عرض مشاركة واحدة
قديم 2014-10-15, 19:28 رقم المشاركة : 22
خادم المنتدى
مدير التواصــل
 
الصورة الرمزية خادم المنتدى

 

إحصائية العضو








خادم المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي رد: دراسات في تاريخ الفلسفة الإسلامية


وقد عرض الأستاذ الميلاد لاتجاهات النقد التي وقف عليها تجاه رؤية ومنهج الدكتور مدكور، وقد تحددت عنده في ثلاثة مواقف تنتمي إلى ثلاث بيئات عربية هي: لبنان ومصر والمغرب، وقد جاءت هذه المواقف -بحسب رأي الميلاد- متغايرة من حيث المنطلق والباعث، وهكذا من حيث المحتوى والمضمون النقدي. وهذه المواقف بحسب ترتيبها الزمني هي: نقد ماجد فخري، نقد علي سامي النشار، نقد محمد عابد الجابري. وقد عقب الميلاد على انتقادات كل واحد من الباحثين المذكورين، رادًّا كثيراً منها.(ص: 123-128).

واحتفظ الميلاد بحقه في النقد من خلال تسجيله لبعض الملاحظات حول كتاب: «في الفلسفة الإسلامية.. منهج وتطبيقه»، والتي جاءت إحداها متعلقة بالشكل العام للكتاب، الذي كان الجزء الأول منه -في نظر الميلاد- كافياً في تحقيق الغرض من جهة بلورة وتحديد المنهج، أما الجزء الثاني فهو أشبه ما يكون بحاشية على الجزء الأول. وهو ما يؤكده بحسب الميلاد اهتمام الباحثين بالجزء الأول من الكتاب، الذي كان الأكثر عناية واهتماماً بخلاف الجزء الثاني الذي لم يحظ بدرجة كافية من الاهتمام. (ص: 129). وجاءت أخرى كاشفة لتقليل مدكور من مكانة كل من: الكندي وابن رشد، في تاريخ الفلسفة الإسلامية، وذلك بخلاف الصورة اللامعة التي ظهرا عليها في كتابات عربية أخرى. (ص: 133).

هذه بعض من ملاحظات نقدية ختم بها الأستاذ الميلاد الفصل الثالث من كتابه. لينتقل إلى الفصل الرابع الذي خصصه لمؤلف (بكسر اللام)، قدّم إضافات مهمة لاكتشاف المنهج الفلسفي عند المسلمين من خلال كتابه: «نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام». الكتاب الذي نال عليه جائزة الدولة التشجيعية بمصر سنة 1962م.

(4)

علي سامي النشار.. ومنهج دراسة تاريخ الفلسفة الإسلامية

الدكتور علي سامي النشار، من أساتذة الفلسفة الإسلامية المعروفين في المجال الأكاديمي العربي، عمل في العديد من الجامعات العربية واستفادت من خبرته المعرفية والأكاديمية. أصدر الدكتور علي سامي النشار الكثير من المؤلفات والتحقيقات، ولعل أشهرها كتاب: «نشأة التفكير الفلسفي في الإسلام».

ويتكون الكتاب من ثلاثة أجزاء، الجزء الأول خصصه المؤلف للحديث عن رؤيته العامة للفلسفة الإسلامية، وتاريخ نشأة هذه الفلسفة بالعودة إلى مذاهب الفقهاء، ومذاهب المتكلمين المسلمين، وخصص الجزء الثاني للحديث عن تاريخ مذاهب المسلمين الشيعة، والجزء الثالث خصصه للحديث عن مذاهب الزهد والتصوف في الإسلام خلال القرنين الأول والثاني الهجريين.

وفي نظر الدكتور النشار أن تاريخ الفلسفة الإسلامية لن يستقر استقراره الكامل حتى يُنشر الدفين من المخطوطات العربية..، مع تأكيده أن البحث في نشأة الفلسفة الإسلامية لم يُهتم به بعدُ، ولا بد من سنوات أخرى تبرز فيها وثائق لا زالت مطمورة، وتتضح فيها حقائق بقيت مغمورة تُبيِّن أصالة هذه الفلسفة وقوتها الدافقة، وتكشف عن تكامل نسقها.(ص: 141).

وقد تنبَّه أستاذنا الميلاد إلى ملاحظة قلَّما تم الالتفات إليها من لدن الباحثين المهتمين بمجال الدراسات الفلسفية، وهي أن الدكتور سامي النشار، يقدم نفسه بوصفه صاحب مدرسة مستقلة في الفلسفة الإسلامية، مغايرة ومختلفة عن مدرستين فلسفيتين ظهرتا في مصر، أشار إليهما النشار وتحدث عنهما، وكان على تواصل واحتكاك بهما، يتفق معهما في جوانب ويختلف معهما في جوانب أخرى. (ص: 143).

وهذه المدارس هي: أولاً مدرسة الشيخ مصطفى عبد الرازق، وثانياً مدرسة الدكتور محمود قاسم، ومما يلفت الانتباه التحول في موقف النشار من أستاذه مصطفى عبد الرازق، الذي بدا بصفته تلميذاً وفيًّا ومخلصاً لأستاذه الشيخ عبد الرازق، في كتاب: «مناهج البحث عند مفكري الإسلام». أما في كتابه «نشأة التفكير الفلسفي في الإسلامي» فقد ظهر النشار بصفته صاحب مدرسة تختلف مع مدرسة أستاذه عبد الرازق، وتحول التلميذ المخلص إلى ناقد لأستاذه ومدرسته الفلسفية.

وقد تعقّب الميلاد تفسيرين لهذا التحول في موقف النشار، الأول: إيجابي، أشار إليه أحد تلامذة النشار، وهو الدكتور عبده الراجحي، والثاني سلبي وهو للدكتور محمد عابد الجابري. وبعد نظره في التفسيرين يقول الميلاد: إنهما يظهر عليهما التحيّز من جهتين مختلفتين، فالتفسير الأول ظهر عليه التحيّز من جهة علاقة التلميذ بأستاذه، والتفسير الثاني ظهر عليه التحيّز من جهة الموقف الأيديولوجي. (ص: 150-151).

وعلى أساس هذا التمايز والاختلاف مع مدرسة عبد الرازق أعلن النشار عن مدرسته، وعن حقيقتها. لتضاف إلى المدرستين السالفتي الذكر. وهي المدارس الثلاث ومناهجها في دراسة تاريخ الفلسفة الإسلامية، التي تحدث عنها النشار، ولفت الانتباه إليها. (ص: 152).

وفي إبرازه لهذا التمايز بين النشار ومدرسة مصطفى عبد الرازق، أشار الدكتور الميلاد إلى مفهوم الأصالة عند النشار، المفهوم الذي كان له دور أساسي في تشكيل طبيعة رؤية الدكتور النشار لمفهوم الفلسفة الإسلامية وتاريخها. يقول الميلاد: ولا يمكن لهذه الرؤية وتحليلها وتكوين المعرفة بها، بعيداً عن هذا المفهوم الذي تمسك به النشار بشدة واضحة، وبطريقة جعلته يفارق الآخرين، الذين يقولون أيضاً بأصالة الفلسفة الإسلامية ويدافعون عنها، وكانوا السابقين لهذا المنحى، كالشيخ مصطفى عبد الرازق ومن ينتمون إلى مدرسته الفلسفية، والدكتور إبراهيم مدكور وآخرين.

وهذا يعني –في نظر الميلاد- أن مفهوم الأصالة بقدر ما مثَّل عنصر اشتراك بين النشار وأولئك الآخرين، بقدر ما مثل أيضاً عنصر افتراق مع هؤلاء الذين اختلف معهم في طريقة النظر لهذا المفهوم وسعته ومرونته.

وعنصر الافتراق، تحدّد في الموقف من فلاسفة المسلمين، الذين لا يمثلون في نظر النشار مكوناً أصيلاً في الفلسفة الإسلامية، ويرفض رفضاً قاطعاً تصنيف هؤلاء على الفلسفة الإسلامية، والانتساب إلى أصالتها وإبداعها.

والمقصود بهؤلاء الفلاسفة كل من الكندي والفارابي وابن باجة وابن سينا وابن طفيل وابن رشد، الذين يعتبرهم النشار متفلسفة وليسوا فلاسفة، ويصفهم بمقلدة اليونان.(ص: 154). وفي هذا النطاق، انتقد النشار كلًّا من مصطفى عبد الرازق وإبراهيم مدكور، لكونهما اعتبرا هؤلاء يمثلون الفلسفة الإسلامية في أصالتها وإبداعها. (ص: 155).

وما يريد النشار أن ينتصر له وينتهي إليه في موقفه، من أصالة الفلسفة الإسلامية وإبداعها، قد قرره الميلاد في أربعة نقاط، لعل من أبرزها تلك التي أشار إليها النشار نفسه، ومفادها أنه ينبغي التفريق دائماً بين إسلاميين يحملون أسماء إسلامية وقد قبلوا التراث اليوناني في كلياته، وحاولوا التوفيق بينه وبين الإسلام، وبين مسلمين صدروا في فلسفتهم عن القرآن والسنة، وعبَّروا تعبيرا داخليًّا عن المجتمع الإسلامي الذي عاشوا فيه، وتمثلوه أو تمثلهم، لم يبدع الأولون شيئاً، كانوا شرّاحاً للفكر اليوناني، أشبه ما يكونوا بالشراح الإسكندريين المتأخرين. أما الآخرون فكانوا فلاسفة الإسلام على الحقيقة، والمعبرين عن بنياته الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية. (ص: 158).

كما يرى النشار أن الفلسفة الإسلامية هي فلسفة كاملة في تعبيرها عن الإسلام الحقيقي، وأهلها مسلمون روحاً وجسداً، والإبداع الفلسفي في الإسلام إنما ظهر عند المعتزلة وأعقبهم الأشاعرة والشيعة، وهنا تكمن فلسفة الإسلام الحقيقية. (ص: 158).

وبهذا الفكرة الخاطئة التي كانت تقرر عدم أصالة الفكر الفلسفي في الإسلام قد انتهت في نظر النشار، شأنها في ذلك شأن أختها التي كانت تقصر الفلسفة الإسلامية في نطاق الفلسفة المشائية، والتي انتهت بدورها. (ص: 159).

وتركز أطروحة النشار في دراسة الفلسفة الإسلامية -بحسب الميلاد- على إقامة التعارض والتعارض الشديد ما بين هذه الفلسفة والفلسفة اليونانية، وهي القضية التي أثارت حفيظته، وشغلت ذهنه، وتوقف عندها كثيراً، وبذل جهداً في نقدها، وفي إثبات هذا التعارض والبرهنة عليه بكل ما لدية من خبرة ومعرفة. (ص: 160).

وعن عوامل نشأة الفلسفة الإسلامية، يغلب الدكتور النشار العوامل الخارجية على العوامل الداخلية في نشأة الفلسفة الإسلامية، ويرى أن العوامل الخارجية –والتي أجملها في العامل اليهودي والعامل المسيحي، وعامل الفلسفة اليونانية، وعامل المذاهب الغنوصية الشرقية- كانت من أهم العوامل التي أثارت في المسلمين روح التفلسف الحقيقي. يقول الميلاد: وهو لا يزعم -حسب قوله- أن الفرد المسلم كان خلواً من نزوة التفلسف، وإنما لاعتقاده أن الإسلام أراد من الفرد المسلم أن ينأى عن البحث في الميتافيزيقا، ليجعل منه إنساناً عمليًّا يُنتج ويبدع في نطاق العمل فقط. (ص: 163).

وكغيره من المؤلفات السابقة لم يسلم كتاب «نشأة التفكير الفلسفي في الإسلام» من ملاحظات نقدية للأستاذ الميلاد، لعل من أشدها نقداً تلك التي استهل بها الأستاذ الميلاد ملاحظاته، ومفادها أن في محاولة النشار الاستقلال بمدرسته، عن أستاذه الشيخ مصطفى عبد الرازق، مثّلت موقفاً متراجعاً عن رؤية عبد الرازق، بمعنى أن رؤية عبد الرازق كانت أكثر تقدّماً ونضجاً وانفتاحاً واعتدالاً من رؤية النشار، الذي كان مسكوناً بهاجس الأصالة، الهاجس الذي أضفى نوعاً من التشدّد على رؤية النشار. (ص: 169).

والثانية تلك المتعلقة بموقف النشار من الكندي والفارابي وابن سينا وابن باجة وابن طفيل وابن رشد، وهو الموقف الذي اتسم -في نظر الميلاد- بالقسوة الشديدة التي أفقدته التوازن والاعتدال، ومن ثم رفضه وعدم قبوله. (ص: 169).

باقي الملاحظات النقدية جاءت مرتبطة بالتحيّز الملحوظ للغزالي على حساب ابن رشد، وكذا تحيّزه للمدرسة الأشعرية، على بقية المذاهب الأخرى...

(5)

هنري كوربان.. ومنهج دراسة الفلسفة الإسلامية

لم يأتِ إدراج الأستاذ الميلاد لكتاب هنري كوربان «تاريخ الفلسفة الإسلامية»، ضمن لائحة الكتب المهتمة بتاريخ الفلسفة الإسلامية اعتباطاً، وإنما فرضته أهمية الكتاب وقيمته العلمية، ذلك أنه عند البحث في الكتابات الحديثة التي تناولت تاريخ الفلسفة الإسلامية، لا يمكن تجاهل المفكر الفرنسي هنري كوربان (1903 - 1978م)، الذي صنّف كتاباً مهمًّا في هذا المجال، حمل عنوان: «تاريخ الفلسفة الإسلامية»، صدر باللغة الفرنسية سنة 1964م، وترجم إلى اللغة العربية وصدر في بيروت سنة 1968م، وقد قام بهذه الترجمة، نصير مروة بالاشتراك مع حسن القبيسي، وراجعها وقدم لها السيد موسى الصدر.

ويعد هنري كوربان أحد الباحثين الغربيين البارزين في مجال تاريخ الفلسفة الإسلامية، وأحد المتخصصين بحقل الفلسفة الإشراقية وبالإسلاميات الإيرانية، مع عنايته الفائقة بشيخ الإشراق شهاب الدين يحيى السهروردي. (ص: 181).

ولقد شرح الأستاذ الميلاد أسباب هذه العناية بالسهروردي، ومحطات تجربة كوربان الفكرية والفلسفية. وهي التجربة التي مرّت بثلاث محطات كانت جميعها خارج موطنه فرنسا بدءاً بألمانيا ومروراً بتركيا وصولاً إلى إيران. وهي محطات كشفت عن التجربة الفكرية والفلسفية لكوربان، وكيف أنها مثّلت أحد جسور التواصل بين ثقافة الغرب وثقافة الشرق. (ص: 184).

وقد أجمع العديد من المهتمين بتاريخ الفلسفة الإسلامية، على أهمية كتاب كوربان: «تاريخ الفلسفة الإسلامية»، يؤكد ذلك الدكتور بيار لوري، أستاذ كرسي التصوف الإسلامي في معهد الدراسات العليا بجامعة السوربون، واعتبره السيد موسى الصدر فاتحاً أمام الفكر الغربي باباً واسعاً وجديداً للثقافة الشرقية، وكشف له كنوزاً غنية بالإنتاج الديني والفلسفي والتصوف الأصيل، أما القارئ العربي فسوف يجد في ترجمة هذا السفر الجليل، حسب وصفه، متعة فكرية، واعتزازاً بما أنتجته بلاده، وبما أنتجه الشرق كله، وندماً بجهله أو تجاهله لتراثه الثقافي والحضاري العظيم. (ص: 185).

وقد تساءل الأستاذ الميلاد: هل كوربان مستشرق أم فيلسوف؟، وهو سؤال طرحه الذين تعرّفوا إلى كوربان وصاحبوه من الفرنسيين والعرب والإيرانيين، والذين اقتربوا من تجربته الفكرية وتابعوا أعماله ومؤلفاته. وقد أجمعوا أن كوربان من حيث المنهج هو فيلسوف أكثر منه مستشرقاً. بيد أن الأستاذ الميلاد يرى أنه من الصعب سلب صفة الاستشراق عن كوربان، وإخراجه من هذه الصفة، لكن يضعه في مرتبة مختلفة بين طبقات المستشرقين. (ص: 190).

يزعم كوربان أن ليس له سلف في هذا الطريق، شأنه في ذلك شأن المستشرق الهولندي دي بور في كتابه السابق الذكر، ولقد سلّم الأستاذ محمد عابد الجابري للثاني بصحة قوله، وأنكر ذلك على الأول. وقد أورد الأستاذ الميلاد براهين كوربان للتدليل على صحة ادعائه. (ص: 192).

ويشير الميلاد إلى أن كوربان قد حاول في كتابه، تحديد منابع التأمل الفلسفي في الإسلام من داخل المجال الإسلامي نفسه لا من خارجه، وذلك تقديراً منه واعترافاً بأن في الإسلام منابع للتأمل الفلسفي، تولدت منها ونشأت وتطورت فلسفة إسلامية، ظلت متميزة ومستقلة عن الفلسفات الأخرى، التي ظهرت وعرفت في العصور القديمة والوسيطة والحديثة. وهو ما يرفضه المستشرقون، ولا يرغبون في الاعتراف به. (ص: 197).

ومن المقولات التي حاول كوربان ردها –بحسب الميلاد- القول بأن الفلسفة توقّفت مع ابن رشد، وأن أبا حامد الغزالي قد أطاح بالفلسفة في العالم الإسلامي، وهي المقولة التي ظلّت سائدة ومتداولة في أوساط المستشرقين الأوروبيين، وعن طريقهم شاعت عند العرب والمسلمين في العصر الحديث. وقد دخل كوربان في محاججة ونَقَضَها وبيَّن تهافتها، وأكد أنه لا يتبع المستشرقين، ولا يسير على نهجهم.

ويشير الميلاد إلى أنه وعلى الرغم من أهمية هذه المحاججة فإن كوربان لم يخصص لها فصلاً أو باباً مستقلاً، ولا فقرةً في كتابه، وإنما أشار إليها وظلّ يكررها، ويبدو أن هذه المحاججة فتحت أمام كوربان أفقاً جديداً في دراسة الفلسفة الإسلامية وتاريخها، الأفق الذي مضى فيه كوربان إلى نهايته، وانتهى به المطاف إلى وضع مخطط جديد في دراسة الفلسفة الإسلامية، جاء مختلفاً ومغايراً للآخرين، وللمستشرقين بصورة خاصة. (ص: 200).

ويؤكد الميلاد أن كوربان حاول لفت الانتباه إلى العامل الشيعي في دراسة تاريخ الفلسفة الإسلامية، وأنه بذل جهداً في الكشف عنه، وإثباته والبرهنة عليه، بيد أن الميلاد لم يقتنع بالكيفية التي تناول بها كوربان هذه المسألة، إذ لم يخصص لها فصلاً أو باباً مستقلاً، وإنما جاء حديثه عنها متفرّقاً ومتناثراً بين ثنايا كتابه. (ص: 203).

وفي تعقبه لاتجاهات النقد حول الكتاب وقف الميلاد على ثلاث اتجاهات في نقد كتاب كوربان، وهي اتجاهات تنتمي إلى ثلاث بيئات اجتماعية، وثلاثة فضاءات فكرية، وجاءت متنوعة ومختلفة من حيث البواعث والمنطلقات والمقاصد، وهذه الاتجاهات هي: نقد الفرنسيين، ونقد السيد موسى الصدر، ونقد الدكتور محمد عابد الجابري.(ص: 205-215).

ويبدو أن كتاب: «تاريخ الفلسفة الإسلامية»، للمستشرق الفرنسي هنري كوربان، لم يحظَ بإعجاب أستاذنا الميلاد، وهو ما يُعبِّر عنه قول الميلاد: بخلاف الانطباع الذي أشار إليه السيد موسى الصدر، فإني لم أجد في كتاب كوربان، تلك المتعة الفكرية، ولم أجد فيه كذلك ذلك الاعتزاز بما أنتجه الشرق، ولم أجد فيه ندماً لجهلنا أو تجاهلنا لتراثنا الثقافي والحضاري العظيم.

وبخلاف الانطباع الذي أشار إليه الدكتور غلام رضا أعواني، وكان مسروراً به، فإني لم أكن مسروراً بذلك المجهود الذي بذله كوربان في تقديم الفلسفة الإسلامية، وتعريف حكماء الغرب عليها، وتعريفهم بنهضة التشيع التي لم يهتموا به كما يجب. وبخلاف الانطباع الذي أشار إليه الدكتور حبيب فياض، وكان مطمئناً إليه، فإني لم أجد في كوربان ما قال عنه. (ص: 216).

وعن سبب عدم اقتناع الميلاد بكتاب كوربان، يقول: والذي وجدته من خلال كتابه «تاريخ الفلسفة الإسلامية»، أن كوربان قرأ الإسلام بما تهوى نفسه، وجلب معه مؤثرات خارجية فاعلة في بيئته الثقافية الغربية، ولم أجد في نتاجه ملهماً عقائديًّا للمسلمين، ولا أنه يضع الباحث المسلم أمام منظومة دينية أعيد تشكيلها على أسس فلسفية محكمة، وما وجدته عكس ذلك تماماً كما تجلَّى عندي من خلال كتابه «تاريخ الفلسفة الإسلامية». (ص: 216).

يضيف الميلاد مؤكداً رفضه للانطباعات الإيجابية عن الكتاب: كيف نقول مثل هذه الانطباعات، وكان هَمُّ كوربان في كتابه أن يظهر علاقة الإسلام بالغنوصية تارة، وعلاقة التشيع بالهرمسية تارة أخرى، وعلاقة التشيع بالتصوف، وتارة علاقة التشيع بالباطنية، وكتابه في روحه وأطروحته وبنيته قائم على هذا المنحى، وداعٍ إليه، ومُعرِّف به، ومدافع عنه ومنتقد لمعارضيه، وهذا ما كان يهواه لنفسه فعلاً، وما هو بحاجة إليه في بيئته ومجتمعه. (ص: 217).

(6)

ماجد فخري.. ومنهج دراسة تاريخ الفلسفة الإسلامية

كان كتاب «تاريخ الفلسفة الإسلامية»، للدكتور ماجد فخري، آخر فصول كتاب الأستاذ الميلاد «دراسات في تاريخ الفلسفة الإسلامية»، والكتاب أصدره الدكتور فخري، باللغة الإنجليزية سنة 1970م، بعنوان: «تاريخ الفلسفة الإسلامية.. منذ القرن الثامن إلى يومنا هذا»، طبعته جامعة كولومبيا بنيويورك، وصدرت طبعته العربية في بيروت سنة 1974م. قام بترجمتها كمال اليازجي.

والدكتور ماجد فخري أستاذ جامعي معروف في الوسط الأكاديمي، وباحث متخصص في حقل الدراسات الفلسفية، صدرت له الكثير من المؤلفات والتحقيقات والترجمات في الفلسفة، والفلسفة الإسلامية. ويعد كتابه «تاريخ الفلسفة الإسلامية»، أحد أهم مؤلفاته، وأكثرها شمولية وسعة، من حيث القضايا والموضوعات المطروحة والمعالجة، ومن حيث مساحة وامتداد الفترة الزمنية والتاريخية، ومن أكثر مؤلفاته عناية واهتماماً، إذ ترجم إلى الفارسية والتركية والصينية والفرنسية والهندوسية. (ص: 225-226).

وعن موقف الدكتور ماجد فخري من الاستشراق، يؤكد الميلاد أن فخري ظل يمتدح المستشرقين، ويشيد بدور الاستشراق، لهذا –في نظر الميلاد- فإن كتابات فخري تخلو من أي نقد واضح تجاه الاستشراق والمستشرقين على اختلاف مدارسهم ومذاهبهم الفكرية والفلسفية، وحتى تجاه أولئك المتشددين من المستشرقين، وتجلى ذلك في كتابه «تاريخ الفلسفة الإسلامية»، الذي جاء خالياً تماماً من أي نقد. (ص: 229-230).

والفلسفة الإسلامية عند ماجد فخري تعني أنها ذلك التيار الذي تأثر بالفلسفة اليونانية، وأصبح الطابع اليوناني هو الجانب الأبرز فيه، وبات يعرف تمييزاً له. وعن هذا يقول الميلاد: هذه الرؤية هي المفتاح لمعرفة فلسفة هذا الكتاب «تاريخ الفلسفة الإسلامية»، وهي أكثر ما يكشف هويته، فهي الرؤية التي سارت بين أجزائه من البداية حتى النهاية، وعكست الروح العامة فيه. (ص: 231).

وبعد عرضه لمحتويات كتاب «تاريخ الفلسفة الإسلامية»، (ص: 235-238)، سجّل الدكتور الميلاد مجموعة من الملاحظات النقدية، لعل أهمها، تلك المتعلقة بعدم اتزان ماجد فخري في موقفه من الاستشراق الأوروبي، كما يعيب الميلاد عن فخري اعتماده الكبير على المنهج الاستشراقي، الأمر الذي لم يقدّم معه فخري أي جديد يُذكر، ولم يُثِرْ دهشة، أو يفتح أفقاً. (ص: 244).

كما عاب الميلاد على فخري اعتماده المنهج التاريخي في دراسة تاريخ الفلسفة الإسلامية، حيث غلب على كتابه السرد والتوصيف، وقلَّ فيه التفسير والتحليل، والجدير بالإشارة أن المنهج التاريخي هو المنهج الذي ينصح به المستشرقون، ويفضلونه دائماً. (ص: 246).

(7)

على سبيل الختم

بكتابه «دراسات في تاريخ الفلسفة الإسلامية»، يكون الأستاذ زكي الميلاد قد قدَّم خدمة جليلة للمشتغلين بالبحث الفكري، الذي يتطلَّب تواصلاً مستمراً وفعّالاً مع الفلسفة، لما تسهم به الفلسفة من تعميق للمعرفة من جهة، وتطوير ملكة النقد من جهة ثانية، وتنمية الخبرة في الكشف عن كليات القضايا وما ورائياتها وحكمها ومقاصدها وغاياتها من جهة ثالثة، ومن جهة رابعة لامتلاك القدرة على الربط بين العلوم والمعارف، بناء على قاعدة أن إلى جانب كل علم هناك فلسفة، وأن ليس هناك علم بلا فلسفة، يقول الأستاذ الميلاد.

لقد تميَّز كتاب «دراسات في تاريخ الفلسفة الإسلامية»، بالجدة والجودة والجدية في معالجة فصوله ومباحثه، يظهر ذلك من خلال الحسّ النقدي الذي عالج به الميلاد موضوعات كتابه، الحس الغائب عن كثير من التآليف المهتمة بتاريخ الفلسفة الإسلامية.

فالميلاد لم يقتصر على تقديم الكتب الستة التي شكَّلت محور كتابه، وإنما عمل على تقديم دراسة نقدية مستفيضة بخصوص كل واحد منها. فالقارئ بقراءته للكتاب سيظفر بمعرفة مزدوجة؛ التعرُّف إلى الكتاب الأصل وعن أطروحة صاحبه، وكذا التعرّف إلى اتجاهات النقد المختلفة حوله. وفي تقديري، فإن الكتاب يعتبر مساهمة قيمة للتعريف بتراثنا الفلسفي، أملاً في إعادة إحياء الفلسفة الإسلامية للمساهمة في معالجة مشكلات وقضايا العصر.

ولأن الفلسفة لم تشتهر بشيء اشتهارها بممارسة السؤال، ولم يُطْبِق المشتغلون بها على شيء إطباقهم على هذا الوصف، نختم مساهمتنا المتواضعة هاته، بسؤال مفاده: كيف السبيل إلى إقامة فلسفة إسلامية في زمننا المعاصر؟.






    رد مع اقتباس