عرض مشاركة واحدة
قديم 2014-03-21, 21:30 رقم المشاركة : 7
لbatouli
أستـــــاذ(ة) مشارك
إحصائية العضو







لbatouli غير متواجد حالياً


افتراضي رد: مدينة آسفي تاريخ وحضارة


أهون المهن :
هي مهنة الهدم بدون شك ، وأصعبها هي مهنة البناء ... تلك عادة سيئة ، مع كامل الأسف ، تعيشها مدينة أسفي وهي تتفرج على معالمها التاريخية تتساقط الواحدة تلو الأخرى ... سقطت دار الشباب علال بن عبد الله ، وأدركنا حينها أن الشهيد اغتيل مرتين وسقط نادي البحارة ، واقتنعنا أن الهدم أضحى صفة من صفات هذه المدينة ... ثم سقطت " البوسطة " مؤخرا ، وفهمنا أن الرسالة وصلت على ظرف المقاس ... وهاهو البرج يستغيث اليوم ويترنح أمام أنظار مسؤولين أشبه بأصحاب الكهف ... معالم كثيرة تنعي المدينة بحسرة وألم ... والبقية أتت على حي عريق نقش مجدا على جبين مدينة أجبروها على الصمت وقبول ثقافة الهدم ...
حي تراب الصيني :
هو " حي " لن يموت رغم معاول الهدم المتربصة به منذ زمان ... على جغرافيته المطلة على البحر كان لهذا المجال الحضري تاريخ عريق ... كان مدرسة للوطنية والمقاومة ... ومشتلا للفنون و الرياضة ... ومعقلا للمسرح والثقافة ... وبالتالي أعطى للمدينة جزء من هويتها على مدار السنين ... حي يعتبر خاصرة المحيط ، وجزء من مرحلة تعكس التصور الخلدوني للحضارة والعمران ... على مشارف هذا الحي ، تشرق الشمس وتعود إليه لترتاح وتنام كما يعود الطفل الصغير إلى أحضان أمه وهو يحبو ... كان البر والبحر يشكلان شطرا من هويته ... وكان الزمن يضج فيه بالحركة والحياة ... محيط جميل يطوق مدار هذا الحي ، ومعامل التصبير ترقص على وقع الزغاريد المنبعثة من أبوابه الخلفية ... من ينسى هذا الحي الجميل ؟ ...
حي منكوب ... سياسة منكوبة :
من يصدق في يوم ما ، أن شطرا من عراقة هذه المدينة سيختفي في رمشة عين ؟ ... من يصدق أن تسونامي البحر كان رحيما من تسونامي متوحش ليست له علاقة لا بالقيم ولا بالذاكرة ؟ ... قيل عن هذا الحي الكثير ، صُنّف من بين الأحياء المنكوبة نتيجة الإهمال الذي طاله من طرف سياسة منكوبة ، وشعارات منكوبة ، وفكر منكوب ، وبالتالي كتب عنه الكثير في دهاليز سياسة التدبير اليومي من أجل إعادة هيكلته من جديد ...
لكن مع مرور الوقت ، أصبحت خاصرة هذا الحي الاستراتيجي تغري ، لأنها تطل على مناظر ساحرة يوفرها جمال المحيط ورقصات شمس المغيب فتوالت على هذا المشهد قرارات متواترة دامت لمدة 21 سنة توجت أخيرا باستشهاد الشاب " جولان " ...
لقد تاجر الكثير من المسؤولين في تداعيات هذه النكبة ، فمنهم من أحصى أشخاصا
لا علاقة لهم إطلاقا بساكنة الحي ، واستفادوا تحت طائلة التزوير ، وأنا أتوفر شخصيا على بعض الحقائق والمعطيات في الموضوع باعتبارنا كورثة نتوفر أملاك هناك ، ومنهم من استفاد بمعايير منافية لمبدأ العدالة والمساواة ، ومنهم من لم تستطع جرافة المخزن اقتلاعه لأنه من علية الأصول ، وهذا جزء أيضا من معايير التمييز بين المواطنين ... تناقضات كثيرة ... واختلالات كثيرة عرفها مسرح هذا الحي ...
جرافة حكارة :
جاءت " كوحش متعطش للدم والهدم معززة برموز القوة والاستعلاء ... جاءت تزحف بلا ضمير فدكت حقبة من تاريخ جميل ... جرافة حكارة ... تكيل الكيل بمكيالين ... لكنها متمرسة على تنفيذ الجريمة تحت الحراسة النظرية مع سبق الإصرار والترصد ... أصوات الحجارة تتهاوى تلك التي بنيت بعرق الكادحين ... وأنين الطوب والتراب يصرخ عاليا : أين المفر ؟ ... فالبحر ورائي ، والجرافة أمامي ... والناس يتساءلون في صمت من يكون هذا الوحش العاشق للقتل بالتسلسل ؟ ... وكلما ارتفع صوت هنا يحتج ... كان الجواب هذا قرار ... القرار يا سادة بلا إشراك للمواطن المتضرر هو الاستبداد بعينه ...






تلك مأساة حينا تذكرنا بمأساة غزة والقطاع ... لكنه سيبقى وسط رماد الأنقاض يقاوم الحكرة ، والزمن والنسيان ... وسيبقى البحر وشمس المغيب بدورهما يحكيان للتاريخ وللأجيال القادمة ما تعرض له هذا الحي من فعل إجرامي بصك رسمي ... وستبقى أصوات حينا تعلم ، أولئك الذين احترفوا مهنة الهدم ، درسا في حقوق الإنسان والمواطنة وتذكروا أخيرا أن للمدينة ذاكرتها ... وأن تاريخ المدينة عصي على النسيان ... وأن هناك حيا اسمه تراب الصيني مادامت هناك مدينة اسمها أسفي الغالية ...
منقول بقلم
ميراني الناجي






    رد مع اقتباس