عرض مشاركة واحدة
قديم 2015-12-23, 06:04 رقم المشاركة : 1
نداء الصمادي
أستـــــاذ(ة) جديد
إحصائية العضو







نداء الصمادي غير متواجد حالياً


افتراضي استشراف المستقبل وقراءات كاذبة لفناجين 2016


قبل أن ينتهي عام 2015 بثلاثين يوماً وأكثر، بدأت المحطات الفضائية المفلسة ومواقع الإنترنت البائسة بالترويج لتوقعات الفلكيين بشأن ما سيحدث في العام القادم. تابعت اثنين من تلك اللقاءات الساذجة، فلم أسمع سوى أكاذيب وتحيزات تثير الأسى والتقزز. فما يتوقعه ويطرحه هؤلاء الأدعياء لا يخالف العلم وأسس استشراف المستقبل فقط، بل يخالف المنطق العقلي والفطرة الإنسانية أيضاً، فنحن لا نحاول التنبؤ بالمستقبل لكي نسبقه، وإنما لنتخيله ونخطط له ونرسمه ونصنعه.

في عام 1996، أصبحت عضواً في "جمعية مستقبل العالم" وكنت خامس عضو عربي فيها. ولسنوات طوال قرأت إصداراتها، وتابعت توقعاتها ومؤتمراتها، فلم أخرج إلا بنبوءة واحدة هي: "إن التنبؤ.. مستحيل". ولأدلل على التضليل الذي يمارسه هؤلاء الكاذبون والمأزومون نفسياً، أو الناطقون بلسان أجهزة مخابرات إقليمية ودولية، سأضع بين أيديكم الحقائق التالية:

أولاً: يركز علم "استشراف المستقبل" على قراءة الظواهر والمتغيرات التي أعربت عن نفسها وأكدت وجودها، وتحليل المؤشرات المنبثقة عنها أو المتداخلة معها، ثم استنباط وتحديد وتعريف بعض الاتجاهات التي قد تترتب عليها. فالظاهرة تتحول إلى اتجاه، والاتجاه يتحول إلى حدث وواقع نستطيع أن نتلمس ونستشعر تأثيره في حياتنا.
ثانياً: لا تحدث التغيرات في انقلابات مفاجئة، ومن ثم فإن الانتقال من مساء يوم 31 ديسمبر إلى صباح يوم 1 يناير ليس انقلاباً تاريخياً ولا حدثاً يستحق التوقف عنده أكثر من لحظات. فالتغيير في حياة الإنسان حدث طبيعي ومستمر، ولكنه لا يقاس بالدقائق والساعات والأيام. فحياة الفرد تمر بمراحل تفصل بين كل منها سبعة أعوام. وحياة المجتمعات تقاس بالأجيال ومتوسطها الزمني خمسة وعشرون عاماً. والحضارات الإنسانية تقاس بالقرون وليس بقرن واحد أو عدة عقود، ومن ثم، فإن دخول عام جديد ليس حدثاً جللاً يستحق كل هذا الضجيج والتهريج.
ثالثاً: تتضافر في صنع مستقبل البشرية عوامل فيزيائية وحيوية واجتماعية ونفسية متداخلة ومتزامنة. ولذا، فإن الأحداث السياسية والتقلبات الاقتصادية والحروب والكوارث والموت والنجاح والفشل ليست أفعالاً غيبية علينا انتظارها، بل هي طاقات ورؤى وأفكار وسلوكيات وخطط وأفعال علينا القيام بها. فانتظار الأحداث جمود ولا فعل ولا قرار ولا حركة، وهذا هو سلوك القدريين والماورائيين والغيبيين المُغيَّبين، وهؤلاء لا يؤمنون أو لا يدركون بأن لكل إنسان إرادة حرة يمكنه تحريكها وتحويلها إلى فعل إيجابي ينقل الواقع من "الآني" أو الواقع الحالي، إلى "الآتي" أو المستقبل المنشود. فمن يعي دوره يصنع قراره، ومن يصنع قراره يتخذ طريقه في الاتجاه الذي يقوده إليه خياله ومعرفته وخبرته وقدرته ونيته.

كاذب من يدعي أنه استطاع التنبؤ بالربيع العربي مثلاً. صحيح أن حُكْم أي ديكتاتور في المتوسط يصعب أن يطول أكثر من جيل واحد، ومن ثم فإن سقوط أو تخلخل النظم الديكتاتورية يقع بعد انقضاء جيل أو أكثر قليلاً، إلا أن التنبؤات لم تكن حاضرة أو حتى مُتَخّيّلة، رغم أن المقدمات لا بد أن تسفر دائماً عن نتائج، فمستقبلنا هو نتاج تراكم أفعالنا في الماضي، وقدراتنا على تخيل ما يمكن أن يكون عليه المستقبل، وسلوكنا وأفعالنا التي ستقرر محتوى وشكل وقيمة ذلك المستقبل.

هناك عوامل وتداخلات وتَدَّخُلات مُربكة ومُشّتِّتة تمنع الأحداث من أن تأخذ خطاً أو توجهاً مستقيماً، وهي عوامل ناتجة عن الفوضى والعشوائية السياسية، وتحكُّم الفرد في إرادة المجموع، وغياب العدالة العالمية، وتضارب المصالح. ورغم صعوبة توقع نتائج كل هذه التفاعلات، ورغم غموضها واستحالة قياس تأثير ووزن كل منها، فإن عاملين أو ثلاثة منها تجعلني "أترقب"، وليس "أتوقع" أن يهبط سعر برميل النفط إلى 15 دولاراً في صيف عام 2016، بشرط ألا تقع حرب شاملة في الشرق الأوسط، وهذا حدث آخر يجب ترقبه وتوقعه. هذا ما تشير إليه الاتجاهات والسلوكيات والفوضى والعشوائية الحالية، وما يمكن استنباطه من أحداث الأعوام الأربعة الأخيرة. فقد وصل سعر البترول إلى 145 دولاراً للبرميل قبل سبعة أعوام، وستصل به قوى الضغط الكونية إلى 15 دولاراً عما قريب، ثم يعاود الارتفاع حتى يستعيد سعره العادل حول 80 دولاراً في عام 2022 تقريباً، والله أعلم.


المصدر :- موقع إدارة.كوم
المحرر :- أ. نسيم الصمادي






    رد مع اقتباس