عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-02-05, 13:24 رقم المشاركة : 1
ابن خلدون
بروفســــــــور
إحصائية العضو







ابن خلدون غير متواجد حالياً


الوسام الذهبي

وسام المراقب المتميز

important من بنية العقل إلى بنية المخ بودريس درهمان


من بنية العقل إلى بنية المخ


بودريس درهمان


"أولا يكون ذلك العقل الموروث، العقل الذي نتصوره بإطلاق ونعتز به هو بالذات أصل الإحباط."

ع، العروي مفهوم العقل ،ص 358المركز الثقافي العربي1996

حدد عالم الأعصاب الأمريكي ماك لينMac Lean مع فريقه العلمي البنية الأفقية للمخ ولاحظ بأنها تتشكل من عدة بنيات مركبة الواحدة على الأخرى.توجد أول بنية في قاعدة المخ مباشرة عند نهاية العمود الفقري؛ هذه البنية هي أقدم جزء ويعود تاريخ تكوينها إلى أكثر من 200مليون سنة. توجد عند الزواحف وهي التي تصطلح عليها بدماغ الزواحف. وظيفة هذا الجزء من المخ هي تأمين الحياة عن طريق الحفاظ عليها. توجد البنية الثانية التي تغطي الجزء الأسفل عند جميع الثدييات، يصطلح عليها Le cerveau limbique.يقوم هذا الجزء بتدبير العواطف والأحاسيس، كما يقوم بتدبير العلاقة مع الآخرين والرغبة في الانتماء إلى جماعة.
توجد البنية الثالثة Le cortex عند الحيوانات الراقية وهي أكثر تطور عند الإنسان، وظيفتها هي التفكير والقيام بالعمليات المجردة.هذه البنية الدماغية يقول أغلب الباحثين في مجال علوم الأعصاب بأنها بنية لا أخلاقية ولا تكترث بمجال العواطف.
البنية الرابعة هي تلك التي اكتشفها العالم الروسي Luria. هذا الجزء من الدماغ يبدأ بالنمو مع نهاية فترة المراهقة، إنها الفصوص الجبهوية الأماميةLes lobes frontaux التي تساعد الإنسان على تجاوز ذاته والرقي إلى عالم المثل.
المعارف، أو الإشارات الحسية التي تقوم الحواس بالتقاطها ويقوم الدماغ بتدبيرها تصعد من تحت إلى فوق، بمعنى كأي بناية تتكون من أربعة طبقات تمر المعلومات بالطبقة الأولى(دماغ الزواحف)، ثم الطبقة الثانية(دماغ الثدييات)، بعد ذلك الطبقة الثالثة(القشرة الدماغية)، وأخيرا الطبقة الرابعة(الفصوص الأمامية)
يتوفر الإنسان على منطقة عصبية كثيفة الخلايا يصطلح عليها الدماغ cortex هذه الطبقة العصبية الكثيفة و السميكة مبنية على أساس طبقتين اقل سمكا واقل كثافة.هاتان الطبقتان السفليتان هما دماغ الكائنات الحية الأخرى:
دماغ الزواحف Cerveau reptilien
دماغ الثدييات Cerveau des mammifères

هاتين الطبقتين مرتبطتين بتاريخ التطور العصبي للكائنات الحية، فإذا كان دماغ الزواحف يعود إلى 200مليون سنة، و دماغ الثدييات 60مليون سنة فان دماغ الإنسان أو الدماغ الجديد فعمره في أقصى الحالات، وحسب آخر الكشوفات المتعلقة بالمستحثات لا يتعد ستة مليون سنة.
تعاقب ظهور البنيات الدماغية دفع بعض العلماء إلى البحث في تاريخ الحواس و ارتباطها بأحد هاته البنيات العصبية أو تلك، وهكذا فحاسة اللمس يتكفل بها دماغ الزواحف،حاسة السمع يتكفل بها دماغ الثدييات، أما الرؤية فهي من اختصاص الدماغ الجديدNéo cortex.
عصب العين يعتبر أقوى عصب، يتوفر على ملايين من الألياف العصبية ونموه لدى الإنسان يتم بشكل مبكر:الطفل في حدود الثمانية أشهر الأولى يكون عصب العين عنده ناضج تماما كما هو عند الراشد حيث يقوم بعملية النظر المركزVision focale وعملية النظر المشتتVision ambiante.أما عصب السمع المرتبط بدماغ الثديياتCerveau limbique فأنه يحتاج إلى أكثر من ثمان سنوات لكي يكتمل نموه.
البناء الأفقي للدماغ البشري يجعله يشتغل كمصفاة للواردات المعلوماتية التي تستقبلها الحواس الخمس. بمجرد ما يتم إثارة الجهاز العصبي، تصل هذه الإثارة إلى الطبقات الدماغية السفلية التي تقوم بقبولها أو رفضها وتوجيهها إلى المناطق الدماغية العلوية المتخصصة من أجل المعالجة والتحليل والترتيب بداخل النسيج اللغوي والمفاهيمي لهذا الجهاز العصبي. دماغ الزواحف، طريقة اشتغاله تشبه إلى حد بعيد طريقة اشتغال الموظف-الحارس الذي يستقبل المواطنين بالإدارات العمومية ويطلب منهم الانتظار إلى حين توجيههم إلى هذا المكتب أو ذاك؛ وإذا ما رفض هذا الحارس توجيه هؤلاء المواطنين إلى المكاتب المختصة فانه سوف ينشب نزاع ما بين المواطن والحارس أو سوف يصاب هذا المواطن بالخيبة وينسحب.كل النزاعات والخصومات التي تنشب والتي في بعض الأحيان لا مبرر لها تكون ناتجة عن رفض دماغ الزواحف السماح للخلاف بالرقي إلى المناطق العلوية من أجل معالجته وتدبيره بالشكل الأكثر عقلانية.وما ينطبق على الخصومات اليومية ينطبق كذلك على المجال البيداغوجي ويمكن اعتبار الصراع الحاصل مابين الجهاز العصبي العلوي والجهاز العصبي السفلي كإجابة على التساؤل لماذا لا يفهم التلاميذ؟ لماذا التلاميذ يرفضون في بعض الأحيان مدرسيهم؟ بل لماذا كل المجتمعات بشكل عام ترفض اللغات الأجنبية و لماذا يلجأ المشرعون والماسكون بزمام الأمور إلى صياغة قوانين وتشريعات تحد من التعامل مع اللغات الأخرى؟هي مجموعة من القضايا المجتمعية حينما يتحكم فيها دماغ الزواحف فانه يعمل على محاصرتها ويمكن اعتبار المقاربات الأمنية المغرضة التي تحارب الفكر وتحارب القيم العلمية الرصينة شكل من أشكال اشتغال دماغ الزواحف وذلك لأن وظائف دماغ الزواحف تتلخص في تشغيل آليات الدفاع الذاتي وغريزة الجنس والتناسل وهي آليات مبرمجة بواسطة النظام البيولوجي وليست مبرمجة بواسطة نظام الأفكار والثقافة الإنسانية.هذا النظام البيولوجي هو مسنن و محدود الإمكانيات ولا يستطيع القيام بترا بطات نظرية سواء كانت بسيطة أو معقدة وهذا النقص في المعالجة ينتج عنه دائما نقص في المناهج والطرق المستعملة.هذا النظام البيولوجي المسنن يشبه إلى حد بعيد مصطلح Hardwareالمتداول في مجال الإعلاميات والذي يحيل إلى الآلة الحاملة لنظام معلوماتي Softwareوهذا النظام ألمعلوماتي هو ما تشكله المذاهب الفكرية والنظريات العلمية والأديان.
يحتوي الدماغ البشري على حوالي مأة مليار من الخلايا العصبية وبما أن كل خلية من هاته الخلايا لا تشتغل لوحدها بل تدخل في تفاعلات مع كل الخلايا العصبية الأخرى فان الطاقة الاستيعابية للدماغ البشري هائلة وهائلة جدا وتتجاوز كما يؤكد ذلك المتخصصون عدد الذرات الموجبة للكون Les atomes positifs de l’univers.
كما أن الدماغ مبنين عموديا ) يحتوي على ثلاث طبقات ( فهو كذلك مبنين أفقيا حيث ينقسم إلى فصين الفص الأيمن والفص الأيسر؛ هذا التقسيم حاول علماء الخلايا العصبية أن يوجدوا له تفسيرات.من بين التفسيرات التي تم تقديمها، و التعامل معها على أساس أنها تفسيرات علمية ثابتة هي التفسيرات القائمة على نظرية الاختصاص الوظيفي لكل فص على حدة، هذه التفسيرات العصبية للدماغ البشري ساهمت منذ الحرب العالمية الثانية إلى حدود سقوط جدار برلين في تقسيم العالم والمجتمعات إلى معسكرين المعسكر الليبرالي الحر الذي فيه كل شيء مباح والمعسكر الاشتراكي العقلاني والصارم.
الفص الأيمن للدماغ البشري يتميز بالمزاجية و يشتغل في المجال، يقبل بحلول عدة لمشكل واحد ولا يحترم مبدأ الهوية، فالشيء قد يكون هو هو وقد يكون نقيضه.إن الشخص الذي فصه الأيسر يوجد تحت هيمنة الفص الأيمن يتميز بالمرح وبعدم معاكسة الواقع، في حين الذي فصه الأيمن يوجد تحت هيمنة فصه الأيسر يتميز بالصرامة وبالرغبة في معاكسة مجرى الأحداث. هذا التصور لمجال وظائف فصوص الدماغ البشري بقي ثابتا كمعتقد علمي وعلى أساسه اشتعلت كل السياسات التربوية للحرب الباردة إلى حدود عشرية ستينات هذا القرن حيث بدأت تظهر بعض الدراسات العلمية أن الدماغ البشري يتميز بوحدة وعيه وانسجام وظائفه.ابتدأت هذه الدراسات العلمية في الظهور بجامعة لوس أنجلس الأمريكية إلى أن توجت باكتشاف القناة الرابطة بين الجهة اليمنى والجهة اليسرى للدماغ البشري تسمى هذه القناة le canal calleux وصاحب هذا الاكتشاف العلمي هو الأمريكي الحاصل على جائزة نوبل للطب سنة 1981 Roger wolcott Sperry
مباشرة بعد هذا الاكتشاف، أصبح الدماغ البشري موضوع بحث دقيق من طرف بيولوجيا الجزيئات، حيث أثبتت هذه الأخيرة توفر الدماغ البشري على حوالي مأة مليار من العصبونات بالإضافة إلى عدد مماثل من الخلايا المساعدة المسماة بالخلايا الغليةles cellules glialesناهيك على أن الترابطات بين هاته الخلايا يصل إلى حوالي مليون من المليارات.
في إحدى كتاباته نبه العالم النفسي فرويد إلى أن كل معارفنا القائمة عل أساس سيكولوجي هي دائما لحظية وغير دائمة وتحتاج هاته المعارف إلى تفسيرات على أساس عضوي.هاته الإشارة التي تسللت من لا شعور العالم النفساني فرويد دفعت بالعالم الفرنسي المتخصص في مجال البيولوجيا وعلم الوراثة ورئيس لجنة الأخلاقيات للجمهورية الفرنسية Jean Pierre Changeux إلى التساؤل حول هذا الأساس العضوي الذي بامكانه تقريبنا من فهم وظائف الدماغ؟في كتابه الإنسان العصبوني يجيب هذا العالم بأنها جزيئات ومترابطات فيزيائية وكيميائية







    رد مع اقتباس