عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-07-27, 02:13 رقم المشاركة : 276
خادم المنتدى
مدير التواصــل
 
الصورة الرمزية خادم المنتدى

 

إحصائية العضو








خادم المنتدى غير متواجد حالياً


وسام المشاركة السيرة 1438ه

وسام المشاركة في مسابقة السيرة النبوية العطرة

العضو المميز لشهر فبراير

افتراضي رد: خلق موسوعة تربوية ثقافية خاصة بنساء ورجال التعليم



كل تطبيق ذكي (من نمط المستوى الثالث) يصاحبه بالضرورة "مجهود تقييمي" للآثار المحدثة. ففي حالة تطبيق من النمط الثاني يستعمل الفاعل التربوي الخطاطات المعروفة، فإن كانت النتائج غير مقنعة فإنه يميل إلى إلصاق سبب الإخفاقات بالتلاميذ والراشدين بدعوى "أنهم دون المستوى" أو، بشكل أشد قسوة، " أنهم بلداء". أما في حالة تطبيق من المستوى الثالث لا تشكل مسؤولية التلاميذ والراشدين التفسير الوحيد للوضعية، بقدر ما يتم تحليل النتائج حسب المتغيرات الكائنة. فالممارس للمستوى الثالث يعلم أن عوامل عديدة تدخل في كل وضعية تربوية معطاة، وأن فشل الوضعية إنما تشارك فيه وتساعد عليه هذه العوامل إما بشكل انفرادي أو ثنائي أو ثالوثي، أو بشكل جماعي، عوامل نذكر منها: الوضعية العامة، مجموعة المدرسين، مجموعة التلاميذ، عوامل خارجية، عوامل بنيوية… علاوة على ذلك، لا يمكن قط أن يكون فشل الوضعية من فشل التلاميذ: قد يعود سبب فشلها إلى المدرس، أو إلى الوضعية، أو إلى حجم ومحتوى الإرساليات المبعوثة (مفاهيم صعبة أو مقدمة بشكل رديء) (Mialaret, 1994). ويتزايد وعي الممارسين للمستوى الثالث بتعقد الوضعية التربوية وتعقد المحددات الفاعلة، التي تحددها وتوجه دينامياتها. فبقدر ما يتم الوعي بهذه العمليات، بقدر ما يصبح التطبيق مدرسة تكوينية بامتياز، وبقدر ما يمكن التأكيد على أن الإنسان يصير :"نتاج أفعاله عوض أن يكون السبب الدائم للأفعال الظرفية" (Dessanti, 1969). هذا الوعي سيبيح في ذات الوقت ابتكار فرضيات جديدة، وتدقيق بعض أوجه النظرية، والعمل على تغيير بنية النظريات الحالية اعتمادا على التطبيق الواقعي الذي تم تنفيذه بشكل ذكي. أضف إلى أن الموقف المنفتح و"القلق"، سواء للمدرس أو المكون، يحمله على التساؤل وإبراز المشاكل المطروحة، وبالتالي، على تبني أحد الشكلين الأساسيين للبحث في المجال التربوي: البحث من نمط النهج العلمي praxeologique، والبحث ذي الصيغة العلمية في المجال التربوي.

أثناء القيام بهذا النوع من التحليل تبرز المظاهر الجدلية للعلاقات الكائنة بين التطبيق، والنظرية والبحث. من البديهي أن يؤدي البحث عن حل لمشكل التطبيق إلى إحداث تغييرات عليه، وبالتالي، إلى إغنائه وإغناء البحث على حد سواء. إن التفكير في الجوانب النظرية لمسألة الممارسة التطبيقية يقود إلى إعادة النظر في أسس هذه النظرية وهي في حضرة حالة واقعية، وكذا إلى بلورة هذه النظرية وتحسينها انطلاقا من تأهيل التطبيق لأخذ مكانة أفضل داخل تصور نظري أوضح. وقد سبق أن أوضحنا أن الممارس للمستوى الثالث يحسن باستمرار أداءه الشخصي. ومطالبة المدرس أو المكون أو المنشط بتبني ممارسة من المستوى الثالث، يعني ضمان تطور إيجابي مستمر، واتصال فاعل بشكل متواصل مع الـ"مربي لنفسه".

أحيانا يؤدي تفكير الفاعل التربوي في التطبيق إلى بلورة نظرية قائمة بذاتها. لنكتف الآن بذكر حالتين شهيرتين من بين أخريات عديدات. فمكارينكو Anton S. Makarenkoبالاتحاد السوفياتي، وفرينه Celestin Freinetبفرنسا يشكلان حالتين نموذجيتين في هذا المجال: إذ أنهما أسسا نظريتهما التربوية على صرح ممارستهما التطبيقية. وهكذا قام ماكارينكو، سنة 1920، بتأسيس وتسيير إصلاحية قرب بلدة بولتافا Poltava، خاصة بالأحداث الجانحين (إصلاحية كوركي)؛ وانطلاقا من ممارسته العملية بلور نظرية في الآداب الجماعية والنزعة الإرادية، الموجهة بشكل حازم والقائمة على الحياة داخل الجماعة، نظرية ضمنها كتابه الأساسي "قصيدة تربوية" - الذي سينشره كوركي سنة 1933، وهي الفترة التي عرفت بداية تبلور النظريات اللاتوجيهية. من جهته سيعمل فرينيه، بمدرسته الشهيرة بفانس Vence، على تطبيق تربية تقوم على ملاحظة ردود أفعال الطفل الموجه نحو التعبير عن موقفه والعمل بحرية داخل جماعة صغيرة منظمة بشكل ديمقراطي، والمتمثلة في المدرسة. سيتوصل فرينيه إلى تصورات نظرية هامة جدا طبعت كل بيداغوجية نهاية القرن: تطبيق نشاط حر للطفل و"الاستقصاء بالمحاولة والخطأ التجريبي"، وتنمية أشكال التعبير والابتكار (الجريدة المدرسية والتراسل المدرسي)، والتنظيم الاجتماعي والديمقراطي للقسم (أفكار وتصورات سيعود إليها، فيما بعد، منظرو البيداغوجية المؤسساتية). هذان النموذجان اللذان يستحقان لوحديهما فقط تحليلا معمقا، يجسدان التيار الذي ينتقل من التطبيق إلى النظرية، ليعود إلى التطبيق، فالتفكير، كما يقول لا نجوفان Paul Langevin "ينطلق من الفعل ليعود إليه" (Langevin, 1947).

قبل الختام لا بد من الإشارة إلى مسألة تكوين المدرسين، والمكونين والمنشطين من جميع الفئات. سنتناول هذه المسألة على مستويين: مستوى التكوين البيداغوجي نفسه ومستوى المناهج والطرق البيداغوجية المطبقة على المجموعات داخل المدارس. في هذا السياق سبق لنا أن تحدثنا، في مناسبة غير هذه (Mialaret, 1977)، عن مبدأ "تماثل شكل" التكوين البيداغوجي المقدم للمربين، والذي بمقتضاه يتم، خلال التكوين، تطبيق المناهج والطرق التي نأمل من المتدربين، وقد أصبحوا فاعلين في العملية التربوية، أو يعملوا على تطبيقها داخل أقسامهم أو مع المجموعات التي يكونونها أو ينشطونها. لم يعد الأمر يتعلق، إذن، بتعليم تلقيني أو نظري أو دغمائي: فانطلاقا من الواقع البيداغوجي ومن تحليل مكوناته، سيتوجب علينا أن نبرز من جديد العناصر الأساسية للنظرية التي ستكون، في هذه اللحظة، مقبولة ومستوعبة أكثر من غيرها كحل ممكن للمشاكل التي تعترض المتدرب. في إطار هذا التصور وجب موضعة التعلم التبادلي، سواء تعلق الأمر بالتلاميذ المتمدرسين، بالطلبة-المعملين، بالأساتذة المكونين أم بالمنشطين.

أما إذا لم تفد النظرية و/أو التفكير الشخصي في حل المشاكل المطروحة، فقد يبرز البحث العلمي كسبيل جديد من الممكن خوض غماره. إنه، بذلك، ليس ببحث من أجل البحث، أو ما يسمى بالبحث "الأساسي"، ولكنه بحث مرتبط بالواقع، غرضه إيجاد حل مناسب للقضايا التي لا تزال عالقة. وبناء عليه تتأسس علاقة قوية وكبيرة بين التطبيق، والنظرية، والبحث والتكوين، فيستفيد التكوين الأولي، مثلا، من تجربة الممارسين، كما يمكن للممارسين، المشاركين في دورات تدريبية من التكوين المستمر، أن يستفيدوا بشكل أفضل من الإضافات النظرية التي يقدمها المكلفون بتكوين المدرسين (Mialaret, 1977). وإذا كان البحث العلمي في التربية يعتمد بشكل كبير على مساهمة الممارسين المهيئين لهذا الموقف خلال التكوين (دون أن يكونوا قد كونوا كباحثين مختصين)، فمن الممكن أن تغني نتائج هذه البحوث التطبيق والنظرية التربويين.

خلاصة واستنتاج

في اعتقادنا، يتلخص المشكل الأساسي الذي تجب مواجهته في معرفة كيفية ترابط مختلف أنماط المعرفة، وكيفية قدرتها على التفاعل فيما بينها وذلك دون أن تقوم بينها أية تراتبية. فلكل نمط من هذه الأنماط المعرفية نسقه الإبيستيمولوجي الخاص، ووظيفته الخاصة، وأهميته الخاصة (وذلك بالخصوص حسب نوعية الفاعلين التربويين). إلا أننا نعتقد بقوة في ضرورة وجود كل هذه الأشكال المعرفية وفي التنسيق فيما بينها، أملا في خروج التربية من الوضع الصعب الذي توجد فيه، وفي تجاوز كل إمبريقية ودغمائية ترتبط أكثر فأكثر بممارسات عملية موروثة عن الماضي عوض أن يكون لها وعي حقيقي بالتطور. إننا نعيش في مجتمع يتطور بشكل سريع ومستمر، والمؤسسة المدرسية، على اختلاف مستوياتها، واحدة من العناصر الأساسية لهذا المجتمع، وهي كذلك، في الآن ذاته، انعكاس وعنصر محرك لهذا التطور. لذا لم يعد بإمكانها أن تستمر في الاشتغال بنماذج لم تعد مناسبة اليوم-مهما كانت قيمة هذا النموذج في الزمن الماضي. فخلال النصف الثاني من هذا القرن العشرين، تغيرت عقليات المدرسين والتلاميذ والآباء، وتغيرت آمال المجتمع وعلاقات المدرسة بعالم الشغل. ولم يعد بمقدور المدرسة أن تشتغل بنفس طريقة اشتغالها عند بداية القرن: لذلك أصبح من الضروري ابتكار مرامي جديدة، وأنماط فعل جديدة، وطرق جديدة في التربية-دون أن يعني هذا إقصاء منهجيا للأشكال القديمة القابلة للاستعمال. فالحاجة كبيرة لبذل جهد مضاعف في سبيل ابتكار مناهج جديدة، تقنيات جديدة، مضامين جديدة ومرامي جديدة. ولا يمكننا اليوم، بأي حال من الأحوال، أن ننكر أو نتجاهل ما يقدمه كل من العلم المعاصر والتطبيقات التربوية والبحث العلمي في المجال التربوي من إسهامات.

الهوامش والمراجع:

*المصدر: كتاب جماعي: "المعارف النظرية ومعارف الفعل" تحت إشراف جون ماري باربيي J. M. Barbier، مطبوعات PUF، سلسلة بيداغوجية الوقت الحالي، 1996، ص ص:161-187.

** "وهي نظرية، مبنية أساسا على صرح التفاعل الكائن بين مجالات عديدة، تفسر السلوكات، المأخوذة كمردودية واختيارات، باعتبارها علاقات بين الوسائل والغايات" (جون بياجيه: ابستمولوجية علوم الإنسان، 1970، ص 314).






    رد مع اقتباس