عرض مشاركة واحدة
قديم 2014-10-15, 19:40 رقم المشاركة : 25
خادم المنتدى
مدير التواصــل
 
الصورة الرمزية خادم المنتدى

 

إحصائية العضو








خادم المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي فلسفة العالم الإسلامي الفلاسفة وأهم مواضيع كتابتهم


فلسفة العالم الإسلامي
الفلاسفة وأهم مواضيع كتابتهم






الباب الأول
منظر تأريخي

1.1 أسائس الفكر الإسلامي
1.1.1 وقت الخلافات الراشدين محمد نبي الإسلام، قبل وفاته، لم يترك وصية خلافته. وفي مأتمر طارئ تفرق الشيوخ إلى أن عمر قام وقبض على يدي أبي بكر، وتابعه الباقيون. وكان هذا الاختيار تراضياً وقتياً بين الأحزاب المتنافسة، لأن أبي بكر كان كبير السن وكان من المنتظر أنه لن يطول في الخلافة (632-634).
وأول ما فعل أبو بكر هو إبعاث القائد خالد ابن الوليد ضد الأعراب المرتدين ليجبرهم أن يقبلوا سلطانه. وبعد نجاحه في توحيد العرب في أمة واحدة، كانت الحرب ممنوعة بين المسلمين، فإذاً بعث الخليفة الجيش إلى أراضي الشمال. وهي مستنفدة من كفاح ممتد بين الامبراطوريتين الروم والفرس، وهما القوتان العظميتان في ذلك الزمان. و استولوا العرب بالسهولة على أراضي الفرس كلها والروم الشرقية.
وفي خلافة عمر (634-644) استمتعت الأمة المسلمة بفيض الغنيمة والنفل. وكان للجنود العرب الحلم أنهم إذا استشهدوا في المعركة سيحصلوأ على لذات الجنة، وإذا فاتهم الاستشهاد لهم الجزاء اللدني. أما الذين أجّلوا الخروخ للقتال في النداء الأول، بعد رؤية ثروة الراجعين إلى المدينة، لم يلبثوا أن يركضوا إلى العراك. ولكنهم لم يجدوا في فلسطين وسوريا ومصر والعراق والفرس إلا اللقط القليل.
وقد أصبح زمن فيض الغنيمة زمن النقص والفقر للمتأخرين، واتهم الخليفة عثمان (644-656) على هذا. وطلب بعض الجنود المتمردين استقالته عن الخلافة. وبعد رفضه ذلك، طعنوه بالسكين وبايعوا علياً (656-661) مكانه.
أما معاوية، حاكم دمشق ونسيب عثمان، فرفض مبايعة علي، واندلعت حرب أهلي بينه وبين علي. وبعد بعض معارك ومفاوضات غلب معاوية في النهاية وأسّس دولة الأموية التي دامت قرب قرن.
1.1.2 الدولة الأموية ومنذ بزوغ محمد نبي الإسلام شهد العالم العربي تغيراً جذرياً في موقف الناس. فكل المسلمين، حتى معارضو الحكومة، وجدوا أنفسهم لا يقدرون أن يتفكروا أو يعبروا عن أنفسهم إلا بالعبارات القرأنية.[2]
في خلافة أبي بكر بعض المرتدين ادعوا أنهم أنبياء ونشروا آيات الوحي تشابه القرآن. أما في العصر الأموي فكان يلزم على كل معارض أن يبرهن أنه مسلم أحسن من مخاصمه.
وتغير الفكرالعام هذا لم يكن نتيجة التيقن العقلي وتحويل الحياة. فيلزم علينا أن نميز بين التوبة الصحيحة ومجرد الاعتصام بحركة ما. وأغلبية المسلمين الجدد اعتنقوا الإسلام لأنه كان حركة فائزة أطلقها إنسان له الثقة الكاملة في رئاسته ورسالته كخاتم الأنبياء. "كنتم خير أمة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتب لكان خيراً لهم (ق 3:110).
فأصبح غير ممكن الانحياز من الإيديولوجية القرآنية لأنها استقامة الرأي (الأرثودكسية) للمجتمع، والانتسام في المجتمع ضروري لحفظ الحياة. أما فرائض القرآنية فكانت بسيطة التطبيق في حال الإسلام المتطورة في ذلك الوقت، وكانت مركز الاتحاد في مجتمع متغير.
1.1.3 الدولة العباسية (750-) إبان العصرالأموي أُجبرت الأمة المسلمة بضغوط الظروف أن تتبنى عرمة كبيرة من معايير زائدة على القرآن. واشتملت هذه تدريجياً في السنة وأخيراً في الحديث تحت رسم أصحاب النبي وأخيراً عن النبي نفسه. وبسبب تأثير الشافعي (توفي 825) اُعترف الحديث كوحي ثاني بجانب القرآن. وبقول الشافعي، محمد هو خاتم الأنبياء، الإنسان الكامل، مهدي معصوم، المثل الأعلى لجميع الناس. وبرغم أن الحديث لم يكن متلواً مثل القرآن، كل أفعال النبي وكلماته التي يحتوي الأحاديث معناها نوع تمثيلي من الوحي.[3]
والآن نسأل كيف طاقت الحركة الفلسفية أن تزدهر في بيئة يسيطرها الفكر الديني الإسلامي؟
1.2 الحركة الفلسفية في أرض الإسلام
اهتم المسلمون بالفلسفة بسبب امتزاجهم بالمختصين فيها من المسيحيين في مصر وسوريا والعراق. وكان بعض التأثير اليهودي فيما يختص بالقياس في الفقه.
وإن آباء الكنيسة اهتموا بالفلسفة عندما تقابلوا المجتمع اليوناني في اسكندرية، حيث ازدهرت كلية الفلسفة قديمة. واليونان حضنوا المسيحية في القرن الثاني بسبب الاستدعاء إلى المسيح كحكمة الله المتجسدة.
ولكن لأن قليلاً من الأقباط شاركوا في هذه الكلية، وبعد الفتح المسلم النخبة اليونانية غادرت مصر، فأُغلقت الكلية، وحوالي السنة 718 أُسّست من جديد في أنطاكية، وانتقلت بعد ذلك إلى العراق. وكان التعليم في اللغة السريانية، و تُرجمت إلى تلك اللغة، في جنديشابور في العراق، أهم الكتب الفلسفية اليونانية، وأُلفت كتب جديدة كثيرة. وبصفة عامة سيطر على هذه الكتب الفكر البلاطوني الجديد.
وبعد أن فتح العرب هذه الأقاليم المسيحية أغلبهم تجانبوا المدارس والكليات الموجودة هناك، لأنهم استخونوا كل ما ليس بالعربي، يظنون أنه إما ضد الإسلام وإما غير فائد، لأن كل ما يستحق أن يُعلم هو في القرآن. وبرغم هذا الموقف العام بعض المسلمين اهتموا بالفلسفة، بسبب الأغراض التالية:
  1. أحياناً ناقش المسلمون المسيحيين في مسائل الدين ووجدوا أنفسهم في حالة الدفاع عن الحجج الفلسفية لدى المسيحيين. فهؤلاء اعتزموا أن يتعلم الفلسفة ليجيبوا على المسيحيين.
  2. الخلفاء وبعض النخبة اهتموا بالفلسفة لأجل منافعها التطبيقية. فكانت الفلسفة رزمة واحدة تحتوي كل العلوم الإنسانية: علم النجوم، الحسابيات، الطب، الهندسة، الطبيعيات وما بعد الطبيعة.
  3. وكان للخلفاء غرض سياسي لعضدهم للفلاسفة. وهذا لأن الفلاسفة، مع الكتّاب الفرسيين، لم يشاركوا في احتقار العرب لكل ما ليس بالعربي أو بالإسلامي. فارتكز الخلفاء على الفلاسفة لمنع العلماء ضيق الرأي عن الضغوط في شؤون الدولة.
وأسس الخليفة المأمون (813-833) في بغداد بيت الحكمة، جامعة مختصة بترجمة الأعمال الفلسفية إالى العربية و ببحث ابتداعي. وفي هذا المهد اختلط بالحرية بحّاث مسلمون وغير مسلمين، وأصبح العراق المركز العقلي للعالم الإسلامي.
أما بين المترجمين الأكثر الشهرة فكان قستا بن لوقا (توفي حوالي 913) وحنين بن إسحاق (808-873)، وابنه إسحاق بن حنين (توفي 910)، وابن أخيه هبيش، وبشر بن متّى (توفي 940). وكما تدل عليه هذه الأسماء، كان أغلب عمل الترجمة في أيدي المسيحيين. وكان هؤلاء ليسوا بمجرد مترجمين ولكنهم أنفسهم ألفوا كتباً بديعة.
أما فروع العلم الجديدة المستوردة إلى العالم الإسلامي فهي، بحسب الفارابي[4] وابن سينا[5] ، فهي التالية:
  1. المنطق، مع البلاغة والشعر،
  2. الرياضيات، مع تطبيقها في الموسيقة وعلم النجوم،
  3. العلم الطبيعي، مع كل فروعه وخاصة علم النفس والطب،
  4. العلم الأدبي، فيما يمت إلى الأخلاق الشخصية والسياسية،
  5. وأخيراً علم ما بعد الطبيعة أو العلم اللاهوت الفلسفي.
1.3 الخصام بين الفلاسفة والأشاعرة والمعتزلة والحنبليين
إن الخليفة المأمون فضّل المعتزلة الذين دافعوا عن بعض المواقف قد عارضها الحنبليون لأن المعتزلة تجاوزوا تفسير القرآن الحرفي واستعملوا التأويل ليدرّس حرية الإرادة الإنسانية مقابلة القدر الإلهي. وعلموا كذلك التوحيد المطلق بين ذات الله وجميع صفاته، باستثناء كلمته، القرآن، التي زعموأ أنها مخلوقة. وبهذا التعليم عارضوا التعليم المسيحي في كلمة الله (λόγος)، يدمرون كذلك أساس الجبرية الأشعرية.
أما العالم المحدّث أحمد بن حنبل فاضطهده العباسيون لأنه امتنع أن يوافق التعليم المعتزلي أي أن القرآن مخلوق. ولكن الشعب التابع له قاوموا الإجراءات ضده وفي سنة 849 جبروأ الخليفة المتوكل على الله أن يطرد المعتزلة والفلاسفة من قصره. ولكن الفريقان استمرا بحثهم وكتابتهم في خلاف هذا المكان.
وحل محلهم الأشاعرة، تابعو أبي الحسن الأشعري الذي قد انسحب من المعتزلة. وإنهم استمروا في استعمال أساليب المعتزلة ومعقولاتهم، ولكن للدفع عن موافق تقليدية محافظة. وبرغم ذلك إن ابن حنبل والحنبلية قاوموا الأشاعرة، يرفضون كل حديث فلسفي عقلاني ويصرون على الانحصار في القرآن والحديث.
وبرغم أن الفلسفة وعلم الكلام كلتاهما ازدهرا بعد السنة 849، كل واحد منهما ذهبت طريقه بدون تأثير في الأخر حتى زمن الغزالي. والمتكلمون يواصلون في استعمال المقولات الفلسفية المستوردة من الفلسفة قبل 849، والفلاسفة يطورون نظريات تناقض أحياناً العقائد الإسلامية.
وإبان هذه الأزمة في الشرق، كان الأندلس المستقل دائماً عن العباسيين يحافظ الفلاسفة بعض المدة، وخاصة تحت حكم الأمويين. وبانحطاط حكمهم، انفرج الأندلس إلى إمارات صغيرة حتى فتح المرابطين في السنة 1090. والمرابطون حثوا على درس الفقه المالكي ومثل الحنبلة طردوا علم الكلام. ولكنهم سامحوا بالفلسفة، وهذا ربما لأن الفلاسفة كانوا أكثر على الحذر ولم ينشروا كل أفكارهم.
أما الموحدون فقلبوا حكم المرابطين في السنة 1147 وأدخلوا علم الكلام مع كتب الغزالي. وكان الموحدون غير مسامحين، وخاصة في المسيحيين. والأمير أبو يعقوب (1163-1184) اهتم بالفلسفة، ولو لم يجرأ أن يعلن ذلك. وبين أصدقائه كان الفيلسوفان ابن باجة وابن طفيل.
1.4 أهم الفلاسفة
الكندي (حول 800-866) في خلافة المأمون الطقس العقلي والسياسي رخّص بطلوع الفيلسوف الأول من جذر عربي، وهو أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي. فله مكتبة كبيرة واختبر كل العلوم اليونانية التي التقاها. ولكنه بعيد عن الفكر المطلق للفلاسفة المتأخرين، يمسك بالعقائد الإسلامية ويأخذ من الفلسفة الأفلاطونية ما يناسب الإسلام ويرفض ما يناقضه، مثل الفيض الطبيعي عوض الخلق من العدم، والحاجة إلى النبوة وإمكانية المعجزات. وكان للكندي تأثير في المعتزلة أوائل المتكلمين.
وعندنا على الأقل ثلاثة وخمسين من مؤلفات الكندي. وله عبارة جميلة واضحة سهلة القراءة.
الرازي (حول 865-925 أو 932) أبو بكر محمد بن زكريا الرازي عاش في الفطرة الصاعبة بعد الكندي. واستشهر خاصة كطبيب، ولكنه كتب أيضاً في الأخلاق وفي ما بعد الطبيعة. ولديه حلت الفلسفة محل الدين. وافتكر أن الفيلسوف يلزمه أن يجانب السياسة وأن يتمرس بالفكر والبحث العلمي. وسنرى في ما بعد كيف انحاز عن الإسلام في بعض النقاط. ولكن يجب علينا أن نذكر أن المصنعات التي تعبر عن هذه الأفكار قد فُقدت ولا نعرفها إلا بمقتطفات معتقديه.
ابن مسرّة (883-931) ولد محمد بن عبد الله بن مسرّة في قرطبة. واضطر أن يلجأ إلى الجبال بسبب الاضطهاد من الفقهاء المالكيين. وكتاياه الوحيدان الناجحان تتضمنان تفسيرالقرآن بصيغة باطنية جداً.
ألفارابي (875-950) أبو نصر الفارابي، الذي عاش في وسط الأراضي العباسية، كان المأسس الحقيقي لأفلاطونية الجديدة العربية. واعتزم أن كل شيء يفيض عن الله في ترتيب هرمي متسلسل من الأعلى إلى الأسفل. وكانت له نظريات في تنسيق الأرواح السموي والتنسيق الدنيوي تحت إمامة ملك فيلسوف. وفي صياغة زمن الفارابي لعل هذا الملك رمز إمام شيعي.
ومن مؤلفاته تُعرف ثلاث وستين على الأقل، وقد نُشر أغلبها. وبرغم أنه ليس بالعربي، عبارته واضحة بسيطة.
إسحاق بن سليمان الإسرئيلي (حول 855-955) استشهر خاصة بسبب مؤلفاته الطبية. وهو معترَف كأب الأفلاطونية الجديدة اليهودية. ومن مصنفاته المعروفة القليلة، كتاب الحدود والرسوم كان معروفاً في أوروبا في الترجمة اللاتينية Liber de definitionibus
مسكويه (932-1030) أبو علي أحمد بن محمد بن يعقوب مسكويه كان مهماً من سابقي ابن سينا. ولا يُعرف إلا قليل عن حياته، مثل أنه كان في خدمة بني بويه. وكتب خاصة في الأخلاق، ولكن يمس بعض مسائل نظرية مهمة.
ابن سينا 980-1037) ابن سينا، مولود من جذع فرسي أو تركي، كان المثل الأعلى للأفلاطونية الجديدة العربية. فقد درس كل فروع العلم واستشهر خاصة بالطب. وقرأ ما بعد الطبيعة لأرسطو أربعين مرة لا يصل إلى فهمه حتى التقى شرحه للفارابي.[6] ويقول: "فلما بلغت ثماني عشرة سنة من عمري فرغت من هذه العلوم كلها. وكنت إذ ذاك للعلم أحفظ ولكنه اليوم معي أنضج وإلا فالعلم واحد لم يتجدد لي شيء من بعد."[7]
وكان أبوه من الإسماعيلية يدعوه إليها، ولم يقبلها. ولذلك لا نرى في مؤلفاته نظريات حول الهرمية السلطانية الأرضية. واتصل ابن سينا بخدمة بعض الأمراء كطبيبهم، يدرس أو يكتب في الليل، ولما غلبه النوم أو شعر بضعف عدل إلى شرب قدح من الشراب وفي مرضه كان يكثر المجامعة حتى عجزه عن تدبير بدنه أدّى إلى وفائه.
ومن قائمات النسخ المختلفة عدا جورج شحاتة قنواتي لابن سينا عوانين 276،[8] وكثير منها مترادفة أو مشك فيها. وإن يحيى مهدوي خفضها إلى 132.[9] أما فهرس مؤلفات ابن سينا فعمل معقد بسبب عزو بعضها للفارابي وعزو بعض مصنفات طلابه إليه، ولأن بعض أجزاء كتبه قد صدرت تحت عنوان آخر وأحياناً مختلطة بمادة أخرى.
وقد طُبع أكثر من مائة وتسعين من مؤلفات ابن سينا، بعضها مقالات صغيرة، ويجدر بالذكر القنون في الطب الضخم والشفاء، وهذا موسوعة كل فروع الفلسفة. ولكن ابن سينا يعبر عن أفكاره في المسائل المناضلة بأكثر الصراحة في مقالاته الموجهة إلى بعض أصدقائه. وعبارة ابن سينا بسيطة ولكن غير واضحة لأن كثيراً من المضامر لا تدل على اسم سابق واضح، وينلزق من جنس إلى أخر ومن المفرد إلى الجمع أو من شخص إلى أخر وبالعكس. ورغم ذلك الصياغة تدل على المعنى. واتهم ابن سينا مرة أنه ضعيف بالعربية، ولذا درسها وكتب بعض مقالات منعقدة وبعبارة صاعبة.
وكان لابن سينا بعض المعارضة في حياته، يشتكها في الرسالة في انتفاء عما نسب إليه و في الرسالة إلى علاء الدولة بن كاكويه، حيث يشكو أن مولاه قد اهتمل به.
ابن جوبير (Ibn-Gabirol حول 1021-1058) الفيلسوب اليهودي الأندلسي أبو أيوب سليمان بن يحيى بن جبير معروف خاصة لكتابه مبدأ الحياة، الذي نجح في ترجمة عبرية ولاتينية. وفيه يطور نظريات اللأفلاطونية الجديدة، إلا أنه لا يتعدي العقائد اليهودية.
الغزالي، المتكلم المعارض للفلسفة (1058-1111) أبو حامد الغزالي كان المعارض الرئيسي للفلاسفة. وفي عمر شبابه انضم إلى التصوف واختبر علم الكلام والفقه. وفي سنة 1091 رُتب أستاذاً في الكلية النظامية في بغداد، واتسعت شهرته من هنالك. وإبان ذلك قرأ أعمال الفارابي وابن سينا وكتب نتيجة ذلك مقاصد الفلاسفة، يسرد فيها أهم تعاليم هذين الفيلسوفين، و تهافت الفلاسفة، ينقد تعاليمهم ويرفضها. وإنما الكتاب ألأول كان معروفاً في أروبا في ذلك الوقت تحت عنوان ما بعد الطبيعة، وكان الأربيون يظنون خطأً أن الغزالي فيلسوف وأن هذه ابتكاراته.
ثم من التوتر النفسي وخوف جهنم قاسى انهار انهاراً عصبياً ولم يطق الكلام. لذلك اضطر أن يترك التعليم، وانسحب إلى عيشة الصوفي. وبهذا استرجع صحته ولم يلبث أن يجذب جماعة أصدقاء حوله. وفي السنة 1106، المساوية بداية القرن السادس الهجري، صرح هؤلاء الأصدقاء بأنه المجدد المتنظر بحسب بعض الحديث في بداية كل قرن. ومقنعاَ بخطابتهم رجع إلى تعليمه وألف كتابه الأكبر، إحياء علوم الدين.
درس الغزالي للفلسفة السابق أنجز امتصاص مقولات جديدة كثيرة في علم الكلام، وخاصة جزءاً كافياً من منطق القياس الأرسطوطي. وهذا أغنى علم الكلام، ولكن نضاله ضد الفلسفة أنجز انهيار الفلسفة شبه كامل كدرس مستقل، على الأقل في الشرق الإسلامي.
ابن باجة (؟ - 1138) ولد أبو بكر بن يحيى بن الصائغ، المعروف بابن باجة، نحو نهاية القرن الحادي عاشر. وكتب بعض شروح أرسطو الممتازة، ولكن مؤلفاته المشهورة هي في الأخلاق، حيث يناقش أيضاً مسألة النفس الإنساني والعقل. وبعدما كان ابن طفيل يشكو حالة الفلسفة الراديئة قبل دخول المنطق، يقول عن ابن باجة:
ولم يكن فيهم أثقب ذهناَ ولا أصح نظراً ولا أصدق رؤية من أبي بكر ابن الصائغ، غير أنه شغلته الدنيا حتى اخترمته المنية قبل ظهور حزائن علمه وبث خفايا حكمته. وأكثر ما يوجد له من التآليف فإنما هي غير كاملة ومجزومة من أواخرها.[10]
ابن طفيل (1105؟ - 1186) أورث لنا أبو بكر محمد بن عبد الملك بن محمد بن محمد بن طفيل كتاباً واحداً، وهو حي بن يقظان، رواية في طفل مفقود في جزيرة رببته ظبية. ويظهر كيف حي تعلم كل العلوم وحده ووصل إلى معرفة الله وخبرته المباشرة. وهذا الكتاب، مع اتجاهه الباطني والصوفي، يناقش أيضاً مسائل أخرى مهمة.
ابن رشد (1126-1198) أبو الوليد محمد بن رشد قد اشتهر كطبيب عندما قدمه ابن طفيل للأمير الموحد أبي يعقوب. ولما سأله الخليفة ما رأي الفلاسفة في السماء، أقديمة أم حادثة، أدركه الحياء والخوف، حتى إذا كان الخليفة يتكلم على المسألة مع ابن طفيل، فاطمأن فيلسوفنا وتكلم. فعرّف ما عنده من ذلك، فلما انصرف أمر له بمال وخلعة سنية ومركب، يُقبله على تفسير آثار أرسطو.
وشرع ابن رشد في هذا المشروع الضخم وألف تفاسير كتب أرسطو مختلفة الأنواع. فابتدأ بمختصرات توجز شروح الفارابي. ثم التفت إلى تخاليص كتب أرسطو، يسرد أهم نقطها.[11] ونحو السنة 1178، لأنه كان مقلقاً من تأثير الغزالي النامي في الأندلس ضد الفلسفة، كتب ابن رشد الضميمة وفصل المقال في العلاقة بين الفلسفة وبين الوحي. ثم كتب الكشف عن مناهج الأدلة، و تهافت التهافت رداً لتهافت الفلاسفة للغزالي.
بعد هذه المؤلفات النضالية، ابتدأ ابن رشد شروحه الكبرى على أرسطو ومراجعات مختصراته وتخاليصه، وكثيراً ما يصلحها في مقالات مستقلة. ثم التفت إلى الطب وألف شروح كتب جالينوس يصلحها بضوء نظرياته الخاصة الأرسطوطية.
أما أبو يعقوب فلم يطق أن يقمع معارضة الفقهاء المالكيين للفلسفة، وبعد وفاءه أبو يوسف يعقوب المنصور، من 1195، اضطهد الفلاسفة وأمر أن تُحرق كتب ابن رشد وغيره من الفلاسفة. وبعد نفيه عن قرطبة، كتب مقالة على المقالة السابعة والثامنة من السماع الطبيعي لأرسطو. وفي السنة 1198 توفي في المغرب.
ولابن رشد مؤلفات حوالى مائة وأربعة معروفة. وأغلب شروحه على كتب أرسطو مفقودة في العربية، إلا ما بعد الطبيعة، ولكنها نجحت في ترجمتها اللاتينية أو العبرية، وهذا من فضل غاية حب اليهود والمسيحيين لفكره في بداية القرن الثالث عشر.
موشي بن ميمون[12] ولد أبو عمران موشي بن ميمون في قرطبة في السنة 1138. وبسبب الفتح الموحد في الأندلس اضطر أن يفر إلى فاس في 1160. وكتب هناك رسالة في الاضطهاد لليهود المجبورين أن يُسلِموا، يظهر كيف يمكنهم أن يصلون ويحسنون،يبقون يهوديين سراً. وفي 1165 لجأ إلى عكا في الشام، وبعد خمس أشهر إلى القاهرة. وفي السنة 1171 أصبح إمام اليهود في مصر، يحمل هذا المنصب خمسة سنوات. وبعد عشرين عاماً رجع إلى هذا المنصب وبقي فيه حتى مماته في 1204. وقد خدم كطبيب للفضل، وزير صلاح الدين، ولكن استشهر خاصة كفقيه التوراة. وكتب مشنه توره في 1180 والكتاب المشهور دلالة الحائرين في 1190.
وكتب كل مصنفاته بالعربية وهي في ما بعد تٌرجمت إلى العبرية ولغات أخرى. ولأن الفارابي وابن باجة كانا يعجبه، تبعهما في كتم أفكاره لأسباب سياسية ولكي لا يزعج إيمان العامة.
وإن تعليمه الفلسفي تهمنا خاصة في مسألة برهان الخلق من الأزل أم لا، وفي مسألة طبيعة النفس الإنسانية ومصيرها.
1.5تأثير هؤلاء المفكرين في أوروبا[13]
كان لابن رشد، مثل لابن سينا، بسبب مترجمين أندلسيين، تأثير هائل في الفكر الأوروبي. وفي أوائل القرن الثالث عشر تُرجمت أهم أعمال أرسطو العلمية إلى اللاتينية: الأخلاق النيكوماكية، السماع الطبيعي، ما بعد الطبيعة، النفس، السماء والعالم إلى آخرها. أما مراقبي الكنيسة فأدركوا أن فيها ما يعارض عقائد الدين، فمنعوا تعليم السماع الطبيعي لأرسطو في كلية الآداب في باريس في 1210. وكرّرت هذا المنع قوانين الجامعة في 1213، 1231و 1245 و1263.
ولكن أساتذة كلية اللاهوت استمروا في درس أرسطو وباستعمال فلسفته في اللاهوت وهكذا أنجزوا علم اللاهوت المنسق المقابل علم الكلام الإسلامي، وأصبح فرع الدرس هذا مهماً بجانب تفسير الكتاب المقدس الذي كان ميدان اللاهوت الرئيسي منذ زمن طويل.
وإبان هذا تُرجم تفاسير أرسطو العربية، وخاصة مؤلفات ابن رشد، يفعل ذلك ميكائيل سكوت في صقلية من 1228 إلى 1235، ولكن كان الوقت يمر قبل أن تُفهم هذه الأعمال. ولم يلاحظ خطر "المفسر" لعقائد الدين إلا في وسط القرن الثالث عشر. وقبل ذلك قد اقتبس منه فيليبوس الشاسلير وغيليوم الأوبرني وألبرت الكبير، لا يصادفون أي مشكلة. أما بونابنتورا فكان أول من انتقد ابن رشد، ثم ألبرت الكبير في كتابه في وحدة العقل.
ومن ثم البابا أنشأ لجنة لتميز ما هو مفيد في أرسطو ومفسراته ولتزيل الأخطاء، ولكن اللجنة لم تنجز شيئاً. من ثم اتخذ العمل ألبرت الكبير وتوما الأكويني. وتوما الأكويني، في خلاصته ضد الأمم، كتب النقد الأول الراسخ المنسق لابن رشد. ثم في شروحه في كتب أرسطو استوعب كل ما هو صحيح في أرسطو وأسس مبادئ دائمة للتسوية بين الفلسفة واللاهوت، أو بكلمات أخرى بين العقل والوحي.
وإبان هذا صعدت حركة رشدية في أوروبا تحت قيادة سيجير دي برابانت. فدرس في كلية الآداب في باريس من 1260 إلى 1277، ولم يُلاحظ تعليمه البدعي في العقل الإنساني إلا في 1266. ونقده بونابانتورا في 1268، وبعد ذلك ألبرت اكبير في المشاكل الخمس عشرة، وتوما الأكويني في وحدة العقل، كليهما في 1270. وفي 10 ديسمبر 1270 استبانوس تامبيي، الأسقف الكبير لباريس، أدان بعض نظريات رشدية، وفي 18 فبراير 1277 أوسع إدانته وطرد الرشديين من باريس. وسيجير دي برابانت لجأ إلى بلاط البابا في أوربييتو، حيث اغتاله كاتب مجنون.
1.6 التطورات الأخيرة
والعالم الإسلامي في القرون الوسطى لم ينجح في دمج الفلسفة في حضارته. وفنيت الفلسفة والبحث العلمي، بينما علم الكلام لقط بعض حطامه، وخاصة المنطق. وفيما بعد انبعث في الشرق الإسلامي نوع من الفلسفة الباطنية ملهمة عن ابن سينا، ترتكز في الإشراق، وزعيمها السهروردي (توفي 1191).[14] وهنالك أيضاً المدرسة الوجودية لصدر الدين الشيرازي (1571-1640) التي أكدت الحكمة.[15] وهذه الحركات كانت استمرار البلاطونية الجديدة لابن سينا مع اختلاط الثيوبوسية الزرادشتية، ودراسة الدلالات السحرية للأعداد الفيثاغورية، والتصوف وبعض معقولات علم ما بعد الطبيعة. وإنها شواش غريب، مختلف عن العرف العلمي القديم والمعاصر.[16]
وهكذا بقي وضع العالم الإسلامي حتى اتصاله بأوروبا في القرن التاسع عشر أثر في نهضته.





    رد مع اقتباس