منتديات الأستاذ التعليمية التربوية المغربية : فريق واحد لتعليم رائد - عرض مشاركة واحدة

قال مسلم بن الوليد الأنصاري:

كسبت لقلبي نظرة لتسرّه
عيني فكانت شقوة ووبالا
ما مرّ بي شيء أشدّ من الهوى
سبحان من خلق الهوى وتعالى

وإطلاق البصر من الخيانة "يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ" ففيه الوعيد لمن يخون بعينه بالنظر إلى
مالا يحلّ له وهذا ما دلّت عليه الآيتان السابقتان من الزجر عن النظر إلى مالا يحلّ حيث قال
"... فإذا أَبَيْتُمْ إلا الْمَجَالِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا قالوا وما حَقُّ الطَّرِيقِ قال
غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ الْأَذَى وَرَدُّ السَّلَامِ وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيٌ عن الْمُنْكَرِ"
فلغضّ البصر فوائد كثيرة جمّة منها:

1. امتثال لأمر الله الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده ،
وليس للعبد في دنياه وآخرته أنفع من امتثال أوامر ربه تبارك وتعالى ،
وما سعد من سعد في الدنيا والآخرة إلا بامتثال أوامره ،
وما شقي من شقي في الدنيا والآخرة إلا بتضييع أوامره .

2. تخليص القلب من ألم الحسرة فإن من أطلق نظره دامت حسرته
فأضرّ شيء على القلب إرسال البصر فإنه يريه ما يشتدّ طلبه
ولا صبر له عنه ولا وصول له إليه وذلك غاية ألمه وعذابه,
قال الأصمعي: رأيت جارية في الطواف كأنها مهاة فجعلت أنظر إليها
وأملأ عيني من محاسنها, فقالت لي: يا هذا ما شأنك؟, قلت: وما عليكِ من النظر؟!, فأنشأت تقول:
وأنت إذا أرسلت طرفك رائداً
لقلبك يوماّ أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كلّه أنت قادر

عليه ولا عن بعضه أنت صابر

فالنظرة تفعل في القلب ما يفعل السهم من الرميّة؛ فإن لم تقتله جرحته

وهي بمنزلة الشرارة من النار ترمى في الحشيش اليابس فإن لم يحرقه كلّه أحرقت بعضه.

3. ومن فوائده أيضاً أنه يسدّ باباً من أبواب جهنم فإنّ النظر باب
الشهوة الحاملة على مواقعة الفعل وتحريم الربّ تعالى , وغضّ
البصر يسدّ عنه هذا الباب ويخلّص القلب من سَكَر الشهوة ورقدة الغفلة
الذي عجزت الملوك عن استيفاء أغراضهم فيه..
وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من أنّ نظر العين إلى ما لا يحلّ لها تكون
به زانية ,عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبي e قال
:"كُتِبَ على بن آدَمَ نَصِيبُهُ من الزِّنَا مُدْرِكٌ ذلك لَا مَحَالَةَ فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ
وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ وَالرِّجْلُ زِنَاهَا
الْخُطَا وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى وَيُصَدِّقُ ذلك الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ"

الشاهد: "فالعينان زناهما النظر" بإطلاق اسم الزنى على نظر العين إلى
مالا يحلّ دليل واضح على تحريمه والتحذير منه, ومعلوم أنّ النظر سبب
الزنى فإن من أكثر من النظر إلى جمال امرأة مثلاً قد يتمكّن بسببه حبّها
في قلبه تمكّناً يكون سبب هلاكه, فالنظر بريد الزنى.

4. يقوّي العقل ويزيده ويثبّته فمن خاصّة العقل ملاحظة العواقب
ومرسل النظر لو علم ما تجني عواقب نظره عليه لما أطلق بصره.

5. تخليص القلب من أسر الشهوة فإن الأسير هو أسير لشهوته وهواه
ومتى أسرت الشهوة والهوى القلب تمكّن منه عدوّه وسامه سوء العذاب وصار

كعصفورة في كفّ طفل يسومها
حياض الردى والطفل يلهو ويلعب.

6.يورث القلب سروراً وفرحة وانشراحاً أعظم من اللذة والسرور الحاصل بالنظر.

7.يفتح له طرق العلم وأبوابه ويسهّل عليه أسبابه وذلك بسبب نور
القلب فإنه إذا استنار ظهرت فيه حقائق المعلومات وانكشف له بسرعة
ونفذ من بعضها إلى بعض ومن أرسل بصره تكدّر عليه قلبه واظلم وانسدّ عليه باب العلم وطرقه.

8.يورث القلب نوراً وإشراقاً يظهر في العين والوجه والجوارح,
كما أن إطلاق البصر يورثه ظلمة في الوجه وجوارحه, فلذا ذكر الله سبحانه"
الله نور السماوات والأرض.." عقب قوله"قل للمؤمنين يغضّوا من أبصارهم.."
ففي حديث حذيفة رضي الله عنه قال, قال رسول الله
:"النظرةسهم من سهام إبليس مسمومة فمن
تركها من خوف الله أثابه عزّوجلّ إيمانا يجد حلاوته في قلبه"

9. أنه يورث الفراسة الصادقة التي يميز بها بين
المحق والمبطل ، والصادق والكاذب ، وكان شاه
بن شجاع الكرماني يقول : من عمر ظاهره باتباع
السنة وباطنه بدوام المراقبة ، وغض بصره عن
المحارم ، وكف نفسه عن الشهوات ، واعتاد أكل
الحلال لم تخطئ له فراسة ؛ وكان شجاع هذا لا تخطئ له فراسة .

فطوبى لمن غضّ بصره و حفِظ قلبه
و نهَر هواه و قَاد نفسه

أيها الآباء والأمهات ...أبناؤكم أمانة بين أيديكم فأحسنوا تربيتهم على غض البصر