عرض مشاركة واحدة
قديم 2015-06-24, 07:39 رقم المشاركة : 25
المرتاح
أستـــــاذ(ة) متميز
إحصائية العضو









المرتاح غير متواجد حالياً


افتراضي رد: ضيفنا العزيزقصة : البدويّة .!!! من تأليفي .


ج 6

ومنذ تلكم الأيام ، أيام الصِّبا وريعان البلوغ حتى هاته الأيام وأنا أبلغ من العُمْر عَقلنةً ورُؤية وفهماً واتّزاناً، شديد الحِرص كُلّ الحِرص ، بكل شيء يخصّني ، وأشيائي وخواصّ حاجيّاتي باقية مُذ أنْ كنتُ في المهْدِ صَبياً، أكثرها هدايا وألعاب ودُمى .. أتحصّلها من عند أُلئكَ الذين يزورون أبي ، ومن بعض أهلي الذين يسكنون في المُدنِ ألأكثر تحضّراً من قريتنا . تشتدّ رَغبتي في بقاء حاجياّتي بقوة ، ليستْ شَفقةً في مَنافع ذِكْرياتها ، ولكن كفّ أبي يتهادى لي ، كُلّما لاحتْ أو تراءتْ أمام ناظري اللّامرئي ، ذلك الإحساس في اللاوعيْ هو إحساس بالمسؤولية اتجاهها وحِمايتها وصَوْنها والمُحافظة عليها ، حاشداً طاقتي العقليّة والفكرية والجسدية، ، فالكفّ والباكورة ، ليْس أمرهما هيّنٌ ، ففيهما القوة والطاقة التي لا ترحمْ ، تحسّستُ وجهي وكأنّ صَفعة تقع على وجهي ، مرّرتُ يدي على مكانها ، فأحسستُ بباقي خدْشة لباكورة ألتصقتْ بجسدي واخترقتْ مَسام جِلدته الرفيعة .. على الرغم أنّ أبي قد مات مُذ سنين طويلة ، لكن وقْع ضربة الباكورة كالصّفعة التي بقيتْ آثارها أسْفل عيني وكأنّها لتوّها تستقرّ على جسدي النّحيل ، فأيام أبي وإنْ كانتْ قاسية لكنها علّمتني الشدّة والرجولة كما علّمتني الحِرْص على كل شيء وبالأخصّ حوائجي وحاجيّاتي وكل ما يخصّني وما يهّمني ، إلى درجة الحِرْص التّام على جسدمي فلم أَسْمح لأحدٍ قط أنْ يلمسهُ أو يتحسّسه أو أَلْتصق بجسدٍ غير فراشي وملابسي مهما كانتْ الضرورة دعتْ إلى ذلكَ.. وأتذكّر ذات مرّة مرضتُ وشرع الطبيب المُعالج أن يَغْرز إبرة دواء في " مُؤخرتي" فبكيتُ ، فسّرها الطبيب ساعتها بالخوف ، فأشفقَ عليّ وقال " لا بأس نُجرّب في اليد " ثُم بعد دعك مكان الإبْرة ، قال :

ـ لا عضلة في عضدك .
هكذا كان خوفي شديد وإنْ عَرّضت نفسي إلى التهلكة . وأذكر ذات مرّةٍ ، مَررت بجانب مَقبرة دُفن فيها أبي ، فأحسستُ بالضربة بقوة على وجهي فارتعدَ جسدي ، ورفعتُ ثوبي وركضتُ بكل طاقةٍ نشطتْ في داخلي إلى درجة أنّي لمْ أكن أدري بمنْ مررت عليه بل لم أر شيء غير أنّي أتحسس مكان صفعة أبي في وجهي .. وفي حضن أمي القيتُ بجسدي النحيل، مرعوباً خائفاً، مُتوجّساً قلقاً ، فضمّتني على صدرها وسألتني :
ـ ما بالكَ مرعوباً ، اشيء أخافك .
لم أُخفيها سِراً :
ـ ....
هكذا هُم الرجال يرثون كُلّ شيء من آبائهم فيكونوا رجالاً مِثْلهم وفي صُورتهم ، ذلك الإحساس ليس هو الخوف المُقلق أبداً بل هو الحذر المشوب بالتوجّس ، فلا تخفْ ولا تقلق فمن يرتعبْ مرّة يكون رجلاً ألف مرة .
وتساءلت في نفسي
ـ هل الرُجولة أنْ أبقى خائفاً وجلاً كلما مررتُ بجانب المقبرة او اتوجّس من كل أشيء لصق او تلاصق بجسدي ..؟
وبصوت يرجع إلى داخلي :
ـ إنّها لعنة الرُجولة ..
وهَمْهمت بمكاشفة أُمي فأخبرها بأني كرهتُ ... لكنّ الكلمة إنحبستْ في داخلي وضلّت مُكبوتة في صدري أتألّم كلما تذكرتها وتخايلتُ واقعتها .!!

الكاتب حمد الناصري المرتاح سلطنة عُمان






التوقيع

لن تستقيم الحياة إن لمْ يستقم عليها الانسان .!
لن يُحبّ الله أحداً إلا إذا أحبّ الانسان غيره بصدق ..!!
الحُبّ الحقيقي تتدفّق عاطفته كما يتدفّق الماء من أعلى قِمّة.!
آخر تعديل المرتاح يوم 2015-06-28 في 06:25.
    رد مع اقتباس