عرض مشاركة واحدة
قديم 2014-01-01, 11:39 رقم المشاركة : 12
روبن هود
بروفســــــــور
إحصائية العضو







روبن هود غير متواجد حالياً


وسام1 السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

افتراضي رد: وقفات مع الشعر والتاريخ


وفي سنة 635هـ، سقطت قرطبة بصفة نهائية في يد النصاري، ثم اشتد الخناق على مدينة بلنسية فصارت النصرة مطلوبة، وفي ذلك أنشد ابن الأبار القضاعي مناديا سلطان تونس، أبا زكرياء بن حفص:

أدرك بخــيلك خــيل الله أندلســـا *** إن السبيل إلى منجاتها درسا
وهب لها من عزيز النصر ما التمست*** فلم يزل منك عزّ النصر ملتمسا
مدائن حلها الإشراك مبتسمــا *** جذلان، وارتحل الإيمان مبتئسا
ياللمساجد عادت للعـــدا بيعــا *** وللنداء غدا أثناءها جرسـا

ثم في قصيدة أخرى:

نَادَتــْكَ أنْدَلُسٌ فَلَبِّ نــِداءَها *** واجْعل طَواغيتَ الصّليبِ فِداءَها
صَرَختْ بِدَعوَتك العليّة فاحْبُها*** من عاطِفاتك ما يقي حوْباءها
واشدُدْ بِجلبك جُرْد خَيلك أزْرَها*** تَرْدُدْ على أعْقَابِها أرْزَاءها


لكن لا راد للقدر المحتوم. فقد سقطت المدينة وحصل ما يرافق السقوط دائما. وقد سطر ابن خفاجة أبياتا رائعة تصور حجم المأساة:

عاثت بساحتك العدا يا دار *** ومحا محاسنك البلى والنار
فإذا تردد في جنابك ناظر *** طال اعتبار فيك واستعبار
أرض تقاذفت الخطوب بأهلها *** وتمخضت بخرابها الأقدار
كتبت يد الحدثان في عرصاتها *** لا أنت أنت ولا الديار ديار


طبعا من اطلع على المدينة بعد سقوطها لم يكن ليتعرف عليها. فقد لحقها الخراب، وتغيرت ملامحها، وهدمت مساجدها أو حولت إلى كنائس. أما مأساة المسلمين، فقد كانت عصية على الوصف، إذ هجروا من منازلهم وسلبت أموالهم وممتلكاتهم وتعرضوا لعمليات حرق جماعي كانت تقودها محاكم التفتيش، وذلك في احتفالات يطلق عليها اسم أوتودافي، يحضر فيها الأمراء والقساوسة وعامة الشعب لأخذ العبرة ورؤية مصير من يتهم بالهرطقة. وتهمة الهرطقة كانت تلصق بكل من يخالف الديانة المسيحية الكاثوليكية، ويقدم إلى المحكمة بناء على وشاية، دون التأكد من صحتها، ودون إعطاء الشخص حق الدفاع عن نفسه.


ولم تكن المصائب تأتي فرادى، إذ سقطت مدينة جيان في سنة 643هـ ، وأصاب أهلها نفس ما أصاب غيرهم من سكان المدن الأندلسية.


وقد أتى على ذكرها أبو البقاء الرندي في قصيدته الشهيرة في سياق المدن التي شهد الشاعر سقوطها:

فاسأل بلنسية ما شأن مرسية *** وأين شاطبة أم أين جيان
وأين قرطبة دار العلوم فكم *** من عالم قد سما فيها له شان


ووجد بيتان من الشعر في أحد مخطوطات تلك الفترة. وهما لشخص مجهول، يبدو أنه كان من سكان المدينة:

أودعكم أودعكم جياني *** وأنثر عبرتي نثر الجمان
فإني لا أريد لكم فراقا *** ولكن هكذا حكم الزمان

ويمكن للإنسان أن يتصور لوعة الفراق. ففراق البلد فيه الكثير من القسوة والشدة ولو كان البلد صحراء قاحلة، فكيف إذا كان مثل الأندلس حسنا وبهاء.





    رد مع اقتباس