن تنتشر بين الرواة المتلهّفين على المناكير والغرائب، لأنها وُضعت إبّان الغزو الأموي باسم الفتح، فكان كل ما يسهم في تجييش العامة مقبولا ولو نطق بها الشيطان ذاته.


ثم تمكّنت من انتزاع التصحيح أو التحسين من بعض المحدّثين الكبار والصّغار، خاصّة وأن الإمام البخاري أعطاهم الضوء الأخضر لما أوردها في صحيحه لغير هدف إلا الاستشهاد بها على فضل تعلّم الرمح، ولم أر أحدا صرّح بصحتها قبل البخاري رحمه الله، إلا أن الإمام أحمد احتجّ بها في باب التوكل، لكنه كان يحتج بالأحاديث الضعيفة، فلا يعدّ من المصحّحين إلا بقول صريح.


وأما المصرّحون بالتصحيح أو التحسين، فهم على ما رأينا:


شيخ الإِسلام ابن تيمية، قال في "الاقتضاء" (ص82): "إسناده جيّدٌ".
الحافظ الذهبي: قال في سير أعلام النبلاء (15/509): إسناده صالح.
الحافظ العراقي: صحح إسناد ابن عمر في "المغني عن حمل الأسفار".
الحافظ ابن حجر: حسن حديث ابن عمر بالشاهد المرسل عن طاووس، في فتح الباري وتغليق التعليق، معترفا بالاختلاف في عبد الرحمن بن ثوبان.
الشيخ أحمد شاكر: صححه في تعليقه على المسند (4/ 515) رغم إقراره بالاختلاف في عبد الرحمن بن ثوبان، وتغير عقله.
الشيخ الألباني: صحح حديث ابن عمر في (الإرواء 1256)، وصحيح الجامع، وجلباب المرأة، رغم إقراره بأن ابن ثوبان يخطئ وتغير في آخر حياته، لكنه زعم في الجلباب أن ذلك لا يضره، وهو يدري أنه يضر جدا جدا، فقد ضعف عشرات الأحاديث بمثله.
المضعفون:
الإمام أبو داود: أخرج حديث ابن عمر في سننه، مكتفيا بالجملة الأخيرة: "من تشبه بقوم فهو منهم" لوجود شواهد لها، وأسقط الباقي لنكارته حتما، وأخطأ من عدّه في المصححين لسكوته عن حال سنده.
الحافظ الزركشي: قال في "التذكرة في الأحاديث المشتهرة" (ص102) عن حديث ابن عمر: "إسناده فيه ضعف".
الحافظ السيوطي في "الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة"، واللالئ المصنوعة، والرمز لحسنه في الجامع الصغير خطأ من النساخ غالبا.
الحافظ السخاوي: قال في "المقاصد الحسنة" (ص 407): "في سنده ضعفٌ".
العلامة الفتني: أدخله في كتاب "الموضوعات".
الحافظ الشوكاني: أورده في "الموضوعات".
الشيخ شعيب الأرنؤوط: ضعف إسناده في تعليقه على مسند أحمد بعبد الرحمن بن ثوبان، واعتبره من منكراته.



النتيجة: المضعفون أكثر عددا من المصحّحين، وهو معدود في الموضوعات عند بعضهم، ومن المنكرات عند آخرين، والذين صححوه يعترفون بوجود رواة مجرّحين في إسناده، فكيف صار عمدة الحركات المتطرفة؟ وكيف اعتمده الفقهاء في بعض مباحثهم لولا أنهم معجبون بمضمونه، متواردون على تقليد من صححوه دون أدنى نظر أو تحقيق؟


البرهنة على كون "الحديث" موضوعا مكذوبا:


البرهان الأول: مناقضة كتاب الله:


يتناقض "الحديث" مع الآيات الدالة على أن القتال لا يشرع إلا دفاعا ودفعا لاعتداءات الكافرين المحاربين، ومع الآيات الداعية إلى التواصل مع المسالمين والبر بهم وعدم الاعتداء عليهم.
ويتعارض مع الآيات الصريحة في حرية الكفر والمعتقد، والتي تحصر نشر الدين في الدعوة والحوار الحسن من غير إكراه.
ويتعاكس مع قوله تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
وكل حديث ينقضه القرآن موضوع عند عقلاء العلماء ولو كان إسناده كالشمس في القوة والإشراق، قاعدة حديثية أصولية فقهية مقرّرة لا تقبل النقاش.
وفي مقالاتنا السابقة تفصيل وشرح لا نعيده هنا.


البرهان الثاني: مناقضة السيرة المتواترة:


نتحدّى من يذكر لنا واقعة وحيدة تثبت أن رسول الله حارب قوما دون عدوان منهم، وأنه هاجمهم لفرض الدين عليهم، أو لاغتنام أموالهم، وقبل ذلك فنحن نقسم بالله أن شيئا من ذلك لم يحدث.
وعليه، فإما أن السيرة العسكرية المتواترة كذب أجمعت عليه الأمة، أو أن "الحديث" موضوع مكذوب من قبل الدجالين المجانين، إذ يستحيل أن يقول النبي شيئا لم يفعله طيلة حياته، فكلام العقلاء ينزّه عن العبث.


والسيرة المتواترة مؤيدة بأحاديث قولية:
قال الشيخ شعيب الأرنؤوط في تعليقه على سنن أبي داود مؤكدا ضعف الحديث الخرافي من جهة المتن: ( وكيف يبعث -صلَّى الله عليه وسلم- بالسيف، والله يقول في وصفه في محكم كتابه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107]. وفي صحيح مسلم (2599) من حديث أبي هريرة، قيل: يا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم - ادع على المشركين، قال: "إني لم أبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة". وروى ابن سعد في الطبقات" 1/ 192، والبيهقى في شعب الإيمان" (339) عن طريق وكيع بن الجراح، أخبرنا الأعمش، عن أبي صالح قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم -: "يا أيها الناس، إنما أنا رحمة مهداة" وهذا سند صحيح لكنه مرسل، ويعضده حديث مسلم قبله. هـ
قلت: لكن أين كان هذا الفهم الراقي عندما شرحت حديث: (أمرت أن أقاتل الناس...)؟
وقد تعمدت نقل كلام الشيخ لبيان اضطراب علمائنا قديما وحديثا، فهم إذا وجدوا السند ضعيفا نقدوا المحتوى/ المتن دون وجل، أما إذا كان صحيحا في ظاهره، تهيّبوا مناقشة المضمون ولو كان شيطانيا، إلا نادرا، وهذا إحدى آفات الفقه الإسلامي في عمومه، يقدس السند على حساب المبادئ والمقاصد العليا للشريعة.
البرهان الثالث: الضعف الشديد من جهة الإسناد:


تخريج وتعليل حديث ابن عمر:


روى عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي مُنِيبٍ الْجُرَشِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بُعِثْتُ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ، وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ ". (مصنف ابن أبي شيبة ح19401، ومسند ابن حميد ح848، ومسند أحمد ط الرسالة ح5114 و5115 و5667 ، والمجالسة للدينوري ح147، ومعجم ابن الأعرابي ح1137، والمعجم الكبير ح14109، ومسند الشاميين ح216، وشعب البيهقي2/417، وفوائد تمام1/308، وذم الكلام وأهله للهروي (3/120).


وهذا طريق مظلم ضعيف جدا يشهد بكونه متلقّفا من شيطان إنسي، وهذا البيان:


العلة الأولى:


ضعف ابن ثوبان: عبد الرحمن بن ثابت الزاهد مختلف فيه، وضعفه الجمهور: أحمد بن حنبل، وابن معين، والنسائي، وابن خراش، والعقيلي، وابن عدي، لذلك أورده ابن الجوزي والذهبي في الضعفاء، وتضعيفهم مفسّر: قال أحمد: لم يكن بالقوي في الحديث، وقال مرة: أحاديثه مناكير. وقال أبو حاتم مرة: تغير عقله في آخر حياته وهو مستقيم الحديث. وقال النسائي: ليس بالقوي.
وفي "تقريب التهذيب" لابن حجر: الدمشقي الزاهد، صدوق يخطئ، ورمي بالقدر، وتغير بأخرة، من السابعة، مات سنة خمس وستين، وهو ابن تسعين سنة. هـ
فالرجل ضعيف حتما، قبل التغير وبعده، ولو قيدنا ضعفه بتغير عقله، فلا يعرف من روى عنه قبله، فكيف اغترّ المصححون؟
وهذه رواية تشهد بحمق الرجل بعد تغير عقله:


قال الحافظ الفسوي في المعرفة والتاريخ (2/228): حدثنا العباس بن الوليد عن أبيه قال: لما كانت السنة التي تناثرت فيها الكواكب، خرجنا ليلاً إلى الصحراء مع الأوزاعي وأصحابنا، ومعنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان. قال: فسل سيفه فقال: إن الله قد جد فجدوا. قال: فجعلوا يسبونه ويؤذونه وينسبونه إلى الضعف. قال: فقال الأوزاعي: إني أقول أحسن من قولكم: عبد الرحمن قد رفع عنه القلم - أي أنه مجنون -.
فهل يستأمن على حديث رسول الله رجل يسلّ سيفه ليقاتل جند الله ولو مزاحا؟
والألباني تجاهل حال ابن ثوبان في الإرواء والجامع وتناسى، فإنه قال في "السلسلة الضعيفة12/953 عن حديث آخر مضطرب يرويه عبد الرحمن: وهذا الاختلاف في لفظ الحديث إنما هو من عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، فإن سائر رجال الإسناد ثقات، أما هو فمختلف فيه، وقد لخص أقوال العلماء فيه الحافظ ابن حجر، فقال في "التقريب": "صدوق يخطئ". هـ


قلت: ولماذا صححت حديثه في غير واحد من كتبك، وهو كما قال الحافظ؟ وأنت يرحمك الله ضعفت عشرات الأحاديث، بعضها في فضائل الأعمال خالية من المضامين المنكرة، بناء على وجود رواة صدوقين يخطئون؟
أم أن محتوى حديثه الموغل في التطرف والتشدد أعجبك فتجاهلت حاله؟
وضعف ابن ثوبان عمدة مضعفي الحديث، فلسنا بدعا.


العلة الثانية: الانقطاع:


يتبع






التوقيع

أيها المساء ...كم أنت هادئ

    رد مع اقتباس