عرض مشاركة واحدة
قديم 2015-01-01, 19:09 رقم المشاركة : 1
محسن الاكرمين
أستـــــاذ(ة) ذهبــــي
 
الصورة الرمزية محسن الاكرمين

 

إحصائية العضو







محسن الاكرمين غير متواجد حالياً


وسام المشارك في المطبخ

وسام المشارك

a8 حكاية الاستاذة والتلميذ بوعزة ....


حكاية الأستاذة والتلميذ بوعزة



رغم التجربة التي راكمتها الأستاذة بتدريسها لجميع المستويات المدرسية ، فقد وقفت عاجزة أمام معالجة التعثرات الدراسية للتلميذ بوعزة . انه التلميذ الآتي إلى المدرسة من حي التهميش والهشاشة والسكن القصديري . ومع مرور الأيام شكلت وضعية بوعزة التعليمة للأستاذة أزمة مهنية وفشلت كل الفشل في بناء تعلماته بكل يسر بموازاة مع أقرانه بالفصل الدراسي . و بعد تجريبها لجميع طرق التربية وعلم النفس الوطنية والدولية والتقليدية منها لإرجاعه إلى صف النجباء أو جره لفئة التعثرات البسيطة ،إلا أن جميع المحاولات اليائسة باءت بالفشل الذريع ، وأصبحت تعيش لحظة إحباط عملي مادامت قد أنزلت سلاحها أمام تعثرات بوعزة المسكين . يوما عن يوم يزداد غيظ الأستاذة تجاه وضعية بوعزة ، وأخيرا قررت استدعاء أمه .
حضرت الأم المسكينة والتي لا تفقه من التعليم إلا اسم المدرسة "الشكويلة " ، والتقت بأستاذة ابنها بوعزة لأول مرة . بعد التحية والتي مارستها الأم وكأنها ستقبل يد الأستاذة احتراما وتقديرا لها ، انطلقت هذه الأخيرة ملقية اللوم على الأم والأسرة والتي لا تتبع دراسة ابنها ولا تهتم بدعم تعلماته منزليا...وغير ما مرة حاولت الأم تبرير وضعية ابنها البكر بوعزة ووضعية الأسرة الاجتماعية ، ولكن الأمر كان يلاقي شدة في الكلام وغلظة سلوكية ونفيا تاما لمبررات الآخر . احمر وجه الأم خجلا وكأن عتاب الأستاذة موجه إليها من حيث "من هذاك لعوييد ،راه من هذيك الشجرة" سكتت الأم وتركت الأستاذة تتمادى في خطابها لعلها تعطف لحالها وحال ابنها ... الى أن وصل الأمر إلى اعتبار موت بوعزة خير من حياته ... هنا سال كأس الصبر وعرفت الأم ان مستقبل ابنها لن يتم خبزه بين يدي تلك الأستاذة القاسية . فأحكمت قبضتها على يد ابنها المسكين ثم غادرت "الشكويلة " وهي في حالة يأس من لفظ المدرسة لبوعزة ومن قساوة النظام التعليمي ...
بعد ترك التلميذ بوعزة الفصل الدراسي ارتاحت الأستاذة من موضع طاولة بوعزة معلنة للجميع بالمدرسة أن سد الإخفاق انقطع عن فصلها الدراسي .
مرت الأيام بتوالي السنين واشتعل رأس الأستاذة شيبا وتجعد وجهها، وتورمت عظام مفاصلها . وفي يوم من الأيام أصيبت بنوبة قلبية ، نقلت إثرها إلى المستشفى ...وفيه لاقت الأستاذة العناية اللائقة وخضعت لعملية جراحية على صمام القلب كللت بالنجاح .
وفي قاعة العناية المركزة استفاقت الأستاذة وقد بدا أمد عمرها يتمدد ، ولأول لمحة رأت شابا وسيما وأنيقا في بذلة (أبقراط) إنه الدكتور الذي أجرى العملية لها . ابتسمت ابتسامة العائدة من كناش شواهد الوفاة ،حين ذاك اقترب الدكتور الجراح منها وألقى عليها التحية ، لكن ملامحها تغيرت وارتبكت في كلامها ،وشدها الاحمرار ...خجل الدكتور الجراح من حالتها واقترب منها بالدنو لسماع صوتها الخافت ...لكنها لم تستطع نطق كلمة واحدة وهي تريد أن تبوح إليه بسر، ولم يفهم من شفتيها غير "بو..." ...فلم يمهلها الموت لحظة واشتعل صفير الآلة معلنة بتوقف قلبها من الخفقان . يا لها من صدفة عجيبة بئيسة ، نجحت العملية وانتهت بالموت المفاجئ .لكن الأمر الغريب الذي لم تستطع الأستاذة البوح به للدكتور هو سر التلميذ بوعزة . كلكم سادتي عرفتم السر الذي قتل الأستاذة رغم نجاح العملية التي أجرتها على القلب ، إنه بوعزة وما أدراك من بوعزة . حتى أنا في كتابتي عرفت أن الدكتور في وسامته ورعايته للأستاذة وتتبع حالتها الصحية هو بوعزة بعد طول سنين الفراق منذ طرده من المدرسة ذليلا . لكني غير ت رأيي بسرعة عندما رأيت عامل النظافة بالمستشفى ينزع موصل الكهرباء عن آلة الإنعاش ويضع شاحن هاتفه النقال . إنه هو ، هو بوعزة عامل النظافة وليس الدكتور ،إنه بوعزة الذي قتل الأستاذة ليشحن هاتفه ... هنا عرفت لما احمر وجه المرأة المسكينة وتقطعت أنفاسها ...هنا نعرف جميعا ماذا كانت تريد أن تفصح به الأستاذة للدكتور... فرحمة عليك أيتها الأستاذة ....رحمة عليك ومغفرة لك حين ألقيت ببوعزة نحو المجهول ، بجهل الذي كبرمعه ...فلو انتبها إلى بوعزة ومن ماثله وعالجناه بصدق المعاملة والدعم والرعاية التربوية لتعلم درس الكهرباء ، ولم يستخف بآلة الإنعاش بحذف موصل الكهرباء إليها وتعويضه بشاحن هاتفه رغم أنه لا يستعمله وليس في حاجة إليه .

ذ محسن الأكرمين (فكرة مقتبسة ) : [email protected]






    رد مع اقتباس