عرض مشاركة واحدة
قديم 2014-08-01, 10:36 رقم المشاركة : 3
a.khouya
مراقب عام
 
الصورة الرمزية a.khouya

 

إحصائية العضو








a.khouya غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة القران الكريم

مشارك في مسابقة صور وألغاز

وسام المشاركةفي المسابقة الرمضانية الكبرى 2015

مسابقة المبشرون بالجنة مشارك

مشارك مميز

مشارك(ة)

وسام العضو المميز

مشارك(ة)

وسام المرتبة الأولى من مسابقة السيرة النبوية العطر

افتراضي رد: غزة بعيونهن


نائلة سيدة لبنانية مسحورة بروايات أمها عن الناصرة وحيفا والبيرة ورام الله والقدس. ماتت أمها الفلسطينية وهي تروي قصص طفولتها وأهلها في فلسطين. تنتمي أمها إلى عائلة ارستقراطية خرَّجت أوائل الأطباء الفلسطينيين من أميركا. ماتت أمها في فرنسا ودفنت بعيداً عن الأرض التي تحتضن كل أهلها. حوَّل الإسرائيليون منزل عائلتها إلى متحف. غيّروا اسم المنزل والشوارع والحوانيت والزواريب والحواري. غيَّروا التاريخ المحفور بأيادي أهل فلسطين وعرق الجبين ودم الكرامة. كادوا يغيرون لون الشجر والحجر ونسمة الصباح.
بعد وفاة والدتها بعامين، قررت نائلة البحث عن تاريخ أمها. حملت قصصها وكل العواطف التي تغلِّف القصص إلى حيفا. دخلت إلى محل لبيع الخضار. نظر البائع في عينيها وسألها: «ألستِ ابنة ليلى؟». يستطيع الإسرائيلي أن يغيّر الأسماء، لكنه لن يغيّر ذاكرة الناس ولا تاريخهم. استقلّت نائلة سيارة أجرة. كانت تجوب الشوارع وتسأل وتبكي. ذهبت إلى القدس الشرقية. عبرت بباص إلى القدس الغربية. دندنت ذاكرتها أغاني فيروز وروايات الأم. يا قدس يا زهرة المدائن. قالت: «كنت أشعر بأني أحمل عيني أمي وأغرف من الحاضر والتاريخ بلونهما».
لم تعترف نائلة يوماً بتميز بين الطوائف. لم تختر لزواجها رجلاً من طائفتها. هي، كمعظم أبناء جيلها، عرفت الحياة بلا طوائف ولا مذاهب ولا عودة إلى القرون ما قبل الوسطى. لكن هناك، هناك في شوارع القدس العتيقة، هناك بين البيوت الحافظة تحت كل حجر قصة ناسها الحقيقيين، يصبح للكنائس العتيقة عبق التاريخ ورفض الجغرافيا الجديدة وجدارة الحياة. لن يغيّر التزوير شيئاً من تاريخها.
سألتها عن أحوال الناس، وعن هجرة المسيحيين. روت عن قلق بعضهم من بطش إسرائيل. تحدثت عن جور الضرائب بلا خدمات. حكت عن مجتمع إسرائيلي لا يشبه الواحد فيه الآخر. شاهدت الفالاشي الإثيوبي منفصلاً عن اليهودي الأوروبي أو اليهودي القادم من بلاد الشرق أو المغرب العربي (الأشكيناز والسفارديم). مجتمع التُقط ناسه من أصقاع الأرض، فبدا هجيناً دخيلاً غريباً عن الأرض وناسها، ولم يجد سبيلاً للبقاء إلا بقتل الناس وتهجيرهم. لكن نائلة روت أيضاً حكايات ناس يحمون الأرض بأهداب العيون، وعيونهم تسخر من المحتل. روت عن عرب يشترون بيوتاً أكثر مما يبيعون. شاهدت الخوف والحقد في عيون الإسرائيليين، بمن فيهم المسلحون في باصات النقل العام. عادت نائلة من فلسطين حاملة من حب أهل الأرض ما يكفيها قروناً. عادت وفي ذهنها سؤال واحد: «لماذا تركناهم كل تلك الفترة وحيدين بذريعة أننا لا نريد الذهاب إلى أرض محتلة؟».
من يسمع روايات السيدات الثلاث، ويشاهد صمود غزة رغم الجراح والألم، فلا بد له أن يتذكر ابن الأرض محمود درويش يقول بصوته الشامخ: «أنا الأرض والأرض أنت...خديجة لا تغلقي الباب/ لا تدخلي في الغياب/ سنطردهم من إناء الزهور وحبل الغسيل/ سنطردهم عن حجارة هذا الطريق الطويل/ سنطردهم من هواء الجليل...».
عربيات
العدد ٢٣٤٩ الاثنين ٢١ تموز ٢٠١٤
غزة 2014: الموت يطارد الغزاة






التوقيع

يبقى الصمت أفضل
حين يغيب الرد

    رد مع اقتباس