عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-08-08, 22:41 رقم المشاركة : 1
روبن هود
بروفســــــــور
إحصائية العضو







روبن هود غير متواجد حالياً


وسام1 السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

افتراضي أزمتنا التربوية، أو حين يغيب العلم


من الصعب تصنيف ما يعرفه حقل التربية في المغرب ضمن مقاربة ما، كاعتباره تجريبيا مثلا، إذ أن أساليب مواجهة المشكلات التربوية العميقة والمتعددة التي تعرفها المدرسة المغربية لا تسير في تلاؤم وانسجام مع مابلغته الاجتهادات المختلفة التي عرفها هذا الحقل في بلدان أخرى ذات نماذج تربوية متقدمة. فهل يمكن الحديث عن عقوق في حق المعرفة العلمية؟

تفرض الاختيارات التربوية التي عرفتها العقود الثلاثة الأخيرة النظر والبحث عن العلاقة بين معطيات العلم من جهة، وبين حقل التربية تنظيرا ومقاربة وممارسة من جهة أخرى، وهي العلاقة القادرة على الانتقال من المعالجة المزاجية للمشكلات التربوية إلى المعالجة العقلانية.

لقد تساءل الكثير من المهتمين بالتربية عن ملابسات بعض الاختيارات التربوية في العقود الثلاثة الأخيرة، فحدثت نقاشات كثيرة حول اختيار نموذج التدريس بالأهداف مثلا، أو المخطط الإستعجالي الأخير.

ويكاد يجمع المشتغلون والمهتمون بالحقل التربوي على أن المقاربات المتبعة لم تحقق النتائج المأمولة على المديين المتوسط والبعيد، في الوقت الذي تفتقر فيه الإجراءات المتبعة لمعالجة المشكلات التربوية إلى العمق المعرفي، ولو أنها تبدو على المستوى الآني ناجحة في بلوغ أهداف معينة، لكنها ليست أهدافا تربوية بحتة بالضرورة.

من الممكن أخذ الهدر المدرسي كنموذج للمشكلات التربوية التي أريدت معالجتها بمقاربة لاعلمية، أي بعيدا عن نتائج البحث التربوي والجهود العلمية عالميا وليس فقط محليا، مما يمكن عده ـ دون مبالغة ـ تبخيسا للعلم.

لقد أصبح هناك وعي أكبر بخطورة مشكلة الهدر المدرسي منذ أكثر من عشر سنوات، وهي المشكلة التي تعاني منها حتى البلدان ذات النماذج والمنظومات التربوية المتطورة. ويكفي، لإدراك عمقها ، معرفة أن منظمة اليونسكو عقدت مؤتمرا دوليا في ثمانينات القرن الماضي تحت عنوان: "الهدر المدرسي.. آفة عالمية" شارك فيه عدد من العلماء بغية المساهمة في التخفيف من حدة المشكلة، لا حلها، وعيا منهم باستحالة حلها تماما.

إن السعي إلى حل الإشكالية عبر الإحتفاظ بالمتعلمين تحت جميع الظروف، والإدعاء أن وجود المتعلم داخل المدرسة أفضل من وجوده خارجها ينطوي على أخطار كبيرة تتجلى في تغير الهوية الوظيفية للمدرسة، ونقل التناقضات المجتمعية إليها إضافة إلى أسباب أخرى ليس من الضروري تناولها هنا،

كما أن المقاربة المتبعة في تحقيق نسبة التمدرس المطلوبة هي مقاربة متهافتة ولا ترتكز على أساس علمي. فهي لا تنطلق ابتداء بدراسة عميقة لأسباب عدم التمدرس، ولا تأخذ في الحسبان تعدد تلك الأسباب واختلافها بالنظر إلى معطيات اجتماعية وبيئية وثقافية، وفي الوقت نفسه، لا تعالج تلك الأسباب بعد استقطاب المتعلمين.

إن النتيجة بعد ذلك تكون مأساوية، حين يبرز الفرق الشاسع بين المدخلات والمخرجات.

باقي عناصر العملية التربوية، كوضع الكتاب المدرسي، ووضع أساليب التقويم تخضع هي الأخرى لمنطق تغييب العلم. ولعل البرنامج الإستعجالي يمثل نموذجا مصغرا للتهافت، ولمزاجية القرارات التي يتم التراجع عنها في ظروف مشابهة للظروف التي صاحبت اتخاذها.

ما هي نتيجة تغييب العلم عن حقل التحكم في متغيراته صعب للغاية لأنه مرتبط بالإنسان فكرا و وشعورا؟

إن الفترة بين بداية التأسيس للمدرسة المغربية واللحظة الراهنة فترة ليست بالهينة، ومحاولات تثبيت النظام التربوي استنفدت إمكانيات كبيرة، لكن لعدم اعتماد المعرفة العلمية أساسا، مثل الأمر خسارة كبرى على عدة مستويات، ليس أدناها جيل وجد نفسه على مفترق طريق البحث عن هوية تربوية.

الطريق الأسلم إذن للخروج من هذا المأزق التربوي هو طريق العلم، معرفة وبحثا، من أجل تجنب هدر الزمن، وضمان النجاعة، ومثال المدرسة الفرنسية والسويدية والإيطالية ما زال شاهدا.


بقلم:" روبن هود





آخر تعديل روبن هود يوم 2013-08-08 في 22:45.
    رد مع اقتباس