عرض مشاركة واحدة
قديم 2015-06-25, 21:52 رقم المشاركة : 10
express-1
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية express-1

 

إحصائية العضو








express-1 غير متواجد حالياً


وسام التميز لشهر مارس 2012

افتراضي رد: “مذكرات قاعدية كَلاكَلية”(1).. أول يوم في الجامعة – بشرى الشتواني



“مذكرات قاعدية كَلاكَلية”(9) تعذيب وشتائم وبكاء.. في “الكوميسارية سنطرال” – بشرى الشتواني

— 25 يونيو, 2015 (…) كنت أسمع: “ها هي ها هي فالطوبيس شدو الكلبة”..
أخذوني من الحافلة واقتادوني بطريقة همجية مهينة، عند وصولي إلى سيارة الشرطة اكتشفت أنه حتى رفيقتي التي كانت تدرس الأدب العربي معتقلة، رمونا داخل السيارة التي كانت مكتظة بالطلبة، وبعد دقائق التحق بنا الرفيق “الوحش” كان وجهه مغطى بالدماء وكنت أبكي لأنهم أهانوني بحركة غير أخلاقية كما هي تصرفات البوليس المعبرة عن طبيعتهم.
بدأت عملية الترهيب والتعذيب داخل سيارة الشرطة… كان يرافقنا عنصران من “الأواكس” أحدهما كان يردد: “أنا أواكسي حمار هانتي يا القحبة غادي تشوفي لا بي جي شنو كتسوى”!
كنت ما زلت تحت هول الصدمة والرعب والبكاء، بدأ رفيقي في تشجيعي رغم حالته، حيث كانت معنوياته عالية جدا، ربما لأنه كان مستعدا للاعتقال أو لأنه كان أكثر تكوينا وشجاعة منا، أو لأشياء لم يكن عقلي يستوعبها حينها..
لم أكن أعرف حتى مكان الكوميسارية التي سيقتادوننا إليها، كل ما كنت أفكر فيه ساعتها هو: ماذا سيفعلون بنا؟
مر شريط بكل ما قرأته أمامي.. تذكرت أغنية “نعم لن نموت” لسعيد المغربي فسكتت، كنت أنا الوحيدة التي تبكي وسط الطلبة، فمنهم مَن لم يكن يعرف حتى ما جرى، ذنبه الوحيد أنه كان في ساحة “سعيدة لمنبهي” ساعتها.. رفيقتي كانت تقول لي: “سكتي مالك شنو غادي يديرو ليك”؟ ورفيقي كان يرعبهم وهو مقيد، كان يقول لي: “بشرى لا تخافي غادي يطلقوك الرفيقة”.
وصلنا الى الكوميسارية “سانطرال” أدخلونا إلى باحة بنفس الطريقة المهينة وتحت وابل من السب والشتم، كنا فقط شابتين وسط عدد كبير من الشباب.. كانت صفة عاهرة أو “قحبة” تتبع أية جملة أو أمر موجه إلينا أنا ورفيقتي..
دخل أحد عناصر “الأواكس” برفقة أحدهم، كان يرتدي بذلة أنيقة وحذاء نظيفا وكأنه عريس سيُحتفل بليلة زفافه، قال له الأواكسي: “هاد الثلاثة آ شاف هو ما لي منوضين روبالة، هاد القحبة فشعبة الانجليزية والاخرى فالأدب العربي وهاد الزامل فالاجتماعيات” وانصرف.
عزلونا عن باقي الطلبة وتركونا ننتظر المجهول، كنت أفكر في ماسأقوله لأمي وأبي عندما أخرج وما ستكون عليه ردة فعلهم، وكلما تذكرت جدتي المريضة، التي كنت أقرب إخوتي إليها، أبكي بحرقة، كنت أيضا أتذكر ما قرأته عن أنواع التعذيب وعن استشهاد الشهيد “عبد اللطيف زروال” فأموت رعبا من الآلام التي تنتظرنا..
كانت رفيقتي أقوى مني، أو ربما لأنها تمكنت من إخفاء خوفها، أما رفيقي “الوحش” فقد كان فعلا وحشا.. كان يرعبهم لدرجة أنهم رفضوا فك الاصفاد اللعينة عنه.
بدأ الليل يرخي ظلاله وبدأت معه حركة غير عادية، في ذلك المكان الرهيب. أطلقو سراح كل الطلبة واحتفظو بنا نحن الخمسة، كان معنا معطل وطالب عادي لا ينتمي لأي فصيل ولم يشارك في المعركة. أعطونا ورقة عليها رقم والتقطوا لنا صورا ثم تركونا للصمت مرة أخرى..
لم يكن يكسر ذلك الصمت سوى قفشات “الوحش” وكلامه مع ذلك الطالب.. سأله: لماذا احتفظوا بك؟ أجابه: وجدوا معي سكينا” فقال له الوحش: “المشكلة أن ذلك السكين سينسبونه لي” فقال له الطالب: “راه معايا واحد طريف ديال لحشيش صغير منعرف شنو ندير ليه؟” أجابه الرفيق الوحش: “عطيه لشي وحدة فالرفيقات تديه ترميه فطواليط” ذلك لأنه كان مسموحا لي ولرفيقتي فقط استعمال المرحاض أما الشباب فلا..
فعلا أعطاني الشاب تلك القطعة الصغيرة جدا، كانت تشبه قطعة شكولاطة وكنت لأول مرة في حياتي أمسك قطعة حشيش، طلبت من أحد أفراد القوات المساعدة كان مكلفا بحراستنا أن يسمح لي بالذهاب للمرحاض وكان لي ذلك، رميت قطعة الحشيش وعدت بسرعة وكأنني أُخلي مكان الجريمة.
فجأة سمعنا أصوات أقدام كثيرة تذرع المكان جيئة وذهابا وكأنها في استعراض وكان اسم “الحاج” يتردد بكثرة ليدخل علينا مجموعة من الرجال ببدلاتهم الأنيقة وكأن الأمر يتعلق باستعراض لعرسان في ليلة زفافهم الجماعي. أدخلونا الى مكاتب متفرقة كنت أنا وذلك المعطل نتشارك نفس المكتب أخذوا منا معلوماتنا الشخصية ثم أطلقوا سراح المعطل و احتفظوا بي أنا، ليبدأ مسلسل التعذيب…
أجلسوني فوق كرسي وسط المكتب.. كانوا أربعة يسألونني في الوقت نفسه.. كانت الأسئلة مختلفة وإن أجبت واحدا ضربني الآخر قائلا: “الكلبة أنا معجبتكش تجاوبيني”؟ وينطق الثالث: “ماضربهاش باينة فيها بنت دارهوم وما عارفة والو”..
كنت أجيب وكأنني غبية لا أعرف شيئا، كان همهم ساعتها معرفة مكان سكن الرفاق ومكان الرواق ثم أسماء بعض الرفاق.. كانوا يسألونني عن طريق الصور التي يفردونها أمامي، وكلما أجبت بالنفي أخذت حصة من الشتم والتحرش، وإن سكتت أنطقوني بضربهم المبرح.
كنت وسط كل ذلك أسمع صوت رفيقي الوحش الذي أخذ حصة الأسد من التعذيب. أما رفيقتي فقد كانت في مكتب أبعد فلم أسمعها لكن الأكيد أنها هي الأخرى “احتفلوا” بها كاحتفالهم بنا.
بعد ذلك أخرجونا إلى باحة وسط المكاتب وتركونا إلى حين استكمال إجراءات إنزالنا إلى قبو الحراسة النظرية، كان طاقم الحراسة قد تغير.
الطريف في الأمر ونحن وسط كل ذلك العذاب وتلك الآلام وساعات نوبات بكائي سألنا أحد أفراد البوليس كان يرتدي اللباس الرسمي والذي عرفنا فيما بعد أنه سيحرسنا تلك الليلة.. قال لنا: “واش نتوما لي كتغنيو ديك الاغنية ديال عمي ضوء الشمس؟ كتعجبني بزاف”!
قال ذلك بلكنته المراكشية الجميلة. ثم أردف: “متخافوش راه اليوسفي بكرو دوز الاعتقال ودبا وزير أول مالك على البكاء ملي تنزلو عندي مغادي يقيسكم حد”… (يُتبع).








    رد مع اقتباس