الموضوع: مقالات تربوية
عرض مشاركة واحدة
قديم 2014-03-16, 07:26 رقم المشاركة : 4
خادم المنتدى
مدير التواصــل
 
الصورة الرمزية خادم المنتدى

 

إحصائية العضو








خادم المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي رد: مقالات تربوية


المنظومة التربوية بالمغرب وسؤال المناهج الدراسية
د.رشيد جرموني
الثلاثاء 24 دجنبر 2013
تشهدالساحة المغربية في اللحظة الراهنة، نقاشا مجتمعيا حيويا ومفيداحول واقعالمدرسة المغربية، وإن كان النقاش يتمظهر حول إشكالية اللغة، فإنهيستحضرفيما يستحضر المعضلة التعليمية ببلادنا. ورغم تقديرنا الشخصي بأنبعضالنقاشات –خصوصا التي تلك التي تتظلل بنظرية المؤامرة أو التخوين، أوالقول بالتعصب والانطواء والرجعية- تنحرف بالنقاش العلمي الهادئ والمتوازنوالحكيم إلى لغة الادانة والإدانة المضادة، فإننا نعتبر أن القدرة على نقلالنقاش في قضايا التعليم من الدائرة الضيقة (ونقصد بها النخب والمؤسساتالمغلقة) إلى نقاش عمومي ومفتوح، يعد أمرا هاما ومعبرا عن حركية مجتمع حيوييبحث باستمرار عن أجوبة مقلقة لواقعه المأزوم، وخصوصا واقع التربيةوالتعليم.
فيسياق هذا النقاش، نود في هذا المقال المتواضع، أن نطرح وجهة نظرنا فيمسألة حيوية أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها، وهي إشكالية المناهج الدراسيةبالمنظومة التعليمية، ولعل إقدامها على هذا الموضوع، إنما يستمد قيمته،- فيما نعتقد- بالتشخيص الذي يباشره المجلس الأعلى للتعليم، خصوصا بعد الخطابالملكي الأخير حول واقع المنظومة التربوية، والذي تحدث عن أهم الأعطابالتي لا زالت تشرط المنظومة، وهي قضية المناهج.
هذاعلاوة على كون المغرب، بعد توصله إلى إخراج وثيقة دستورية جديدة، -تعبرعن بعض المعالم الكبرى للمشروع المجتمعي المنشود-، طرح السؤال منجديد: هلتمثل هذه الوثيقة "الإجماع الوطني" حول نوعية المواطن المغربيالذي نريدتكوينه في المستقبل؟ وهل يترتب على ذلك، أن يكون المشروع التربويالمأمول،معبرا عن روح هذا "الإجماع الوطني"؟ وهل يستلزم ذلك، مراجعة عامةلفلسفة ولبنود ومضامين الميثاق الوطني للتربية والتكوين؟ أم أن هذهالمراجعة لنتكون إلى جزئية ومحدودة؟ وهل يمكن القول أننا بالتوصل إلىالتوافق حولالوثيقة الدستورية، أننا فعلا قطعنا مع إشكالات التوافق الهجينوالمغشوش،والتي تتفجر عند كل عملية بناء المناهج الدراسية أو تغييرها أوتحيينها؟
هذهالأسئلة وغيرها، قد يطرحها أي متتبع للحقل التربوي، باعتباره حقلاصراعيابامتياز، والذي تتداخل فيه مصالح الفئات المجتمعية، ورهاناتهاالإديولوجية سواء المعلنة والمصرح بها، أو الخفية والمسكوت عنها.
لاشك أن طرح هذه الأسئلة وغيرها مما لم نتمكن من الإحاطة به، يساعدنافيفهم بعض الإشكالات المتعلقة بالمنهاج الدراسي، فكما هو معلوم لدىالدارسينللمناهج، أنها تتضمن –بالإضافة إلى المكونين المعرفي(المعارفالواجبتعلمها)، والمنهجي (الآليات وأساليب التدريس والتقويم وما إلى ذلك)،فإنهاتتضمن الرؤية القيمية والفلسفية، والتي يمكن أن نعبر عنها بالأسئلةالوجودية التالية: ما ذا نريد بالمدرسة؟ ولأية أهداف؟ وما هو نوع المواطنالذي نريد تخريجه من النظام التعليمي؟ وما هي الغايات الكبرى التي نسعىلتحقيقها؟ ووفق أية رؤية فلسفية أو فكرية أو سياسية أو اقتصادية أو علميةوحتى تقنية ؟
نظرالخطورة هذه الأسئلة، فإن عملية بناء أو تغيير أو حتى تحيينالمناهج، تتخذأهمية قصوى في بناء المشروع التربوي داخل أي مجتمع ما. ونحنعندما نطرحهذه الأسئلة وغيرها، لا ندعي أننا الوحيدين الذين طرحناها، بقدرما نسعى،للمساهمة المتواضعة في إغناء النقاش حول هذا الموضوع. ولعلاستحضار النقاشالذي تساوق مع لحظة تنزيل الميثاق الوطني للتربية والتكوين،يعد مدخلاحيويا لفهم جزء من الأسئلة المحرجة التي طرحناها قبلا. فغني عنالذكر، أنوثيقة الميثاق، تضمنت جوابا عن بعض هذه الأسئلة، عندما حددتها فيالمرتكزات التابثة، التي يهتدي بها النظام التربوي المغربي، وهي "الاهتداءبمبادئ العقيدة الإسلامية السمحاء، وحب الوطن والتمسك بالمملكة الدستورية،والتواصل باللغة العربية مع التفتح على اللغات الأكثر انتشارا في العالم،وتبني الممارسة الديمقراطية في ظل دولة الحق والقانون، والتوفيق الإيجابيبين الوفاء للأصالة والتطلع الدائم للمعاصرة..." (الميثاق الوطني للتربيةوالتكوين،2000).
لكنواقع الحال بين حجم التخبط والصراع والتصدع الذي هيمن على عملياتتنزيلوأجرأة هذه البنود، ولو أردنا أن نتحدث بتفصيل على هذه المحطة، لماوسعتناهذه المساهمة، لكن يمكن الإشارة فقط، إلى السجال الذي تفجر إبانعمليةتغيير المقررات الدراسية، والذي كان قد شهد معارك إديولوجية بينتوجهينمجتمعيين: الأول يمثله الإسلاميون والثاني يمثله "العلمانيون" أولنقلالتيار المتأثر بالقيم الحداثوية.
ولعلالجدل الذي صاحب الموقف من مادة التربية الإسلامية وفائدتهابالنسبةللتلاميذ أو عدم ذلك، يبين إلى أي حد، وقعت النخبة المثقفةوالفاعلونالاجتماعيون، في معركة حقيقية من أجل تنزيل بنود الميثاق. وهذهالواقعةتبين أن طبيعة التوافق الذي –قد يظهر- أنه تحقق في محطة من المحطاتالحاسمة في المغرب، كمحطة الميثاق الوطني للتربية والتكوين، أو حتى لحظةالتوصل إلى توافق حول الوثيقة الدستورية الحالية، يبدو هشا وقابلا للانفجارفي بعض المنعطفات الحاسمة في بلورة رؤية مشتركة ومنسجمة.
انطلاقامما سبق، نتساءل هل بالإمكان تفادي التقاطب والتقاطب المضاد، فيعمليةتغيير المناهج الحالية، مع الورش الإصلاحي الذي دشنه المجلس الأعلىللتعليم والبحث العلمي، أم أننا سنعيد اجترار نفس الأعطاب البنيوية التيلازمت حال ومآل منظومتنا التربوية؟
يمكناعتبار أن عملية بناء أو تغيير أو حتى تحيين المناهج الدراسية،عملية جدمركبة وجد حساسة، فمن جهة تنتصب إشكاليات محايثة لهذه العمليات،أولاها،الجدل المرتبط بعملية انتقاء المحتويات الدراسية، وصعوبة التوفيقبين ماهو خاص محلي أصيل وما هو كوني وعالمي. ففي هذه المرحلة مطلوب ايجادصيغةتوافقية بين القيم الكونية والقيم الدينية الإسلامية، وهي العمليةالتي لاتسلم عواقبها في المغرب.
فكماهو معلوم، كيف يمكن أن نجد صيغة مقبولة للجميع بين حرية المعتقدوإلزاميةالدين الإسلامي على الطريقة المالكية السنية الأشعرية في البناءالأيديولوجي للدولة، وتتعقد العملية أكثر عندما نتفحص جيدا المواد المكونةلبنود الدستور، فرغم إقرارها بأن المغرب دولة إسلامية، وليست بلداإسلاميا،إلا أن هناك بنود أخرى تتحدث عن حرية المعتقد. أو حتى من خلالمفهومالمساواة بين الرجل والمرأة،كما يفهمه العقل الغربي، وكما هو مبثوثفي نصوصالدين الإسلامي وفي مخيال ووجدان الأفراد والمجموعات والتجمعات. هذه منأعوص الإشكاليات التي ستعترض أية مغامرة نحو الوصول إلى توافق ما.
ربمالم نستحضر مجموعة من الأمثلة الدالة على وجود تنافر بل تناقض بينالقيمالدينية الإسلامية وبين القيم الكونية العالمية بصيغتها المطروحةحاليا،لكننا نعتقد أن هذا المدخل سيؤثر لا محالة في تفجير نقاشات حادة،وقد أجزمبأن حتى السياق الحالي لا يسمح للإسلاميين المغاربة في المضي فيالمنافحةعن بعض الخطوط الحمراء التي كانت تشكل لديهم الحصن الحصين، وحصانطروادة،وهي قضية المناهج في مثالنا الحالي.
أماثاني أكبر تحد يمكن أن يشكل عقبة في وجه تسريع عملية إعادة النظر فيالمناهج التعليمية، هي مسألة تدريس اللغة ولغات التدريس. كيف ندرس اللغة؟ووفق أية مناهج؟ وبأية رؤية؟ وما هي لغات التدريس التي سيمسها نقاش فيعملية التغيير؟ فرغم أن الدستور قد حدد لغتين وطنيتين وهما العربيةوالأمازيغية، فإن واقع الحال لا ينسجم مع هذا التنصيص الدستوري، فوضعيةاللغة العربية في منظومتنا التعليمية ليست بخفية عن أحد، فتعليمنا لا زاليراوح نفسه، ولا زال العطب الكبير يلازمه، فالتعريب لم يصل إلا إلى مرحلةالثانوي، وهو في أدق العبارات ليس تعريبا حقيقيا، بل لنقل إنه أشبه بتعريب.
فالواقعأن اللغة التي تدرس للتلاميذ هي مزيج من الدراجة والعربيةوأشياء أخرى (كالفرنسية الهجينة في مناطق النفوذ السابق لفرنسا، والإسبانيةفي مناطقالشمال). وستزداد الصعوبة، مع إقرار تعميم الأمازيغية، في كلجهاتالمملكة، مما سيتطلب مجهودات كبرى في سبيل معيرة هذه اللغة، وخصوصاوأنجزء من المغاربة، اختاروا أن يكتبوها بحرف تيفناغ، وهنا نفتح قوسا: ربماكان الأولى –في اعتقادي الشخصي- أن تكتب بالعربية، حتى تسهل عمليةالتعرفعليها من طرف كل المغاربة.
إلاأن أكبر تحد يمكنه أن يواجهنا الآن، وهو على الأقل مطروح علينابإلحاح أننقدمه بشأنه جوابا –ليس سياسيا- بقدر ما هو جواب فني علمي ينهلمن علماللسانيات وما يجاورها من علوم أخرى، ونظريات التربية وتعلم اللغات،وماتفرزه من تطورات، قلت هذا التحدي، هو لغات التدريس، هل من الممكنالتفكيرفي إستبدال اللغة الفرنسية باللغة الإنجليزية كلغة أجنبية أولى؟ أمأنمجرد التفكير في هكذا سيناريو يعد شيئا نشازا في رهانات السياسةالتعليميةالمغربية؟ وهل ستتمكن الحكومة الحالية، من خرق سقف التحكم اللغويالذيليالتابع لفرنسا؟
ونحنعندما نطرح هذا الاقتراح، فإننا نقرأ في تجارب الدول التي اختطتلنفسهاسياسات تعليمية مطابقة لواقعها ومتجاوبة مع تحديات المرحلة، ونخصبالذكرالتجربة الماليزية، التي كانت تتشابه مع المغرب في أعطابه التعليميةوالتربوية في لحظة ما بعد الاستقلال، لكنها اليوم تعد من أكبر القوىالإقتصادية العالمية الكبرى. وقد كان لنخبتها وخصوصا رئيس الوزراء الذي كانوزيرا للتعليم، عندما قرروا التدريس باللغة الأصلية المالوية، بجانباللغةالانجليزية، باعتبارها لغة العلم والانفتاح والتقدم.
فيحين يمثل التحدي الثالث، والذي يمكن اعتباره بمثابة التحدي المحايثلكلالمنظومة التعليمية، وليس فقط المناهج، فهو إشكالية القيم المتضمنة فيالمحتويات الدراسية. وهنا نتساءل ما سر هذه الازدواجية الرهيبة التي تسمالقيم المغربية؟ وهل يمكن أن نفترض، أن ضعف القيم في المقررات الدراسيةيعتبر من بين الأسباب التي لا زالت تعيق عملية أجرأة قيم منسجمة يتملكهاالمدرسون أولا ويتمثلها المتمدرسون ثانيا، وتشيع على بقية المجتمع؟ لا حاجةلنا للتدليل على التشظي القيمي الذي أصبح ميزة وخاصية تميز الأجيالالمغربية المتعاقبة، فالدراسات البحثية التي سهر عليها العديد من الفعالياتوالهيئات والباحثين، لعل آخرها ما توصل إليه البحث المتميز للمجلسالاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والموسوم ب"إدماج الشباب عن طريقالثقافة"(2012)، إلى أن الشباب المغربي الحالي، يعرف تحولات عميقة في مجالالقيم، وأن غياب الرؤية الثقافية والقيمية المنسجمة، شكل مدخلا لاهتراءمنظومة القيم الحالية عند مجموع الفئات الشابة، دونما قدرة على إبداع نموذججديد لهذه القيم.
وقدتحدث التقرير الآنف الذكر، عن مسؤولية المناهج في إنتاج وإعادةإنتاج هذهالقيم المأزومة والتي تتضمن التناقض والتافر في الآن نفسه. وربمايتقاسمالكثير من الباحثين هذه الخلاصة، فبدوري في دراستي الموسومةب"الشبابوتحول القيم والاتجاهات والممارسات الدينية بمدينة سلا"، توصلتإلى نتيجةمشابهة لذلك. وقد اعتبرت أن المدخل القيمي، خصوصا عبر بوابةالمناهجالتعليمية، يمكن أن يشكل مدخلا من بين المداخلـ التي يمكنها أنترفدالمنظومة القيمية ببلادنا.
ونحنفي هذه المساهمة، وبعد البحث والتنقيب، توصلنا إلى أن ما تطرحهمدرسةالتكامل المعرفي، ليست بصيغتها الغربية (إدغار موران ومن شاكله)، بلبصيغتها الحضارية، الملتصة بالثقافة الأصيلة للمغرب (خصوصا في تجربةالتدريس بجامعة القرويين قديما)، يمكنها أن تشكل –في اعتقادنا- جوابا عنعلاقة القيم بالمنظومة التعليمية، حيث يتم الحديث عن "النظام المعرفيالتوحيدي، الذي تتقلص فيه المسافة الفاصلة بين ما هو فكر وما هو واقع، وبينما هو تاريخ وما هو عقيدة، إذ تتكامل أسس هذا النظام ومكوناته حتى تبلغحدالتطابق. فالعقيدة والشريعة والحضارة والثقافة والسلوك والتاريخ،والدينوالدولة، كل ذلك يشكل حزمة واحدة جامعة لبنية النظام المعرفيالأصيل". ونحنهنا لا نعلن عن موقف رجعي أو متماه مع الثرات، بقدر ما نريدأن نقرأ هذاالنموذج في إطار دينامي ومتجدد ومستجيب للشروط وللتحدياتالمطروحة آناومستقبلا.
إننالا ندعي أننا أتينا على كل الأسئلة التي تؤرق حال المناهجالتعليمية،





    رد مع اقتباس