عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-09-02, 00:04 رقم المشاركة : 1
خادم المنتدى
مدير التواصــل
 
الصورة الرمزية خادم المنتدى

 

إحصائية العضو








خادم المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي البيداغوجيا الفارقية وتقنيات التنشيط:


البيداغوجيا الفارقية وتقنيات التنشيط



لن يكون البدء إطنابا في البيداغوجيا الفارقية، بقدر ما سيكون رَمُّوزًا لمنبعها ولأهميتها في التربية والتعليم. ذلك أن الفروق الفردية تنبع من طبيعة الاختلاف الذي أوجده الله تعالى في البشر، ونوعه في الطاقة والتحمل والاستيعاب والقدرات التحصيلية والأدائية والتواصلية للفرد، وهو اختلاف طبيعي و مكتسب في آن واحد؛ فالطبيعي يعود إلى طبيعة وبنية الفرد البيولوجية، وفسيولوجية هذه الطبيعة وتلك البنية، ومدى إمكاناتها الطبيعية في أداء وظيفتها على الوجه الأكمل. في حين المكتسب من الفروق الفردية يعود إلى التنشئة الاجتماعية والثقافية والحالة المادية والمعنوية للفرد كما للمجتمع والأسرة، ولست في حاجة إلى تعداد نماذج من هذه الفروق، فيكفي مثلا أن الفرد الذي يعيش في أسرة ميسورة ومثقفة ومنفتحة على محيطها الاجتماعي... غير الفرد الذي يعيش في أسرة على نقيض الأولى، فتم فروق فردية تظهر في مستوى التواصل وطريقة التفكير وتمثل العالم الداخلي للفرد و العالم الخارجي عنه.
ومنه الفروق الفردية طبيعية في التربية والتعليم، بل تم استحضارها مع نظريات التربية الحديثة، وأصبحت جزءا من الأداء الصفي لا يمكن الاستغناء عنها في تحصيل جودته، كما أنها مكون من مكونات نظريات علم النفس المعرفي. ومفهوم من مفاهيم التدريس بالكفايات حاضر بقوة فيها. لهذا كان من الضروري التعاطي مع هذه البيداغوجيا نظريا وتطبيقيا في التكوين الأساس للأستاذ، حيث نلمس الفروق الفردية في جماعة القسم بكل وضوح عندما ندرس، فهذا يكتسب المعرفة والقيم والسلوكات والأداءات بوثيرة أسرع أو إيقاع تعلمي أسرع من الآخر، وذاك يبدي رغبة إلى تعلم مادة بعينها مقابل نفور الآخر منها؛ وبالتالي حتى نحقق تعلما متوازنا يراعي كل فرد على حدة أو على الأقل يراعي مجموعة أفراد على حدة لابد من أن نوظف في أدائنا البيداغوجيا الفارقية. وعليه فإن أهمية هذه البيداغوجيا تنبع من مراعاتها لقدرات وكفاءات كل متعلم على حدة وتسير وفق حالته الفردية، فهي بمفهوم آخر متقدم عبارة عن تربية وتعليم تفريدي يستحضر الفرد كتميز داخل الجماعة يتكامل معها بخصوصياته البيولوجية والفسيولوجية والأدائية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والإيديولوجية والعقائدية..
ويعبر عن الفروق الفردية بأنها ( الانحرافات الفردية عن المتوسط الجماعي في الصفات المختلفة، فهي بهذا المعنى مقياس علمي لمدى الاختلاف القائم بين الناس في صفة مشتركة وهكذا يعتمد مفهوم الفكرة على مفهومي التشابه والاختلاف، والتشابه النوعي في وجود الصفة والاختلاف الكمي في درجات ومستويات هذه الوجود ) ويعبر عنها إحصائيا بالـبعد عن المتوسط الحسابي (- X X ) سواء في الاتجاه الموجب أو في الاتجاه السالب كما سنرى لاحقا. وهي فروق فردية يجب التعاطي معها من منطلق الأسس التالية:
( 1 ـ النظر إلى الفروق الفردية بين الناشئين على أساس كونها أمرا طبيعيا، وهي تشمل جميع نواحي الشخصية. فكما يلاحظ اختلاف الأفراد في الوزن والطول، والنضارة والشحوب، والسمنة والنحافة، فيجب ألا يستغرب الآباء والمربون وجود الفروق الفردية في الذكاء وغيره من الاستعدادات العقلية، وفي الميول والهوايات، وفي السمات المزاجية كالانطواء والانبساط، والانفعال والرصانة، ونحو ذلك.
2 ـ تتصف بعض الفروق الفردية بالصفات الوراثية، وبعضها يتأثر بتأثير البيئة والظروف الاجتماعية المحيطة بالفرد، ونوع التربية التي يتلقاها، وإذا كان من الصعب التحكم في العوامل الوراثية ـ العوامل الوراثية لم تعد مع علم الوراثة مشكلة ـ فإنه يمكن التحكم في العوامل المكتسبة بإخضاعها للتغيير والتعديل. وهو ما يحمل الآباء والمربين حسن والرعاية بالناشئين كل حسب مستواه وقدراته وميوله واتجاهاته، قدر الإمكان، وبما يساعده على استكمال نمو شخصيته المتكاملة الجوانب.
3 ـ إن وجود الفروق الفردية من الخصائص البشرية الهامة التي جعلها الله عز وجل وسيلة بناءة لتنويع وتطوير الحياة وتقدمها واستمرارها، فالحياة لا تستقيم إذا كان حظ الناس أجمعين واحدا من حيث درجة الذكاء والقدرات والميول والمواهب والهوايات والمزاج والعواطف، وغيرها. ولابد من مراعاة الفروق الفردية وحسن تنميتها وتكاملها مهما كان مستواها وتوظيفها لخير الفرد والجماعة وبما يحقق لهما الأهداف والغايات المشتركة في الحياة.
4 ـ من أهم واجبات الآباء والمربين التعرف على الفروق الفردية لدى أبنائهم واكتشافها أثناء التعليم واللعب والنشاط الترويحي، وتمكينهم من تنميتها وصقلها حتى يحققوا أقصى قدر ممكن من الجودة والإتقان والإبداع.
5 ـ لابد من تحديد طبيعة الفروق الفردية، والعوامل المؤثرة فيها وراية كانت أم مكتسبة، وكيفية قياسها بغية مراعاة قدرات وإمكانيات واستعدادات الأفراد المتنوعة في البرامج ومناهج التعليم والتربية )
تعريف البيداغوجيا الفارقية:
هناك عديد من التعاريف الاصطلاحية لهذه البيداغوجيا نورد منها مثلا لا حصرا:
1 ـ " إجراءات وعمليات تهدف إلى جعل التعليم متكيفا مع الفروق الفردية بين المتعلمين قصد جعلهم يتحكمون في الأهداف المتوخاة " وهذا التعريف هو تقني يركز على الإجراءات والعمليات، وبذلك ضيق مساحة تحركه وحصرها فيما إجرائي.
2 ـ " البيداغوجيا الفارقية هي بيداغوجيا المسارات تسمح بإطار مرن؛ حيث التعلمات متنوعة وواضحة وبائنة من أجل أن يكتسب المتعلمون/التلاميذ المعرفة أو المعرفة الفعل وفق مساراتهم الخاصة " وهذا التعريف هو أكثر توسعا وشمولية من الأول، حيث تعلق بالمسار التعلمي الفردي للمتعلم المبني على معطيات ذاتية وخارجية وعلى المتغيرات الفردانية، كما يقوم حيثيات التعلمات التي تقوم بدورها على المعرفة ومعرفة الفعل بما فيها التقنيات.
وهي بهذا التعريف حسب هالينة برزمسكي يمكن أن تتحدد كـ:
" ـ بيداغوجيا فردانية تعترف بالتلميذ شخصا له تمثلاته وتصوراته الخاصة بالوضعية التعلمية/التكوينية.
ـ بيداغوجيا متنوعة تطرح مسارات تعلمية تستحضر خصوصيات كل متعلم، تتنافى بهذا الاستحضار مع قولة التوحيد وتماهي الكل في أداء العمل بنفس الإيقاع والوثيرة، وفي نفس المدة الزمانية، وبنفس الطريقة والنهج...
ـ بيداغوجيا مجددة لشروط التعلم/التكوين؛ لفتحها أقصى أبواب ومنافذ لأقصى عدد من المتعلمين/ التلاميذ "
ويمكن طرح تعريف إجرائي للبيداغوجيا الفارقية على الشكل التالي:
( البيداغوجيا الفارقية هي البيداغوجيا التي تهتم بالفروق الفردية ضمن سيرورة التعلم وتعمل على تحقيق التعلم حسب تلك الفروق بمعنى أنها تغطي المتوسط الحسابي والبعد عنه في الاتجاه الموجب والاتجاه السالب ).
وهي وفق هذا التعريف تقوم على:
ـ الفروق الفردية المتنوعة التي تمس شخصية المتعلم.
ـ سيرورة التعلم.
ـ تحقق التعلم عند المتعلم حسب معطياته الفردية.
ـ تغطي ثلاث فئات على الأقل هي فئة المتوسط الحسابي، وفئة البعد عن المتوسط الحسابي الموجب، فئة البعد عن المتوسط الحساب السالب.
3 ـ " مقاربة تربوية تكون فيها الأنشطة التعليمية وإيقاعاتها مبنية على أساس الفروق والاختلافات التي قد يبرزها المتعلمون/المتعلمات في وضعية التعلم. وقد تكون هذه الفروق معرفية أو وجدانية أو سوسيو ـ ثقافية وبذلك فهي بيداغوجيا تشكل إطارا تربويا مرنا وقابلا للتغيير حسب خصوصيات المتعلمين والمتعلمات ومواصفاتهم " ، وهذا التعريف مستقى من هالينة برزمسكي.
أنواع البيداغوجيا القائمة على الفروق والاختلاف:
يميز التربويون بين ثلاثة أنواع من البيداغوجيا التي تقوم على الاختلاف والفروق الموجودة بين المتعلمين والمتعلمات كالتالي:
( * البيداغوجيا التنويعية pédagogie variée :
وهي التي تستعمل فيها طرائق وتقنيات تتنوع حسب عنصر الزمان؛ أي أنها تعتمد على أنشطة تتنوع من فترة إلى أخرى ومن حصة إلى أخرى. وتبعا لهذه المقاربة، فإن الدرس< أ > أو الهدف التربوي < أ > يقدم باعتماد تقنية ما، ثم يقدم بعد ذلك، الدرس < ب > أو الهدف التربوي < ب > بتقنية أخرى، وهكذا..
• بيداغوجيا المداخل المتعددة pédagogie diversifiée:
وهي المقاربة التي يقدم فيها نفس الدرس ويحقق نفس الهدف التربوي باستعمال تقنيات مختلفة بكيفية متزامنة < الصورة، اللغة، والحركة إلخ.. >.
• البيداغوجيا الفارقية pédagogie différenciée:
وهي المقاربة التي تشمل، بالإضافة إلى الممارستين الأوليين، على التنويع في محتويات التعلم؛ أي أن هذه البيداغوجيا لا تحاول فقط التنويع في التقنيات والوسائل عبر الزمان أو لتحقيق الهدف نفسه في وقت واحد، وإنما تسعى كذلـك إلـى تـنـويـع محتويات التعلم داخل الصف، ومن ثمة فإنها مقاربة تعتمد على التنويع في الطرائق وفي المحتوى معا ) .
منطلقات البيداغوجيا الفارقية:
تنطلق البيداغوجيا الفارقية من الفروق الفردية الذاتية الطبيعية والمكتسبة، مثل:
ـ الفروق الفردية الذاتية الطبيعية البيولوجية والفسيولوجية كالبنية الجسمية وخصائصها ووظيفتها، حيث يتأثر تعلم المتعلم بشكل وخصائص ووظائف بنيته الجسمية، فعلى سبيل المثال تلعب سلامة البنية الجسمية والعقلية دورا هاما في التعلم؛ في مقابل إعاقتها التعلم عندما تكون غير سليمة بمعنى مريضة، ولعل ذوي الحاجات الخاصة دليل على دور البنية الجسمية والعقلية في التعلم..
ـ الفروق الفردية الذاتية المكتسبة من ثقافة وأنماط التنشئة الاجتماعية، والوضع الاقتصادي والمركز الاجتماعي، وطبيعة المحيط الأسري والاجتماعي.. لها دور هام في البيداغوجيا الفارقية من حيث أنها عوامل خارجية تؤثر بشكل مباشر في التعلم، وتضفي التمايزات على المتعلمين..
ـ الفروق الفردية المعرفية الناتجة عن اختلاف المتعلمين في اكتساب المعرفة التي تنتجها المؤسسة التعليمية، وتمثلاتهم لهذه المعرفة، وطريقة اكتسابهم لها، وسترجاتهم في ذلك، وطريقة استحضارها والتعامل معها وتوظيفها..
ـ الفروق الفردية السيكولوجية ( النفسية ) الناتجة عن اختلاف المتعلمين نفسيا من حيث الشخصية وطبائعها ومميزاتها، من تقبل ودافعية وإرادة وصبر واهتمام وإبداع..
ـ الفروق الفردية المجتمعية النابعة من اختلاف مجتمعات المتعلمين، وطريقة تفكير هذه المجتمعات ولغاتهم وتقاليدهم ونظرتهم للحياة وللآخرين..
ـ الفروق الفردية الاقتصادية، والإمكانيات المتاحة لدى المتعلمين، التي تساعدهم على التعلم، وتمكنهم من تحقيق رغباتهم..
التأطير النظري للبيداغوجيا الفارقية:
ينبع التأطير النظري لهذه البيداغوجيا من منطلق أن الفروق الفردية هي فروق طبيعية ترجع إلى تباين الجنس البشري في الطاقة والمكونات والأداءات، وفي قابليته للتربية والتنشئة الاجتماعية والتواصل الاجتماعي.. كما ترجع إلى الإيمان بمبدأ الاختلاف وحق التميز في إطار التكامل الجماعي ضمن حفظ حق تكافؤ الفرص في التعلم واكتساب المهارات والقدرات والكفايات من أجل ممارسة وظيفة اجتماعية معينة.. بجانب الانطلاق من هذه الفروق الفردية لتحقيق التنوع والثراء المجتمعي لتلبية حاجات الفرد والمجتمع على حد سواء..
وتجد البيداغوجيا الفارقية جذورها النظرية في علم النفس المعرفي الذي يؤكد على حضور الخبرات الحسية للمتعلم، وعلى التفاعلات الاجتماعية، وعلى النضج، وعلى التوازن المعرفي؛ من حيث ( ينبغي أن تتضمن لتربية الجيدة تقديم مواقف للطفل بحيث يجرب ويختبر بنفسه، وتجريبه بنفسه يساعده على أن يتلمس بنفسه ماذا يحدث، وأن يعالج الأشياء والرموز، وأن يثير السؤال والبحث عن جوانب أخرى، وأن يوفق بين ما يتوصل إليه في مرة أخرى تالية، وأن يقارن بين ما يجده من نتائج الأطفال من نتائج.. ) ، ومن منطلق استحضار المتعلم ذاتا مستقلة عن الذوات الأخرى، ومتميزة عنهم نبع التعليم المبرمج الذي يستخدم بقوة البيداغوجيا الفارقية..
لماذا البيداغوجيا الفارقية؟
سؤال مشروع خصوصا في ظل التدريس بالكفايات، حيث نجد هذه البيداغوجيا تغطي التباعدات بين المتعلمين في التعلم؛ خاصة مع وجود تباين في أفراد جماعات القسم من ناحية الخصائص والخصوصيات التعلمية، فهي معنية بوضع الفروق الفردية في حسبان العملية التعليمية التعلمية من ناحية السترجة الأدائية والتحصيلية، ومن ناحية أنشطة التعلم التي تراعي إمكانيات كل متعلم على حدة، وهي بذلك تحارب الفشل الدراسي وتعمل على نجاح التدريس حسب معطيات كل حالة وإيقاعات تعلمها.. بل تدخل الدعم الخاص من بابه الواسع..
فالبيداغوجيا الفارقية هي التي تضع كل متعلم في سكته المناسبة لسرعته التعلمية، وفي ظلها نجد كل يتعاطى المعرفة والقيم والمهارات حسب طاقته وجهده وزمانه.. ومنه فإن الكفايات تركز عليها كثيرا في تحققها عند المتعلم.
كما نجدها تمكن المتعلم من معرفة قدراته الخاصة ومميزاته الشخصية وسبل توظيفها في تعلمه لتحويلها إلى كفايات خاصة به قابلة للتوظيف في وضعيات أخرى، وصالحة للاستثمار وفق حالته الخاصة؛ بجانب تحفيز المتعلم على التعلم الذاتي انطلاقا من ثقته في قدراته ومهاراته وكفاياته ومعرفته وقيمه وسلوكاته التي تؤهله من جهة أولى للاندماج الاجتماعي في النسيج المجتمعي، ومن جهة ثانية تؤهله لممارسة وظيفة معينة في مجتمعه بما يضمن استقلاليته وتميزه في هذا الكل.. ذلك أن التعليم الجيد هو الذي يتحول إلى تعلم ذاتي حسب الاتجاه التربوي الجديد في التربية والتعليم، الذي يؤمن بأن المتعلم الذي يعلم نفسه بنفسه في ظل توجيه الأستاذ له، هو أمتن تعلما وأداء من المتعلم الذي يعتمد كلية على إنجازات الأستاذ، حيث " أن تعلم المهارات الحركية يقتضي أن يقوم المتعلم بأداء هذه المهارات بالفعل، وأن يتدرب عليها حتى يتقنها. وليست الممارسة العملية مهمة فقط في تعلم المهارات الحركية، بل إنها مهمة أيضا في تعلم العلوم النظرية، وفي تعلم السلوك الخلقي والفضائل والقيم وآداب السلوك الاجتماعي. فإن أداء الفرد بنفسه لما يريد أن يتعلم يساعد على سرعة التعلم وإتقانه " ..
بعض أهداف البيداغوجيا الفارقية:
تسعى البيداغوجيا الفارقية إلى تحقيق جملة من الأهداف والأساسيات عند المتعلم كما في الممارسة التعليمية التعلمية؛ نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
1 ـ تحقيق الاستقلال الذاتي للمتعلم مبادرة وقرارا وممارسة، من خلال وضع مؤهلاته وقدراته في الحسبان التعليمي، والانطلاق منها في تعلماته وأداءاته، مما يؤدي بالمتعلم إلى الثقة بالنفس، وإلى إبداء الرأي بحرية، والدفاع عنه عبر الحجاج، وإلى اتخاذ القرارات المناسبة اتجاه القضايا والإشكاليات التي تعترضه في التعلم أو تشكل موضوع تعلماته، وإلى إبداع المقاربات المناسبة لتناول تلك القضايا والإشكاليات.
فالبيداغوجيا الفارقية تمكن المتعلم في هذا السياق من التقويم الذاتي، الذي يسمح له بالتعرف على حقيقة إمكانياته الفكرية والأدائية والسلوكية.. والتعرف على ما تحقق لديه من الكفايات والقدرات والمهارات والمعارف.. وما لم يتحقق منها لديه، حيث يعمل في إطار التعلمات والمناشط الفارقية على تحقيقها والتمكن منها، كما تمكنه من تقدير المسؤولية وتحملها بكل موضوعية. فهي بهذا ذات طابع تجديدي مستمر يمركز المتعلم مركز العملية التعليمية التعلمية، حيث توفر له ما يحتاجه من تعلمات وقيم ومهارات وقدرات وكفايات وسلوكات مناسبة لمعطياته المتنوعة، لينمو بصورة طبيعية نحو تحقيق ذاته واستقلاليتها عن طريق خبرته وتجربته الذاتية في التعلم.
2 ـ تحقيق التفاعل الاجتماعي والتواصل البيني في جماعة القسم انطلاقا من الطبيعة الاجتماعية للكائن البشري، بالإضافة إلى شروط وحاجيات الاجتماع الإنساني في المجتمع. فالبيداغوجيا الفارقية تسمح للمتعلم بالتفاعل مع أعضاء جماعة القسم، في إطار أداء التعلمات الموكولة إليه، بمعنى إنجاز المهمة التي أسندت إليه عنصرا في مجموعة من المتعلمين، حيث مهمته تلك تخول له الحق في إبداء الرأي والاستماع للرأي الآخر ولو كان مخالفا واحترامه وتقديره؛ فهي تحقق للجميع الإحساس بذواتهم المستقلة المتضامنة في الكل، والتعاطي الجماعي للتعلمات من منطلق تكامل المتعلمين في تحقيق الأهداف المتوخاة من التعلم. مما يسمح لهم بتطوير معارفهم ومكتسباتهم واجتماعيتهم.. من خلال المناقشة وإبداء الرأي وتقديم الطروحات المناسبة. فهي من وجهة نظر علم التواصل تعد منبع التواصل بين أعضاء المجموعة، إذ تمكنهم من اكتشاف قواعد التواصل الاجتماعية والثقافية المبنية على اكتشاف أحاسيس الآخرين وأفكارهم والدخول معها في الحوار والنقاش والتقبل مع الانسجام وفق المشترك بينها دون التسلط والقهر بل في إطار الندية والتساوي في التعاطي معها.. فالمجموعة بطبيعتها الاجتماعية والتعليمية التعلمية هي ( فضاء لتعويد التلاميذ على اتخاذ القرار، وبالتالي فهي فضاء لتحمل المسؤولية وللترشد الذاتي، وبذلك تصبح منظومة قادرة على تفعيل القدرات الكامنة وعلى تعديها في آن ) .
والبيداغوجيا الفارقية منوط بها تحريك العلاقات الاجتماعية والتواصل بين أفراد جماعة القسم، لأنها ذات طابع تعاوني اجتماعي منفتح، تستفيد فيه من طبع المتعلم الاجتماعي، الذي هو في حاجة ماسة إلى التعاون والتشارك في بناء المعارف، وفي إنجاز الأداءات التعلمية من خلال التفاعل الفكري والمهاراتي والعلمي والعملي.. وبالتالي هذه البيداغوجيا هي بيداغوجيا اجتماعية تفاعلية.
3 ـ تفعيل العلاقة بين أطراف المثلث التعليمي ( الأستاذ، المتعلم، الموضوع ) انطلاقا من كون المتعلم ذات عارفة مرتبطة بطرفي الفعل التعليمي: الأستاذ والمادة المدرسة. فالعلاقة بين المتعلم والأستاذ تتميز في ظل هذه البيداغوجيا بخصوصية تقدير الأستاذ لذات المتعلم محورا لفعل التعليم، وتقدير المتعلم للأستاذ من منطلق أن هذا الأخير هو محرك فعل التعليم إلى فعل التعلم اتجاه المتعلم، وبذلك يدخل الاثنين في علاقة مشتركة تتوخى تحقيق التعليم والتعلم في أفق وظيفة المؤسسة التعليمية. وهي تولد مجموعة من الروابط الروحية والعلاقات الإنسانية متشبعة بالانفعالات والأحاسيس المختلفة التي توطد تلك العلاقات أو توترها وتشنجها.
وأما العلاقة بين المتعلم ذاتا عارفة ومادة الدراسة موضوعا للتعلم، فتنحو إما نحو المسافة بين الذات والموضوع أو إما نحو الإسقاط والتفاعل بين الذات والموضوع. لكن في المدرسة الابتدائية كثيرا ما لا توجد تلك المسافة الفارقة بين الذات والموضوع كما هي في العلوم الطبيعية أو الحقة بقدر ما يوجد التلاحم بين ذات المتعلم والموضوع، في منحى فتح آفاق جديدة أمام الفهم، وأمام إجرائيته وإن عد هذا التلاحم عند بعض المفكرين عائقا معرفيا ينحو نحو إسقاط الذات على الموضوع.
والبيداغوجيا الفارقية تولد ذلك التلاحم من خلال خلق الموضوع المناسب للمتعلم المناسب وفق وتيرة التعلم الذاتية لكل متعلم أو مجموعة من المتعلمين. فهي بهذا تعد محركا رئيسا للمثلث التعليمي. وتضمن للمتعلم أن يدرك الموضوع بالقدر الذي يتحرك إليه ويطلق العنان والحرية لآلية الاندماج التلقائي بين الفعل والانفعال حسب ميرلو بونتي ( فالعالم ذو دلالة حركية بالنسبة للإنسان الطبيعي بينما يظل العالم ذا دلالة عقلية أو مجردة عندما يتتبع باهتمام وتأن بالغين صيرورة اندماج الفعل بالانفعال ) .
4 ـ تكييف التعلمات والمقاربات وفق الفروق الفردية بين المتعلمين، في المناحي العقلية والجسمية والقدرات والكفايات والميولات والرغبات والاستعدادات.. حتى تحقق مبدأ تكافؤ الفرص ودمقرطة الفعل التعليمي ومراعاة تعدد الذكاءات داخل جماعة القسم انطلاقا من عدم تجانسها، وخلق التنوع فيها بناء على تنوعها الأصلي المبني على مكتسبات المتعلم السابقة؛ ذلك أن " النمو يتوقف على تعلمات الطفل السابقة والتعلم يتوقف على مستوى النمو الذي وصل إليه الطفل" .
فالبيداغوجيا الفارقية تعمل على تحويل تكافؤ الفرص والدمقرطة إلى قيم اجتماعية وثقافية مدمجة في شخصية المتعلم ومكون من مكونات بنيته العقلية، لا يستسيغ دونهما في التعاطي مع التعلم أو مع الحياة ككل، ومن تم تحويلها إلى قيم متداولة وقابلة للتصريف في المجتمع كما في المؤسسة التعليمية.
5 ـ تحقيق الأداء التعلمي والكفايات والقدرات والمهارات والقيم والسلوكات المقررة بأقل جهد، وبأقل وقت، وبأقل تكلفة؛ حسب كل متعلم على حدة أو حسب مجموعة من المتعلمين ضمن إطار المرونة المنوعة الهادفة.
فالبيداغوجيا الفارقية في انطلاقها من الفروق الفردية تحقق الجهد والوقت والتكلفة الأقل، لأنها ترعي خصوصيات كل فرد أو مجموعة من الأفراد، وبذلك في بيداغوجيا هادفة دون هدر أو تخبط أو ضبابية.
اعتبارات فارقية:
إن البيداغوجيا الفارقية تعتمد فيما تعتمد على:
1 ـ تفاعل مكونات الفعل التعليمي التعلمي من جماعة القسم والأستاذ والمعرفة والمؤسسة التعليمية انطلاقا من أداء كل مكون وظيفته المنوطة به ضمن هذا الفعل.
2 ـ عدم تجانس جماعة القسم انطلاقا من طبيعة الاختلاف الحاصل فيها في المناحي المختلفة.
3 ـ عدم تكافؤ المدرسين في الأداء التعليمي انطلاقا من طبيعة الاختلاف النابع من التكوين الأساس، ومن التكوين الذاتي، ومن الانتماء السوسيوثقافي، والاقتصادي.. ومن الممارسة والتجربة والخبرة الميدانية..
4 ـ البرامج التعليمية للمؤسسة التعليمية الموضوعة سلفا وفق تصور فلسفي وسياسي واجتماعي وثقافي معين، يتوخى غايات وأهداف محددة ومقصودة لذاتها، معلبة في علب التعليم والتربية والتكوين، ملفوفة بالصالح العام، عمقها قد يتناقض مع سطحها..
5 ـ المؤسسة التعليمية بنية اجتماعية قابلة للتوظيف في التنشئة الاجتماعية ضمن رسمية وظيفتها التعليمية والتكوينية، بمعنى الاعتماد عليها في تصريف الشحنات التعليمية وفق الفروق الفردية لخلق نماذج معادة الإنتاج..
6 ـ تفييء جماعة القسم على الأقل في مجموعات متنوعة إن لم تأخذ البيداغوجيا بالتعليم التفريدي، وتخصيص كل فئة بتعلمات محددة ومعينة ومعدة حسب معطيات كل مجموعة على حدة..
7 ـ طرق تنشيط المجموعات الكبرى والصغرى، وعلى البرمجة الدقيقة للتعلمات المبنية على المكتسبات المعرفية والمهاراتية والأدائية السابقة اتجاه التعلمات الجديدة..
8 ـ الأستاذ منشطا وفاعلا في جماعة القسم، وقائدا لها، يمتاز بالتعاطي الجيد معها ضمن خلقه لمجال التفاعل والتواصل بين مكوناتها..
المقتضيات الثلاثة للفارقية :
( 1 ـ فارقية مسارات التعلم La différenciation des processus d 'apprentissage :
يوزع التلاميذ إلى عدة مجموعات تعمل كل واحدة منها، في آن واحد، على نفس الهدف أو الأهداف وفق مسارات مختلفة وضعت عبر ممارسات متنوعة للعمل المستقل: التعاقد، شبكة للتقويم الذاتي التكويني، مشروع .. إلخ.
تحدد فارقية المسارات عبر التحليل المسبق والدقيق، قدر الإمكان، لعدم تجانس التلاميذ.
2 ـ فارقية مضامين التعلم La différenciation des contenus d'apprentissage :
يوزع التلاميذ إلى عدة مجموعات تعمل كل واحدة منها في آن واحد على مضامين مختلفة يتم تحديدها في صيغة أهداف معرفية و/أو منهجية ( معارف ـ فعل ) و/أو سوسيو ـ وجدانية savoir - être . ويتم اختيار هذه الأهداف في النواة المشتركة للأهداف المدمجة من لدن الفريق البيداغوجي أو المدرس، وتعتبر كمراحل ضرورية للوصول إلى المستوى الذي تفرضه المؤسسة. وتحصر هذه الأهداف فيما بعد بواسطة تشخيص أولي يكشف عدم التجانس فيما يخص النجاح والعراقيل التي تعترض النجاح.
3 ـ فارقية البنيات La différenciation des structures :
يوزع التلاميذ إلى عدة مجموعات في بنيات القسم، لأنه لا يمكن القيام بفارقية المسارات والمضامين دون تقسيم التلاميذ إلى مجموعات فرعية des sous - groupes. لكن هذا الإجراء يؤسس إطارا أجوف وبدون مفعول في نجاح التلاميذ، إذا لم نعتمد بيداغوجيا فارقية... في حين أنه من الأكيد أن مجرد القيام بفارقية البنيات يسمح للتلاميذ بتعرف أنواع أخرى من التجمعات وأماكن أخرى ومنشطين آخرين، يولد تفاعلات اجتماعية جديدة تؤدي إلى ردود أفعال بناءة بالنسبة للتعلم المطلوب.
فحتى وإن كانت ظروف المؤسسة، من حيث مواردها البشرية والمادية، لا تسمح بتفجير بنية القسم إلى بنيات أخرى أكثر مرونة، فينبغي على المدرس، على الأقل، أن يقسم تلاميذه إلى مجموعات فرعية لكل واحدة منها مهمة مختلفة.














)
ضروريات أساسية لتفعيل البيداغوجيا الفارقية:
لتفعيل البيداغوجيا الفارقية لابد من توفير شروط وظروف مناسبة يتمثل بعضها في:
1 ـ تحديد حاجيات كل متعلم أو كل مجموعة من المتعلمين، من خلال تقويم تشخيصي للتعلمات السابقة والمعرفة القائمة عن الموضوع المستهدف بالتدريس، وتشخيص الفروق الفردية بناء على ذلك، وإطلاع المتعلمين على ذلك بكل شفافية ووضوح مع إجراء مشاورات بينهم فيما يخص التعاطي مع الموضوع المستهدف.
2 ـ تدبير الوقت بمرونة مناسبة لكل متعلم أو مجموعة متعلمين، والابتعاد عن صلابة جدول الحصص التقليدي الذي كثيرا ما يعرقل التعلمات بحصرها في وقت محدد بصرامة ومقنن تشريعيا، يحاسب عن الإخلال به. فالفروق الفردية مبنية أصلا على إيقاعات للتعلم مختلفة ومتنوعة يجب استحضارها في الأداء الصفي مع اعتبار الوقت بكل مرونة.
3 ـ طبيعة البيداغوجيا الفارقية القائمة على التعلمات التفريدية أو على التعلمات داخل مجموعات من المتعلمين، تتطلب التشاور والتحاور حول كيفية ومعايير وقيم وسلوكات التعاطي مع التعلمات، والتعاطي مع مكونات الفعل التعليمي خاصة الأستاذ والتلاميذ والشركاء الفاعلين في المؤسسة المرتبطين بتلك التعلمات.
وهذه الطبيعة يقوم حولها جدل مفتعل في البداية نظرا أن جماعة الفعل لا تكون ردود أفعالها واحدة، بقدر ما تتسم بالمقاومة؛ التي تمتص عندما يتحاور ويتشاور حولها بكل مسؤولية وموضوعية.
4 ـ طبيعة البيداغوجيا الفارقية المبنية على الفروق الفردية تتطلب العمل في فريق متلاحم وصبور، نظرا لأنها توظف العديد من التعلمات المتنوعة والمختلفة، والعديد من الأدوات والمعينات البيداغوجية ووسائل العمل، والآليات.. فهي بذلك تتجاوز قدرة فرد واحد.
5 ـ الإعداد الدقيق للأهداف المتوخاة بتحديد التعلمات وضبطها، وتحديد المسارات التعليمية التعلمية، ووضع التقويم بكل أنواعه المعروفة، وبناء أدواته..
6 ـ توفير شروط العمل في المجموعات أو بالتفريد عندما نأخذ بالتعليم التفريدي خاصة إذا كانت جماعة القسم قليلة العدد، وهذا حاضر في بعض البوادي المغربية. لكن مع الأسف الشديد لا نوظف البيداغوجيا الفارقية في التعاطي معها. كما نلاحظ مع الأسف الشديد أن الكتب المدرسية الجديدة لا توظف هذه البيداغوجيا في الدعم الخاص، بل تنأى به نحو التعلم الجماعي المعتمد على المتوسط الحسابي.
7ـ توظيف مبادئ الإحصاء الدالة على الفروق الفردية من المتوسط الحسابي، والبعد عنه، والتشتت، والانحراف المعياري لمقاربة نتائج التقويم التشخيصي ونتائج التقويم النهائي لتحديد الدعم.
8 ـ اعتماد التعليم القائم على فكرة الفروق الفردية باعتبار اختلاف المتعلمين والمتعلمات في نفس القسم بدل اعتماد التعليم القائم على فكرة المتعلم المتوسط، بمعنى الانطلاق من البعد عن المتوسط الحسابي لا الانطلاق من المتوسط. وتركيز التعليم حوله، واعتبار أن التلاميذ نسخ طبق الأصل مع فروق فردية تكاد لا تذكر، كما هو حاصل في برامجنا التعليمية الحالية التي تدعو التجديد وما هي بجديدة؟! وإنما كلام في الفراغ يدغدغ أحاسيس ومشاعر الناس ويوهم غير الناقد بأن هناك جديدا، في حين النقد يظهر خلاف ذلك.
المبادئ الدالة إحصائيا على الفروق الفردية :
حتى يسهل التعامل مع الفروق الفردية وتوظيفها على الوجه الأكمل سوف نقترح بعض المعاملات الإحصائية الدالة دون التعمق في بعضها الآخر لتعقيداتها الرياضياتية التي تتطلب شروحا إضافية لا يتسع المقام والمقال لها. وسنتخذ فقط المتوسط الحسابي والبعد عنه لتحديد الفروق الفردية لسهولة توظيفهما والتعامل بهما؛ وليكن في العلم أن لهذين المعاملين عيوبها الإحصائية في بعض الأحيان.
1 ـ المتوسط الحسابي:
وهو مجموع النقط المحصل عليها من قبل المتعلمين مقسوما على عددهم، ونرمز له بالمعادلة التالية: X S =8
N
بحيث8 هو المتوسط الحسابي، وS مجموع النقط، و Xهي نقطة كل متعلم على حدة، وN عدد المتعلمين، وأما إذا كانت النقط أو المفردات الإحصائية على شكل تكرارFréquence فإن المعادلة تصبح على الشكل التالي:f X S =8
N
بحيث نفس المؤشرات مع اختلاف بسيط جدا؛ وهو النقطة أو المفردات الإحصائية مضروبة في تكرارها، ثم جمع الخارج مع خارج النقط الأخرى أو المفردات الإحصائية الأخرى في تكراراتها، وقسمتها على عدد التلاميذ .
فمثلا لو فرضنا أن جماعة القسم تتكون من 10 متعلمين ونقطهم المحصلة في معلومات موضوع ما هي على الشكل التالي: 6، 7، 3، 4، 2، 8، 5، 9، 1، 0. فالمتوسط الحسابي هو مجموع النقط المذكورة وهو: 6+7+3+4+2+8+5+9+1+0 مقسوما على عدد التلاميذ وهو 10؛ فالمتوسط الحسابي يساوي إذن 4.5 . وأما إذا كانت النقط فقط هي مثلا: 8، 5، 6 مع تـكـرارات مـتـتـابعـة عـلـى الشـكـل التالي مثلا: 5، 2، 3 فإن المتوسط الحسابي يساوي: (8×5)+(5×2)+(6×3):10 = 6.8.
ومنه فإن التلاميذ الذين حصلوا على 4.5 فما فوق في المثال الأول هم الحاصلون على المعدل دون الآخرين، بينما في المثال الثاني فإن التلاميذ الذين حصلوا على 6.8 فما فوق هم الذين حصلوا على المعدل دون غيرهم؛ وعليه من حصل على 6 فهو غير حاصل على المعدل بناء على المتوسط الحسابي الذي هو نزعة مركزية في عرف علم الإحصاء التطبيقي. وأما إذا أخذنا بالمعدل النظري وهو 5/10 فإن المتعلم الحاصل على النقطة: 6 فهول حاصل على المعدل. وهذا لا يعطي نظرة حقيقية عن مستوى المتعلم مقارنة بمستوى القسم.
2 ـ البعد عن المتوسط الحسابي:
لحساب البعد عن المتوسط الحسابي وهو بعد بسيط حسب علم الإحصاء، نستعمل المعادلة التالية: ( X-X ).
وهي تؤشر عن البعد عن المتوسط الحسابي في مستوى أدنى من التعقيد الإحصائي، يمكن الاعتماد عليه في تكوين مجموعات متقاربة أو شبه متقاربة في الفروق الفردية، مما يسمح بتحديد أنشطة للتعليم والتعلم لتلك المجموعات مناسبة لها وتنطلق من الفروق بينها.
وسوف نضرب لذلك مثالا؛ فنقول: لنفرض أن مستوى دراسيا ما يضم 20 متعلمة ومتعلما، تتوزع نقطهم في تقويم تشخصي حول المعلومات الأبجدية لموضوع الدرس على الشكل التالي:
5، 8، 9، 8، 5، 4، 3، 4، 4، 7، 6، 6، 7، 8، 9، 3، 2، 2، 5، 6.
فالمعدل الحسابي للقسم هو: 111/20=5.55 ؛ وأما البعد عن المتوسط لكل متعلم فهو التالي:
(5.55-5=-0.55 )؛ (5.55-8=2.45 )؛ (5.55-9=3.45 )؛ (5.55-8=2.45 )؛ ( 5.55-5=-0.55 )؛ ( 5.55-4=-1.55 )؛ (5.55-3=-2.55 )؛ (5.55-4=-1.55 )؛ (5.55-4=-1.55)؛ (5.55-7=1.55 )؛ (5.55-6=0.55 )؛ ( 5.55-6= 0.55)؛ (5.55-7=1.55 )؛ (5.55-8=2.45 )؛ (5.55-9=3.45 )؛ (5.55-3=-2.55 )؛ (5.55-2=-3.55 )؛ ( 5.55-2=-3.55 )؛ ( 5.55-6= 0.55). وبالتالي فبعد كل متعلم عن المتوسط الحسابي نرتبه من السالب إلى الموجب هكذا:
- 3.55 ؛ -2.55 ؛ -1.55 ؛ -0.55 ؛ 0.55 ؛ 1.55 ؛ 2.45 ؛ 3.45 . وبذلك فإننا سنشكل من مجموع متعلمي القسم 8 مجموعات وفق هذه الأبعاد عن المتوسط الحسابي المحصلة. حيث تضم كل مجموعة التلاميذ الذين لهم نفس البعد عن المتوسط، مع مراعاة معطيات بنود التقويم التشخيصي. وهي كالتالي:
ـ المجموعة 1 ذات البعد: -3.55 تضم تلميذين.
ـ المجموعة 2 ذات البعد: -2.55 تضم تلميذين.
ـ المجموعة 3 ذات البعد: -1.55 تضم 3 تلاميذ.
ـ المجموعة 4 ذات البعد: -0.55 تضم 3 تلاميذ.
ـ المجموعة 5 ذات البعد: 0.55تضم 3 تلاميذ.
ـ المجموعة 6 ذات البعد: 1.55 تضم تلميذين.
ـ المجموعة 7 ذات البعد: 2.45 تضم 3 تلاميذ.
ـ المجموعة 8 ذات البعد: 3.45 تضم تلميذين.
وبناء على هذه المجموعات ومعطيات تقويمها التشخيصي سنبني أنشطة تعليمية تعلمية مناسبة لها، ومنه نكون قد انطلقنا في تعليمنا من الفروق الفردية المحصلة لدينا، أما إذا كان كل متعلم يشكل بعده عن المتوسط الحسابي حالة خاصة لا يشاركه الآخرون فيها، فإننا نعمل بالتعليم التفريدي، حيث نمكن كل حالة بأنشطة تعليمية تعلمية خاصة بها، وهذه الحالة قليلة عندنا خاصة مع الاكتظاظ الذي يشهده تعليمنا فلابد من تشكيل مجموعات.
ونحن لن نذهب إلى المعاملات الإحصائية الأخرى كالانحراف المعياري والتشتت والارتباط وt .. لأنها متخصصة جدا، ومنوطة بالبحوث والدراسات العميقة، ومؤسستنا التعليمية المغربية ليست مؤهلة حاليا لتوظيف الإحصاء النفسي وقياس القدرات الإنسانية، لأنها لا تدرسه ولا تمكن الأستاذ منه سواء في مستوى التكوين الأساس أو المستمر. بل هناك من لا يؤمن به ولا يعترف به، فبالأحرى أن يطبقه.. ولكن سنعطي أمثلة تطبيقية نوظف فيها المتوسط الحسابي والبعد عنه في إعداد درس مبني على الفروق الفردية، بمعنى درس يوظف البيداغوجيا الفارقية.
البيداغوجيا الفارقية والتنشيط:
بما أن البيداغوجيا الفارقية تقوم على الفروق الفردية وتوظف المجموعات في التعليم والتعلم، فهي ترتبط ارتباطا عضويا بالتنشيط، وتعتمد عليه في تنشيط المجموعات، ومنه كان ضروريا التطرق إلى التنشيط وتقنياته ضمن مبحث البيداغوجيا الفارقية. فترى ما التنشيط؟ وما تقنياته؟ وقبل ذلك كله لابد من استهلال في التنشيط.
ـ استهلال:
يلعب التنشيط دورا هاما في الحياة المدرسية، إذ يعد الأساس الداعم للفعل التعليمي التعلمي في المدرسة المغربية بمفهوم التفعيل، ويعد مكونا من مكونات بنية هذا الفعل من منظور الممارسة الميدانية، ذلك أنه وسيط بيداغوجي فعال في مقاربة المواد الدراسية؛ حين يحمل تلك المواد إلى المتعلم في شكل مقاربات متنوعة وهادفة. كما أنه جزء من مكونات بنية المادة الدراسية حين يكون مستهدفا بالتدريس. لذا اعتمدته البيداغوجيا الجديدة منهجا وموضوعا للتدريس في نفس الوقت. مما يجعل الفعل البيداغوجي حيويا. ينبض بالحياة؛ فمسرحة درس التاريخ جزء من بعث زمانه ومكانه إلى الحياة، والوقوف على معطياته التاريخية السياسية والاقتصادية والإيديولوجية والاجتماعية والثقافية والدينية... وملابسات سلبياته وإيجابياته. كما أن تكنلجة مادة الفزياء أو العلوم الطبيعية حين التدريس يحرك المتعلم ويبعث فيه الحيوية والنشاط بدل الإلقاء الذي يحيل الدرس إلى جماد وجمود وسكون، بل يؤدي في كثير من الأحيان إلى تعقيد المادة وتصعيبها على المتعلم.
ومن هذه الحيوية والفعالية التي يبعثها التنشيط في التدريس؛ أصبح هذا الأخير مناط طرق التدريس الحديثة ومحط اهتمامها دراسة وطلبا واستجلابا لقاعة الدرس، وتفعيلا فيها؛ لأنه وسيط حي مجدد لنشاط وحيوية المتعلم. يمكنه من مجموعة من الكفايات والقدرات والمهارات، التي تقدر المتعلم على ممارسة التعلم في المدرسة وخارجها. ويدعم مكتسباته ويراكم خبراته بما يضمن تخزينها في ذاكرته بعيدة المدى، التي يستدعيهخا كلما طلبت الحاجة إلى ذلك. لأن التخزين يتم بواسطة مفاتيح ضابطة لإشعال الذاكرة والاسترجاع. فمثلا التلميذ الذي يدرس درس الفلسفة بواسطة المناظرة والحجاج بين الفيلسوف ومحاوريه أو ناقديه لن ينسى الدرس، بل يمكن أن يستدعي حيثيات الدرس من خلال مفاتيح معينة استدمجت في دخل الذاكرة. فمثلا يقول: لقد رد الفيلسوف الفلاني على منتقديه لما كان يحاورهم في المقهى. فالمقهى تشكل مفتاحا هنا للتلميذ، يشعل به الذاكرة ويستدعي به حيثياث المقام ومضمون المال. وهكذا مع مختلف آليات التنشيط، التي توظف في التدريس. ومنه أمسى التنشيط اليوم رامزا للتفعيل والتفاعل والحيوية في الفعل البيداغوجي. فكل فعل تدريسي يفتقد للتنشيط؛ فهو فعل ميت سكوني لا حركة فيه. يستدعي التكبير ...
والمبرمج التربوي المغربي واع بأهمية التنشيط منذ زمن بعيد، غير أنه تركه للتطوع والهواية في مرحلة ما قبل الميثاق الوطني للتربية والتكوين. وفي المرحلة الحالية مع هذا الميثاق نقله من التـطـوع إلى الإلـزامية، وأبقاه ـ مع الأسف ـ في دائرة الهواية دون الاحتراف. وما الاحتراف إلا تخصيص التنشيط بمادة مستقلة لها برنامجها المقرر ومساحتها الزمانية وقادرها الممارس، المكون خصيصا للتنشيط، وأرضيتها اللوجستكية؛ التي تسمح بممارسة التنشيط داخل المدرسة المغربية. واعتمد في هذه النقلة النوعية، التي أصبغت على التنشيط أهمية قصوى في عشرية التربية والتكوين على مرجعيات أدبية وفلسفية وقانونية مختلفة نذكر منها:
أولا: طبيعة الإنسان التي تميل في عمقها إلى الاجتماع والتواصل مع الآخر، ضمن مدنيته الموجبة لتبادل المصالح والمنافع القائمة على التعاون والتآزر والاختصاص والتخصص. من حيث أن الإنسان لايمكنه القيام بجميع أنشطته بنفسه، والإلمام بها في نفس الوقت، وخصوصا في عصرنا هذا. ذلك ( أن قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل حاجته .. فلابد من اجتماع القدر الكثيرة من أبناء جنسه ليحصل القوت له ولهم ) ، وهذا ما يدعو إلى الانفتاح على خبرات الآخر، وعلى إمكانياته، وعلى عطائه. فالناس في كليتهم تنشأ الحضارة وتتعدد مناحيها، وتتنوع منجزاتها، وفي مدنيتهم ينشأ التنشيط والتحفيز بحكم تنوع طبيعتهم النفسية، وقدراتهم العقلية، وطاقاتهم الجسمية، وإبداعاتهم الفردية. وفي ظل اجتماعيتهم يحتاج الفرد للآخرين، وتنمو مطالبه إلى ما عند الآخرين من منطلق اختلاف المكتسبات والقدرات والكفايات..
ثانيا: تطور المجتمع الدولي نتيجة التطور العلمي والتكنولوجي والمعلوماتي، الذي أفضى إلى طلب مستجدات سلوكية وقدرات وكفايات وأنماط متنوعة من المفاهيم التي تدل على الفكر الجمعي والمؤسساتي، الذي هو الآخر يتطلب مفهموم التعاون والتآزر، والتضامن من أجل الإنجاز... وغدا استعمال الضمير " أنا " دالا على قصور في الفكر الاجتماعي الحديث للمتكلم بهذا الضمير. وأصبح الحديث بالضمير " نحن " عنوانا لفكر اجتماعي حداثي منسجم مع تطلعات المجتمعات العصرية، ومسايرا لفكر المجتمع المدني الذي يروج للفكر التضامني الجمعي. ذلك أن اليابان مثلا حاصرت المبادرة الفردانية ( Individualism ) وشجعت المبادرة الجماعية ( Collectivism )؛ مما يستوجب التنشيط وطرق التنشيط من قبل الفرد ليعمل داخل الجماعة. فهي ـ أي اليابان ـ تأكد ( على التعلم الجماعي وحل المشكلات. فجزء كبير من وقت التلميذ سواء داخل الفصل الدراسي أو خارجه يخصص للدراسة الجماعية. ويتعلم التلميذ مهارات التعلم الجماعي وحل المشكلات والحساسية لزملائه والحد من أنانيته من خلال المشروعات والرحلات الجماعية، وتنظيم الفصل الدراسي، والأنشطة الجماعية الوثيقة الصلة التي تستمر فيها عضوية الفرد عدة سنوات. وهناك شعور عنيف بالفخر بإنجازات الفريق أو الجماعة ينتشر في الثقافة كلها. وأكثر المحكات أهمية في تقدير نوع العمل للترقية الدورية هو القدرة على العمل مع الآخرين بانسجام ) .
وهذا التطور الحاصل في المجتمع الدولي، يتطلب أكثر من أي وقت مضى التعامل مع الجماعة؛ لأنها أصبحت البنية الأساسية في العمل. أو المؤسسة الاجتماعية الأكثر قابلية للتداول، مما يعني زيادة الطلب على التنشيط؛ لكونه المدخل لاكتساب طرقه وأساليبه وأدواته وخططه، خاصة من واقع ممارسته. ولهذا فإنه غني عن التذكير بتفاصيل أهميته في الفكر الجمعي الحديث...
ثالثا: روح الميثاق الوطني للتربية والتكوين المبنية على:
أ ـ كون الميثاق الوطني للتربية والتكوين نتاج عمل جماعي، تطلب مجهودا كبيرا في تنشيط اللجنة الخاصة به، وكونه تعبيرا واضحا عن الفكر الجماعي المؤسسة على التوافق السياسي والمذهبي والديني والثقافي بغض النظر عن تحفضاتنا عليه. فهو تطلب تعاضد الكفاءات للخلوص إلى نتاج معبر عن اللجنة.
فالميثاق نفسه يتضمن روح الجماعة وتآزرها نحو الخلوص إلى موقف منسجم معبر عن مختلف الرؤى. وهو يظهر من هذه الناحية أهمية التنشيط وكيفية إدارته من أجل التوافق. وبذلك كان عنوانه الكبير المعبر عن ضرورة امتلاك مجموع أفراد اللجنة مفهوم التنشيط والعمل على تفعيله اتجاه بعضهم البعض، فصد الإقناع والتوافق في المواقف والاتجاهات...
ب ـ كون الميثاق الوطني للتربية والتكوين عرف أهمية التنشيط في بناء الفرد والمجتمع، من خلال لجنته؛ وعرف قيمته التداولية في التوافق والتسيير والتدبير. فحمل همه وجعله روحا للميثاق، وترجم تلك الروح إلى بنود ومواد ناطقة وصريحة في هذا الباب. فأسست الأجرأة لهذه الروح على تلك المواد وظهرت في شكل مواد قانونية وتشريعية ملزمة. ستظهر من خلال بعض المعالم الكبرى فيما بعد.
فالتنشيط في الميثاق يعد آلية وأداة عملية، في انفتاح المؤسسة التعليمية على محيطها الاجتماعي المحلي والإقليمي والجهوي والوطني والعالمي؛ بما في هذا المحيط من غنى ثقافي واقتصادي وسياسي وديني وإيديولوجي وتكنولوجي ومعلوماتي... للاستفادة من خبراته وتجاربه ومعطياته المعرفية والقيمية والسلوكية والاجتماعية والأدائية، والاغتناء منها وبها... كما هو انفتاح للمؤسسة على ذاتها لتطوير كفاياتها وكفايات روادها. لأنها تساهم بقسط كبير في تمكين المتعلم من التنشيط ومن آلياته وأدواته وأساليبه وخططه وقيمه وأخلاقياته، بل هي المدخل الحقيقي لتنشيط الفرد في المجتمع؛ كونها مجتمعا صغيرا مبسطا للمجتمع الكبير الذي يخرج إليه المتعلم، يتضمن تفاعلات وعلاقات اجتماعية تتطلب الكثير من التنشيط...
والميثاق بهذه الروح يعد المرجع الحقيقي للمؤسسة في التنشيط. إذ تنبع منه تلك الروح، في شكل مواد فلسفية مؤطرة للمنظومة التربوية، وحامية لها من كل تعسف يسقط التنشيط من النظام التعليمي المغربي. وتعلن عنها خاصة في المواد التالية: 9 و 48 و 131 و 132. وأضحى التنشيط بهذه المواد وبالمواد المؤجرأة لها إطارا ومرجعا قانونيا، يمنح المنشط في المؤسسة التعليمية حق الممارسة الميدانية للتنشيط، ويضمن له هذا الحق في إجرائه داخل الفعل التعليمي من خلال تنشيط جماعة قسمه؛ سواء على صورة نشاط مدمج أو نشاط مستقل بذاته. كما أصبح التنشيط جزء لا يتجزأ من بنية برامج المؤسسة التعليمية التي تضعها المجالس المختصة حسب التشريعات المدرسية المعلنة.
هذا فيما يخص التنشيط مفهوما واسعا وشاملا، بينما هو في تفعيل جماعة القسم ينحصر وتضييق مساحته حتى يتعلق بتقنيات وإجراءات محددة داخل القسم لتحريك المتعلمين نحو فعل التعلم والتعلم الذاتي.






    رد مع اقتباس