عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-08-19, 23:19 رقم المشاركة : 124
خادم المنتدى
مدير التواصــل
 
الصورة الرمزية خادم المنتدى

 

إحصائية العضو








خادم المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي رد: مصطفام ينفض الغبار عن عالم الحمار -موضوع متجدد-


الحمار
خصصت مجلة "القافلة"، الصادرة عن شركة النفط "أرامكو" بالسعودية، ملف عددها الأخير للاحتفاء بالحمار، مستنكرة القسوة التي يعامل بها الإنسان هذا الحيوان الأليف العظيم الفائدة، وهي قسوة يمكنها بمفردها أن تملأ ملفاً كاملاً.


وتوضح المجلة، كما جاء في صحيفة "الشرق الأوسط"، أن الحمار الذي أصبح اسمه مرادفاً للشتيمة، لديه حضور في الحياة اليومية للإنسان، استمر أكثر من خمسة آلاف سنة متواصلة. فلا يمكن إذن، إلا اتهام الإنسان بتعمد المبالغة في القسوة ونكران الجميل. وحتى في المكتبات، هناك "عشرات الكتب التي تتحدث عن الخيول.. ولكن على المرء أن يفتش في عشر مكتبات ليجد كتيباً عن الحمار".



وفي "الموسوعة العربية العالمية"، مثلاً، لم يشغل بند "الحمار" سوى نصف صفحة فقط، بينما احتل بند "الحوت" 15 صفحة، علماً بأنه ليس للحوت أي دور يذكر في حياة الإنسان مقارنة بالدور الذي لعبه الحمار ولا يزال". واتهمت المجلة العلم نفسه ببعض الانحياز ضد هذا الحيوان، عندما أفتى عالم الحيوان، البروفيسور "أميل تياري" عام 1908، بأن الحمار يمكن أن "يتحمل ضرباً أكثر من الحصان"! (1/10/2007).


وقيل في مدح الحمار إنه "أقل الدواب مؤونة وأكثرها معونة وأحفضها مهوى وأقربها مرتقى"، أما ما قيل في ذمه.. فكثير!


أتساءل أحياناً: هل تحمل كلمة "حمار" صفة أو دلالة الإهانة في كل اللغات والثقافات؟ هل يغضب منها الصيني والياباني مثلاً؟ والحقيقة أنني لم أر حتى الآن صورة لحمار ياباني، بينما رأيت بالطبع صوراً كثيرة للحمير في بلادنا، وفي قبرص واليونان مثلاً. تقرير منظمة الزراعة والأغذية الدولية "الفاو"، يقول إن "عدد الحمير" في العالم يناهز 44 مليون رأس.. والمؤكد أنها أكثر!



وتحتل الصين رأس قائمة الدول في امتلاك الحمير بنحو 11 مليون رأس، تليها الحبشة فالمكسيك، ثم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.



للحمار، لحسن الحظ، مكانة متميزة في قواميسنا العربية، ويُجمع الحمار على: أحمِرة، وحُمُر وحمير وحُمْر وحمور وحمورات. والجحش، يقول "لسان العرب"، ولد الحمار قبل أن يُفطم، والجمع جحاش وجِحشة وجحشان.. ولا أثر لكلمة "جحوش" في "المعجم الوسيط" بينما نراها في.. "المنجد"!



و"جَاحَش عن نفسه" أي دافع وقاتل، و"جاحشَ القوم" أي زاحمهم، و"جاحش الأمر"، أي عالجه، أما الجحشة، فهي أنثى الجحش!



ويُكنّى الحمار في اللغة العربية وآدابها بأبي صابر، والحمارة أم وهب، وقيل في مدح الحمار أنه "أقل الدواب مؤنة وأكثرها معونة وأحفضها مهوى وأقربها مرتقى"، أما ما قيل في ذمه.. فكثير! ويقال إن الحمار من أسخى الحيوانات، فهو يتنازل عن اسمه لمن هو دونه! ومن أطرف ما يقوله أحد الأميركيين، إن المعجزة في الكتب والثقافات القديمة والأساطير كانت "أن "الحمير" تنطق وتتكلم. أما اليوم فالمعجزة أن يكون أي شخص قادر على إسكات "كل الحمير".



ويقول المؤرخ أحمد أمين "إن الحمار من أحسن وسائل النقل قبل اختراع الأتومبيلات، وكان يركبه الناس كثيراً في التنقلات، وخصوصاً النساء، فكان يُصنع لهن بردعة خاصة مريحة ويستحضر كراسي لهن للصعود منها على الحمار. وكان في القاهرة لوحات زرقاء في أنحاء مختلفة كتب على كل واحدة منها "موقف ستة حمير". (قاموس العادات المصرية، 1999، ص249).



وينتقد المؤرخ المصريين على اعتبار أن الحمار بليداً لمجرد أنه صبور على الشدائد، ويصف "فريد وجدي" الحمار في كتابه "دائرة المعارف"، أنه لا يحتمل شدة البرد ومن صفاته الطاعة والذكاء والقناعة والتخوشن، يسك الطرق الوعرة بمهارة فائقة وهو ما يجعل له قيمة في البلاد الجبلية، جلده شديد المتانة ولذلك يتخذ منه الطنبور والغربال".



كان شيخ كبير السن يسير بصعوبة صاعداً في درب جبلي، وأمامه عربة عليها حمل ثقيل.. يجرها حمار مرهق، فرآه شاب أشفق عليه وعلى حماره، وأعانه في دفع العربة والوصول بها إلى مقصده.



شكر العجوز الرجل الطيب مساعدته قائلاً: أطال الله عمرك يا بني، إذ ما كان من الممكن إيصال هذا الحمل الثقيل إلى هذا المكان المرتفع.. بحمار واحد!



هل الحمار غبي أم صبور؟ فكثيراً ما نتهم الصبور في ثقافتنا العربية وربما الإسلامية بالغباء والبلادة، وأحياناً نَصِفُ، ربما بحسن نية، بعض من يعمل بتفانٍ ويتحمل المشاق بأنه "حمار شغل"، ويقال كذلك "حمار حاجات". ولا أدري إن كان مثل هذا التشبيه موجوداً في الثقافة اليابانية، والأرجح أنه غير موجود، لأن الشعب الياباني كله، كما يقال ونسمع، مدمن عمل، ولا أعرف بم يوصف الكسول والمهمل واللامبالي.. في تقاليدهم اللغوية وأمثالهم!



وقد طالعت كتاباً للباحثة الإيرانية د. منيجة عبداللهي بمثابة موسوعة عن "الحيوانات في الأدب الفارسي"، حيث خصصت 47 صفحة لكل ما يتعلق بالحمار. وتعدد الباحثة في كتابها الضخم مجموعة من الأوصاف والاتهامات التي ألصقت بهذا الحيوان، وهي كثيرة منها الحماقة والجبن والشراهة والطمع والجهل والصوت المزعج والغباء.



ويصف بيت من الشعر الفارسي الأدباء والحكماء والمفكرين بأنهم أبواب حكمة.. خلفها حشد كبير من الحمير!



يعيش الحمار، كما يقول فريد وجدي نحو خمسين عاماً، "يُعرف عمره من النظر إلى أسنانه كالحصان". ويُحرم أكل الحمار عند أكثر الفقهاء وفي حليبه اختلاف، وإن حرمه كذلك أكثرهم. وتتحدث بعض كتب التراث عن "الحمار الوحشي"، وهو كما يبدو غير الحمار الأفريقي المسمى بـ(Zebra). وتبالغ هذه الكتب في عمر هذا الحيوان، فتقول إنها قد تعيش ثمانمائة سنة! وتورد في قصصها أن أحد أمراء المسلمين اصطاد حماراً وحشياً في بعض قرى دمشق، فوجد على إحدى أذنيه ختماً بالخط الكوفي لملك فارس "بهرام كور"، وكان من عادة هذا الملك أن يسم الصيد.. ويطلقه! وهو من ملوك فارس الذين عاشوا قبل ظهور الإسلام، ولعل هذا الحمار الوحشي، حين تم اصطياده على مقربة من دمشق، كان عمره في زعمهم أكثر من مائتي عام.. صدق أو لا تصدق!



تشير الأمثال الشعبية في أمم عديدة إلى الحمار بالسوء والمذمة، رغم كل تفانيه في خدمة البشر في الماضي والحاضر. وقد نرى الحمار مرغوباً فيه اضطراراً، كالمثل القائل "حمارك ولا بعير غيرك"!



والملاحظ أن كلا الحمار والبعير يعيشان حياة قاسية في خدمة الإنسان، بل ولا ينال الثاني غذاء سوى الشوك عبر الصحارى، ثم يتم نحره وسلخ جلده في نهاية سنوات الخدمة.



ويصور مثل شعبي سوري بؤس الحمار بصورة درامية محزنة حقاً وذات إسقاطات سياسية صالحة للتعميم في الكثير من بلدان العالم الثالث، فيقول: "مثل الحمار أولته للعذاب وآخرته للكلاب"، إذ لولا بعض الحمير الميتة في بعض الأرياف لماتت الكلاب الضالة جوعاً!



ويقابل هذا المثل المتعاطف مع هذا الحيوان المسكين مثل آخر بل أمثال معاكسة! من بينها مثل سوري يسخر من الأحمق فيصفه بأنه "حمار معبّأ في بنطلون"!



ويقول مثل فارسي ممتدحاً نباهة الحمار بأن "الحمار الذي يرى الشعير لا يأكل التبن"، ولكن المثل المضاد يأخذ على الحمار بأنه "يفضل الشعير.. على الحلوى"!



استعاد الحمار اهتمام الكتاب والأدباء العرب المعاصرين لحسن الحظ! وكان الأديب توفيق الحكيم من أبرزهم. وتقول موسوعة الإعلام في تتمتها للأستاذ محمد خير رمضان إن الاسم الكامل لرائد المسرحية العربية هو "حسين توفيق إسماعيل أحمد الحكيم"، وقد ولد بالأسكندرية من أب مصري وأم تركية. ومن الغريب، تقول الموسوعة، "إن الرئيس اللبناني سليمان فرنجية ذكر أن توفيق الحكيم لبناني الأصل، وأن بلدة زغرتا الجبيلة في شمال لبنان هي مسقط رأسه"! أدخل الحكيم الحمار إلى الأدب العربي المعاصر بعدة أعمال منها "حماري قال لي" عام 1938، و"حمار الحكيم-حوار" 1940، و"الحمير" 1975.



وفي الكويت، أصدر المؤلف الكويتي المعروف باهتمامه الكبير بالتراث المحلي د. عادل العبد المغني كتابه الطريف "الحمار في التراث والأدب الكويتي". وفيه يشير إلى أن الرحالة البريطاني "لوريمر" ذكر في موسوعته الخليجية الصادرة عام 1905 "أن لدى الكويتيين أكثر من 3000 حمار". وكان من أبرز مهامها نقل المياه للناس والبيوت في قِربٍ جلدية، عندما كان الماء ينقل إلى الكويت في سفن خاصة من شط العرب بالعراق، كما تم استخدام الحمير في حمل "الجص" أو الجبس، ونقل السمك والخضراوات واستخراج الماء من الآبار وجر العربات. كما كان للحمير دور أيضاً في المناسبات والأعياد، فيقوم أصحابها بتزيينها بالحناء والأقمشة البالية الملونة ويضعون الأجراس عليها، لتأجيرها للأطفال بمناسبة العيد، وكانت تستخدم كذلك في التسابق إلى أن منع المجلس البلدي ذلك، كما منع تحويل الحمير فوق طاقتها.



وعاد الحمار في الكويت إلى صدر الاهتمامات الإعلامية قبل عدة أشهر، عندما قرر أحد المطربين العرب إقامة حفلة غنائية. وقد جاء في الصحف أنه "من المتوقع أن يحيي المطرب الشعبي سعد الصغير، صاحب أغنية "بحبك يا حمار" حفلاً في الكويت في 24 الجاري، حيث قام متعهد الحفل بالاتفاق مع الصغير بدفع مقدم عقد "عربون" وسيقوم بعدها المتعهد بعمل جميع الإجراءات. وجاء في الصحفية نفسها أن هذا المطرب أثار جدلاً واسعاً في دنيا الغناء، واتهمه البعض بتشويه الأغنية المصرية، ثم "أثار مشكلة ببنائه مسجد على نفقته الخاصة مما جعل العلماء يصدرون فتاوى بتحريم الصلاة فيه". (الأنباء الكويتية، 10/5/2007).



وللحمار كذلك دور معروف متداول في النكت السياسية العربية المعاصرة، لعل أطرفها تلك التي يوردها الأستاذ خالد القشطيني في كتابه "السخرية السياسية العربية"، 1992، والمترجم إلى العربية بقلم د. كمال اليازجي. وتقول النكتة إن أربعة من الضباط، هم: أميركي وروسي وبريطاني وعربي، تباروا فيما بينهم في السرعة التي يتمكن بها أحدهم من إخراج قرد من الغابة. فبدأ الأميركي، وباستخدام الأدوات الإلكترونية، استطاع العثور على قرد وتمكن من إخراجه في ساعة من الزمان. واستعان الروسي بفريق من "الرفاق" المحليين وأخرج القرد من الغابة بساعتين. ولجأ البريطاني إلى اسكوتلنديارد في العثور على مقر القرد وأخرجه في مدى ثلاث ساعات. أما الضابط العربي فدخل الغابة ولم يعد، فدخل زملاؤه الثلاثة للبحث عنه، فوجدوه ينهال بالضرب على حمار مخطط ويقول له: اعترف إنك قرد!






    رد مع اقتباس