ضوابط السياحة المشروعة في الإسلام لقد جاءت شريعتنا الحكيمة بكثير من الأحكام التي تنظم السياحة وتضبطها وتوجهها كي تحافظ على مقاصدها التي سبق ذكرها ، ولا يتجاوز بها إلى الانفلات أو التعدي ، فتعود السياحة مصدر شر وضرر على المجتمع ، ومن تلك الأحكام : 1. تحريم السفر بقصد تعظيم بقعة معينة إلا إلى ثلاثة مساجد : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى ) . رواه البخاري ( 1132 ) ومسلم ( 1397 ) . وفي الحديث دليل على حرمة الترويج للسياحة " الدينية " كما يسمونها لغير المساجد الثلاثة ، كمن يدعو إلى السياحة لزيارة القبور والمشاهد والأضرحة والمراقد ، وخاصة تلك الأضرحة التي يعظمها الناس ويرتكبون عندها أنواع الشرك والموبقات ، فليس في الشريعة تقديس لمكان تؤدى فيه عبادة ويكون فيه تعظيم سوى هذه الثلاثة . عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ : ( خَرَجْتُ إِلَى الطُّورِ فَلَقِيتُ كَعْبَ الْأَحْبَارِ فَجَلَسْتُ مَعَهُ...فذكر حديثا طويلا ثم قال : فَلَقِيتُ بَصْرَةَ بْنَ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيَّ فَقَالَ : مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ ؟ فَقُلْتُ مِنْ الطُّورِ . فَقَالَ : لَوْ أَدْرَكْتُكَ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْهِ مَا خَرَجْتَ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : لَا تُعْمَلُ الْمَطِيُّ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ : إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِلَى مَسْجِدِي هَذَا وَإِلَى مَسْجِدِ إِيلِيَاءَ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ) . رواه مالك في الموطأ ( 108 ) والنسائي ( 1430 ) وصححه الألباني في " صحيح النسائي " فلا يجوز إنشاء سفر لقصد مكان مقدس غير هذه الأماكن الثلاثة ، ولا يعني ذلك حرمة زيارة المساجد في بلاد المسلمين ، فإن زيارتها مشروعة ومستحبة ، وإنما الممنوع هو إنشاء السفر لهذا الغرض ، فإذا كان له قصد آخر من السفر ، وجاءت الزيارة تابعة فلا بأس ، بل قد تجب لأداء الجمعة والجماعة . ومن باب أولى حرمة السفر لزيارة الأماكن المقدسة في الديانات الأخرى ، كمن يخرج لزيارة " الفاتيكان " أو الأصنام البوذية وغير ذلك مما يشبهه . 2. وقد جاءت الأدلة أيضا في تحريم سياحة المسلم في بلاد الكفار مطلقا ، لما فيها من مفاسد تعود على دين وخلق المسلم باختلاطه مع تلك الأمم التي لا تراعي دينا ولا خلقا ، خاصة مع عدم وجود الحاجة لهذا السفر من علاج أو تجارة ونحو ذلك ، إنما هو للمتعة والترفيه ، وقد أوسع الله تعالى بلاد المسلمين بحمد الله ، فجعل فيها من بديع خلقه ما يغني عن زيارة الكفار في بلادهم . قال الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله - : السفر إلى بلاد الكفر لا يجوز ؛ لأن فيه مخاطر على العقيدة والأخلاق ومخالطة للكفار وإقامة بين أظهرهم ، لكن إذا دعت حاجة ضرورية وغرض صحيح للسفر لبلادهم كالسفر لعلاج مرض لا يتوفر إلا ببلادهم ، أو السفر لدراسة لا يمكن الحصول عليها في بلاد المسلمين ، أو السفر لتجارة ، فهذه أغراض صحيحة يجوز السفر من أجلها لبلاد الكفار بشرط المحافظة على شعائر الإسلام ، والتمكن من إقامة الدين في بلادهم ، وأن يكون ذلك بقدر الحاجة فقط ثم يعود إلى بلاد المسلمين . أما السفر للسياحة فإنه لا يجوز ؛ لأن المسلم ليس بحاجة إلى ذلك ، ولا يعود عليه منه مصلحة تعادل أو ترجح على ما فيه من مضرة وخطر على الدين والعقيدة . " المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " ( 2 / سؤال رقم 221 ) . 3. ومما لا شك فيه أن الشريعة تنهى عن السياحة في أماكن الفساد ، حيث تُشرب الخمور وتَقَع الفاحشة ، وتُرتكب المعصية ، مثل شواطئ العري وحفلات المجون وأماكن الفسق ، أو السفر لإقامة الاحتفالات في الأعياد المبتدعة ، فإن المسلم مأمور بالبعد عن المعصية ، فلا يرتكبها ولا يجالس من يقوم بها . قال علماء اللجنة الدائمة : لا يجوز السفر إلى أماكن الفساد من أجل السياحة ؛ لما في ذلك من الخطر على الدين والأخلاق ؛ لأن الشريعة جاءت بسد الوسائل التي تفضي إلى الشر . " فتاوى اللجنة الدائمة " ( 26 / 332 ) . فكيف بالسياحة التي تشجع المعصية والفاحشة ، وتنظم لدعمها وتشجيعها ؟! . وقال علماء اللجنة الدائمة – أيضاً - : 4- ولا يجوز أيضا سفر المرأة بغير محرم ، وقد أفتى العلماء بحرمة سفرها بغير محرم للحج أو العمرة ، فكيف إذا كان السفر للسياحة التي يصاحبها كثير من التساهل والاختلاط المحرم ؟! . وانظر أجوبة الأسئلة : ( 3098 ) و ( 69337 ) و ( 45917 ) و ( 4523 ) . 5. أما تنظيم رحلات سياحية للكفار في بلاد المسلمين : فالأصل فيه الجواز ، والسائح الكافر إذا أذنت له الدولة المسلمة بالدخول إليها أصبح مستأمنا حتى يغادرها ، ولكن وجوده في بلاد المسلمين يجب أن يتقيد فيه باحترام الدين الإسلامي وأخلاق المسلمين وثقافتهم ، فلا يدعو إلى دينه ، ولا يتهم الإسلام بالباطل ، ولا يخرج إلا محتشما بلباس يناسب بلاد المسلمين ، وليس كما اعتاد هو في بلاده على التعري والتفسخ ، وألا يكون عينا أو جاسوسا لبني قومه ، وأخيرا لا يمكَّن الكفار من زيارة الحرمين في مكة والمدينة المنورة . يتبع