عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-09-11, 18:52 رقم المشاركة : 2
روبن هود
بروفســــــــور
إحصائية العضو







روبن هود غير متواجد حالياً


وسام1 السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

افتراضي رد: بيني وبين علم النفس


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة اسلامي نور حياتي مشاهدة المشاركة
أحسد اثنين ... رجلاً آتاه الله عقلاً يُتقن به الرياضيات ، ورجلاً آتاه الله صبراً يحتمل به علم النفس ...
أما الرياضيات فهي معضلتي منذ الأزل ، وقد أقفلت باب عقلي دونها وانتهى الأمر ... قلت مرة لصديقٍ لي : من يُفهمني الرياضيات أُعْطِهِ عمري كله ، فقال : وماذا تُفيدك الرياضيات إذا خسرت عمرك ؟ قلت : يكفيني أن أخرج من الدنيا بجدول الضرب ! ...
وعندما قرأت أن (أفلاطون) كان قد كتب على باب مدرسته : "من لا يعرف الرياضيات فلا يدخل هنا" حمدت الله أنني لم أكن في عصر أفلاطون كي لا أُطارد من مدرسة إلى مدرسة ، فأنا أعرف أن أفلاطون هذا لم يكن يقبل وساطةً لأحد ، ولن ينفعني عنده آنذاك أن أصطحب معي وَليَّ أمري ، أو أن أَدخُلَ عليه بورقة من (فلان الوزير) أو (بكارت لفلان الأمير)... فهو ليس كمدراء جامعاتنا العربية هذه الأيام (بتلفون واحد) يُصبح المكروهُ واجباً ، والواجبُ فرضاً ، والمستحيلُ ممكناً ، وتُخْتَرعُ الدرجات الوظيفية في دقائق معدودة ، ويتذكر الجميع أن هناك عشرة أماكن شاغرة تحتاج إلى من يشغلها ... حتى لو كان من سيشغلها أضل من حمار أهله ـ إن كان لأهله حمارٌ غيره ـ
وأما علم النفس فقد كانت أثقلَ المحاضراتِ على نفسي أيام الجامعة محاضراتُ علم النفس ، وكنت أخرج منها كما دخلت إليها ، ولا أذكر الآن شيئاً من النظريات التي كان الدكتور يُتحفنا بها في كل محاضرة ، عدا نظرية (بافلوف) أو تجربته على الكلب أو الفأر أو القط ( لا أذكر) . ولا أدري لماذا يضطهد علماء النفس الكلاب والقطط والفئران فقط ، رغم أنها أقرب إلى الإنسان من جميع الحيوانات الأخرى ( ربما لهذا السبب يضطهدونهم ؛ فالإنسان لا يؤذي إلا كل قريب منه!!) .
مشكلتي مع علم النفس كانت في طريقة الطرح ، أو أسلوب التدريس وهي مشكلة عامة في جميع العلوم ، ولكنها تظهر بوضوح في علم النفس ؛ لأن علم النفس في ذاته كان ـ قديما ًـ جزءاً من الفلسفة لا يُدرس إلا معها (من أيام صاحبنا أفلاطون الذي لا يقبل الوسايط!!) ، وأنتم تعرفون أن الفلسفة تحتاج إلى عقلٍ ثانٍ على عقل الإنسان حتى يفهمها ـ هذا إذا فهمها!! ـ ومن هنا جاءت المشكلة ؛ فلكي يفهم الطالب علم النفس لا بد من طرائق خاصة لتدريسه وتسهيله وتيسيره ، وهذه الطرائق لم نسمع عنها بَعْدُ في عالمنا العربي ، فليس عندنا إلا أن يدخل الدكتور ويبدأ المحاضرة ( ويا ويل من ينبس ببنت شفة ) ، ثم قبل أن يخرج يسأل : ( هل عند أحد منكم سؤال؟ ) ولا يعرف الدكتور الفاضل أننا لم نفهم ما قال .. فعن أي شيئ سنسأل؟!!
مضت أيام الجامعة بخيرها وشرها ، ونجحت بحمد الله بعد أن حفظت المقرر كله ونسخته في ورقة الإجابة ، ثم شاء الله أن يتخصص أخي الأستاذ محمد فريد في علم النفس فاستبشرت به خيراً وقلت : دروس خصوصية مجانية ، وصرت أقضي معه الساعات ذوات العدد نتناقش فيها حول علم النفس إلى أن نكتشف أننا قد تناقشنا في كل شيئ إلا علم النفس ... وهنا تكمن الروعة والمشكلة في آنٍ واحد !!
أما الروعة فإنك تجد علم النفس كمركز الدائرة الذي يتفرع منه كل شيء ، أو كمفترق الطرق الذي يوصل إلى جميع الجهات ، فهو مَنْبَعٌ وَمَصَبٌّ وبين المنبع والمصب كلُّ ما ترى من الفروع ( وهذا ما جعلهم قديماً يُدخلونه في الفلسفة ؛ لأن الفلسفة هي علم الحياة ، ولن تستطيع فَهْمَ الحياة ما دمت لا تفهم نفسك ؛ فعلم النفس هنا كالرجل (الحِشَرِيِ) بكسر الحاء وفتح الشين ـ في اللهجة المصرية ـ و(المَلْقُوف) بفتح الميم وتسكين اللام وضم القاف ـ في اللهجة السعودية ـ و(المتطفل) ـ في الفصحى ـ الذي يتدخل في كل أمرٍ ويَدُسُّ أنفه في كل شيء ، ويندر أن تجد علماً إنسانياً ، أو منهجاً فكرياً لا يكون حجرَ الزاوية فيه علمُ النفس ، حتى لو ظن قصيرُ النظر أنه بعيد عنه بُعْد الأرض عن السماء ، أو بُعْدَ العرب عن الاتفاق . ولقد ذكر المفكر الإيراني المعتدل ـ نوعاً ما ـ علي شريعتي في كتابه (العودة إلى الذات) أن شركة تصنيع السيارات المشهورة (فورد) كانت تعتمد اعتماداً كبيراً على خبراء نفسيين وأساتذة أكاديميين ـ منهم بعض من دَرَّسُوه ـ لرصد الحراك النفسي للمجتمع حتى تواكب المتغيرات الجديدة التي تَجِدُّ على نفسية المستهلك فلا تُهملها عند صناعة (الموديل) الجديد من سياراتها ... ولو رحت أستعرض معكم أنواع العلوم التي يتدخل فيها علم النفس ؛ لأعياني الاستعراض ولأعيتكم القراءة ، وأنا كما ترون لا أحب كثرة الكلام !!!
خلاصة القول : أن كل ما هو إنساني سيقودك بالضرورة إلى علم النفس ... هذه هي الروعة فيه .
وأما المشكلة فإن كثرةَ تشعبات النفس الإنسانية ، ودهاليزها الضيقة وغرفها المغلقة ، وحواريها المتداخلة ، وخلفياتها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية ، ورغباتها وميولها ، تجعل من المُحال عقلاً أن نضع لها قياساً صارماً نقيس به أدواءها لنصَفَ به دواءها ؛ فالأقيسة الصارمة ، والقواعد الجامدة ، والنظريات العامة لا يمكن أن تُطَبَّقَ على كل أحد ، ومهما حاول أساتذتنا من أساطين علم النفس أن يقنعونا بأن هذه النظريات تصلح مقياساً للنفس الإنسانية وراصداً لأمراضها فلن يفلحوا في ذلك .. لسبب بسيط هو : أنهم أنفسهم غير مقتنعين ...
الأمر ببساطة كما أظن - وقد أكون مخطئاًـ هو أن علم النفس بنظرياته الحالية ، وقواعده المتداولة ، جاءنا من وراء البحار ، ككل شيء أَحْسَنَّا استيراده ولم نحسن صنعَه ، وقد وضعه أصحابُه أول ما وضعوه لبيئةٍ بعينها يعرفون خصائصها ومميزاتها ، وإيجابياتها وسلبياتها ، وعاداتها وتقاليدها ، وأهدافها ومنطلقاتها ، وحين أحسوا بخصوصيةِ ما وضعوا وأرادوا أن يكون تطبيقه عاماً على النفس الإنسانية ، لم يجدوا بُدَّاً من إضافة بعض القواعد والنظريات الجديدة التي رأوا أنها تُلائم الإنسان في كل زمان ومكان ، وغفلوا أو تغافلوا عن القاعدة الإنسانية العامة أن الإنسان ابن بيئته ، وأنه مهما حاول أن يكون كونياً أو عالمياً ، فلن يفلح إلا في حدود اتكائه على الفطرة الربانية التي فطر الله الناس عليها ، فجاءت إضافاتهم أشبه بالرُقَعِ الملونة في الثوب الخَلِق .
ولأن عالمنا العربي يزخر بالمستوردين وأصحاب التوكيلات فقط ، استورد بَعْضُنَا هذه الرقع وَعَمَّمَهَا على مجتمعاتنا ، مُعْتَبِرَاً ـ كعادتنا في تعظيم كل ما هو أجنبي ـ أنها قواعد ثابتة ، تصلح لكل زمان ومكان ، فإذا اعترض معترض على هذا الفعل ، اعتذروا بالحجة الدائمة أن هذا هو أفضل ما أنتجته العقول الغربية المتميزة ، فأخطأوا مرتين : الأولى : في الفعل ، والثانية : في الاعتذار . وصاروا (كأبي الجَصَّاص) حين دخل على الوزير (ابن الفرات) وهو في شُرْفَةٍ له على نهر دجلة وكان في يد أبي الجصاص بطيخة كافور فأراد أن يعطي الوزير البطيخة ويبصق في دجله، فبصق في وجه الوزير ورمى البطيخة في دجله ؛ فارتاع الوزير وارتعب ابن الجصاص وقال : والله العظيم لقد أخطأت أردت أن أبصق في وجهك وأرمي البطيخة في دجلة ، فقال له الوزير : كذلك فعلت يا جاهل. فغلط في الفعل وأخطأ في الاعتذار ...
وأنا لا أدري كيف يستطيع إنسان أن يطبق نظريات علم النفس الغربية على الناس في بوادي نجد ، أو صعيد مصر ، أو مجاهل أفريقيا ، والدنيا غير الدنيا والناس غير الناس ؟!!
سيقول البعض : لنطبق النظريات الخاصة بالمشترك الإنساني ؛ فإن البشر يتفقون في كثيرٍ من المنطلقات والأهداف النابعة من الفطرة ، واتفاق المنطلقات والأهداف يُنتج عادةً الأمراض ذاتَها ... وهذا صحيح عموماً إلا أن الاختلاف هنا اختلاف ضخم تجاوز الفطرة الربانية بمراحل ؛ لأن القواعد والأصول في علم النفس الغربي بُنيت ـ غالبا ًـ على أُسُسٍ أبعدَ ما تكون عن الفطرة الربانية ، ومن المحال أن تختلف الأصول وتتفق الفروع ، وسيكون من الحمق أن نطبق نظريات تعود إلى أصولٍ خاصة على أوضاعٍ عامة ... وهذا في نظري هو العائق الأكبر الذي يحول بيننا وبين التوصل إلى حلول جذرية لهذه المعضلة ، إلا أن نضع لكل إنسانٍ علم نفس خاصاً به ... وهذا ما لا يمكن عقلاً .
أنا لست من أهل الفُتْيَا في علم النفس ، ولكني أرى والله أعلم أن الحل يكمن في النظر إلى ما في أيدينا ، والاستفادة بما في أيدي غيرنا ، وليس في أيدينا غير الإسلام الذي أثبت التاريخ ـ ولم نكن نحتاج إثباتَه ـ أنه يصلح لكل زمان ومكان ؛ فالإسلام ألصق الأديان الثلاثة بالإنسان ، جاء حين جاء لإسعاد البشرية في الدنيا والآخرة ، وسيجد المتعمق في دراسته أن أحكامه العامة ـ أوامرَه أو نواهيه ـ لا تتعارض مطلقاً مع مصلحة الإنسان ونفسيته ، سواءً كان هذا الإنسان يعيش في القطب الشمالي أو القطب الجنوبي ، ولقد دخل الإسلامُ الشرقَ والغربَ فما أَحَسَّ العربي أو الإسباني أو الصيني أو الهندي أو الفارسي حين أسلم ، أن هذا الدين الذي اعتنقه قد تعارض مع مصالحه أو أهدافه أو منطلقاته أو حريته ، بل شعر أنه صار أكثر اتساقاً وسمواً ورضا وراحة وسعادة مما كان عليه من قبل ، رغم اختلاف الأمكنة وتغير الأزمنة ... ومن هنا فإن الإسلام يصلح أساساً ثابتاً لبناء نظرية نفسية متكاملة تستقي قواعدها من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ، وهذا ليس كلاماً مرسلاً لا يستند إلى دليل أو برهان ، بل هو أمر مستقر وثابت يعلمه المهتمون بمشروع أسلمة المعرفة ، وقد دعا إليه الكثير منهم من قبل ... أما إسهامات علماء الإسلام ، وأدباء العربية قديماً في هذا المجال فهي أضخم من أن تذكر ، ومشكلتها الوحيدة أنها منثورة في كتبهم تحتاج إلى همةٍ عاليةٍ لتجميعها وتنسيقها وترتيب شواردها واستخراج نظرية متكاملة منها ، وما كتابات الغزالي ، والتوحيدي ، وابن رشد ، وابن سينا ، والفارابي ، والجاحظ ، وابن القيم ، وابن تيمية ، وابن النفيس ، وابن طفيل الأندلسي صاحب قصة (حي بن يقظان) والسهروردي ، والمعري ، ورسائل إخوان الصفا وغيرهم كثير إلا غيض من فيض ... هذا عدا طرق التربية عند الصوفية التي تُمثل منهجاً نفسياً رائعاً يستطيع من يكتفي به أن يضع إصبعه في عين أكبر علماء النفس الغربيين ؛ ليريه أننا نتكئ على أساس ثابت عمره يزيد على ألف سنة ، بينما أساسه هو الذي ملأ به الدنيا وشغل به الناس لا يتجاوز المائة سنة إلا قليلاً.
ويا ليت موقعنا هذا يجعل من أسلمة علم النفس مشروعه الثابت ، وهدفه الدائم ؛ ليقدم للعالم كله طوق النجاة الوحيد في بحار الحزن والقلق والاكتئاب ... يا ليت !!

أ. علي فريد

الموضوع جيد.
قبل عدة سنوات، بدأ مشروع "أسلمة المعرفة"، وتناول المناهج في العلوم الإجتماعية وغيرها، وكان الهدف تناول العلوم الإنسانية كافة.
وكما جاء في الموضوع، هناك فروق جوهرية بين التصور الإسلامي والتصورات الوضعية الغربية. وهناك مثال بسيط: الحلم يتم ربطه عموما في الثقافة الإسلامية بالمستقبل، في حين يتم ربطه في مدرسة التحليل النفسي الفرويدي بالماضي
.





    رد مع اقتباس