عرض مشاركة واحدة
قديم 2015-07-30, 16:33 رقم المشاركة : 34
المرتاح
أستـــــاذ(ة) متميز
إحصائية العضو









المرتاح غير متواجد حالياً


افتراضي رد: قصة : البدويّة .!!! من تأليفي .


فّ المكان هدوءاً وصمْتاً ، تبادل البعض أطراف الحديث بينهم، وذهب بعضهم إلى أحاديث ذات شُجون ومُجون في زمنٍ الصِّبا وعن علاقات ونزواتٍ لها أثرٍ بعضهم يتفاخر بها والآخر يتأسّف لحدوثها ، وأسهبَ صديق أبي ، عن حكايات القنص والترحال .. وأنا ساكت .. وجلستُ على طرف العِزبة ، في جلسةٍ بدوية، يَعْتز بها البدوي ويَعتدّ بها كثيراً، كقَعْدة الصلاة تماماً وهي الطريقة الأكثر تعارفاً بين العُربان في البادية ، والاخرى وهي الأكثر تجانساً وغالباً تُستخدم إن طالتْ الجلسة ، وطريقتها تكون الرجل اليُمنى أو اليُسرى تحت إلْية الجَلسة أو تستوي تحت فِلْقتاهُما معاً، وجذعُهما شِبه مائل على الركبة أو مُستقيمة على انحناءة مُحدّبة، وأما السّاق فهو قائم يتكئ على ارتكاز القدم .. وهذه القَعْدة يراها البدوي بأنها من صُور السّمْت البدوي.! ويستسيغُها الرجال لفهم كمال الرجولة ومن عِزّة التأدّب والخُلق الجميل .. والمرأة البدوية بذوقها وملبسها الفضفاض خلاّبة ولها ذائقة تتساوى مع الأُنفة والعِزة التي قلّ ان تجدها في نسوة المدينة ، بل هي تعتبر رقّة الصّوت ومَيْعه ، هو في عتاد الخَناعة وفي رقائق أصواتهنّ أو مُحاولة ترقيقهُ فيه شيء من الخديعة ويخلو من الوُدّ ، وليس فيه من نقاء الحُبّ ، والبدوية صافية الإحساس ، ناصعة البياض ، مُستخلصة من نقاوة الوُدّ إلتزاماً .. فالبدويّة حينَ تتطلّع إليها تجدها حاوية الخصائص الخُلقيّة وبخصائصها تَعتدّ وتفتخر ، وهكذا هي البدوية التي انظر إليها وأتمعّن في سِماتها فقد فهمتُ خصائصها لكأنّها مفازة خُلقٍ وبراءة نقاء وحُبّ وصكّ غُفران لوُدّها وخَلْقها .
افتتنتْ بها وأنا أتنفّس عَليل نسيم البرّ .. سألتها عن أهلها .؟ فحرنتْ في بداية الامر ثم أرختْ عينيها وقالتْ بتلطّف كبير :
ـ بعد موت أبي ، رَحلنا عن منطقتنا القديمة ، إلى حيث يَسكن عمّي زوج أمي هذا ، وأشارت بأصبعها إلى العِزبة ، دلالة إليه ـ وعمّي يرغب في العيش هنا ضحكتْ ههه عمّي بدوي أصيل، يُحبّ العِزب ويكره الحضْرية ويراها فاترة ، حَدّثنا مرة عن رغبته في البقاء بعيداً عن الحضْرية والتي يسكنها ابي ..
سكتتْ .. قلت لها وانا طامع في التقرّب منها :
ـ أكملي يا بنت الناس .
فقالت:
ـ ونزولاً عند رغبته جئنا معه أنا وأمي وصار وجودي حتْماً مقضياً بحكم زواج أمي منه ، ومن مًقتضى العادات فإن عمّي زوج أمي هو أحق وأولى بنا من غيره .. ! وبالتالي أنّ أبي المرحوم ، كان وحيداً ومات وحيداً ، إذْ كانت حظوظه فقيرة جداً ، إلا أنا وأمي وأخيه ذاكْ ـ مُشيرة إلى رجل في العزبة ـ وتأكدت انه صديقي أبي المرحوم ايضاً وانه لم يكن أبيها ، كما ظننت ـ وقد ورثْنا ما خلّفه لنا من مال وعزبة .
غطّت عينيها وسقطت دمعتها وأخذتْ تمسحها بلحافها .
وأردفت كمن يُغمغم .. ولم افهم :
بقيت صامتاً أمام هيبتها وحدّة نظراتها ..
ـ طيب وماذا بعد .؟
ـ ....؟
ـ وأبيك .....!
ـ أبي كان طيباً وكان عمّي هو النّفر الوحيد الذي كان يثق فيه ويأتمنه علينا من بعده .
دمعتْ عينها ، سكتت .. لم أجرأ أن أنغّص عيشتها .. وبقيت ساكتاً . ولكنها ابدتْ مُنشرحة في الحديث معي وأكملتْ :
ـ هذا الرجل " زوج أمي " تساهلت معه عن كثير، لأني آمنتُ بأنه لا مناصّ من الرضوخ للقدر ، فهذا قدري وذاك نصيبي في الحياة أن أبقى تحت مضلّة رجل لا علاقة له بي غير انه زوج أمي فقط .! وهكذا جئنا معه إلى هذه العِزبة التي كان يملكها أبي ، وقد اخبرني عنها بعظمة لسانه .. فقد كان زوج أمي " بيّاع ، شرّايْ "وأبي اشترى كل شي منه ،قبل انْ يتم كتابة توثيق ملكيتها ، وأنا اقسم لك أنّ هذه العزبة هي لأبي أساساً .
قلت في نفسي :
ـ يا إلهي هذه البدوية كتمتْ غيضاً كثيراً فيا ترى ماذا تقصد من سردها هذه القصة .؟


الكاتب حمد الناصري .. سلطنة عمان






التوقيع

لن تستقيم الحياة إن لمْ يستقم عليها الانسان .!
لن يُحبّ الله أحداً إلا إذا أحبّ الانسان غيره بصدق ..!!
الحُبّ الحقيقي تتدفّق عاطفته كما يتدفّق الماء من أعلى قِمّة.!
آخر تعديل المرتاح يوم 2015-07-30 في 17:42.
    رد مع اقتباس