عرض مشاركة واحدة
قديم 2015-06-12, 23:20 رقم المشاركة : 1
express-1
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية express-1

 

إحصائية العضو








express-1 غير متواجد حالياً


وسام التميز لشهر مارس 2012

poeme شظايا طبق الفواكه



قصة: شظايا طبق الفواكه – حنان إدريسي

— 11 يونيو, 2015 تقول جدتي أن لكل إنسان يومين من حياته يتذكرهما دائما، وهما اليوم الذي كان فيه أسوء حظا على الإطلاق، والذي كان فيه أحسن حظا على الإطلاق كذلك.. لعل يومي هذا هو الذي سأتذكره دائما وهو صالح للحالتين.
منذ خمس سنوات وأنا في هذا القصر الفسيح، لا حركة واحدة في أركانه تخفى علي، ولا إشارة واحدة من تعاليم سيدتي الصارمة تفوتني. من الغرف في الطابق العلوي، إلى الصالونات الواسعة في الطابق السفلي، إلى المطبخ، إلى الحديقة، كل خطوة أقيسها قبل أن أخطوها، لأنني مسؤولة عن كل قطع الأثاث والزينة التي تهتم بها سيدتي إلى حد التقديس، وتتحدث عن مبالغ لو باع أبي أرضه كلها، لما وفر ثمن قطعة واحدة منها.
لا أعرف كيف حدث ذلك، كنت أمسح الأرض بالقرب من مائدة الطعام، عندما وقفت لأستريح، فإذ بيدي ترتطم بقوة بطبق الفواكه الذي كان على حافة الطاولة ولم أنتبه له، سقط على الأرض المبللة مدويا، وانقسم إلى شظايا، شعرت بها تحدث ثقوبا بمعدتي المتشنجة.
حنان إدريسي

تجمد الدم في عروقي، وصرت قطعة من الجليد عاجزة عن الحركة. كان الطبق على شكل وردة كبيرة بجذع فضي منقوش بأشكال من الفواكه، يعلوه طبق مقعر من الكريسطال، تحب السيدة أن تملأه بالفواكه المتنوعة التي أستبدل بعضها حسب كل وجبة..
انحنيت ألملم شظايا الزجاج المتناثر وأنا لا أفكر سوى في أمي وإخوتي الصغار، ومصيرهم بعدما أُعاقب على هذه الغلطة التي لم أحسب حسابها. فكرت في جميع الاحتمالات، وعزمت أن أقبل قدمي سيدتي لتصفح عني ولا تطردني أو تحرمني من راتبي كله، على أن تخصم مني ثلثه أو نصفه للشهور القادمة.
بيدين مرتعشتين وقلب منقبض تابعت عملي، وأعددت الغداء قبل وصول السيد والسيدة فيزداد الوضع سوء. سمعت وقع أقدامها بعدما انفتح الباب، بينما صعد السيد مباشرة إلى الطابق العلوي، أطلت علي بوجه لم أره أشد حنقا منذ عرفتها وقالت “جهزي مائدة الطعام فورا” وغادرت.
تيقنت مع ذلك العبوس أنه آخر يوم لي هنا. قدمت الغداء، ولاحظت وأنا أنزل آخر الأطباق أنهما لا يتحدثان بمرح كعادتهما، كان وجه السيدة يحمل شحنة غضب تكاد تلفحني شرارتها، وفي عينيها الشاردتين – وهي تعبث بالشوكة من دون أن ترفع الأكل إلى فمها – حزن لا شفاء منه، سبق ورأيت مثيلا له في عيني أمي، يوم هجرنا أبي إلى زوجته الثانية، فيما كان السيد يتناول مطرقا قطعا صغيرة من طبق الخضار المحمرة الذي يحب.
لم تكن سيدتي إلى ذلك الحين قد انتبهت إلى المكان الفارغ فوق المنضدة القريبة، الذي يشغله عادة طبق الكريسطال بزهو. انصرفت، ثم جئت بالفواكه في طبق زجاجي من المطبخ، ويداي ترتجفان ولساني عاجز عن النطق، نظرت إلي مليا ثم قالت بانزعاج: – ما بك؟ – أنا ..كنـ..كنت.. – ماذا؟ – كنت.. أنظف..فوقع.. نظرت إلى ما بين يدي ثم إلى المنضدة وقالت بهدوء: – هل كسرت طبق الفواكه؟ – نعم.. ابتسمت بحزن واستخفاف مميلة شفتيها، وهي تنظر إلى زوجها ثم إلي، وقالت: – لا عليك يا سلمى.. لقد انكسر ما هو أهم ولا يعوض بثمن. ضعي الطبق هنا وانصرفي.
خرجت وجسدي يتصبب عرقا غير مصدقة أنني نجوت. تنفست عميقا وقلت في نفسي “مهما كان بشعا هذا الذي فعله سيدي، فقد أنقذني وأنقذ إخوتي”.







    رد مع اقتباس