عرض مشاركة واحدة
قديم 2015-10-13, 09:57 رقم المشاركة : 1
صانعة النهضة
مراقبة عامة
 
الصورة الرمزية صانعة النهضة

 

إحصائية العضو








صانعة النهضة غير متواجد حالياً


وسام التنظيم المميز السيرة 1438ه

مسابقة السيرة 5

وسام المنظمة

وسام منظم مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية الفضية

وسام المشاركة في الدورة التكوينية مهارات الاتصال ا

وسام المطبخ المرتبة 1

وسام لجنة التحكيم

وسام العضو المميز

important "نقد التراث".. مرة أخرى..


"نقد التراث".. مرة أخرى..








مولاي التهامي بهطاط

هناك مقطع فيديو مشهور معروض في موقع يوتوب يجيب فيه الراحل الدكتور فريد الأنصاري على سؤال يتعلق بمدى صحة قول القائل بأن المغاربة لا يصلون الفجر في وقته الحقيقي.


الجواب يمكن تقسيمه إلى شقين:


الأول أن هذه المسألة من اختصاص علماء الفلك، ولا قول فيها يعلو على قولهم.
والثاني، أن كلاما تقريريا من هذا النوع في إلغاء لعشرات الأجيال من العلماء والفقهاء الذين مروا من هنا ويفترض أنهم سكتوا على هذا المنكر.
من هذه النقطة تحديدا، أدخل في الموضوع، لتحليل ومناقشة عبارة اصبحت على كل لسان، ألا وهي "مراجعة التراث".


لقد سبق لي في مقال قديم أن اكدت الجيل الثالث أو الرابع من دعاة عزل الدين في أماكن العبادة، لما اصطدموا بالفروق الجوهرية بين الإسلام وباقي الديانات الأخرى، خاصة المسيحية التي انسلخ منها أغلب دعاة فصل الدين عن الحياة العامة، اضطروا إلى محاولة التسلل من بوابة "الاجتهاد"، فنصبوا انفسهم مجتهدين بالقوة، عتادهم في ذلك "العقل" ولا شيء غيره، وهذه خطيئة علمية وزلة منهجهية، لا أحتاج لتكرار كل ما قيل فيها.


لقد غاب عن هؤلاء، إن "الاجتهاد" في الدين عبادة، ومن شروط كل عبادة أن يكون مؤديها مسلما.
فهل يجوز لمن ينكر وجود الله بالمرة، أو يشكك في بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام، أو يعتبر القرآن "أساطير الأولين"، ومجرد وصايا دبجها محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم و"اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا"،.. وينكر البعث والنشور.. أن يجتهد في الدين، ويقيس المسكوت عن حكمه على ما تم التنصيص على حكمه؟
نفس المفارقة يمكن تسجيلها على من يرفعون شعار "مراجعة التراث"، ويندبون أنفسهم لهذه المهمة المقدسة.


فحين تسأل أحدهم ماذا قرأت من هذا التراث الذي تريد مراجعته، قد يجيبك بأنه قرأ كتابا هنا، أو مقالا هناك، أو سمع تصريحا هناك أو شاهد مقطع فيديو هنالك، فخلص إلى أن كل ما خلفه الأولون في حاجة إلى التنقيح والتصحيح.
كلام متهافت من هذا النوع، لا اساس له ولا منطق يتكئ عليه.


وقياسا على فتوى الدكتور الانصاري أعلاه، فإن كثيرا ممن يرددون هذا الكلام، يلغون بجرة قلم جهد آلاف العلماء، ويقررون طي صفحة وفتح أخرى، مع أن "العقل" يقول بأنه لكي يلغي تراث "جديد".. إراثا "قديما" لابد أن يكون صاحب الجديد مساويا او متفوقا على صاحب القديم في جميع المعايير والمراتب العلمية والمنهجية..
لكن الغريب، ان من لا يستطيع تركيب جملة سليمة باللغة العربية، يعتبر نفسه في موقع يؤهله لاستعمال القلم الأحمر لشطب ما لا يعجبه في "اساطير الأولين".. وهذا دون الحديث عن بقية الأدوات الضرورية لـ"مراجعة" التراث.


لا ينبغي أن يفهم من هذا أنه ينبغي تقديس الإراث أو التراث بصحيحه وسقيمه، وإنما المطلوب بداية التوافق على قواعد منهجية سليمة إذا كان الهدف هو الانتصار للعلم ومبايعة سلطان العقل.
أما إذا كان الهدف هو التأصيل لـ"الهوى"، ومحاولة التخلص من جهد علمي "قديم" لا مجال لمجاراته، فهذا موضوع آخر.


لا أكشف سرا إن قلت إن تراثنا العربي والإسلامي يحتاج إلى نقد وغربلة، وهذه ليست بدعة خاصة بالعرب والمسلمين، بل هي "ظاهرة إنسانية".
إنما الإشكال في النوايا والأهداف.


فمن يدخل من هذا الباب بقصد المساهمة والإثراء والبناء على جهود السابقين، ليس كمن يتسلق الجدران لادعاء الإتيان بما لم تستطعه الأوائل.


وحتى في العلوم الطبيعية من فيزياء وكيمياء ورياضيات وفلك، هناك نظريات كثيرة تحولت في عصور ما إلى حقائق قطعية، قبل ان يتبين لاحقا سقمها وتهافتها، ومع ذلك لازالت تدرس في الجامعات كجزء من التاريخ العلمي، وكمرحلة مر بها الفكر البشري قبل أن يصل إلى حقائق الحاضر، التي قد تتحول في المستقبل إلى "أخطاء" علمية في تقدير الأجيال اللاحقة.


وهناك مسألة اخرى تؤكد سوء النية لدى بعض دعاة المراجعة، تتمثل في اجتزاء أفكار او مقولات، وإخراجها عن سياقها لتبرير شعارات "دفن الماضي" بكل ما فيه، بينما المفروض في الباحث عن الحقيقة ان يكون موضوعيا، وأن لا يجعل فكرة أو رأيا، حجة على تراث أمة بأكمله..وأن يتوقف عن جلد الذات، لأن العرب والمسلمين بشر في نهاية المطاف، ونتاجهم البشري ليس كاملا ولا منزها عن النقائص، كما أنهم ليسوا وحدهم من ورثوا تراثا فيه السليم والسقيم.


فأفكار الكنيسة السينتولوجية مثلا، التي يعتنقها اليوم كثير من نجوم المجتمع الغربي، تصادر إنسانية الإنسان، وتسعى لتحويله إلى آلة، وأتباعها بمئات الآلاف في أمريكا وحدها، كما ان طائفة الأميش تؤمن بالانعزال عن محيطها رغم انها تمثل قرابة 250 ألف في الولايات المتحدة.
ومع ذلك، لم نسمع أن هناك من رفع عقيرته للطعن في هذا "التراث"، أو طالب بمراجعته.


باختصار شديد، كثير من المشاكل سيتم حلها إذا اعتمدنا منهجية الدكتور الأنصاري رحمه الله:
- أن يتصدى لعملية نقد التراث المختصون، كل في مجاله، وبهدف خدمة العلم وليس الإيديولوجيا، وان ينسحب مفتعلوا الضجيج والباحثون عن الصدام والشهرة الزائفة.
- أن يتم التعامل باحترام مع ما انتجه السابقون، وألا تلقى أعمالهم في سلة المهملات تلقائيا، بدعوى أنهم اجتهدوا لعصرهم وواقعهم، وأن أصحاب الرأي اليوم، يملكون سلطة تصحيح "التراث" ومراجعته.









التوقيع

أيها المساء ...كم أنت هادئ

    رد مع اقتباس