عرض مشاركة واحدة
قديم 2016-02-06, 11:42 رقم المشاركة : 32
صانعة النهضة
مراقبة عامة
 
الصورة الرمزية صانعة النهضة

 

إحصائية العضو








صانعة النهضة غير متواجد حالياً


وسام التنظيم المميز السيرة 1438ه

مسابقة السيرة 5

وسام المنظمة

وسام منظم مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية الفضية

وسام المشاركة في الدورة التكوينية مهارات الاتصال ا

وسام المطبخ المرتبة 1

وسام لجنة التحكيم

وسام العضو المميز

افتراضي رد: سلسلة كتب أعجبتني ...متجدد




فبعد هذا العرض الفوقي يغوص بنا في عوالم القرآن الكريم ولبّ بيانه السحري مقتطفا لنا شأوا من شؤون إعجازاته اللغوية تحت مسمى "خصائص القرآن البيانية"، ليجول بنا فاتحا أعيننا عن زخائر قرآنية، ونلتقط نظرات في لب البيان القرآني وخصائصه التي امتاز بها عن سائر الكلام، وفي هذا يقول: «لا نريد أن نحدثك هاهنا عن معاني القرآن وما حوته من العلوم الخارجة عن متناول البشر، فإن لهذا الحديث موضعا يجيء ـ إن شاء الله تعالى ـ في بحث "الإعجاز العلمي" وحديثنا كما ترى لا يزال في شأن "الإعجاز اللغوي" وإنما اللغة ألفاظ.


بيد أن هذه الألفاظ ينظر فيها تارة من حيث هي أبنية صوتية مادتها الحروف وصورتها الحركات والسكنات من غير نظر إلى دلالتها. وهذه الناحية قد مضى لنا القول فيها آنفا، وتارة من حيث هي أداة لتصوير المعاني ونقلها من نفس المتكلم إلى نفس المخاطب بها، وهذه هي الناحية التي سنعالجها الآن، ولا شك أنها هي أعظم الناحيتين أثرا في الأعجاز اللغوي الذي نحن بصدده؛ إذ اللغات تتفاضل من حيث هي بيان أكثر من تفاضلها من حيث هي أجراس وأنغام.» انتهى.


وليضع نصب أعيننا وأمام أفهامنا صورة من صور القرآن الإبداعية لأسلوبه السامق الرفيع بمسمّى "القرآن إيجاز كله"، سواء مواضع إجماله ومواضع تفصيله، وفي هذا يقول: «إن القرآن الكريم يستثمر دائما برفق أقل ما يمكن من اللفظ في توليد أكثر ما يمكن من المعاني. أجل تلك ظاهرة بارزة فيه كله؛ يستوي فيها مواضع إجماله التي يسميها الناس مقام الإطناب. ولذلك نسميه إيجازا كله؛ لأننا نراه في كلا المقامين لا يجاوز سبيل القصد، ولا يميل إلى الإسراف ميلا ما...» انتهى.


ليؤكد لنا كذلك في ما بعد بأن ليس في القرآن كلمة مقحمة ولا حرف زائد زيادة معنوية، ويبين لنا في عرضٍ لاحق تآليف القرآن البيانية، مبرزا زينة ثروته تلك وجمالها وتناسق أوضاعها وائتلاف عناصرها لتنتظم منها وحدة محكمة لا انفصام لها، وفي هذا الشأن يقول: «فإن كنت قد أعجبك من القرآن نظام تأليفه البياني في القطعة منه، حيث الموضوع واحد بطبيعته، فهلم إلى النظر في السورة منه حيث الموضوعات شتى والظروف متفاوتة، لترى من هذا النظام ما هو أدخل في الإعجاب والإعجاز.


ألست تعلم أن ما امتاز به أسلوب القرآن من اجتناب سبيل الإطالة والتزام جانب الإيجاز ـ بقدر ما يتسع له جمال اللغة ـ قد جعله هو أكثر الكلام افتنانا، نعني أكثره تناولا لشؤون القول وأسرعه تنقلا بينها، من وصف إلى قصص إلى تشريع إلى جدل إلى ضروب شتى، بل جعل الفن الواحد منه يتشعب إلى فنون، والشأن الواحد فيه تنطوي تحته شؤون وشؤون.» انتهى.


ليعرض فيما يلي نماذج على تماسك بنيان القرآن وإحكامه وتناسب حِلقه من خلال سورة البقرة، وفي ذلك يقول: «أما إن طلبت شاهدا من العيان على صحة ما أصلناه في هذا الفصل من نظام الوحدات في السور على كثرة أسباب اختلافها، وأما إن أحببت أن نريك نموذجا من السور المتجمعة كيف التأمت منها سلسلة واحدة من الفكر تتلاحق فيها الفصول والحلقات، ونسق واحد من البيان تتعانق فيه الجمل والكلمات، فأي شيء أكبر شهادة وأصدق مثالا من سورة نعرضها عليك هي أطول سور القرآن كافة، وهي أكثرها جمعا للمعاني المختلفة، وهي أكثرها في التنزيل نجوما، وهي أبعدها في هذا التنجيم تراخيا.».انتهى.


وذاك وفق نقط شاهدة مثبتة لما أصّله ليخلص بالقول: «تلك هي سورة البقرة.. أرأيت وحدتها في كثرتها؟ أعرفت اتجاه خطوطها في لوحتها؟ أرأيت كيف اِلتحمت لبناتها من غير ملاط يمسكها، وارتفعت سماؤها بغير عمد تسندها؟ أرأيت كيف انتظم من رأسها وصدرها وأحشائها وأطرافها، لا أقول أحسن دمية، بل أجمل صورة حية. كل ذرة في خليتها، وكل خلية في عضوها، وكل عضو في جهازها، وكل جهاز في جسمه، ينادي بأنه قد أخذ مكانه المقسوم، وفقا لخط جامع مرسوم، رسمه مربي النفوس ومزكيها، ومنور العقول وهاديها، ومرشد الأرواح وحاديها.. فتالله لو أن هذه السورة رتبت بعد تمام نزولها، لكان جمع أشتاتها على هذه الصورة معجزة، فكيف وكل نجم منها ـ كسائر النجوم في سائر السور ـ كان يوضع في رتبته من فور نزوله، وكان يحفظ لغيره مكانه انتظارا لحلوله؛ وهكذا كان ما لم ينزل منها معروف الرتبة محدد الموقع قبل أن ينزل؟. ثم كيف وقد اختصت من بين السور المنجمة بأنها حددت مواقع نجومها لا قبل نزولها بعام أو بعض عام، بل بتسعة أعوام؟». انتهى.


وهو تطبيق إجرائي دقيق لمباحث هذا الكتاب، صوّره مؤلفه تطبيقيا على أجزاء سورة البقرة وعلى وحداتها الموضوعية ونتاسقها البياني البديع، ليتمثّل لنا عمليا ما دوّنه في كتابه وسطّره في بحثه. وليقول فيما بعد هذا: «لعمري لئن كانت للقرآن في بلاغة تعبيره معجزات، وفي أساليب تربيته معجزات وفي نبوءاته الصادقة معجزات، وفي تشريعاته الخالدة معجزات، وفي كل ما استخدمه من حقائق العلوم النفيسة والكونية معجزات ومعجزات، لعمري إنه في ترتيب آية على هذا الوجه لهو معجزة المعجزات!.» انتهى.


وفي الختام لا يسعنا إلا أن نأمل أن ينفع الله بهذا الكتاب كل متصفح له طالب لما حويه من علم وسبق تدوين في هذا المضمار، فهو وإن سمي بعنوانه الفرعي "نظرات جديدة.." فهو أحق بهذه التسمية وأجدر، سائلينه عز وجل أن يكتب لصاحبه الأجر الوافر وأن يشمله ممن قيل فيهم "أو علم ينتفع به"





التوقيع

أيها المساء ...كم أنت هادئ

    رد مع اقتباس