عرض مشاركة واحدة
قديم 2015-03-19, 11:31 رقم المشاركة : 3
صانعة النهضة
مراقبة عامة
 
الصورة الرمزية صانعة النهضة

 

إحصائية العضو








صانعة النهضة غير متواجد حالياً


وسام التنظيم المميز السيرة 1438ه

مسابقة السيرة 5

وسام المنظمة

وسام منظم مسابقة السيرة النبوية العطرة

وسام الشخصية الفضية

وسام المشاركة في الدورة التكوينية مهارات الاتصال ا

وسام المطبخ المرتبة 1

وسام لجنة التحكيم

وسام العضو المميز

افتراضي رد: حوار شيق مع الفاسي الفهري حول اللغة العربية واللغات الأجنبية


في السنة الماضية ثارت دعوة حول إقحام الدارجة في التعليم، والسيد نورالدين عيوش الذي تزعم هذه الدعوة قال بالحرف الواحد بأنه يسعى إلى فصل اللغة العربية عن الدارجة.


هذا بالضبط ما قاله برونو سنة 1946، وقاله قبله مارتي وفيكي، الخ. هؤلاء الأباطرة الذين كانوا يخططون للسياسة الفرنسية الاستعمارية، التي كانت تدعو إلى فصل العرب عن البربر، وإلى فصل المغاربة عن الإسلام، وإلى فصل الدارجة عن الفصيحة، وهكذا. لا جديد تحت الشمس إذن. إلا أننا والحمد لله، نلنا استقلالنا منذ ستة عقود، في سنة 1956، ونريد أن نتقدم في النقاش اللغوي بجد.


قضية العامية والفصيحة هي مسألة مطروحة بالنسبة لجميع لغات العالم، ونجد أن لغة واحدة شذت عن القاعدة، وهي اللغة الإسلندية، ولا أريد أن أدخل في التفاصيل، ولكن كل اللغات الحضارية في العالم لها صيغة فصيحة وتسمى بالصيغة المعيارية Le standard، وهي اللغة التي يدرس بها في المدرسة وتصدر في القوانين وتكون في المحاكم إلى غير ذلك، وفي الإعلام والصحف، وتكتب بها الكتب، الخ.


ووظيفة اللغة المعيارية أنها توحد، وتجنب الوقوع في التأويلات المختلفة. واللهجات غير المعيارية تصلح للتعبيرات الوجدانية والمسرح والفنون، وهناك وظائف خاصة بالعاميات نحتاج إليها، ولكن ليس لتكون لغة المدرسة. وحتى تدخل المدرسة، تحتاج العامية إلى التقعيد والتعيير، مما يفقدها تلقائيتها، وتتولد إذن لهجات جديدة، وهناك دور أساسي للغة المعيارية في إقامة الدولة-الأمة معروف عبر التاريخ، حتى إن بعض الدول والأمم قامت بقيام اللغة المعيارية الناشئة كما حدث في أوروبا عصر التنوير. فلا أحد ينكر دور اللغة المعيارية في إقامة التماسك السياسي والمجتمعي، وليس هذا دور اللهجات.


لماذا الانتصار للفصيحة على حساب العامية، أو ليست العامية هي أيضا لغة؟


نحن نحتاج إلى الفصيحة والعامية، وليس لنا أي إيديولوجية تنتصر لصيغة دون أخرى.

ولكن لا ينبغي الخلط بين صيغة تصلح لوظائف وصيغة تصلح لوظائف أخرى.



الواقع أن الأصل في اللهجات العامية أن تخدم التنوع المحلي داخل التراب، وهذا شيء جميل بالنسبة للإبداع في التعبيرات الشعبية على الخصوص، لكن في المحكمة لا يجوز أن نفرق بين المتقاضين على أساس أن هذا فاسي أو هذا مكناسي وهذا مراكشي. فكل يعبر بطريقته، لكن النص القانوني مكتوب باللغة المعيارية، التي يتوحد فيها الجميع، ويجب أن يفهمها الجميع. ومسؤولية الدولة أن تجعل لغة الدولة، أي اللغة الرسمية، مفهومة للجميع. اللغة العربية توحدت تاريخيا بسبب تداخل القبائل فيما بينها، والآن هذه اللغة موجودة في الأقطار، وفيها تنوع من منطقة عربية إلى أخرى، في المفردات مثلا (مثلا ما يعنيه "الإعلان" في قطر عربي يسمى "إشهارا" في قطر آخر، أو العكس)، ولكنها داخل القطر الواحد لا وجود لهذا التنوع، الخ.


الكلام عن العامية والازدواجية بين العامية والفصيحة في التعليم هو حق أريد به باطل، لأنه زاغ عن سياقه. طرح المشكل كمشكل تربوي. والمشكل التربوي من المفروض أن يحل تربويا، ولكن أصحاب المقترح جاؤوا بمقترح ذي طابع سياسي، يؤدي إلى تقليص دور اللغة الفصيحة في التعليم، وإحلال العامية محلها، ولو تدريجيا وجزئيا.



وقد صاحب المقترح لغط إيديولوجي استوحى خطابه من "إيديولوجية العامية" (كما بعثها أباطرة الحماية في حينه)، التي تجعل منها "لغة الحياة" و"لغة المستقبل"، الخ، وتجعل من الفصيحة "اللغة الميتة"، "المحنطة"، الخ. وكل هذا بعيد عن الدستور (بل هو انقلاب عليه)، وبعيد عن الموضوعية والعلم. إن مشكل الانتقال من لغة البيت أو الشارع إلى لغة المدرسة معروف، وهو يعالج بيداغوجيا نفسيا عبر ما أسميته بـ"التبييئ المبكر"immersion précoce ، أي أنه منذ النشأة الأولى للطفل يتعود على لغة تدريجيا تقترب من الفصيحة، وتسهل التجسير. هناك عدد من الكلمات المفردات والبنى هي فصيحة في الأصل، ولكن لم تعد مستعملة في الفصيحة، ويمكن استرجاعها وإدماجها، وإعطاء حيوية جديدة للغة العربية عبر هذه البنى التي تدمج إما على مستوى المعجم أو على مستوى القواعد والتراكيب. تهييئ اللغة وتجديدها ضروري لتواكب الحياة، ولكن الدولة اختارت أن تهمل لغتها، وتتركها تحل مشاكلها بنفسها، و"تركت الحبل على الغارب". اللغة ملف سياسي وثقافي كبير، وزهو ملف تعليمي وإعلامي واقتصادي وقانوني، وقد فصلت هذه الجوانب في كتابي عن "السياسة اللغوية". فأين يتجلى عمل الدولة وتخطيطها في هذا الملف الضخم الحساس؟


إذن كيف تقيم وضع اللغة العربية بالمغرب؟


اللغة العربية في المغرب في وضع سيئ، لأن اللغة لا ينبغي أن تترك لوحدها، فلا بد من حضورللدولة بسياستها اللغوية ومخططاتها، فالتخطيط اللغوي أساسي.



وأول شيء في هذا التخطيط الذي وضعنا فيه اللبنة الأولى أن تقوم مؤسسة لخدمة هذه اللغة في المستوى المطلوب، وهذه المؤسسة هي أكاديمية اللغة العربية، وهي أول مؤسسة اقتُرحت في إطار الإصلاح التربوي.
ولماذا تم إيقاف هذا المشروع علما بأنه قانون، ومَن وراء إيقاف تطبيق القانون؟

جلالة الملك هو أول حام لتطبيق القانون والدستور، والأكاديمية باسم جلالة الملك، فأكيد أن هناك مشاكل في التطبيق وفي الحكامة كما يقولون، وهناك مشاكل أدت إلى عرقلة هذا المشروع حتى لا يخرج إلى الجود، ولكن الدولة مسؤولة عن الأضرار التي تلحق باللغة العربية، وكتبعات لذلك تلحق بالمتعلمين المغاربة، لأن المتعلمين يتعلمون الآن بهذه اللغة، أحببنا أم كرهنا، فلماذا لا ننهض بلغتنا ونخدمها ونجعلها طيعة وجذابة للمتعلم، ونمكنها من الوسائل المادية والبشرية المطلوبة؟



إن المشكل راجع إلى مواقف وقرارات غير سليمة ولا تخدم المتعلمين. فمن من المغاربة يريد أن يستغني عن اللغة العربية أو يقتلها؟ فهلا استفتوا المغاربة! إننا نقدم للمغاربة إشكالات غير سليمة، فلا أحد طاب من المغاربة أن يتعلموا اللغة العربية وحدها، فلا بد من اللغة العربية ولا بد على الأقل من لغتين أجنبيتين في التعليم العالي على الأقل، ولا بد من وضع مقنع للمازيغية في التعليم.





يتبع






التوقيع

أيها المساء ...كم أنت هادئ

    رد مع اقتباس