عرض مشاركة واحدة
قديم 2015-03-01, 00:18 رقم المشاركة : 3
express-1
بروفســــــــور
 
الصورة الرمزية express-1

 

إحصائية العضو








express-1 غير متواجد حالياً


وسام التميز لشهر مارس 2012

افتراضي رد: المحاضرة الكاملة لعبد الله العروي حول "المواطنة والمساهمة والمجاورة"


الحقوق المضمنة في الوثيقة الفرنسية، والأمريكية كذلك، تخص المواطن، لا غير. أما حقوق المجاور، وهي حقوق إنسانية بالفعل، فهي متولدة عن معاهدة مبرمة بين هيئتين سياسيتين. ونذكر بالمناسبة أن عبارة «الإنسان المواطن» صدرت أول مرة عن الألماني صامويل بوفندورف، أحد مؤسسي القانون الدولي.



بعد الحرب العالمية الثانية، حصل تطور -حتى لا نقول قطيعة- في هذا المجال. لا يمكن اعتبار وثيقة سنة 1948، الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة، مجرد تعميم لما تضمنته وثائق سابقة. الجديد فيها أنها تتجاهل ضمنيا سيادة الدولة الوطنية.



هناك حقوق سياسية كانت محصورة في الوثائق السابقة على أبناء الوطن، وعمم بعضها على كل المواطنين، أو المجاورين، ثم حقوق اقتصادية واجتماعية، كالشغل والتعليم والعناية الصحية والرعاية، ثم حقوق خاصة بفئات مهملة كالنساء والأطفال والمعاقين والعجزة، ثم حقوق ثقافية تهم الأقليات والشعوب الأصيلة. كل مرة تضاف إلى قائمة أصحاب الحقوق جماعة جديدة، وإلى قائمة الحقوق حقوق جديدة، وذلك باسم الاشتراك في الإنسانية، بل وفي الحيوانية.



حصل التوسيع بكيفية آلية، دون تنظيم مسبق. لذلك نلاحظ هذه الأيام معارضة قوية، حتى في البلاد الديمقراطية، ضد هذا الاستخفاف المتزايد بالسيادة الوطنية. كان التركيز في الوثائق السابقة على شرعية الثورة ضد الظلم، أي تجاهل حقوق المواطنة. الآن نرى توجها نحو تبرير الثورة على الدولة الوطنية غير الإنسانية، حتى ولو كانت عادلة، خاضعة لقوانين صارمة، لكنها مقصورة على أبناء الوطن.



هناك، إذن، تطور جديد، يخلق مشاكل كثيرة لمفهوم المواطنة. إذ لم تعد المواطنة مرتبطة بوطن، بدولة وطنية، بل الاتجاه هو ربطها بالمجموعات الإنسانية. هذه النقطة تنبه إليها، ونبه إليها، الفيلسوف «كانت» أيام الثورة الفرنسية (عندما نقول إن «كانت فيلسوف كبير»، لماذا فيلسوف كبير؟ لأنه أيام الثورة الفرنسية وإعلان حقوق الإنسان، رأى أن هذا الإعلان يتجاوز حدود الدولة الوطنية، مع أنها كانت في بدايتها. ولهذا بالضبط ترون أن هناك اعتمادا كبيرا على تحليلات كانت في كل الأدبيات المتعلقة بالقانون أو بالمواطنة أو بحقوق الإنسان، الخ.)



كان مثلا حق التنقل والإقامة والشغل والحماية محصورا في حدود الوطن، لأن الحرية كانت مغيبة. كان الإنسان لا يستطيع التنقل من بلد إلى آخر بحرية.



اليوم ما نلاحظه هو أن التوسيع لكل إنسان إنسان، والاعتراف لكل فرد، أينما حل، بأن يتصرف كجميع مواطني العالم. والرفض لهذا التوسيع- مهما يكن حكمنا عليه أخلاقيا- يدل على أن هذا التطور المفهومي، مفهوم الإنسان المواطن، لم يُأصَّل بعد تأصيلا واضحا وصريحا؛ أي لا أحد يقول إن هذا التوسيع لحق من حقوق المواطن المساهم إلى المواطن المجاور يتحدى حدود الدولة الوطنية. لا أحد يقولها صراحة، مع أن هذا الأمر موجود ضمنيا في لائحة الحقوق الدولية. والدليل على ذلك أن إعلان الحقوق الإنسانية للدول الأوربية، أي اعتبار أن كل مواطن، من أي دولة كانت، إذا انتقل من دولة إلى أخرى، تكون له الحقوق نفسها. هذا الإعلان، مع أنه هو الأساس في بناء المنظومة الأوربية، يرفضه عدد لا يستهان به من القادة السياسيين. لا يقولونها صراحة، ولكنهم يتخذون مواقف ويطالبون بكثير من المطالب في هذا الاتجاه.



الآن، بعد هذا الكلام عن المواطنة وحقوق الإنسان، نعود إلى ما كنا بصدده، أي المواطنة في إطار الدولة الوطنية.



يقول أحدنا: لا أرضى لنفسي أقل من أن أكون مواطنا كامل المواطنة، دون أن يعي أن النظرية، التي يستند إليها، تلغيه مسبقا من المجال السياسي. النظرية، من أرسطو إلى كانت وهيغل، مرورا بروسو، لا تهتم إلا بفرض من له مؤهلات محددة، وهي: أن يكون ذكرا لا أنثى، حرا لا مملوكا، عاقلا لا معتوها، راشدا لا قاصرا، فاضلا لا دنيئا، تقيا لا فاجرا، أمينا لا خائنا. من يتحلى بهذه الصفات، فينعت بالشيخ sénateur أو الأب، أو السيد، هو الفرد المؤسس الذي يملك سهما في الشركة التي تسمى الدولة الوطنية. كل هؤلاء المنظرين، بالخصوص المنظرون الإنجليز، نظروا إلى الدولة على أنها شركة تجارية. بعضهم يستعمل في الغالب stock-holder، صاحب سهم، مساهم. هنا نتكلم عن مفهوم المساهمة. إذن، الفرد المؤسس الذي يملك سهما في الشركة، التي تسمى الدولة الوطنية، هذا هو المواطن المساهم. حقوقه هي مؤهلاته. متى فصلت الحقوق عن المؤهلات، فقدت النظرية تماسكها.



أبرز مثال على النظرية السوية المتماسكة نجده في كتاب جان جاك روسو "«العقد الاجتماعي". يضع المؤلف نصب عينيه ذلك الفرد الحر، المستقل عن كل ما حوله، ويستدمج المفهوم كل مستتبعاته بطريقة منطقية على شاكلة سبينوزا الرياضية. يتقدم من معادلة إلى أخرى، دون أدنى ميل أو زيغ. من فكرة التجمع يستخرج روسو مفهوم الجمهورية، ومنه الديمقراطية، ثم الأمة، ثم الدولة، ثم الإرادة العامة، ثم إرادة الفرد العاقل، ثم المصلحة، ثم القانون، الخ. كل مفهوم ينعكس في الذي يليه انعكاسا جامعا مانعا، يكشف وجها من أوجه عدة تخص كلها الموضوع، أي الفرد الحر، العاقل، الفاضل، الخ، إلى أن يقف على الأس، أس الأس، وهو وعي الفرد بذاته، بحريته وسلطته المطلقة على نفسه. من لم يعِ هذا الكشف -إذ يتعلق بكشف فعلي- من لم يع هذه الحقيقة الجوهرية، من لم يستشعرها في سر سره، فهو غير معني بكلام روسو. هذه التجربة النظرية يعيشها كل فرد فرد. لا تعارض، إذن، في هذا التحليل بين الحرية والمساواة. والضامن لهذه وتلك العقل القاهر لكل شهوة مضرة، الهادي إلى العفة والفضيلة. كل ناقص عقل لعدم اكتمال كالطفل، أو بسبب وضع عرفي كالمرأة، أو قانون كالمملوك، أو طارئ كالمعتوه أو الشيخ الهرم، أو اعوجاج في الفكر كالزائغ، أو عجز عن العبارة كالأعجم، فهذا لا يدركه نظر روسو. وبصدد وعي الإنسان بطبيعته، نشدد على نقطة مهمة: طبيعة الإنسان عند روسو هي السر والآية، ختم الخالق على وجدان البشر، كما أوضح ذلك في عقيدته. كل التناقضات التي نبه عليها المحللون، تعود إلى هذا التوحيد الذي يجمع روسو بسبينوزا وهيغل. عند هؤلاء المفكرين الثلاثة، لا تعارض بين الروح والمادة، لا ثنائية، ولا تعالٍ. كل الصفات المنسوبة إلى الباري يضيفها روسو للإنسان، منشئ المدينة، أي المؤسسة السياسية. انظروا، مثلا، إلى قوله في الإرادة العامة، كونها لا تفوض، لا تتجزأ -في الكلام القديم يقال إنه لا تتبعض- لا تخطئ، لا تتعارض مع الإرادة الفردية. هذه هي الأصول النظرية لمفهوم المواطن، أن العضو المؤسس لهيئة سياسية هي المدينة (polis، res publica). المواطن المساهم سيد نفسه يحكم نفسه بنفسه بواسطة إرادة جماعية، سلطة ناموس موافقة، طوعا وحكما لإرادة الفرد. وهذا لأنه عاقل، كابح لنزوات نفسه، مستقيم في سلوكه، غير زائغ. هو المشرع. هو المتصرف. هو الحكم. وهو في عين المنظر الإنسان الطبيعي، أي قبل أن يفسده التاريخ، حسب عبارة روسو. لكن هذا الإنسان يبدو لنا نحن غير طبيعي، مناقضا تماما، لم نجربه يوميا في تصرفنا وتصرف غيرنا. من يشرع؟ من يقضي؟ بالتأكيد، ليس الإنسان المستقيم، التقي، الفاضل.à suivre






    رد مع اقتباس