عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-11-24, 10:34 رقم المشاركة : 2
خادم المنتدى
مدير التواصــل
 
الصورة الرمزية خادم المنتدى

 

إحصائية العضو








خادم المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي رد: ناس الغيوان ..قراءة في تجربة فنية من الهامش.. محمد سليماني


الصهيون ف غاية لعلو دركو سطوة وقبلنا دلهم عاد الشرق كفيف[36]
فالشرف دلالة على الدول العربية والإسلامية التي ذلت ورضت بالمهانة بديلا حتى صار هذا الشرق مشلولا لا يقدر على شيء.
لكن لا أحد يستطيع أن يتجافى الدعم والمساندة المتعددة التي تحصل عليها الدولة العبرية، ولا يختلف اثنان في أن هذه الدولة كيان مصطنع، كيان وهمي تسلط بجبروته على أرض ليست له ولا هو لها. كل ما في الأمر، اعتداء واغتصاب لملك الغير لكن الخطير من ذلك هو تلك الأصوات النشاز التي تتعالى هنا وهناك لأصدقاء الصهاينة محاولين بذلك طمس الحقائق وتضليل الناس في مخططات يائسة مزورة لا أصل لها ولا فصل وهذا ما فطنت له أغنية "شوفو العجب"
كول لينا مال الصهيون الزور حاميه
كول لينا مال المنكر الزور حاميـه
كول لينا مال الحق كفات ماليـه[37]
وتعود ثانية الغيوان إلى "تل الزعتر، وما شهد من مقاومة ضد محتل في أغنية حماسية موضوعها إما المواجهة والمقاومة أو الهروب، أما الخوف والإحباط والفشل فلا أساس له ولا معنى، ويبقى عنوان الأغنية وحده خير دليل على ذلك الأمل المنشود والغد المنتظر "الشمس الطالعة" وهي أغنية أخذت من العيطة الإيقاع والنغمة ومن فلسطين الموضوع والمضمون :


لله يا تل الزعتـــر واش من والى يتوالــى


غير ضربو ولا هربـو اللي تهرس ها الكـرارص


اللي بغا الجنة يتدنـى اللي بغا اولاده يستوخـر


اللي تعما يبقى تمــا علاش حركتو لمعيزيــة


كركر يا لحمـــام ونوح ف أيام النـــار


عامك يا عام الجـوع راه قبيلة وزعوا جربـوع


عامك يا مريكــان كان موسم ولى كطران[38]

وإذا عدنا إلى البيت السابع نستخلص من بين السطور أن القبيلة توحي إلى إسرائيل وأمريكا وأوربا فهذه القبيلة وزعوا فيما بينهم "جربوع" وهو حيوان يشبه الفأر فما نصيب كل واحد منهم من هذا الحيوان طبعا لا شيء لكنهم أصروا على اقتسامه إنه فعلا عام الجوع والقحط …
وبإيقاع هادئ وألفاظ بسيطة وذالة بعيدة من المشاكلات والتداخلات المعقدة تأتي أغنية "احنا اولاد العالم" حيث ينسجم إلى حد بعيد إيقاعها البطيء الهادئ مع موضوعها العام ألا وهو "السلام" ذلك الأمل المنشود الذي يتغيا كل امرئ إلى العيش في كنفه بعيدا عن التطاحنات والحروب التي تقوم عادة على أساس أكاذيب وأقاويل مزيفة أحيانا وعلى أطماع زائلة أحيانا أخرى حتى يصير الإنسان مقيدا بالأصفاد والأغلال وهو يدفع ثمن هذه الحروب التي لا تبقي ولا تدر ولا ربح من ورائها سوى هلاك الأنفس وخراب المنشأت.
إذن وسط هذا الظلام الدامس القاتل الفتاك يسعى الكل إلى السلام حاملا معه وردا عربونا على الأمان رافعا علم السلام.

احنا اولاد العـالم جايبين الســلام
من أرض السلام
باركا من الحروب جفوا دموع الصبيان
نهديكم باقة ورود شعارها بالســلام
من أرض السلام
خليونا من الكذوب خليو الحق يبــان
بلغونا للمقصـود شعارنا بالســلام
من أرض السلام
المحبة بالســلام ف تاريخ العــالم
طلقونا من الحبال شعارنا بالســلام
من أرض السلام [39]

5-2 - إفريقيا :
تمتد جدور المغرب بعيدا في إفريقيا باعتبار الجغرافيا والتاريخ المشترك في كثير من المجالات، ومعلوم أن تاريخ إفريقيا تاريخ صراعات وتطاحنات بكل تنوعاتها، صراعات على السلطة وصراعات على الثروات … حتى أضحت إفريقيا مطمحا لكل القوى الغربية، فأفلحت هذه الأخيرة في استعمارها ونهب خيراتها وكسرت أجنحة كل من ينادي بجلاء المستعمر وإرجاع الخيرات لأهاليها فقتلت بعظهم وسجنت البعض الآخر وطرف ثالث عذب. ناهيك عن العديد ممن طردوا وثم نفيهم خارج بلدانهم … هذا الواقع المرير حال أغنية "الدم السايل" التي تعتبر بحق وثيقة مهمة تصف ذلك الجرح العاري الذي لم يندمل بعد .
يا الدم السايل
يا الورد الذابل
يا أم البلدان … يا إفريقيا
واش هاد الحالة
نارك شعالة
يا شمس الأمل … يا إفريقيا

فيك الغرب ينهب
في خيرك يحطب
في أولادك يرهب
ب الجوع ولحزان … ياإفريقيا
الجوع ولحزان
ليام تنادي … يا إفريقيا
لمرض والعذاب
في عيون الصبيان … يا إفريقيا [40]
ومهما يكن من أمر فإن أي أرض مستعمرة لابد وأن ترجع لأهلها الأصليين ومالكيها القدامى. وهكذا عادت البلدان الإفريقية إلى أهاليها لتنهض بعد ذلك مشكلة الصراعات على السلطة حيث طفت على السطح تطاحنات ومواجهات عنيفة خلفت قتلى ومشردين ودمارا في البنيان، وإذا كانت هذه الأزمات يكون فيها الإنسان المصدر الأساس في افتعالها فإن هناك أزمات أخرى ناتجة عن غضب الطبيعة …
6 - الأغاني الوطنية :
الفن في خدمة الوطن، هكذا استشعرت ناس الغيوان الأمر. أنه حب الوطن حب متجدر في الأعماق لا يقدر بثمن ولا يمكن وصفه بأي حال من الأحوال، إنه حب بلاد أحبها أهلها فأحبتهم ومنحنهم الأمن والسلام ناهيك عن خيراتها … وهذا ما جعلهم يتوحدون للدفاع عن هيبتها وكرامتها زد على ذلك صد كل الأعداء والطامعين في النيل منها.
خضرة يا بلادي
حبك في لعماق … ماليه توصاف
يا جنة الله في أرضه

حده ف قده يا بلادي
وما يقضي كيد الطامعين ولو يجهدو
في كيدهم ينكدو يا بلادي
يا نجمة في سمايات العالم

حبك يا بـــلادي في لعماق راه طايف


وعليك أنــــادي يا مولات الخــالة


أولادك تنــــادي بحبك يا عز لوطان


السايح اللي يجي عادي عادي وما يعادي[41]

كل إنسان كيفما كان لا يرضى بديلا عن وطنه، بل يريده ملاذا آمنا مستقرا، وفي هذا الصدد سعت الغيوان إلى لفت الأنظار إلى بعض التغور المغربية التي لازالت محتلة وتعد اليوم من أقدم الأراضي المحتلة في العالم ويتعلق الامر بمدينتي سبتة ومليلية المدينتين اللتين تصفهما المجموعة بالمدن المسجونة اللتين طالت غربتهما كما طالت غربة بعض المدن الفلسطينية كحيفا ويافا.
يا سبتة ومليلية المدن المسجونـة يا حيفاء ويافا طول الغربة وطول العدوان[42]

7 - أغاني من الشجن والأسى :
من مخلفات المرض الخبيث الذي ألم بالمرحوم العربي باطما هو تلك النفسية المتدهورة لهذا الأخير حيث ظل ينتظر أجله المحتوم في كل لحظة وحين "أنا لم يبق لي الحق من الأمل" عبرات تكررت مرات عديدة في سيرته الذاتية الرحيل. فكان كل يوم يمر يعتبره العربي ربحا لوجوده وزيادة يوم من حياته. إن المرض وانتظار الموت والنفسية المتدهورة موضوعات تبلورت بأشكال متعددة في مجموعة من الأغاني التي أنتجتها المجموعة في هذه الفترة .

مكواني مكوانــي ما نضحك أنا بحال الناس


مكواني مكوانــي ما نضحك أنا مع الناس[43]

ففي أغنية "لهموم حرفتي" التي منها هاذين البيتين تبدو معالم المرض والحزن واضحة وهو مرض يصفه باطما بأن الطب عجز عن السيطرة عليه حتى أنه سلب منه تلك المهجة والابتسامة المعهودة منه وتركه وحيدا يصارع قدره بعيدا عن أعين الناس لكن رغم كل هذا العذاب لم يستطع المرض أن يثني العربي عن كتابة الأشعار وكل ما يخطر بباله:

لا طبيب داوا علتـــي كيف نساعف هاد البـــــاس


ولات الهموم حرفتـــي وتقادى جهدي يا النـــــاس


كيف اعمالي وحيلتــي مع السالب مهجتي زاد عليا نــار


هو يمحي ف لوحتـــي وأنا نتمنى ف راحة نكتب الاشعار[44]

لكن في النهاية يتضرع الفنان إلى الله طالبا منه الشفاء فهو القادر على معافاة عباده :

يا من بلاني بحركتي اطفي هاذ النار[45]

أما أغنية "غادي ف حالي" فهي تصور نفسية أكثر حزنا واسى نفسية متدهورة جدا مليئة بالأحزان والآلام حتى صار العيش في ظلها نكد ومر، فالعنوان "غادي ف حالي" فهو ذهاب إلى الموت ليس إلا، لأنها على الأقل استراحة أو كما يسميها العربي قتل المرض وإعلان نهايته .

نكول كلامــي وغاذي ف حالي


ف هاد الزمــان كلشي غضبـان


المرض ولحــزون وأنا مخــزون


ودموعي تنــزل جارية ويـدان


الصبر ف صدري جنوي مدفـون


الليل بنهـــار عيشة لـمرار[46]

8 - أغاني الهم والانساني :
الجمرة، باسمك، السيف البتار، السايل، أش جرى ليك، هولوني، قالت، يا بني الإنسان، مهمومة … أغاني عديدة وعديدة تصور بشكل فني هموم الإنسان. لأن الفن لم ينفصل أبدا عن إعادة إنتاج وصياغة الأحزان والأزمات الذاتية وتصويرها في قالب فني غنائي، وهذه الهموم لا تخص فردا أو جماعة بعينها وإنما هي إسقاطات على دواث جماعية إكتوت بنار هذه الأحزان، وناس الغيوان حاولت تجسيد هذه الهموم من خلال الفساد الإداري، الهجرة السرية، المفارقات الإجتماعية، التزوير، الفقر، الغربة والمتغربين، الهجرة … فعبر هذه المضامين استجابت المجموعة لرغبة وافق انتظار أوسع القطاعات التي سئمت أكوام الكلام الملحن المنمق حول الحب والهجر والهيام … والمتناولة غالبا برؤية تبسيطية وسادجة … لهذا عمدت المجموعة بذكاء إلى إلتقاط مختلف الهموم والقضايا الإنسانية والاجتماعية وطرحها برؤية إنسانية متقدمة وبواسطة كلام من صلب المجتمع وإيقاع من إنتاج هذا المجتمع، هذه الهموم وصلت أحيانا حد الاحتجاج والصراخ (قضايا الفقر، الظلم، التفاوتات الطبقية …) وهكذا عبرت أغاني هذه المجموعة بقوة وسهولة إلى أذهان وعقول آلاف بل ملايين المستمعين … حيث صارت آلاف الشفاه تدندن بأغان تعتبر اليوم وبكل امتياز تحفا غنائية حقيقية في الذاكرة الشعبية[47].
ويمكن أحيانا بسهولة رصد هذه الهموم في الأغنية الشعبية كما يمكن رصد التفاوتات الطبقية وكل المضامين الأخرى داخل الأغنية على عكس ذلك هناك مضامين تحتاج إلى إعادة النظر مرات ومرات عديدة إذاك يمكن الوصول إلى المعنى المبتغى وأحيانا لا يمكن أو يصعب الوصول إلى أي معنى .
8-1 - التفاوتات الطبقية :
عبر ثنائية الغني / الفقير تضعنا ناس الغيوان أمام صورة درامية تشخص واقع الغني / الفقير واقع يتجسد من خلال المفارقة الواضحة بين المسكن والمشرب، بين رجل يقطن العمارات ورجل متشرد بين الأكواخ، بين رجل يقطن "القيلا" وآخر لا مأوى له سوى "نوالة" يتستر فيها إلى أجل غير مسمى، أما الأكل فحدث ولا حرج ...
فعبر هذه الثنائية الغني / الفقير تتجسد هذه المفارقات والتناقضات وتعتبر أغنية "لكفيفة" واحدة من الأغاني التي جسدت هذه الطبقية والبون الشاسع بين أساليب العيش في مجتمع واحد، مجتمع يزداد فيه الغني عنا والفقير فقرا، ولا مجال فيه ليرتفق الغني بالفقير ويتقوى الفقير بالغني :

شي بالشوا فطوره وعشاه شي يصول بسيفه واممضاه


شي لكفيفية غالبـــاه الأرض فراشه والسما غطاه

عايم ف الغيس من كدامه لكفاه [48]
إن هذا المقطع يضعنا أمام عملة ذات وجهان : وجهها الأول الغني ونوعية طعامه ومأكله في تحد صارح لكل من يريد أن يتحداه، أما الوجه الثاني فهو يتضمن الفقير الذي لا يستطيع سد حاجياته الخاصة والضرورية من مأكل ومشرب أما السكن فليس له سوى الأرض فراشا والسماء غطاءا، في احالة إلى الفقر المدقع ونفس المعنى تحمله الصورة الأخيرة من المقطع "الغيس" فهي دليل على كثرة الهموم والمشاكل والأحزان ولا طاقة لهذا الفقير على حلها ومواجهتها.
وتأتي في نفس الإطار (الغني / الفقي) أغنية "علي وخلي" وهذه المرة بصورة أكثر مرارة تجسد حال الغني الذي يعتمد على أساليب خارج القانون من أجل الحصول على المال ثم الظلم الذي يمارسه على الفقير وسلب كل حقوقه :

تبني وتعلـــي وتمشي وتخلــي


غقلك مدنــي يا خايب الحالـة


تبني الحيطــان تشرب الكيسـان


تسكن ف الفيلا وغيرك ف نوالـة



تحكر الفقيــر وتكول التغييــر


وأنت شفيفيــر ما تسواش نعالـة


تزور لــوراق وتشهد بالنفــاق


تسـيء الآداب وتتكلم بجهالــة


أصلك بخيــل وشانك نعيـــل


عيشك قليــل يا عصيد النخالة[49]

وتأتي في نهاية الأغنية حكمة وعبرة تستلهم روحها من وقائع التاريخ الإنساني ومآل البشرية هدفها .

مالك اوا مالــك أش طرى وجرى لك


ضنيتي راسك خالد وانت للزوالـــة


ما دامت لعــاد ولا ورثها شــداد


آخرها لقبـــر وحر السوالــة[50]

وتصور ناس الغيوان الأغنياء بأسماء وصفات قوامها البخل والشح والطغيان والفساد، ففي أغنية "السمطة" يغدو الغني أحد الوحوش الضارية حيث أنيابه ممدودة لقضم كل من يأتي أمامه كما يعمد إلى نزع حقوق الآخرين، فالأغنية تعترف ضمنيا بوفرة الخيرات والثروات لكنها في أيدي جماعة من الوحوش تستغلها لوحدها مبعدة كل واحد ليس في مستواها المادي ومستواها المركزي، واستعمال الأنياب هنا له دلالة مهمة فهي كناية عن القتل والإعدام فكل من سولت له نفسه التفكير فقط في هذه الثروات والخيرات مآله الموت :

العمارات عاليــة لكواخ مردوميـن


لمسابح دافقـــة لفدادن محروقيـن


أرضي عاطيـــة كنوزها مفتوحيـن


لوحوش الضاريـة أنيابها ممدوديــن


شمسي ضاويــة لبيوت مغموقيــن


بحوري عامــرة وحنا جيعانيـــن


الدنيا غادية يا هلي ب حال المسكين[51]

إذن التفاوتات تتجلى بتمظهرات عديدة في الحياة لكنها تلازم الإنسان حتى بعد الموت، وهو في طريقه إلى مثواه الأخير ليوارى الثرى، فالغني ما أن يعلم الجميع بوفاته حتى يهرع الكل إلى بيته، فقهاء يقرءون عند رأسه وناس آخرون يهللون قرب جثته وآخرون أيضا يحصون أعماله في الدنيا وحشد هام يتبع جنازته بتكبير وتهليل، فقط لأنه غني شغل الدنيا بماله. أما المسكين إن بقي حيا أو توفي فهما سيان لا يذهب في جنازته إلا أهله ودويه فقط لأنه لا يملك في دنياه شيئا. هكذا تأتي إذن أغنية "السيف البتار" :


مات الغني يا حبابــي طلبة وعوام تابعـــاه


شي يقرا عند راســه شي شاد السبحة حـداه


تبعوا لكنازة يهللـــو وريح الوارث شــاداه


لاغاو لقسام بالجملــة كلها يلغي ب لغــاه


خلى الديور والـدواور خلي ليشاشرة معــاه


كان بايت ف التجـارة وظن الموت ناسيـــاه


كلها يكول حبيبــي وريح النفاق سابقــاه


راس ماله غير حرقة … حفرة … وشبر ما سواه


مات المسكين يا حبابـي حتى واحد ما مشى معاه


قرا طالب عند راســه بزر عليه ما قـــراه


خلى الميمة عميـــا على خياله حاضيــاه


كان مفرش لحصيــرة واليوم هي غطـــاه


لاغى الهموم بالجملــة والغني ساكن حـداه[52]


لتنتهي الأغنية مرة أخرى بحكمة هي أن الموت عدل، وهي تساوي بين الغني والفقير فهما سواسية في القبر لا تمايز إلا بالعمل الصالح :

خويا وظلام لقبـر مع لميسر ساواه[53]

ويمكن استجماع كل التمظهرات السالفة الذكر في الترسيمة التالية :


العمارات الكــوخ
القيــلا النـوالـة
الشــوا اكل بسيط
المــال الفقـــر

الغني الفقير

جنازة كبيرة جنازة صغيرة
فقهـــاء فقيه واحـد
عامة الناس أهله ودو
8-2 - الرشوة والفساد :
تفشت ظواهر عديدة في الإدارة المغربية بعد الاستقلال واستفحلت كثيرا في السنوات الأخيرة لتنتج عنه ظهور جمعيات ومنظمات لمحاربة هذه المظاهر الدنيئة ولعل أهمها الرشوة والفساد الإداري، فناس الغيوان قبل ظهور هذه الجمعيات كجمعية ترانسبارنسي مثلا أول من ندد بالرشوة فعبر اغان عديدة حوت في معضمها إشارات عن هذه الآفة .
ففي أغنية "باسمك" عبارات صريحة عن الرشوة والفساد :

تخلطات لشياه بلا نظام والذيب رعاها كثرات لهموم يا المولى والعين بكـات


الهم سيطر عل ليام وجاب خلاهــا الرشوة ولفساد ف الدنيا جات المحنات


الشر والتزوير … لحرام والقتل باهـا عمات لقلوب يا المولى مشات الحياة[54]

ناس الغيوان في حديثها عن الرشوة والفساد والتزوير لم تتكلم فقط عن الموظفين الصغار الذين يقومون بهذه الأعمال بل تجاوزتهم إلى الحكام ودوي النفود وصناع القرارات فهم أيضا لهم نصيبهم من هذه الأعمال حيث جاء في أغنية "سبحان الله" :

جور الحكام زادنا تعب وقسـوة لا راحة ولعباد ف نكد وتعسيــف


والحاكم كايصول كايقبض الرشوة والشاهد كايدير ف الشهادة تحريف[55]

ما أن خرج الاستعمار من المغرب حتى استولت طبقة / نخبة على المناصب والثروات والخيرات وهمشت أبطال المقامة وجيش التحرير وعملت على اعتقال وقتل كل من يطالب بالتغيير وكل من يطالب بحقه. وقامت بكل ما في وسعها على إفساد الإدارة ونهب الخيرات فجاءت أغنية "المعنى" حاملة لهذا التنديد :

طبقة رسات راسها فوك الطبقـات حطت وفرخت جرادها تما بقات[56]

وارتباطا دائما بالفساد تحمل أغنية "الجمرة" مسؤولية الفساد إلى الطبقة الحاكمة :

عم الفساد يا لعباد الناس خوتنا فضحونـا


ب لجمر الوكـاد وسط صدورنا وشمونا[57]

يمكن القول أن الرشوة والفساد والتزوير مواضيع تجلت بكثرة وفي مواقع مختلفة في الأغاني الغيوانية ويمكننا ختم هذا الباب بمقطع من أغنية "دلال" هذا المقطع يحمل إشارة واضحة إلى تلك الطبقة التي رست فوق الطبقات فقامت بالنهب والسلب والقتل وأقامت مشاريع لصالحها على حساب الضعفاء والمستضعفين :

كترتوا رشاوي ايا قوم الطغيان بنيتو الخاوي ف زمان الغفلـة[58]

8-3 - الهجرة ومعاناة الاغتراب :
بعد أن ضاقت كل السبل بمجموعة من الشباب بسبب قلة فرص العمل في هذا الوطن لم يجد بعضهم سبيلا غير الهجرة إلى ما وراء البحر، لكنها للأسف هجرة غير محسوبة العواقب أضف إلى ذلك أنها تتخذ أسلوبا انتحاريا في غالب الأحيان إذ يجتمع العشرات على مركب صغير ثم يقتحمون البحر في تحد ضنا منهم أن عبوره إلى الضفة الأخرى أسهل مما يتصور الكثيرون لكن في الغالب تكون الكارثة اكبر مما في الحسبان، إذ تسلم أرواح الكثيرون إلى بارئها ويكون الحوت بشتى أنواعه في عيد غير منتظر يقتات من جثث هؤلاء الضحايا، فمنهم من ترك الأهل والاخوة في حيرة لا يعلمون شيئا عن مصير إبنهم، ومنهم من ترك التكالى بدون معين ومنهم من نجا من الموت فاستفاد من هول الصدمة ومنهم من نجا من الموت لكن تحدوه رغبة معاودة اللعبة من جديد؟!!! فهل ستنجح المحاولة ثانية ؟؟ ناس الغيوان أشارت إلى هول المشكلة التي تفاقمت كثيرا في السنين الأخيرة فكانت أغنية "السمطة" حاوية لهذا المشكل ومذكرة بالعواقب الوخيمة التي تتمخض عنه .
يأتي مطلع الأغنية كصرخة ومرارة لمشكل لابد وأن تتكثف الجهود لحله وإيجاد طرق كفيلة بمعالجته لتأتي بعد ذلك تفاصيل المشكلة منذ بداية المغامرة إلى النهاية، طبعا النهاية المؤلمة في الغالب حيث لا المال يرجع إلى أصحابه، ولاهم وصلوا إلى مبتغاهم ولا الروح بقيت في جسدها إلى حين انقضاء أجلها :
فتجة ف كلبي ب دكة صعيبة
ولا نحكي على حبابي … حالي با مكواه
خداتهم الغربة ف ضارة وسبيبة
صار لبحر جبانة والحوت جاه عشاه
الشط بعيد … والبوغاز راه فين راه
فين غادي …؟؟
الدراع عيا …ولمواج كليبة
لهواعة خاد الثمن ودا المجداف معاه
المركب يفرق … الموت قريبة
واش قبلها
شهدو احبابي بالله [59]
أما إذا نحج البعض في الهجرة إلى خارج الوطن، وحصل على مبتغاه فإنه لم ولن ينحج في تخطي معاناة الغربة والاغتراب، فذلك الشوق والحنين إلى الأهل والوطن والتراب لا يفارق المخيلة، ومهما طالت الغربة فذكريات البلد بحلوها ومرها بإيجابياتها وسلبيتها تمر أمام الذاكرة كل حين في استرجاع وجداني لكل الظروف … وكغيرها من المجموعات رددت الغيوان باسم المغتربين أغنيتها الحزينة "فين غادي بيا خويا" المليئة بالحنين إلى الأرض وللتربة وللخيل والقصبة والموسم وللبندير … وغيرها من الصور التي يمثلها الوطن[60] ومن مقاطعها :

فين غادي بيا خويا فين غادي بيـــا


لا تلومونا ف الغربة يا هاد النـــاس


لا تلومونا ف الغربة وليعة الغربــــة


أنا ما نسيت البندير أنا ما نسيت الكصبة


أنا ما نسيت الموسم والخيل سربة سربـة


أنا ما نسيت لعشيرة ولا كمح الرحبة[61]

وبنبرة من الحب ترجو المجموعة الوصال وتنبد الفراق والبعاد حيث جاءت أغنية "نرجاوك عل الدوام" كلها تمني ورجاء من أجل القرب والوصال، فالعنوان لوحده خير دليل على هذا الكلام وحتى ان حكمت الأقدار والظروف على الإنسان بالغربة فعلى الأقل أن يتمكن المرء من التواصل كي لا تطول الغربة لأنها ببساطة إن طالت تتحول إلى فراق ووداع وقطع للأوصال والأرحام :

زورنا يا حبيب الخاطر زورنــا ونزوروك


لا تطول غيبـــة نرجاوك على الدوام


ما يحلى لي يوم غبتي ولا تحلى لي سوايعـه




تحرار النعمة يا ويحي ما يحلى لي كـــلام


الناس بحبابها تكـون هي ديما ف شان عـالي


ونا يا سيدي فراقـك عنو ما كالو مقــال


لو كان الجهد جهدي نعرف أنا مانديـــر


نضرم النار ف الفراق نرمي رماده ف صحاري


نلاكي كلوب المحبـة نلاكيها على الـدوام[62]

هكذا يبدو السؤال عن الأهل والأصحاب والأحباب ليدوم التواصل والقرب، وهكذا وظفت الغيوان هذه القيمة في اغان عديدة رجاء وثمن للقرب والوصول .
9 - أغاني زمن غطرسة القوة :
لا يختلف اثنان في أن سنوات ما بعد الاستقلال في المغرب كانت سنوات خاصة، سنوات عجاف إن صح التعبير، كثرت فيها الاعتقالات والاعدامات وغيرها من وسائل الرهب والترهيب، فكان كل من يدعوا إلى تنظيم مظاهرة أو مسيرة يختطف ومن ساهم في عمل يتوخى من ورائه المطالبة بالإصلاح والتغيير يسجن ويعذب شر عذاب، حتى الوطنيين الذين جاهدوا بأموالهم وأنفسهم من أجل استقلال الوطن همشوا ومن طالب منهم بالإصلاح ليسجنن أو عذاب أليم فكانت قوى البطش والغدر التي فتحت فمها على البلاد الآمر والناهي وما عداها إلى الجحيم …
نعم نظمت حملات تسببت في كثير من النوازل والأزمات والكوارث والمحن وكشفت بجلاء عن نوايا وأبعاد ومخططات القوى الظلامية حيث امتدت يد الغدر إلى قيادات المقاومة وحيش التحرير فأودعت السجن بعض رجالاتها الأفذاد الذين أبلوا البلاء الحسن من أجل هذا الوطن ودوخوا الاستعمار بكفاحاتهم الرائعة وبطولاتهم الناذرة فقبل أن تنظم هيئة الإنصاف والمصالحة جلسات الاستماع حيث أكد حينها الكثيرون بأن أول الانتهاكات طالت الأحرار الذين شاركوا في تحرير البلاد صرح مجاديب الغيوان في أغنية "سامحوني" :
دوم يا كلام الحق دوم
من الظهر طعنتو لحرار
واللي جرى راكم عارفينو
ارميتونا ف الظلام
ها حنا يا سيدي ف ردهاته[63]
كثيرة هي الأغاني الغيوانية التي فاحت منها نفحات عن سنوات الظلم والقهر والاعتقالات التعسفية فالناس البسطاء والعاديون نالوا حظهم من الاعتقالات والاعدامات فما أن يطالب أحدهم أو يشارك في خلية نظالية من أجل التغيير حتى يودع السجن بتهم أو بدون تهم بمحاكمة أو بدون محاكمة أحيانا أخرى كما جاء في رائعة "زاد الهم" :



ندمني غير المسجون بلا عدر كقر لغدر قاومه ب لقساوة[64]


وفي أغنية "الصدمة" إشارة واضحة إلى تلك الأغلال والقيود التي طالت وكبلت أيادي الكثيرين :


هذا بالغلال مقيـد واش انتما بنـادم[65]

وبصراحة فائقة تحيل أغنية






    رد مع اقتباس