عرض مشاركة واحدة
قديم 2015-06-26, 22:09 رقم المشاركة : 12
express-1
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية express-1

 

إحصائية العضو








express-1 غير متواجد حالياً


وسام التميز لشهر مارس 2012

افتراضي رد: “مذكرات قاعدية كَلاكَلية”(1).. أول يوم في الجامعة – بشرى الشتواني



“مذكرات قاعدية كَلاكَلية”(10) خوف وحب وسيدة كريمة في زنزانة باردة – بشرى الشتواني

— 26 يونيو, 2015 تحذير: “مذكرات قاعدية كَلاكَلية” خاصة بموقع “أخبركم” كل إعادة نشر بدون إشارة للمصدر هي عملية سطو موصوفة ومفضوحة
(…) أنزلونا إلى قبو الكوميسارية سنطرال.. نزعوا عنا أحذيتنا وحقائبنا وحمالات الصدر أيضا.. كانت عملية التفتيش دقيقة وكأننا كنا نحمل معنا متفجرات..
وسط عملية التفتيش تلك سمعنا صوت أحد الحجاج من أصحاب البذلات الأنيقة يتكلم بصوت مرتفع: “حيدو ليهم حتى الصماطي وفيليلات الشعر”..
أحسست برعب كبير، التفتت ناحية الحارس ذو اللكنة المراكشية وكأنني أعاتبه على طمأنتنا من قبل أنه لا أحد سيلمسنا ونحن تحت حراسته . وكأنه فهم معنى نظرتي قال لنا: “سيرو دخلو لهيه”..
كانت زنزانة صغيرة وباردة، دخلنا لنجد فيها امرأة في الثلاثينيات من عمرها جالسة في أقصى اليمين. كانت ليلة ينايرية باردة جدا، اكتشفت ساعتها أن حمالات الصدر لها أيضا دور في التدفئة، فقد كنا نرتعد من برودة الطقس في زنزانة فارغة من الفراش إلا من بطانية صوف صغيرة تشاركتها معنا تلك المرأة الشابة، وما زاد في إحساسنا بالبرد مشاعرنا المضطربة خوفا.
بينما كانت رفيقتي تسأل تلك السيدة عن سبب تواجدها في تلك الزنزانة، كنت أفكر في “ماما” و”بابا” وجدتي وأختي التي كانت حاملا حينها، كيف سيتعاملون معي؟ كنت أفكر في أبي الذي كان يثق بي، كيف سيتقبل خبر اعتقالي؟ هو لا يعرف أنني كنت أناضل من أجل حقي في تعليم مجاني لأنه لا يدفع ثمن تعليمي، هو لم يقرأ بطريقة نقدية نص الميثاق ولن يفهم كيف لتعليم مجاني أن يصبح خاصا. ليتني كنت إلى جانبه كي أوضح له.. كيف ستتقبلني أمي وهي التي عاقبتني ذات يوم فقط لأن صاحب مكتبة بالحي قال لها إن ابنتك مكتوب اسمها في الجريدة، لم تسأل لماذا أو كيف؟ كل الذي قامت به هو أنها دخلت عليَ في فصل مادة الفرنسية وأمسكتني من شعري قائلة: “بقالينا غير الجورنان تخرجي فيه”؟!
لم تفهم ساعتها أن أستاذ اللغة العربية أعجبته خاطرة من خواطري، كنت قد أعطيته إياها بغرض التصحيح فقام بنشرها في الصفحة الأخيرة لجريدة جهوية وقرر أن يفاجئني بها، لكن عقاب أمي كان الأسرع..
تذكرت ذلك وأيقنت أن حصة تعذيب تنتظرني في البيت فور خروجي من مكان اعتقالي. أيقظني من تلك الهواجس صوت الحارس المراكشي وهو يقول:
– “شكون فيكم بشرى الشتواني”؟ أجبته:
– “أنا” فأردف: “شنو كيجيك فلان” أجبت:
– “قريبي” فقال: “راه جاب ليك باباك هادشي هاكي راه طمناه عليك وقلنا ليه بحال يلا بايتة عندك فالدار متخاف والو”..
كيف لغرفتي وسريري الدافىء أن يكون مثل هذه الزنزانة الباردة؟ وكيف لوجه جدتي التي تشاركني الغرفة أن يكون كوجه هؤلاء؟ لم لدي خيار سوى تقبل مقارنة تجمع جميع الفوارق الممكنة..
أخذت الأكل ووضعته على الجانب.. لم تكن لنا رغبة في شيء.. احتضننا بعضنا وحاولنا النوم علنا نستطيع التخلص من تضارب الأحاسيس والأفكار لتوقظنا أصوات الحراس وقرقعة مفاتيحهم، كانوا قد أتوا بضيوف جُدد، دخلت علينا شابة جميلة في نحو العشرين من العمر، اعتقلوها مع حبيبها في شقة، أدخلوها بعنف إلى الزنزانة أخد حبيبها يصرخ: “بشوية عليها أولاد لحرام”..
لم أعد أتذكر اسمها، لكن كان صديقها ينادي عليها قائلا: “ما تخافيش آحبيبة أنا معاك”.. وكانت هي تصرخ مجيبة: “أنا مزيانة غير سكت”..
أُعجبنا بشجاعتهما..
أعطوه ما تيسر من الضرب لكنه ظل يصرخ: “راه غادي تكون مراتي”..
كنت أنظر إليها وهي منتشية بكلامه.. تجاذبت معها أطراف الحديث عساني أستمد من شجاعتها شيئا..
قالت لي إنه يحبها وأن أمه لا تريد لعلاقتهما أن تنتهي بالزواج وأنهما لن يفترقا وإن سجنوهما فسيخرجان ويعيشان مع بعضهما.. تكلمنا حتى غلبنا النوم.
في صباح اليوم الموالي كان لنا موعد مع مكتب التعذيب، لكن هذه المرة مع شخص أقرب للكاتب العمومي منه للمحقق الأمني، حيث كان يكتب أكثر مما يسألنا وكأنه يسأل سؤالا واحدا ويجيب على أربعة أسئلة..
لم أدرك ساعتها أشياء كثيرة كان يجب أن أقرأها في المحضر وأنه كان علي أن أركز على إجاباتي وأن أنتبه إلى ما كُتب على لساني.. كل الذي كان يهمني ساعتها هو مراقبة الباب توجسا من دخول أحد من الحجاج أصحاب البذلات الأنيقة فجأة..
وأنا أراقب مدخل المكتب وأحاول استراق السمع لالتقاط خطوات الحجاج المرتقب حضورهم، سمعت صوت “ماما”.. نعم كان صوت ماما، فقد تسللت إلى داخل الكوميسارية في الوقت الذي كان قريبي يسأل عني، كنت في أول مكتب، مما جعلها تصل إلي بسرعة..
هتفت: “ماما جيتي”.. قالت لي: “صافي هادشي لي بغيتي لحبس؟ قلت ليك الله يحضر فيك السلامة”.. قال لها شرطي: “آ لالة ممنوع شكون لي دخلك؟” أجابته: “دخلت بوحدي آسيدي عطيوها ليا نضربها نريشها ونردها ليكم غير مديرو ليها والو راه بنت لحرام غير مكَدما”..
عرفتُ فيما بعد من رفاقي، بعد خروجي، أن “ماما” كانت معهم طيلة مدة اعتقالنا في الكوميسارية وحتى في يوم المحكمة أيضا وأنها كانت بعد نوبات البكاء تضحك معهم وتناقشهم في أمور كثيرة، ومنذ تلك اللحظة صارت “ماما” صديقة كل رفاقي القاعديين وبيتنا كان بيت الفصيل كله و”بابا” كان طوال الوقت ساكتا..
هذا ما أكده لي رفاقي.. لم يعاتبهم أو يكلمهم حتى. كان فقط يحاول إنقاذ ابنته المدللة والتي كان ينتظر منها الكثير.. أما أنا فكنت داخل الزنزانة إلى جانب رفيقتي نتعلم أشياء لم نكن لنتعلمها لا من الحلقية ولا من الساحة المقدسة… (يُتبع).







    رد مع اقتباس