عرض مشاركة واحدة
قديم 2014-11-26, 20:52 رقم المشاركة : 19
خادم المنتدى
مدير التواصــل
 
الصورة الرمزية خادم المنتدى

 

إحصائية العضو








خادم المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي رد: مواضيع تربوية جد مهمة


الطفل المدلَّل


لربما سأل سائل : هل يؤدي اتِّباع طرق تربوية صارمة إلى نتيجة إيجابية ، كترك الطفل يستمر في البكاء ، وعدم هزِّه في المهد ، وعدم إجابته إلى طلباته كل مرة ؟ والجواب عن ذلك هو النفي ، فحتَّى السنة الأولى من العمر يبكي الطفل لأنه يرغب حقا في الحصول على شيء ، ولا يملك القدرة على الشعور بالدلال .
وبعد السنة الأولى يشعر الطفل الذي يجد تلبية دائمة لرغباته في نهاية المطاف بأنه متعلِّق بأمه تعلقاً مفرطاً ، ولا يقبل استجابة سلبية منها ، ويصبح معتمداً عليها ، ولا يقدر أن يكون مستقلاً عنها ، وتتجسَّد هذه العوامل إذا بقي والداه تحت رحمته يحققان كل نزوة من نزواته ، ولا سيَّما عندما يكون هو بكر والديه ، أو إذا جاء هذا الطفل لوالديه بعد طول انتظار .
وطبيعي أنَّ الأبوين يوليان اهتمامهما كله للطفل ، ويحاولان عدم حرمانه من أي شيء حتى يصلا إلى مرحلة فرض وجودهما عليه بصورة مستمرة ، وبعد ذلك عندما يبتعدان عنه ينتابه شعور بالهجر يورثه إحساساً بالقلق وعدم الاطمئنان ، فيميل إذ ذاك إلى المضايقة والتشكي .
والدلال في معظم الأحوال لا يفسد الطفل إذا كان هذا الطفل يتلقَّى في أثناء الحياة اليومية القدر المناسب من الحنان والاهتمام والتعاون ، ولكن بشرط أن يترك وشأنه لفترات معينة من الزمن .
وخلاصة القول : أنَّ الطفل بحاجة إلى الأنس والحنان قبل كل شيء ، ولكن ينبغي أن يتاح له المجال ليكتسب استقلاله الذاتي ، ففي ذلك يتمثل النمو المتوازن الحقيقي له ، وربما كان هذا هو الطريق الوحيد لتوازنه ، ومن دون هذا التوازن تبرز عيوب التربية .
والحق أن هذا القول ينطبق على الأطفال الصغار ، لأن برنامج التربية يختلف باختلاف السن ، فالطفل الحديث الولادة يبكي من الألم ، فتأخذه أمُّه ، وتحضنه بين ذراعيها وتهزه فيهدأ .
وعلى النقيض من ذلك إذا خُدش طفل في الثانية أو الثالثة من العمر نفسه ، أو سقط من مرتفع ، وجب على أمِّه أن تواسيه ، وتعمل كل ما في وسعها لإرضاء شعوره ، وأن تخفِّف في الوقت نفسه من هول الحادث ، وتبعد انتباهه عنه بجعله يفكِّر في أشياء أخرى ، وصرف اهتمامه عن بكائه وألمه إلى حدٍّ كبير .
والحق أنه ينبغي للأمِّ الاهتمام بطفلها في الحالات جميعاً ، وعدم قصر اهتمامها به على بكائه ، أو تعرُّضه لمشكلة معيَّنة ، فذلك يفسد الطفل ويجعله بكاَّء ، فلا بأس في أن تحضن الأم طفلها وترعاه عندما يكون في مزاج سعيد ، حتى لا يشعر بضرورة اللجوء إلى البكاء والغضب عندما يواجه موقفاً غير سار .
فإذا شعر الطفل أو اعتقد أنَّ والديه لا يمنحانه وقتهما إلا عند بكائه وصراخه ، أخذ إذ ذاك بالتمثيل وتجسيد كل ما يتعرَّض له من المواقف التافهة ، لذلك ينبغي الاهتمام بالطفل وإحاطته بالحنان في حالة هدوئه ، فذلك يورثه ثقة في النفس أثناء نموِّه ، ويمنحه مزيداً من السعادة .
وعندما يبلغ الطفل السنتين تبرز مشكلة تربيته من دون تدليله ، ففي السنة الثانية يبدأ الطفل بإطلاق الرفض المتمثل في ( اللاءات ) ، والسنة الثانية هي سنة صعبة ، لأنها سنة تجارب واستقصاء ، وفي السنة الثانية هذه يبدأ الطفل بالمشي والكلام ، ويمثل ذلك ثورة صغيرة في طريقة حياته السابقة التي كانت تتسم بهدوء نسبي حتى هذه المرحلة ، والطفل عند انتهاء سنته الأولى يستطيع إظهار عواطفه من غضب وغيره وحب واستياء عن طريق إشارات مميَّزة واضحة .
أما في السنة الثانية فهو يستطيع السير إلى أماكن لم يكن حَظُّه منها سابقاً سوى أن ينظر إليها بعينيه ، وهذا ما يمنحه ثقة في نفسه ، كما يستطيع الإمساك بالأشياء وامتلاكها ، وأن ينطق بالأسماء ، ولا سيَّما كلمة ( لا ) ، وهذا الاستقلال الحديث للطفل ربما أضفى عليه صفة العدوانية والجرأة ، فأوجد موقفاً مُحرجاً أمام الحنان الذي تمنحه إياه الأم ، ويزداد هذا الموقف إحراجاً مع استقلال الطفل الذاتي .
وفي هذه المرحلة ينبغي للأبوين اتخاذ موقف مختلف إزاء الرفض والنفي لدى طفلهما الذي يرفض ، وعلى سبيل المثال : إرجاع شيء سبق أن أخذه ، أو لا يرغب في الطعام إلا إذا حصل منهما على كل ما يريد ، ومن الطبيعي أن يفضِّل التعامل وإياه بطريقة وسطى ، لا تجعل منه طفلاً مدلَّلا ينال كل ما يرغب فيه ، ولا تكبح كذلك محاولاته الأولى للاستقلال بصورة فظَّة .
وعلى الأم أن تقبل استقلال طفلها الذاتي ، وإنجازاته الأولى ( واللاءات ) التي يقذف بها في وجه كل شخص ، ومن جهة ثانية فإن على الأبوين ألا يقمعا موقف التحدِّي هذا بشدة ، وإن قبلاه من جانب طفلهما ، إذ ليست هذه المرحلة سوى مرحلة عابرة يفترض أن تزول بعد أشهر معدودات .
ومهما يكن من أمر ، فإن تلبية مواقف الرفض من جانب الطفل في أثناء هذه الفترة لا تعني تدليل الطفل ، بل هي في الحقيقة جزء من نموِّه النفسي .
-********************************-






    رد مع اقتباس