الموضوع: التقوقع الفكري
عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-08-31, 06:43 رقم المشاركة : 23
بالتوفيق
مشرف منتدى التعليم الثانوي التأهيلي
 
الصورة الرمزية بالتوفيق

 

إحصائية العضو







بالتوفيق غير متواجد حالياً


وسام الرتبة الثانية  في مسابقة القرآن الكريم

المرتبة الأولى في مسابقة صور وألغاز

وسام المرتبة الأولى للمسابقة الرمضانية الكبرى 2015

بالتوفيق

افتراضي رد: التقوقع الفكري


طريق النهضة

1-إحياء المفاهيم الإسلامية: لابد من إحياء المفاهيم الأصلية وبعث الحياة في معاني التدين، حتى يكون الدين حركة تفاعل اجتماعي وحضاري للرقي بالإنسان نحو الخير والتقدم، وربطه بالحياة والسلوك، وإحياء حقائقه ومضامينه لا صوره وأشكاله. وسوف تقف صور"التقليد" أمام حركات التجديد والتطوير، ولكن الدين بعيد عن مظاهر الجمود والتقليد، إذ إن كلمة "الإسلام" المصدرية توحي بالتجدد المستمر، لأن المرء حين أسلم ويسلم فهو في حركة متفاعلة متجددة مع أوضاع الحياة. فهو إذن، في حالة تجدد وحيوية وعطاء، وليس في حالة سكونية جامدة طالما أن حركته ضمن ثوابت الدين وأحكامه. من هنا نلاحظ الآيات تركز على الفعل: ﴿بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾(البقرة:112)، ﴿وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾(لقمان:22). لأن حركة التفاعل هي الأصل حتى يبلغ الإنسان ذروة الدين، وهذا ما نلاحظه في نصوص الدين كلها، وأحكامه التي تنقله من طور الإسلام إلى الإيمان إلى الإحسان. ومرتبة الإحسان متجددة بتجدد الشعور والسلوك والأداء، بل إن القرآن الكريم يجعل التجدد شرطًا للنهضة والنجاح بقوله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾(الشمس:9-10).
-2اعتماد المعرفة الإسلامية: في مصادر المعرفة لا يفترق الوحي عن العقل ولا يتصادم معه، لأنهما يرجعان إلى مصدر واحد، ومحال أن نتصور التعارض بينهما وهما يصدران من مشكاة واحدة. إذ الوحي في رسالته الأولى، كان دعوة إلى التفكير والثقافة والعلم وتفجير الطاقات الإنسانية الكامنة في تسخير الكون للإنسان، فهو دعوة حضارية للارتقاء والنهوض من خلال كلمته الأولى: ﴿اقْرَأْ﴾، وملازمة العبادة لكل الأشياء المقروءة وصولا إلى غايتها في العبودية لله سبحانه وتعالى. وبذلك تتحدد حركة الإنسان بحركة الكون والحياة، فتكون قراءته الكونية والحياتية متجهة في صورة العبودية لله الواحد. وقد جاء الوحي من أجل تقدّم الإنسان وحضارته وتعليمه ما لم يعلم، كما ورد في الآيات الخمس الأولى النازلة من السماء: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾(العلق:1-5).
فكأن هذه الرسالة الحضارية للوحي، تنسجم مع دور الإنسان ووظيفته حين اختاره الله خليفة له ومستخلفًا على كونه، لتسخيره وتعميره، ومن خلال حركة التفاعل معه لكسب مادته واستخلاص قوانينه، ووضع مادته المسخرة أداة أو وسيلة لعبادة الله سبحانه وتعالى، وتحقيق تدين الإنسان من خلال موقفه من الكون وحادثات الحياة المتجددة، التي تتطلب تجديدًا أو تطويرًا يلازم حركة الدين المتفاعلة مع الحياة.
والعقبة الأساسية أمام هذه الحركة الجديدة للوحي هي "ظاهرة الجمود الفكري". من هنا كان هذا التركيز القرآني على إذابة الجمود الفكري والتحجر العقلي له أولوية في الخطاب القرآني، وهذه من مدلولات كلمة ﴿اقْرَأْ﴾ الأولى التي تهدف إلى إذابة الجمود بفعل القراءة المستمرة في الكون والحياة والإنسان، وهي قراءة شاملة متكاملة ومتفاعلة، لتؤتي ثمارها وفوائدها في فتح الآفاق الكونية، والآفاق العقلية، والآفاق الفكرية والروحية.
ومن متطلبات هذه القراءة الواعية الشاملة، تفتُّح الحواس وفاعليتها لتؤدي وظيفتها الحقّة، وإلا فإن تعطيلها يفضي بانتقال الإنسان من آدميته إلى صورة أخرى مشينة يفقد فيها خصوصيته وتميزه. ومن أين للخطاب الديني أن يحقق غايته في البلاغ والنهوض بالفرد والأمة، في مجتمع موسوم بالجمود الفكري كما ورد ذلك في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَ يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾(الأعراف:179).
فالآيات تؤكد أن تعطيل "الحواس" يعني تعطيل "مصادر المعرفة" التي هي وسيلة النهوض والوثوب والتجدد المستمر مع أوضاع الحياة والظروف، بل إن الآية تعتبر هؤلاء المعطلين لحواسهم المدركة قد اعترتهم الغفلة عن الحقيقة، فلا يمكن للمرء أن يصل إليها إلا من خلال إعمالها من خلال حركة التفاعل مع الكون المحيط، لاستخلاص حقائقه وقوانينه.
هذه "الحركة النصية" في استقبال الحواس للمؤثرات، وإدراكها وتحليلها واستيعابها واتخاذ المواقف المناسبة من الكون والحياة، لا تتم إلا بحركية مقابلة في سلوك الإنسان وتفاعله مع محيطه، حتى لا يكون من الغافلين عن كونه أو خلقه أو عبادته، وهذه نقطة البداية في معالجة "الجمود الفكري".
فإن القرآن الكريم في دعوته إلى التفكير والعقل، حث الإنسان المخاطَب على الاتصال بالكون المحيط به، وكأنه يدعوه إلى الأخذ بمصدري المعرفة الحسي والعقلي بالإضافة إلى الوحي الذي يتكامل معهما ولا يتناقض. وهذه الدعوة إلى الاتصال بالكون لاستكشاف حقائقه التي هي حقائق العلم وقوانينه، هي دعوة مستمرة ومتجددة، لينتقل الإنسان من طور علمي إلى طور عملي وفق حركة تفاعله وقدراته الكسبية، التي تمكّنه من امتلاك المعرفة التي هي حركة متجددة وليست سكونية ثابتة. وملتقى الوحي والحس هو "العقل"، إذ لا يمكن أن يدرَك الوحي إلا بالعقل: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾(الزخرف:3). والحس أيضًا لا يدرَك إلا بالعقل: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾(البقرة:164).
وبذلك تتكامل مصادر المعرفة في الثقافة الإسلامية، وأعني بذلك الوحي والحواس والعقل. فيكون الوحي مكمّلا لمصدري المعرفة الحسي والعقلي، وبذلك يضع القرآن الأمة على طريق النهضة العلمية، لتأخذ حظها من التقدّم والحضارة والرفاهية وسعادة الإنسان، متطلعة إلى إحياء فكري نهضوي، يستفيد من توجيهات الوحي نحو العلم والعقلانية والتفكير، كما يستفيد من الكون المحيط في حركته، لأنه مجال التسخير والتمكين.
ولابد أن أشير إلى أن هذه النهضة المطلوبة ليست ترفًا، وإنما هي ضرورة لازمة لتحقيق عبادة الله في صور الحياة كلها، فلا تقتصر صورة التدين على جانب منها، وإنما تشملها كلها. وهذه الشمولية التعبدية لا تتحقق إلا من خلال التفاعل مع الواقع للنهوض به. ولكن النهضة المنشودة، لها قوانينها وأصولها، وهي لا تحابي أحدًا لعقيدته أو لدينه، فكل من قام بأصولها أو قوانينها فإنه يصل إلى ثمارها ونتائجها ولو كان غير مسلم.
-3بناء مجتمع صناعي: علينا أن نميز في مشروع النهضة بين نهضة فكرية ونهضة صناعية. فالفكر له قوانينه الخاصة به في التطور والتجديد عبر العصور والأجيال وفق قانون المدافعة التاريخي: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ﴾(الرعد:17). أما النهضة الصناعية فهي محكومة بأطرها المادية ضمن القدرات والإمكانيات والخطط. فمشكلتنا في المشروع النهضوي الإسلامي، أننا نخلط بين ما هو فكري وما هو صناعي مادي.
إن إقامة مجتمع صناعي، يحتاج إلى إرادة سياسية قوية وعقل مخطط متفتح رشيد، وإمكانات مادية وبشرية، وقيم وطنية عالية تضع الوطن والأمة والتاريخ في مقدمة حركتها الواعية وفق مراحل البناء الصناعي من استعداد حضاري، ثم استيعاب لكل المنجزات الحضارية القائمة، ثم مرحلة صيانتها ثم محاكاتها وتقليدها، ثم الإبداع والتجديد فيها.
ونخلص إلى مقوّمات المشروع النهضوي الإسلامي وأعمدته الأساسية في الأصالة والمعاصرة والديموقراطية والتكنولوجيا. وهذه العناصر تقوم على فكر متنوع، متفتح وحياة متجددة متطورة ضمن الثوابت والمتغيرات.
http://www.hiramagazine.com/archives/title/494





    رد مع اقتباس