عرض مشاركة واحدة
قديم 2015-07-11, 21:53 رقم المشاركة : 28
express-1
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية express-1

 

إحصائية العضو








express-1 غير متواجد حالياً


وسام التميز لشهر مارس 2012

افتراضي رد: “مذكرات قاعدية كَلاكَلية”(1).. أول يوم في الجامعة – بشرى الشتواني



“مذكرات قاعدية كَلاكَلية”(25).. بين مدينة غول والإقتتال مع التروتسكيين والأمازيغيين – بشرى الشتواني

— 11 يوليو, 2015 تحذير: “مذكرات قاعدية كَلاكَلية” خاصة بموقع “أخبركم” كل إعادة نشر بدون إشارة للمصدر هي عملية سطو موصوفة ومفضوحة
(…) كانت سنة 2006 من أصعب السنوات في حياتي، خصوصا أنه كان عامي الأول بعيدا عن بيت العائلة وعن بيت زوجي أيضا.. كنت مطالبة بالنجاح دون أي مبرر للفشل، ثم قبل ذلك التأقلم مع أجواء مدينة أقل ما يمكن وصفها به أنها غول كما يُقال عنها..
لم أتحمل المعهد ولا طلبته ولا طريقة تعاملهم، لم أصدق أبدا أن “توين سانتر” يتشابهان أو أنهما توأمان أصلا.. فكل شيء في الدار البيضاء مزور حتى ضحك سكانها وترحيبهم بك، هكذا بدت لي المدينة وأهلها، أو ربما كان سبب نفوري أنني تعودت هدوء أكَادير وطيبة أهلها. كان حنيني للساحة المقدسة ولرفاقي يجعل من المعهد جحيما ويجبرني على الدخول في مقارنة غبية بين الساحة المقدسة وباحة المعهد.
مرت السنة بطيئة جدا، لم يسرع من خطواتها سوى اتصال هاتفي ليلي من أحد الرفاق قال لي بالحرف أنه اتصل برفيق كان هو الآخر موجودا في الدار البيضاء وأنه من الأشخاص الذين يمكن أن يهونوا علي بشاعة المدينة. وطلب مني رفيقي أن نأتي على عجل في نفس اليوم ليلا إلى أكَادير مؤكدا أنه اتصل بزوجي.. قال: “ضروري تنزلو اليوم، غدا خاصكم آ الرفيقة تصبحوا فاكادير”.. “شنو واقع ثاني؟”.. “التروتسكيين ضربو الرفيق فلان والضربة جات فالراس معرفناه يعيش أو يموت”..
تملكني خوف كبير وأنا أسمع إنه يمكن أن أفقد رفيقا في أية لحظة.. اتجهت نحو المحطة الطرقية لألتقي بالرفيق الذي أُشير به عليَ، كان رفيقا عسكريا بامتياز، لم نتحدث طويلا، فهول الصدمة أخرس لسانينا، ركبنا الحافلة وأخذنا نحسب كيلومترات الطريق، علنا نسبق الموت أو الاعتقال أو الإنتقام لأن تلك المشاعر الحزينة فقط هي التي كانت تخالجنا ساعتها..
صباح اليوم الموالي وصل زوجي أيضا، لم نتكلم طويلا، ذهبنا مباشرة لنزور رفيقنا في المستشفى، كان أخوه الأكبر، وكان رفيقا أيضا، في استقبالنا وحكو لنا أنه نجا من الموت بأعجوبة وأنه لولا ميلمترات قليلة لكانت ضربة السيف قطعت وريده ولكنا احتسبناه شهيدا.. كان الرفيق المصاب بالكاد يتكلم.. لكن مباشرة بعد دخولنا إلى غرفته قال لنا: “علاش جيتو انتوما بعاد”..
لم يتمالك نفسه أخذ يبكي مثل طفل صغير، لم أستطع تحمل لا مشهد البكاء ولا مرأى رفيقي المُسجى فوق سرير لا نعرف هل سيقف على رجليه أم سيستعين بكرسي، كنا كلما مر علينا الوقت داخل المستشفى إلا ونسمع رواية جديدة، خصوصا أن الرفاق المصابين كانو ثلاثة لكن بدرجات متفاوتة تتفاوت معها حتى رواياتهم وروايات الطلبة المتعاطفين، فمنهم من قال أن أحد الرفاق الضحايا ترك فيلقه ليكلم صديقته، وآخر تردد في الضرب، والمحارب إن تردد يصاب، ثم قالوا عن الرفيق صاحب الإصابة إنه سقط بينما كان يجري ليلتف حوله مجموعة التروتسكيين، وأنه كان من بينهم معطل يقول: “الراس لا الراس لا”..
كان كل الرفاق في حالة تاهب للرد على الإعتداء وهم يقسمون بدماء الشهداء أن ينتقموا وأن يردوا الصاع صاعين، خصوصا أن الرفاق الثوريين كانوا قد أعلنو في بيان لهم أن القاعديين هجموا عليهم وأن أحد رفاقهم يوجد بين الحياة والموت كي يبعدوا عنهم الشبهات إعلاميا و في السياسة كل شيء جائز حتى يتسنى تبني الضحيتة وجعله “رفيقا” كيف لا وحامي الدين أعتقه من سنوات السجن الطويلة جراء تهمة اغتيال بن عيسى تبنيه للتوجه القاعدي أمام قاضي التحقيق فأصبح شيوعيا؟
فجأة لم أكن أدرك إنها بداية عنف وعنف مضاد ستغير الساحة المقدسة، لم أفهم ساعتها أن كل الملتحقين بالتوجه يجب ان يكونوا بالضرورة يتقنون فن الحرب خصوصا حرب الشوارع، وأن القاعدي لا يخرج من بيته دون معطفه وسلاحه، وكأننا في حرب حقيقية.
لم يفهم رفاقي الجدد الخط الرفيع الفاصل بين مرحلة الحرب السياسية والحرب الأخرى، كان بالنسبة لهم كل من يخالفهم عدوا لدرجة أنني كنت أعاين تعنيفا في حق الطلبة فقط لأنهم يقومون بأشياء ليست من أعراف “أوطم” ولأنهم هم حماة أوطم يعنفون قبل أن يناقشوا لدرجة أنهم خلقوا هوة كبيرة بينهم وبين الطلبة..
كنت ألاحظ كل ذلك وأسكت خوفا من أن أُتهم بشيء لا أعرفه، خصوصا أن أغلب رفاق دفعتي إما أكملو دراستهم أو إنهم في سنتهم الأخيرة فابتعدوا عن منطلق: “مابقالي قد مافات”.. ولأنني كنت أعيش في مدينة أخرى فحتى إن قلت شيئا سيردون علي بلباقة: إن هذا لا يعنيك آ الرفيقة احنا مستقلين تنظيميا ونعرف مانفعله”..
مرت الأيام وأنا أراقب الرفاق وهم يناضلون بشكل غريب حقا، يختلف عما كنا عليه، لكن كنت ألتزم الصمت أو أقدم ملاحظات على الهامش كبقية الرفاق القدامى.
تعافى رفيقنا بعد رحلة علاج طويلة وقرر بعدها الرفاق أن يردوا الضربة، وكان لهم ذلك، ضربوا بنفس القوة طالبا ثوريا من مدينة “طاطا” قالوا إنه احتاج إلى عملية ترميم يده.. كان الرفاق يتصلون بنا ليبلغونا بذلك وهم منتشون..
بكل صدق لم أكن أفرح بذلك العنف أبدا، ولطالما كنت صديقة الجميع في الجامعة. فالرفاق الثوريون كانوا أصدقائي ومناضلو الحركة الثقافية الأمازيغة كان أصدقائي أيضا. لم أكن أدري سبب الجبهة العنيفة التي فُتحت بينهم وبين الرفاق سنة 2007 كل الذي أعرفه أني انتقلت في تلك السنة لاستكمال دراستي في مراكش، وكنت أزور الرفاق الماويين من حين لحين محاولة مني لفهم ما يجري بين رفاقنا الذين أصبحوا فجأة أعداء لكن.
على شاكلة اتصال الدار البيضاء تلقيت اتصالا من زوجي هذه المرة: “بشرى الأمازيغ قتلو واحد الرفيق فالراشدية”.. لم يكن مصطلح شوفيني متداولا بيننا ساعتها، طرحت أسئلة كثيرة لكن دون أن أتلقى عنها أجوبة، كل ما قاله زوجي أنه سيذهب إلى كَلميمة لحضور جنازة الشهيد “عبد الرحمن الحسناوي” لم أفكر طويلا أخذت حقيبة وتوجهت إلى المحطة الطرقية..
شرعت مجددا أحسب الكيلومترات لأصل، ليس خوفا أو حزنا هذه المرة لأنني لم أكن أعرف الرفيق القتيل شخصيا، بل رغبة في فهم ما يجري بالضبط، ووصلت إلى الجامعة، كنت أتوقع صخبا تنديديا، لكني لم أجد شيئا من هذا القبيل، عدا نسخا ممزقة من بيانات الرفاق..
رأيت وجوها غريبة عن الكلية أو ربما أنا التي أصبحت غريبة، المهم أنهم لم يكلموني أبدا. اتصلت بالرفاق والتحقت بهم في منزل يكترونه، سألتهم عما يحدث شرحوا لي أن الخط المتطرف داخل الحركة الثقافية الأمازيغية أصبح قويا وأنهم هجمو على الرفاق في الحي الجامعي و ضربوا الشهيد حتى الموت، بل قطعوا له أصبعا وعبثوا بدمه.. سألت: “هل لهذه الدرجة من القسوة؟ وماذا كان سبب الخلاف أصلا؟”..
لم أتلق جوابا يسكت صرخة الموت في داخلي خصوصا عندما علمت أنه الرفيق القتيل كان وحيد أمه وأنها كانت سنته الأولى كي يصبح مهندس تطبيقيات.. كنت أناقش الرفاق في إمكانية الهدنة وأن لا يتمادوا في العنف والعنف المضاد فيموت شخص آخر.. كانوا يقولون: “لن نتنازل عن دم عبد رحمان.. ما زلنا لم ننس صدمة عبد الرحمان” ليصلنا خبر استشهاد الطاهر الساسيوي في مكناس بطريقة لا تقل وحشية عن مقتل عبد الرحمان.
أحسست أن الأمر تجاوزني حقا، رجعت إلى مراكش وانغلقت على نفسي، على الأقل في تلك المرحلة. حاولت استدراك ما فاتني من دروس والاشتغال بدراستي لأن فعل القتل أصبح سهلا جدا وكأن السياسة والثورة لا تقومان إلا بتصريفنا لفعل قَتَلَ… (يُتبع).








    رد مع اقتباس