عرض مشاركة واحدة
قديم 2015-03-10, 23:24 رقم المشاركة : 1
express-1
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية express-1

 

إحصائية العضو








express-1 غير متواجد حالياً


وسام التميز لشهر مارس 2012

rawai3 في حضرة الأستاذ!



في حضرة الأستاذ! – مصطفى قطبي

okhbir.com— 10 مارس, 2015 كان المعلّمون والمدرّسون والموظفون وحملة الشهادات عموماً، هم النخبة المثقفة في كلّ المجتمعات، كان لهم حضورهم القوي، ورأيهم المسموع، وكلمتهم المبجَّلَة، ووجهة نظرهم التي تُقَابَل بكل التقدير والاحترام…
كانوا إذا حلّوا في مجلس التفّ الجميع حولهم، وإذا مرّوا في طريق بادرهم الجميع بالسلام، وإذا دخلوا إدارة أو مؤسسة سارع الجميع إلى خدمتهم، وإذا ارتادوا دكاناً أو مخزناً ترك الباعة كل أعمالهم، وتوجهوا إليهم يسألونهم عما يريدون!

وكان لقب (أستاذ) مقتصراً عليهم فقط، كان له وقعه المحبَّب، وتأثيره السحري، وموسيقاه المِلفِتَة، ولحنه الرائع، جاء الأستاذ، ذهب الأستاذ، هكذا قال الأستاذ، أهلاً وسهلاً بالأستاذ، كيف رضاه علينا الأستاذ؟

كان الأستاذ مرجعاً في المعلومات السياسية والاقتصادية، ومعلماً في القضايا الفكرية والاجتماعية، ومصدراً موثوقاً لما يجري من أحداث محلية وعربية وعالمية، ومؤتمناً على أسرار أهله وأقربائه وجيرانه، هو الذي يحلّ مشكلاتهم، وهو الذي يجد لديهم أذناً صاغية،وقبولاً قلّ أن يعادله قبول!

ومن الطبيعي أن يكون (للأستاذ) هذه المنزلة، وتكون له تلك الخصائص والميّزات والصفات، فهو الإنسان الذي أضاع نصف طفولته وشبابه في تحصيل العلم، وهو الإنسان الذي لا يكفّ عن مطالعة الكتب وحضور الندوات والمحاضرات، وهو الإنسان الذي لا يتوانى عن متابعة نشرات الأخبار وملاحقة ما يجري في هذا العالم من تطورات ومستجدات وأحداث… فهو العالم المتعلم، والدارس المدرّس، والآخذالمانح.

وكان (الأستاذ) يعيش في بيت (يملكه)، مثله في ذلك مثلُ سائر عباد الله، وكان لا يخرج من هذا البيت، إلا وهو في كامل زينته وأناقته: شعره مسرّح، قميصه نظيف، و(بدلته) مكوّية، وحذاؤه يلمع، وعطره يفوح… يريح العيون بهندامه، ويحبّب القلوب بمظهره وهيئته… وكان يعامل الآخرين بأريحيّة، ونفس رضيّة، وعين (فضيّة)، ويد مبسوطة… يعطي إن كان الأمر بحاجة إلى عطاء، ويساعد إن كانت القضية تتوق إلى مساعدة… لا يبخل على نفسه ولا على أهله بشيء، فراتبه الشهري يكفيه ويكفي عائلته، بل كان يعتبر نفسه من الطبقات الميسورة التي لم تُحْرَم من شيء!

ولعل هذه الأمور مجتمعة قد عزّزت من مكانته الاجتماعية، في مجتمع يقيم لكلّ (أمر) وزناً، ويقدّر كلّ (مزيّة) حقّ قدرها!

كان (الأستاذ) في منتهى الراحة النفسية والمعنوية والمادية، ولعل هذا الوضع قد فتح عيون (الحسّاد) عليه، وبخاصة أولئك الذين أخفقوا في دراستهم، نتيجة انشغالهم باللعب واللهو، في الوقت الذي كان فيه زميلهم يسهر الليالي، ويحرم نفسه من متع الحياة، كي ينال درجة النجاح أو التفوق… ولعل وضعه المستقر المريح، هو قطف لثمار تعبه، وتتويج لمراحل جهده وسهره، ولعل وضع زملائه الذينَ كانوا يضربون عرض الحائط بكل وظيفة أو دراسة أو واجب مدرسي، هو عقوبة كانت مؤجّلَة، ونتيجة كانت متوقعة!

ومرت الأيام… وفجأة بدأ صاحبنا (الأستاذ) يشعر بالتغيير، فالتراجع التدريجي في كل أوضاعه قد أصبح حقيقة واقعة، فالعِلم لم تعد له تلك المكانة، والشهادة لم يعد لها ذلك التقدير، والمال قد أصبح كل شيء، بل طغى على كل شيء، وبغضّ النظر عن حال أصحاب المال، بغض النظر عن علمهم، أو شهادتهم، أو مستوى تفكيرهم، أو طبيعة تعاملهم، أو حقيقة سلوكهم… فهم الوجهاء الجدد في هذا المجتمع، وهم الحكماء الذين يسيّرون أموره وهم أصحاب الكلمة الأولى والأخيرة في حلّ قضاياه…

فجأة أدرك (صاحبنا الأستاذ) أن البساط قد سُحب من تحت قدميه، وأنه لم يعد له أي دور في مجتمع قد أدار ظهره له، وأن وضعهالنفسي والمادي لم يعد يسمح له بالإدلاء برأي أو الإسهام بفكرة، فانسحب بهدوء من الساحة، وبدأ يتوارى عن الأنظار شيئاً فشيئاً!فاسحاً المجال (للشطار) الذين يعرفون من أين تؤكل الكتف، ويعرفون كيف يصولون ويجولون من دون أدنى رقيب…








    رد مع اقتباس